ملتقى المرأة السعودية .. حقوق المرأة بتأصيل شرعي ورؤية حضارية
27 محرم 1433
محمد لافي

أسهمت خمسة عشر ورقة عمل قدمها علماء ومفكرون ونخب ثقافية وقانونية وأكاديمية ضمن ملتقى المرأة السعودية مالها وما عليها الذي نظمه مركز باحثات بالرياض مؤخراً على مدى يومين في تسليط الضوء على حقوق المرأة في الشريعة الإسلامية، وتطبيقاتها في الأنظمة الخاصة بالمرأة في المملكة العربية السعودية ليعكس بطرحه القوي ومناقشاته الجادة – إلى جانب الحضور اللافت من الرجال والنساء-  الوعي باحتياجات المرأة ودورها في المجتمع, والرغبة في والوقوف على أهم أسباب حرمان المرأة من حقوقها, وإيجاد الحلول لها, والعمل على رفع وعي المرأة بحقوقها, وسد الفجوة القائمة بين الأنظمة وتطبيقاتها.
 

 

دراسات ميدانية
الملتقى  في يومه الأول قدم دراسة استطلاعية عن مدى وعي المرأة السعودية بحقوقها بهدف معرفة أسباب حرمان المرأة من حقوقها وتفعيل الأسباب التي تؤدي إلى رفع وعي المرأة بحقوقها وحصولها على كافة هذه الحقوق.
وقد بلغ عدد المشاركات في الدراسة 1305 امرأة من كافة الأعمار والمؤهلات، والمستويات الاجتماعية من جميع مناطق المملكة, وقد أظهرت الدراسة أن نسبة  من لا تعرف حقها من الاتي شاركن في الدراسة  32 في المائة  ومن تعرفه إلى حدٍ ما  48 في المائة في حين بلغت من تعرف حقها 18 في المائة فقط.
وفي اليوم الثاني للملتقى وفي دراسة حديثة قدمتها الدكتورة أسماء الحسين أكدت أن30 في المائة من حالات الطلاق في المجتمع السعودي سببه الجهل بحقوق الزوجين, كما بينت ارتفاع نسبة الطلاق إلى 60 في المائة من معدلات الزواج أن المملكة العربية السعودية تحتل المرتبة الأولى خليجياً في نسبة حالات الطلاق والثالثة عرببياً.
وبينت الدراسة أن نسبة النساء اللاتي بلغن سن الـ 35 ولم يتزوجن أكثر من مليون ونصف فتاة, كما بينت أن توقعات المراقبين والأكاديميين تشير إلى زيادة هذا العدد إلى 4 ملايين فتاة خلال الخمس سنوات القادمة.
وعزت الدراسة مسؤولية ارتفاع نسبة الطلاق والعنوسة في المملكة إلى انتشار بعض السلوكيات المخالفة للتعاليم الدينية على الرغم من أن المجتمع السعودي من أكثر المجتمعات العربية تديناً, إضافة إلى ذلك الجهل بمفهوم القوامة والتي تؤخذ على أنها تسلط وسيطرة من قبل الرجل.
 

 

أوراق ومشاركات
د.الفوزان : لا يوجد في الأنظمة السعودية ما يقصد به ظلم المرأة وانتهاك حقوقها
يؤكد عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان الدكتورعبد العزيز الفوزان أن الأنظمة المتعلقة بالمرأة في المملكة مستمدة في الأصل من الكتاب والسنة أحرص ما تكون على حفظ حقوق المرأة وصيانة كرامتها، والدفاع عن مصالحها، ولا يكاد يوجد فيها شيء يقصد به ظلم المرأة أو انتهاك حقوقها.
ويضيف الفوزان " ما يوجد في هذه الأنظمة مما يعتقد أنه مخالف لحقوق الإنسان فهو إما أن يكون من القضايا الاجتهادية التي تختلف فيها وجهات النظر، أو من القضايا التي تتغير بتغير الأحوال والعوائد فهي في الحالتين قضايا قابلة للنقاش وإعادة النظر فيها لتعديلها واستبدالها"
ويبين أن ما قد يحصل من انتهاكات لمصالح المرأة في السعودية فهي إما أن تكون انتهاكات يمارسها بعض الناس وهي مخالفة للشريعة الإسلامية وللأنظمة السعودية المرعية, أو بسبب بعض الإشكالات في الآليات والإجراءات التنفيذية لهذه الأنظمة أو التقصير في نشر ثقافة حقوق الإنسان، وعدم تثقيف المجتمع والمرأة معاً وتوعيتهم بحقوقها المشروعة, فالخلل ليس في الأنظمة والتشريعات، وإنما هو خلل في الآليات والإجراءات.

