أنت هنا

سوريا قبلت "المهلة".. عفوا "المبادرة" العربية!
25 محرم 1433
تقرير إخباري ـ نسيبة داود

بالأمس قبلت سوريا التوقيع على بروتوكول الجامعة العربية الذي يقضي بوقف إراقة الدماء وإرسال مراقبين. لكن ذلك لم يمنع قوات الجيش السوري من جعل يوم أمس الأكثر دموية منذ بدء الثورة السورية وذلك بقتلهم أكثر من 120 شخصا غالبيتهم من المدنيين، إلى جانب قتل 11 مدنيا آخر يوم الثلاثاء في درعا وإدلب وحماة. المثير حول إعلان التوقيع على البروتوكول هي تصريحات وزارة الخارجية الإيرانية بأنها قبلت هي الأخرى المبادرة العربية!! وتبرير ذلك بأن المبادرة أخذت بعين الاعتبار الكثير من وجهات النظر الإيرانية. جاءت تلك التصريحات على لسان حسين أمير نائب وزير الخارجية الإيراني للشوؤن العربية بعد التوقيع على البروتوكول، حيث قال في مقابلة مع "قناة العالم" إن توقيع المبادرة العربية من قبل النظام السوري يعد "مقبولا" بالنسبة للنظام في طهران، و أضاف أن "الكثير من وجهات نظرنا أخذت بعين الإعتبار في هذا الإتفاق". هذا التصريح يكشف حجم التدخل الإيراني في الأحداث بسوريا ومدى ارتباط قرارات النظام السوري بالأوامر الإيرانية. لقد أكدت إيران بهذا التصريح أنها أصبحت بشكل علني طرفا في الصراع بين النظام السوري والمحتجين. كما مررت رسالة على الملأ بأنه لا يمكن تجاوزها في أي اتفاق متعلق بإحدى ربيباتها في المنطقة. أما وليد المعلم وزير الخارجية السوري فقد عقد مؤتمرا في دمشق قال فيه إن النظام وافق على التوقيع على البروتوكول بعد تعديلات على بنود كانت "تمس السيادة السورية"، مؤكدا أنه لولا هذه التعديلات ما كانت سوريا لتوقع مهما كانت الإنذارات والتهديدات. لكن هذه التعديلات، كما ذكرت صحيفة "الشرق الأوسط" في عدد الثلاثاء اقتصرت على إحلال كلمة حماية "المواطنين" محل "المدنيين". المعلم أوضح أن مدة البروتوكول شهر قابلة للتمديد لشهر آخر، وهو ما دفع الكثير من المحللين إلى اعتبار أن البروتوكول لا يتجاوز كونه مهلة جديدة للنظام السوري. أما فيما يخص العقوبات العربية، فقد اعتبر المعلم أنه "المفروض أن ترفع العقوبات"، لكنه أضاف: "إذا اعتقدوا أن عقوباتهم الاقتصادية ستؤثر على سوريا فهم واهمون، ولن نسجدي أحدا". وينص البروتوكول الذي جرى التوقيع عليه على: "ﺗﺸﻜﯿﻞ ﺑﻌﺜﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺮاء اﻟﻤﺪﻧﯿﯿﻦ واﻟﻌﺴﻜﺮﯾﯿﻦ اﻟﻌﺮب ﻣﻦ ﻣﺮﺷﺤﻲ اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ذات اﻟﺼﻠﺔ ﺑﺄﻧﺸﻄﺔ ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن وﺗﻮﻓﯿﺮ اﻟﺤﻤﺎﯾﺔ ﻟﻠﻤﻮاﻃﻨﯿﻦ ﻹﯾﻔﺎدھﺎ إﻟﻰ اﻷراﺿﻲ اﻟﺴﻮرﯾﺔ ﺑﺮﺋﺎﺳﺔ اﻟﺴﻔﯿﺮ ﺳﻤﯿﺮ ﺳﯿﻒ اﻟﯿﺰل، وﺗﻌﺮف ﺑﺎﺳﻢ ﺑﻌﺜﺔ ﻣﺮاﻗﺒﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ، وﺗﻌﻤﻞ ﻓﻲ إﻃﺎرھﺎ، وھﻰ ﻣﻜﻠﻔﺔ ﺑﺎﻟﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﺗﻨﻔﯿﺬ ﺑﻨﻮد اﻟﺨﻄﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻟﺤﻞ اﻷزﻣﺔ اﻟﺴﻮرﯾﺔ وﺗﻮﻓﯿﺮ اﻟﺤﻤﺎﯾﺔ ﻟﻠﻤﻮاﻃﻨﯿﻦ اﻟﺴﻮرﯾﯿﻦ". كما ينص على أنه البعثة تبدأ عملها "ﻓﻮر ﺗﻮﻗﯿﻊ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺴﻮرﯾﺔ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﺒﺮوﺗﻮﻛﻮل وﺗﺒﺎﺷﺮ ﻋﻤﻠﮭﺎ ﺑﻮﻓﺪ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻣﻦ رﺋﯿﺲ اﻟﺒﻌﺜﺔ وﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻤﺮاﻗﺒﯿﻦ ﯾﺼﻞ إﻟﻰ 30 ﻋﻀﻮا". ومن الأدوار المخول بها البعثة: "اﻟﻤﺮاﻗﺒﺔ واﻟﺮﺻﺪ ﻟﻮﻗﻒ ﺟﻤﯿﻊ أﻋﻤﺎل اﻟﻌﻨﻒ وﻣﻦ أي ﻣﺼﺪر ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﺪن واﻷﺣﯿﺎء اﻟﺴﻜﻨﯿﺔ اﻟﺴﻮرﯾﺔ"، و"اﻟﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ ﻋﺪم ﺗﻌﺮض أﺟﮭﺰة اﻷﻣﻦ اﻟﺴﻮرﯾﺔ وﻣﺎ ﯾﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﺸﺒﯿﺤﺔ ﻟﻠﻤﻈﺎھﺮات اﻟﺴﻠﻤﯿﺔ"، و"اﻟﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ اﻹﻓﺮاج ﻋﻦ اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﯿﻦ ﺑﺴﺒﺐ اﻷﺣﺪاث اﻟﺮاھﻨﺔ". هذا إلى جانب "اﻟﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ ﺳﺤﺐ وإﺧلاء ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻤﻈﺎھﺮ اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺪن واﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﺴﻜﻨﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﮭﺪت أو ﺗﺸﮭﺪ اﻟﻤﻈﺎھﺮات وﺣﺮﻛﺎت الاﺣﺘﺠﺎج" و"اﻟﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﻣﻨﺢ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺴﻮرﯾﺔ رﺧﺺ الاﻋﺘﻤﺎد ﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋلام اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ واﻟﺪوﻟﯿﺔ واﻟﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﻓﺘﺢ اﻟﻤﺠﺎل أﻣﺎﻣﮭﺎ ﻟﻠﺘﻨﻘﻞ ﺑﺤﺮﯾﺔ ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ أﻧﺤﺎء ﺳﻮرﯾﺎ وﻋﺪم اﻟﺘﻌﺮض ﻟﮭﺎ. ويقر البروتوكول بحق البعثة في "ﺣﺮﯾﺔ الاﺗﺼﺎل واﻟﺘﻨﺴﯿﻖ ﻣﻊ اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت ﻏﯿﺮ اﻟﺤﻜﻮﻣﯿﺔ وﻣﻊ اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﯿﯿﻦ وﻣﻊ ﻣﻦ ﺗﺮاه ﻣﻦ اﻷﻓﺮاد واﻟﺸﺨﺼﯿﺎت وﻋﺎئلات اﻟﻤﺘﻀﺮرﯾﻦ ﻣﻦ اﻷﺣﺪاث اﻟﺮاھﻨﺔ"، إلى جانب إمكانية "زﯾﺎرة ﻣﺨﯿﻤﺎت اللاﺟﺌﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﺪول المجاورة". وبالمقابل ﺘﻌﮭﺪ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺴﻮرﯾﺔ -طبقا لنص البروتوكول- بمساعدة اﻟﺒﻌﺜﺔ ﻋﻠﻰ أداء ﻣﮭﻤﺘﮭﺎ ﺑـ"ﺗﻘﺪﯾﻢ ﻛﺎﻓﺔ التسهيلات واﻟﺴﻤﺎح ﺑﺪﺧﻮل اﻟﻤﻌﺪات اﻟﻔﻨﯿﺔ اللازﻣﺔ ﻹﻧﺠﺎح ﻣﮭﻤﺔ اﻟﺒﻌﺜﺔ وﺗﻮﻓﯿﺮ ﻣﻘﺮات ﻟﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﺴﻮرﯾﺔ واﻟﻤﻮاﻗﻊ اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺮرھﺎ اﻟﺒﻌﺜﺔ. وتأمين حرية التحرك بلها وزيارة السجون والمستشفيات. هذا إلى جانب ضمان ألا يتم التعرض لأي مواطن بسبب تواصله مع البعثة، إلى جانب منح أعضاء البعثة الحصانة اللازمة التي تمنح لخبراء الأمم المتحدة. لكن الرئيس الاسوري بشار الأسد استبق عمل اللجنة التي من المقرر أن تذهب إلى سوريا يوم الخميس المقبل، بإعلان قانون جديد يقضى بإعدام الذين يدانون بتوزيع الأسلحة بهدف ارتكاب "أعمال إرهابية"، وهو الاتهام الذي كرره في السابق مستهدفا به المحتجين السلميين، قائلا إنها عصابات إرهابية. وذكرت تقارير إعلامية أن القانون يقضى بأن يعاقب بالإعدام من وزع كميات من الأسلحة أو ساهم فى توزيعها بقصد ارتكاب أعمال إرهابية، على أن يعاقب الشريك والمتدخل بالإعدام أيضا. وبعيد التوقيع على البروتوكول، قتلت القوات السورية أِكثر من 120 شخصا غالبيتهم من الجنود المنشقين على الجيش، حسبما ذكرت الهيئة العامة للثورة السورية، التي أكدت أن منهم 80 عسكريا منشقا. والهئية اعتبرت أن قوات الأمن نفذت مجزرة كبيرة قتل فيها 72 منشقا في كنصفرة بإدلب، وسحبت جثثهم للتخلص منها وإخفائها، في حين قال المصدر نفسه إن ثمانية منشقين بينهم ضابط برتبة مقدم قتلوا برصاص الجيش في الحسكة. وسقط 34 قتيلا في كل من دمشق ودير الزور ودرعا وحماة والحسكة وحمص التي بدأت قوات الجيش حملة لتطويقها، بحسب الناطق الرسمي باسم ما تسمى قيادة المجلس الأعلى لقيادة الثورة السورية. وقال الناطق يزيد الحسن إن الجيش باشر حملة لمحاصرة حمص بعد قرار دمشق قبولها التوقيع على المبادرة العربية، ونشر حواجز على طريق دمشق حمص. وأضاف أن الطيران الحربي شن غارات على المدينة، مشيرا إلى أن مناطق بابا عمر والبياضة ودير بعلبك تقصف بقذائف الهاون. وأشارت الهيئة العامة إلى أن ستة أشخاص قتلوا اليوم في حمص. وأكدت لقطات فيديو نشرت على يوتيوب أن هذه المبادرة العربية ما هي إلا حبر على ورق؛ إذ تستعد القوات السورية لمحاصرة حماة حيث حفرت الجرافات خندقا ضخما حول حماة ذات الغالبية السنية، فيما طوقتها الدبابات واستمرت المظاهر العسكرية المسلحة في المدينة. كل هذه الاستعدادات لا تبشر إلا بحملة قمع دامية مرتقبة يعتزم النظام السوري تنفيذها استغلالا "للمهلة" العربية الجديدة.