هجمات العراق وصراع طائفي يلوح في الأفق
28 محرم 1433
تقرير إخباري ـ إيمان الشرقاوي

في أعنف هجمات تشهدها البلاد منذ أشهر والأولى منذ انسحاب قوات الاحتلال الأمريكية قبل نحو أسبوع، شهدت العراق صباحا داميا بعد مقتل وإصابة العشرات في سلسلة هجمات هزت بغداد، في وقت تمر فيه البلاد بأزمة سياسية حادة على خلفية إصدار رئيس الوزراء الطائفي نوري المالكي مذكرة توقيف بحق طارق الهاشمي النائب السني لرئيس البلاد بتهم تتعلق بالإشراف على "فرق موت" بينما يؤكد الهاشمي أن اتهامه يأتي ضمن أجندة طائفية وهو الأمر الذي أصبح يهدد بتدمير اتفاق اقتسام السلطة الهش بين السنة والشيعة بعد عام واحد من إقراره.

وبعد وقوع الهجمات التي قتل فيها 63 شخصا في أكثر من 12 هجوما يوم الخميس فيما أصيب 194 بجروح، ربط المالكي في بيان له بين التفجيرات والتطورات السياسية، حيث قال إن "توقيت هذه الجرائم واختيار أماكنها يؤكد مرة أخرى لكل المشككين الطبيعة السياسية للأهداف التي يريد هؤلاء تحقيقها ومحاولاتهم لخلط الأوراق على أمل الوصول إلى تلك الأهداف"، زاعما أن من وصفهم ب"المجرمين" لن يستطيعوا تغيير مسار الأحداث والعملية السياسية أو الإفلات من العقاب"!.

وتعالت الأصوات الغربية(خاصة من جانب الولايات المتحدة التي أكملت سحب قواتها من العراق بعد تسع سنوات من الغزو ) التي تدعو الأحزاب السياسية في العراق إلى العمل معا من أجل استقرار البلاد ووضع حل للخلافات بالطرق السلمية وبما يتفق والدستور والقوانين.

وتعود الأزمة السياسية في البلاد إلى ما بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق بأيام، حيث سعت حكومة المالكي التي يقودها الشيعة الى اعتقال طارق الهاشمي واتهمته بالتخطيط لاغتيالات وإدارة فرق الموت (وهو الأمر المعروف بالنسبة للشيعة وليس السنة حيث كانت وزارة الداخلية العراقية لفترة طويلة تدير فرق الموت الشيعية لمهاجمة الخصوم السنة ) فيما طالبت الحكومة أيضا البرلمان بإقالة النائب السني صالح المطلك بعد أن شبه المالكي بالديكتاتور، فضلا عما يشعر به السنة من استياء شديد من صعود الأغلبية الشيعية وتجاهلهم في هيكل السلطة بعد سقوط الرئيس صدام حسين على يد واشنطن.

وتوصل الشيعة منذ الانتخابات المتنازع عليها التي جرت عام 2010 إلى اتفاق لاقتسام السلطة مع القائمة "العراقية" (82 نائبا من أصل 325) الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي والمدعومة من السنة وتكتلات كردية، ويقضي باقتسام المناصب المهمة فرئيس الوزراء شيعي ورئيس البلاد كردي ورئيس البرلمان سني، فضلا عن تقسيم عشرات المناصب الحكومية بين التكتلات الشيعية والسنية والكردية، لكن ظلت هناك حالة من عدم الثقة.

 

وبالعودة إلى جذور الخلاف منذ انتخابات 2010، فقد فازت وقتها القائمة العراقية بأكبر عدد من المقاعد بدعم الكثير من السنة لكنها فشلت في تكوين أغلبية حاكمة، وشكلت الأحزاب الشيعية ائتلافا سمح للمالكي برئاسة الوزراء لولاية ثانية، وانضمت القائمة العراقية لحكومة وحدة قادها المالكي، لكن القائمة تقول منذ ذلك الوقت إن المالكي فشل في تنفيذ اتفاقات اقتسام السلطة بما في ذلك تكوين مجلس للسياسات الاستراتيجية يرأسه زعيم القائمة العراقية إياد علاوي الذي هو خصم لدود للمالكي، وطرحت أسماء مرشحين لمنصب وزير الدفاع العراقي ما لا يقل عن تسع مرات على مدى العام الماضي لكنها في كل مرة رفضت او فشلت في اجتياز المرحلة الأولى بسبب انعدام الثقة او المشاحنات.

ويشير محللون إلى أن تحركات المالكي الأخيرة ضد الهاشمي والمطلك من جهة والصراع بين رئيس الوزراء الشيعي ومعارضيه السنة من جهة أخرى يهدد بالتحول الى صراع طائفي أوسع نطاقا في البلاد، في الوقت الذي يزعم المالكي ومن حوله من قادة للشيعة أن الإجراءات الأخيرة تستهدف أفرادا بعينهم وليس السنة في العموم لكن السنة تزداد مخاوفهم مع انسحاب قوات الاحتلال حيث يؤكدون أن الشيعة سيحاولون فرض مزيد من الهيمنة على البلاد بدعم من إيران..

وخلال سلسلة من الاجتماعات عمل مسؤولون ودبلوماسيون أمريكيون وقيادات سنية وشيعية على تهدئة التوتر بعد أن غادر الهاشمي الذي اتهمه المالكي بإدارة فرق الموت إلى منطقة كردستان شبه المستقلة وتعليق وزراء قائمة العراقية حضورهم لجلسات الحكومة، بينما اتهم الهاشمي المالكي بتلفيق الاتهامات بالتعاون مع إيران مؤكدا أنه تعرض لابتزاز من جهات لم يسمها طلبت منه إعلان مواقف سياسية معينة "خدمة لأجندة طائفية"، منها تخفيف اللهجة تجاه إيران وسوريا، حيث إنه كان تطرق إلى التدخل الإيراني الصارخ في الشأن الداخلي، ودعا النظام السوري إلى "أن يبادر بالإصلاح، وأن يتوقف عن قتل المدنيين الأبرياء".

 

وفسرت القائمة العراقية الإجراءات التي يقوم بها المالكي بأنه يريد الإمساك بكافة مفاتيح السلطة في العراق، محذرة من أنه قد يخوض مواجهة ليس مع السنة العرب فحسب، بل أيضا مع إقليم كردستان الذي لديه العديد من القضايا العالقة مع بغداد بشأن مناطق متنازع عليها وقضايا النفط والتنقيب.

 

وبحسب دبلوماسيين غربيين فإن الأزمة السياسية المافقمة في العراق تثير القلق ما لم تجر جهود لتهدئة الموقف والانخراط في حوار حيث حذروا من خروج المسألة عن نطاق السيطرة"، مشيرين إلى أن الأكراد هم وحدهم الذين يستطيعون التوسط بين الزعماء الشيعة والسنة المتخاصمين في العراق، في الأيام المقبلة بهدف إعادة صياغة صيغة التوافق الوطني في البلاد.

 

ويتساءل المراقبون هل العراق الذي بدأ ينجر إلى دوامة العنف مرة أخرى بعد الهجمات الأخيرة على وشك الدخول في صراع طائفي أكبر وتوترات دموية بين السنة والشيعة مع تعقد أزمة الحكومة واستسلامها لرغبات إيران بعد الانسحاب الأمريكي؟