 

د. نوال العيد: لا بد من نشر موقف المرأة من الإسلام عالمياً
وفي مشاركة بعنوان " حقوق المرأة الاقتصادية في القطاع المجتمعي والأسري" أكدت الدكتورة نوال العيد على ضرورة نشر موقف الإسلام من المرأة عالميا من خلال عقد مؤتمرات عالمية عن قضايا المرأة، والأسرة، وحقوق الإنسان من منظور شرعي تتبناها جهات إسلامية معتبرة, كما دعت إلى  إصدار وثيقة للأسرة المسلمة، تؤصل فيها الرؤية الشرعية حول المرأة وحقوقها في الإسلام.
وأكدت على زيادة التوعية بحقوق المرأة وواجباتها من خلال مناهج التعليم في المرحلة المتوسطة والثانوية للبنين والبنات, وتفعيل دور الأئمة والخطباء، في التثقيف بحقوق المرأة والرجل وواجباتهما، والتنبيه على خطورة الأيادي التغريبية على المجتمعات الإسلامية، أو طغيان العادات والتقاليد على المفاهيم الشرعية.
كما دعت مؤسسات المجتمع ووسائل الإعلام للقيام بالمناشط الدعوية التثقيفية لتعريف المرأة بحقوقها الشرعية، والآليات المتبعة للوصول إلى هذه الحقوق
 

 

ضرورة عمل مراجعة دائمة لحقوق المرأة التي تضمنته أنظمة العمل
وضمن فعاليات اليوم الثاني يؤكد عضو مجلس إدارة مؤسسة وفاء لحقوق المرأة الدكتور عبد الله بن وكيل الشيخ في ورقة بعنوان " حقوق المرأة الاجتماعية في القطاع الخاص والخيري" أن الشريعة وإن كانت كفت المرأة حاجتها للعمل بإيجاب النفقة على من هي مشغولة بأمره من زوج وذرية, إلا أنها قد تحتاج للعمل حينما يكون المكلف بالنفقة عليها غير قادر سد احتياجيها كما أن المجتمع لا بد له من عدد مناسب من النساء في التعليم والطب والرعاية الاجتماعية.
وبين الشيخ جملة من الحقوق التي يجب مراعاتها في حالة عمل المرأة موضحاً أنه وإن كانت تلك الحقوق قد رعتها الشريعة من خلال نصوصها وقواعدها العامة, فإن قدراً منها قد تضمنته أنظمة العمل في المملكة مؤكداً على ضرورة عمل مراجعة دائمة لحقوق المرأة التي تضمنته أنظمة العمل في المملكة لسد ما فيها من خلل ظهر أثناء التطبيق, أو لاستيفاء جوانب غفل عنها المنظمون, أو فرضتها طبيعة التوسع في الأعمال التي أصبحت المرأة تمارسها.
وشدد على ضرورة التعامل مع هذه القضية بحيوية وجد, بوجود جهة في الدولة تدافع عن هذه الحقوق, وتراقب جهة التنظيم والتطبيق بكل دقة وأمانة, أو بوجود مؤسسات اجتماعية تكون عضداً مناصراً لأجهزة الدولة وتقوم الدولة بدعم تلك المؤسسات مادياً ومعنوياً.
 

 

"كيف تحمي المرأة حقوقها المالية والتجارية"
ومن خلال  ورشة عمل تضمنها الملتقى تحت عنوان: "كيف تحمي المرأة حقوقها المالية والتجارية؟"، قدمها الدكتور حسان بن إبراهيم السيف (القاضي بديوان المظالم سابقا)، تطرف فيها إلى الكيفية التي يمكن من خلالها للمرأة أن تحمي حقوقها المالية والتجارية، والتي شرّعها لها الدين الإسلامي والقوانين في المملكة؛ مبينا أن أهم خطوات حماية هذه القوانين هي:
الوعي بالحقوق من مصادرها وهي نوعان، ومصادر الحقوق العامة مثل: الكتاب والسنة والأنظمة، ومصادر الحقوق الخاصة مثل: عقد النكاح، وعقد العمل.
أما الخطوة الثانية: فهي الوعي بأفضل الأساليب الوقائية والحماية لهذه الحقوق، وبين السيف هنا بعض الممارسات الخاطئة التي من الممكن أن تذهب حقوق المرأة منها: الدخول في تعاملات مالية دون معرفة الحقوق والواجبات، وإعطاء بطاقة الصراف والفيزا للأقارب أو الأصدقاء أو الخدم.
 

