1 شعبان 1433

السؤال

عمري 17 سنة، لدي أربع أخوات أكبر مني ولسن متزوجات، وواحدة صغرى، لدي مشكلة هي إنني أشتاق جداً للزواج وأفكر فيه طيلة اليوم، حتى إنني لا أستطيع التركيز في دراستي، ولا أستطيع أن أصنع لنفسي طموحاً كالآخرين؛ فكل ما أريده هو أن أتزوج، وأصبح أما صالحة وربة بيت، كثيراً ما أتخيل نفسي أماً تقوم بمداعبة طفلها، وهو ليس سوى دمية صغيرة أحتضنها، وعندما أقوم بأعمال البيت أقوم بذلك على أساس أنني ربة المنزل، وأن المنزل منزلي، فأرتب كل شيء وفق رغبتي، أصبحت أميل كثيراً إلى الوحدة كي أفكر في كوني زوجة وأماً، أصبح الأمر يقلقني جداً؛ خصوصا أنني تراجعت كثيراً في دراستي؛ لأنني لا أستطيع أن أجد وأثابر بسبب أنني لا أمتلك هدفاً سوى الزوج والبيت والأولاد!! عندما أتحدث مع صديقاتي أراهن يعبرن عن طموحاتهن، ورغبتهن في الدراسة والعمل والتألق، وعندما اخبرهن أني أريد أن أكون ربة بيت وزوجة، يسخرن مني ويقلن بأنني متخلفة، كلما رأيت زوجاً وزوجة أطلت النظر إليهم وتخيلت نفسي مكان الزوجة.. أنا إلى الآن لم يقم أحد بخطبتي، ولست جميلة، وهذا ما يقلقني؛ فأخاف أن أصبح عانساً وألا ينظر إليّ أحد، رغم أني - والحمد لله - أتمتع بجمال الروح، وذلك بشهادة الجميع.. أرجوكم ساعدوني لا أريد أن أخسر دراستي، وأن أخيب ظن والدي؛ فأنا البنت المحببة إلى قلبه ويعتمد عليَّ كثيراً، ويتمنى أن أتألق في دراستي، لكني لا أستطيع سوى التفكير بالزوج والبيت والأولاد!!

