14 ربيع الأول 1433

السؤال

السلام عليكم... أنا متزوجة ولدي طفلان، الكبير عمره سنتان وخمسة أشهر والصغير عمره ستة أشهر... مشكلتي مع طفلي الكبير أن من يراه يعتقد بأنه لم ينشأ نشأة صحيحة، وأنني لم أربه تربيه سليمة!
ولا أنكر أنني عندما أغضب أنعته بأسماء الحيوانات وقد علقت في ذهنه هذه الكلمات وأصبح يرددها لكل من يراه، مع أني صرت لا أقولها له.. ولكن المشكلة أني لا أستطيع الآن منعه من ترديدها.
عندما أخرج إلى أي مكان يكون مشاغبا لدرجة ملحوظة جدا، ففي الأسواق تستوقف الناس تصرفاته فتارة يشتم وتارة يخرب الأشياء، ويحرجني كثيرا.
حاولت أن أستخدم معه أسلوب الترغيب والتودد، وأقول له مثلا: إذا أصبحت مؤدبا سوف أشتري لك هدية ولكن دون فائدة؛ حيث يرد علي بأنه لا يريدها ويستمر فيما يفعل.
وهو في البيت يتصرف بشكل ألطف ويستجيب لكلامي، لكنه خارج البيت ينقلب رأسا على عقب!
أرجوكم أفيدوني كيف أقوّم سلوكه قبل أن يكبر وتزداد المشكلة ويكتسب أخوه الأصغر مثل عاداته؟!