 

إشادات بالملتقى بين حضور إعلامي باهت :
وبالرغم من التغطية الإعلامية الباهتة للملتقى على ضخامة الحدث وأهميته, إلا أن ذلك لم يمنع من ظهور أصوات منصفة, أشادت بما تميز به الملتقى من أطروحات وتوصيات, وحسن في التنظيم وقوة في الطرح.
وكان ممن تناول الملتقى الدكتور خالد بن سعود الحليبي الأمين العام للجمعية الخيرية لتيسير الزواج ورعاية الأسرة بالأحساء الذي أشاد بالحضور النسوي اللافت "الذي ملأ نفوس الحاضرين من الرجال تقديرا واعتزازا بالمرأة السعودية، التي استطاعت أن تقدم بكل إقدام وبصيرة أطروحات عميقة وواقعية، انطلقت من واقع لا يخلو من إشكالية وخلل، وتطلعت إلى مستقبل يكون لها فيه وجود وفاعلية، في إطار الشريعة السمحة"
كما جاءت إشادة الدكتور الحليبي بشجاعة مركز باحثات "الذي أقام ملتقى في مستوى مؤتمر، حضره مئات من الباحثات والباحثين، والمفكرات والمفكرين وقدموا عشرات الأوراق والأبحاث العلمية الجادة، التي كتبت بإحكام وطرحت بقوة، توازنت بين التأصيل الشرعي والنظرة الحديثة، وتطلعت إلى المستقبل الواعد"

 

الكاتبة قمراء السبيعي :
الكاتبة السعودية قمراء السبيعي في مقال لها بعنوان " ماذا حدث في ملتقى المرأة " أشادت بالملتقى وأسمته بـ " التظاهرة الثقافية الحقوقية لمواكبة المستجدات في قضايا المرأة السعودية في الشريعة الإسلامية وتطبيقات ذلك في الأنظمة السعودية واقتراح حلول شرعية نظامية تضمن حصولها على كافة حقوقها "
وأشادت الكاتبة قمراء بالمطالبات المتميزة التي طالب بها الملتقى ومنها اعتبار ربة المنزل امرأة عاملة وصرف مخصص مالي شهري مناسب لها نظراً لما تقوم به من عمل جليل في حفظ استقرار الأسرة وتنمية المجتمع والدعوة إلى تضمين المناهج الدراسية منهجاً تعليمياً يتناول حقوق المرأة الشرعية والنظامية والتخلص من العادات والتقاليد، التي تَحرِم المرأة من حقوقها الشرعية والنظامية، والحد من تعسف بعض الرجال في ممارسة حق الولاية أو القوامة"
 

 

التوصيات الختامية للملتقى   
وبعد يومين من الفعاليات والنقاشات, خرج المشاركون بعدد من التوصيات التي سوف يتم رفعها لمقام خادم الحرمين الشريفين, أكدوا فيها على ضرورة إنجاز وثيقة تتضمن حقوق المرأة الشرعية والنظامية, وسن الإجراءات والآليات لضمان حصول المرأة على كافة حقوقها ضمن آليات سهلة التطبيق, وسد الفجوة بين الأنظمة وتنفيذها.
وأكد المشاركون على رفض التدخلات الخارجية لقضايا المرأة السعودية, كما أوصوا بضرورة تخليص المجتمع من العادات والتقاليد التي تحرم المرأة من حقوقها الشرعية والنظامية، من خلال برامج علمية وإعلامية تحد من تعسف بعض الرجال, كما دعت إلى تضمين المناهج الدراسية حقوق المرأة الشرعية

 

وأوصى المشاركون باعتبار ربة المنزل امرأة عاملة؛ لتقديرها على ما تقوم به من عمل، وسعياً للحفاظ على استقرار الأسرة، وصرف مبلغ مالي لها, كما دعوا إلى توفير بيئات عمل آمنة للمرأة السعودية, وتسهيل ودعم إنشاء الجمعيات والمراكز التي تعنى بالمرأة وحقوقها, ودعم مكاتب الإصلاح الأسري وعقد ملتقى دوري لمناقشة حقوق المرأة وواجباتها الشرعية