أجاب عنها:
أميمة الجابر

الجواب

مشكلتك أيتها الابنة قد أوجزتيها في كونك "تريدين الزواج" وتتوقين لدور الأم وتربية الأجيال.. ولله سبحانه في تدبير أمر الكون شؤون، فسبحانه مالك الملك خلقنا وهو أعلم بنا، خلق المرأة وهيأها لتكون على قدر من الصبر اللازم لأداء رسالتها وعظم شأنها بذلك الدور التي خلقها من أجله، ذلك الدور الذي تحلمين به...
فالمرأة مهما كانت مشغولة بعمل ما خارج بيتها أو بدراسة لابد أن تتذكر أن الموقع الطبيعي لها هو الزواج لتسكن إلى زوجها لإنشاء بيت جديد وعش هادئ فمن أجل ذلك خلقت، ولن يمنع ذلك دورها في أي من مجالات المجتمع والحياة، بل سيزيدها عمقاً وأثراً واستقراراً.
الابنة الكريمة:
ما ذكرتيه من تفكيرك في ذلك لا أعيب عليك فيه بالعموم فالزوجة الصالحة قانتة لربها وقورة في بيتها مربية لأبنائها، قائمة بحق زوجها، إنما العيب التمادي فيه كما ذكرت في رسالتك بحيث يمنعك من ممارسة حياتك ورسالتك المرجوة،وأحب أنبهك إلى عدة نقاط هامة في موقفك الذاتي:
1-أنك مازلت في سن السابعة عشر فأنت في مقتبل العمر فلا ينبغي لك أن تسلمي نفسك لمشاعر الإحساس باليأس والإحباط، وقد لاحظت من كلامك أن لك أربع أخوات أكبر منك وكلهن لسن متزوجات فقد كبر سنهن أمامك دون ارتباط فذلك الذي يوقع في قلبك ذلك الخوف خشية أن يكون مصيرك كمصيرهن وخشية أن يتقدم بك السن مثلهن، فعليك ألا تستسلمي لذاك الشعور واعلمي أن كل شيء بقدر الله تعالى فلابد أن تؤمني من قلبك بذلك القدر.
ذلك الإيمان الذي يورث العبد اعتدالا نفسيا في مواجه الصعاب المختلفة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا المؤمن،إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له،و إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) رواه مسلم.
ولست وحدك فقط التي أوجه لها ذلك الحديث بل أوجهه لأخواتك كلهن فلا تأخذ النفس إنسانيتها العالية وسلامتها الروحية إلا حينما تؤمن بقدر الله سبحانه،ولا تهوى في دركات اليأس والقنوت والخوف ومشاعر الحزن والإحباط إلا بابتعادها وحرمانها رحيق.
2-ينبغي أن تدركي أنه بقدر ما تكون الأسرة مترابطة بقدر ما يكون دفء ذلك الترابط واضحا في نفوس أفراده، حيث يسبب عدم ترابط أفراد تلك الأسرة إلى ظهور بعض المشكلات النفسية لديهم مما يؤدى إلى ظهور مشكلة الانعزالية لبعض أفرادها وذلك الانعزال عواقبه وخيمة،وقد فهمت من بعض كلماتك بالرسالة ككلمة (أصبحت أميل إلى الوحدة)، فلابد من إزالة الفجوات وتقريب المسافات بين أفراد أسرتك والسعي لإحياء العلاقات الأسرية بقدر ما تستطيعون.
3- كثير من البيوت يفتقد أبناؤها الرعاية والاهتمام المعنوي وقد يكون هناك اهتمام حسي، فعندما تكبر الوردة وتتفتح وتنضج في سن المراهقة وتكتمل أنوثتها لا تجد من يسمعها ليعطيها قليلا من الاهتمام فتفتقد إلى العطف والحنان وهي في أمس الحاجة لهما فتبدأ في التفكير المتعجل بفارس الأحلام كبديل لما تفقده، وههنا هوة سحيقة يمكن أن تسقط بها الفتاة إن هي وافقت مجتمعا خربا أو ظروفا غير منضبطة شرعيا، إن مثل هذا التفكير لا ضير فيه إن كان عارضا أو مؤقتا مع عدم ترتب أخطاء ومعاص عليه، لكنه قاتل لنفسية البنت ومستقبلها إن هو تحول إلى سلوك دائم وشعور مستمر لتكون بعد ذلك صيدا سهلا لكل فاتن مفتتن فاحذري.
4-عليك أن تهتمي أكثر بدراستك، واعلمي أن اهتمامك بمذاكرتك وتركيزك فيها يعتبر نوعا من أنواع البر لوالدك الذي يحبك ويتمنى لك ذلك التألق في دراستك فحافظي على ظنه فيك، كما أن تعليمك يرفع قدرك، ويساعدك على فهم الحياة من حولك وفهم دينك وشريعتك.
5-عليك أن تشغلي فراغك بعد وقت دراستك بأشياء ذات قيمة كالمداومة على قراءة ورد قرآني يومي، وذلك بعد المحافظة على إقامة الصلاة في مواعيدها؛ فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أو قراءة بعض الكتب الهادفة من كتب التفسير وسير الصحابة، والبحث عن دور إيجابي تقومين به مع بعض صديقاتك الصالحات، فتعلمي وعلمي من حولك فسوف تتغير نظرتك للحياة، واعلمي أن الله سبحانه يسأل العبد عن عمره فيما أفناه.
6-عليك أن تتيقظي لبعض أخطاء الفتيات اللاتي تقدم بهن السن حيث إن إحداهن تقول أنا السبب في عنوستي لأني حتى الآن لم أقابل مواصفات فتى أحلامي ورفضت كل المتقدمين لي حتى وصل سني إلى بعد الثلاثين.
وأيضا الكثيرات يشغلن أنفسهن بعد انتهاء دراستهن بتكملة الدراسات العليا رافضين أي ارتباط يشغلهن عن ذلك وينسون أنفسهن ويضعن حقهن فى تحقيق دورهن الأساسي اللاتي خلقن من أجله.
7-وأيضا بسبب الفتن التي حلت في تلك الزمان فقد تخطيء إحدى البنات وتسلك سلوكا يمس بسمعتها في الحي أو المجتمع الذي تعيش فيه مما يتسبب في نفور كل الشباب للتقدم لباقي أخواتها...فالمجتمع لا يرحم، فيأخذ ويعاقب كل أفراد الأسرة على خطأ قامت به إحداهن، لابد لكل الفتيات المحافظة على سيرة ذلك البيت الذي تعيش فيه.
ولتعلمي أن هناك الكثيرات لا يكن على قدر كبير من جمال لكنهن لكنهن يتزوجن أفضل زواج بسبب سيرتهن الطيبة وأخلاقهن العليا، والله سبحانه يرزقهن الزوج الصالح لما تقربن إليه وأطعنه واتقينه.
8-عليكن أن تعُدن - أنت وأخواتك - إلى الله سبحانه وتتقربن إليه بالدعاء فلا تمللن، ولا تنقطعن عن الدعاء فالله سبحانه قريب يرسل نفحاته على عباده في الوقت الذي يريد وكيفما يريد فعليك التسليم بذلك.