أجاب عنها:
خالد عبداللطيف

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وشكر الله لك أختي الكريمة ثقتك بموقع المسلم، وأسأل الله الحي القيوم أن يفرّج همّك ويقر عينك بصلاح ذريتك.
وأود أن أطمئنك - أختي الكريمة - بأن هذه المشكلة التي تتحدثين مشكلة موجودة في كثير من البيوت؛ وهي مشكلة الطفل المشاغب العنيد، وقد تتطلب في بعض الأحوال الاسترشاد بتوجيهات مختص نفسي، مع العمل ببعض التوجيهات والإرشادات العامة للظاهرة.
فبداية الأمر والمعالجة - بإذن الله - العلم بأن العناد ظاهرة معروفة في سلوك بعض الأطفال، وتتمثل في رفض الطفل ما يؤمر به أو إصراره على تصرف ما، حتى في حالة الإكراه، وهو نوع من اضطرابات السلوك الشائعة، ومنه ما يكون مرحلة عابرة ومنه ما يكون صفة مستمرة في شخصية الطفل.
يلي ذلك ويصاحبه، بل هو شأن المسلم والمسلمة في كل مشكلة وملمّة: اللجوء إلى الله تعالى وسؤاله العون؛ فما أعظم الدعاء، وما أكرمه على الله عز وجل! وهو دأب الصالحين كما في سورة الفرقان في وصف حالهم: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.
وقال تعالى في سورة النساء مبيّنا أثر التقوى في حفظ الذرية: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا}.
وقال الله سبحانه في سورة الكهف: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا..} في إشارة إلى حفظ كنز الغلامين بصلاح والدهما.
فتوكلي أختي المباركة على الله واستعيني به جل وعلا، وثقي بعونه الكريم في تربية أولادك وصلاح شأنهم.
أما من جهة التشخيص والتحليل النفسي لحالة الولد؛ فيرى الخبراء أن الطفل يلجأ إلي التعبير بجسده عما يعجز عن فعله بالأقوال، ومن ثم يجب أن يحاط الطفل ببعض القيود، ولكن بوعي وضبط نفس وحزم تربوي، لا في صورة رد فعل عصبي وعنف مضاد؛ فإذا قالا "لا" لبعض الأمور التي لا يصلح التهاون فيها؛ يجب أن يصروا علي موقفهم؛ لأن التراخي يهدم مصداقيتهما في نفس الطفل، وهو أمر خطير.
وتأملي - أختي الفاضلة - التوجيه التربوي الحازم الحكيم من النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة فنهاه صلى الله عليه وسلم بقوله: "كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة") متفق عليه) . فلم يكن صغر سنه مانعا للنهي عما لا يحل ولا يصح، ولكن بأداء تربوي حكيم على صاحبه أفضل الصلاة والتسليم.
وفيما يتعلق بظاهرة العناد (خصوصا في هذه السن المبكرة لطفلك) فهي إشارة إلى بدء شعور الطفل بالاستقلالية، مع نمو تصوراته الذهنية، فيرتبط العناد بما يتصوره في خياله من أمور ورغبات؛ ولهذا ينبه الخبراء إلى أن من صور "العناد" (في أحوالها الطبيعية) ما يعدّ صفة مستحبة؛ من شأنها تأكيد الثقة بالنفس لدى الأطفال، بل إن من أسبابها ما قد يكون اللوم فيه على الكبار؛ مثل الأوامر غير المناسبة للواقع، والتي تدفع الطفل إلى العناد، مثل الإصرار على ارتدائه زيا معينا يعوّق حركته في اللعب مع الأقران، أو التعسف معه فيما لا بأس به.
بل إن الطفل في بعض الأحيان يستعمل التصميم والإصرار متشبها بأبيه أو أمه، في إصرارهما على تنفيذه أمراً ما، دون محاولة الإقناع بالسبب!
وبصفة عامة فإن التدخل الدائم القهري من جانب الوالدين، وعدم المرونة في المعاملة، ولهجة الأوامر الجافة، كلها من أسباب العناد التي تحتاج منهما إلى مراجعة وسائلهما التربوية.
ومن جهة أخرى لا نغفل دور خبرات الطفولة السيئة، مثل تعرضه لمخاوف أو صدمات، قد تكون من الأسباب الكامنة للعناد والمشاغبة، التي تحتاج لمراجعة وتأمل.
أختي الكريمة:
وبعد هذه الوقفات مع بعض توجيهات الطب النفسي في تشخيص الظاهرة يبقى التساؤل عن كيفية العلاج، والتعامل مع الطفل العدواني، العنيد، الجامح، الذي يزعج أسرته بما يقوم به من تصرفات محظورة مع الأصدقاء والناس والمجتمع؟
فمن توصيات العلاج والتعامل التربوي في هذا الشأن، بعد الاستعانة بالله جل وعلا:
أن نبدأ من أنفسنا كمربين بالوقوف على الزلات التعليمية والتربوية وأخطاء التعامل – كما سبقت الإشارة لبعضها – ونسترشد بالتوجيهات الصحيحة في التعامل مع الطفل؛ ومن أهم الركائز في ذلك إشعار الطفل بالحب والاحترام ليحترم الآخرين في المقابل.
ومع ترسيخ ذلك، وتعزيز الشعور بالحب والأمان في نفسه، يكون تعزيز قيمة احترام الوالدين، بحزم وحكمة يتناسبان مع عمر الطفل ومداركه؛ فلا يصح بحال التسامح مع سلوك شائن أو لفظة غير مهذبة من الطفل تجاه الأم أو الأب، ولكن ينبغي أن ننتبه دائما إلى الفرق بين الحزم والعنف؛ حتى لا نعالج المشكلة بأخرى.
كذلك من الأهمية بمكان وابتداء من هذه السن المبكرة أن نغرس في طفلنا القيم الصحيحة بدل الخاطئة، وأن نتمثل ذلك في أنفسنا؛ ليراها قولا وعملا؛ فالكلام بدلا من الصياح، والطلب بدل السلب؛ ومع تجاوبنا معه وتلبيتنا لما يفعله من سلوك جيد؛ سيتفهم الطفل عمليا المنافع التي يمكنه الحصول عليها بالسلوك الصحيح.
أما عند وقوع الأخطاء فيجب التفكير جيدا قبل إعلان العقوبات على مسمع الطفل؛ والتأكد من القدرة على تنفيذها، وصواب ذلك! فما أسوأ أثر التهديدات الكثيرة مع عدم التنفيذ أو تنفيذ القليل منها على مصداقية الوالدين في نفس الطفل ومستقبل إصلاحه.
الأمر الآخر المهم في هذا الشأن هو الذكاء التربوي في اختيار العقوبة؛ مثل المشاركة في إعادة شراء ما أتلفه من مصروفه، أو تنظيف ما تسبب في تلطيخه بنفسه؛ مع إشعاره بأن ما يفعله هنا سلوك قويم يمدح عليه، ويمحو أثر السلوك السالب؛ لا إهانة له جزاء شغبه.
ومن أهم التوصيات: أن نحرص دائماً علي أن نتصيد الأعمال والتصرفات الحسنة للطفل، ونشكره عليها ونمدحه ونكافئه أحيانا؛ تعزيزا لقيمة السلوك الطيب في نفسه.
وبالإضافة لهذه التوصيات التي تمنحنا قبل طفلنا الشعور بالارتياح والسكينة، نحتاج أيضا إلى:
تأمين الوسائل والبدائل التي تستوعب طاقات الطفولة، ومن ذلك مثلا وضع سبورة في متناول الطفل ليكتب ما يشاء ويرسم ما يجول بخاطره، وكذلك دورية الذهاب للمتنزهات لتفريغ الطاقة الحركية في مكانها المناسب في الركض واللعب.
كما نحتاج إلى أن نفرق بين القرارات الهامة التي تختص بالوالدين فقط، وبين السماح للطفل بمساحة من الحرية لاتخاذ القرارات الخاصة به في محيطه وعالمه، بل إن هذا السماح - إذا وضع في إطاره الصحيح - هو أحد أهم عوامل نمو شخصيته؛ ومن أمثلته اختيار اللعبة التي يرغب فيها أو الملابس التي يفضلها، فهذا سيعطيه شعوراً بإشباع رغبته في الاختيار؛ بخلاف تصميمه على ما يضره مثل اللعب بسكين، ونحو ذلك.
وأخيرا: يؤكد الخبراء أن حالة الطفل المشاغب والعنيف التي لم تصل إلى المرضية ولا تحتاج إلى معالجة.. إنما يكفيها اللجوء إلى وسائل المعالجة بالتوجيه والإرشاد، والابتعاد قدر الإمكان عن الضرب لأنه يولد العنف، والاستغناء عنه بالبدائل الأخرى؛ مثل الحرمان من الأشياء المحببة له.
وفي المقابل: الوسيلة الإيجابية وهي التحفيز عندما يأتي الطفل بسلوك جيد أو يبتعد عن سلوك سيء؛ فيُحفز معنويا أو ماديا.
وما أجمل أن تُحاط هذه التوصيات كلها بتذكير الطفل بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والقصص الممتع الهادف؛ مما يحث على الآداب الحسنة، بأفضل أسلوب وفي أنسب توقيت.
فاسلكي أيتها الأم المباركة هذه السبل بدأب وعناية، واصبري وتريثي، وتعاوني مع زوجك الكريم في مراجعة وضبط وسائلكما التربوية، واستعينا بالله تعالى وأكثرا من الدعاء؛ ليوفقكما ويقرّ عيونكما بصلاح ذريتكما؛ إنه جواد كريم.