مفاجأة السلفيين..معاني ومسؤوليات
19 محرم 1433
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

 النتائج التي أحرزها السلفيون في المرحلة الاولى بالانتخابات البرلمانية المصرية فاجأت الكثيرين حتى من أنصار التيار السلفي نفسه؛ فقد تمكن السلفيون من إحراز خمس مقاعد البرلمان تقريبا رغم أنها المشاركة الاولى لهم في الحياة السياسية بعد عقود من القمع, وهو ما أصاب التيار العلماني بصدمة كبيرة تمثلت بشن حرب عامة على الإسلاميين وخاصة على السلفيين..

 

السلفيون خلال عقود القمع كانوا يبنون قاعدة شعبية عن طريق الدعوة في المساجد وتمكنوا خلال هذه الفترة من كسب ثقة عدد كبير من الناس الذين شعروا فيهم بصدق وسلامة التوجه وهو رصيد نفعهم كثيرا عند نزول الانتخابات, وقد كان البعض يتشكك في إمكانية تنظيم وإدارة السلفيين للانتخابات حيث تحتاج لكوادر كثيرة مدربة ومتمرسة ورغم القصور في بعض الدوائر إلا أن التجربة كبداية تعد مبشرة وإذا تجاوزنا عن خسارة السلفيين لبعض المقاعد نتيجة للتحالف العلماني وترويج الشائعات ضدهم خصوصا في الإعادة سنجد أن النتائج تعد مفاجأة بجميع المقاييس فجماعة الإخوان التي تسبق السلفيين في دخول المعترك السياسي في العصر الحالي بثلاثين سنة على الاقل وتمتلك قاعدة عريضة من الكوادر المؤهلة حازت على 40 في المائة تقريبا من أصوات الناخبين..

 

هذه النتائج لها أسباب منطقية وفي نفس الوقت تُحمل التيار السلفي أعباءا كبيرة في المراحل اللاحقة للانتخابات وما يعقبها من ممارسات سياسية..

 

التيار السلفي عندما أتيحت له الفرصة للتعبير عن نفسه إعلاميا في أواخر عصر مبارك بفتح عدة قنوات فضائية تمكن من جذب عدد كبير من المشاهدين واستطاع رموزه أن يسحبوا البساط من بعض أدعياء الدعوة وأصبحوا في سنوات قليلة في صدارة المشهد الدعوي وهو ما يشير إلى ثقة الجماهير بأطروحاتهم الشرعية المبنية على الادلة وليس على القصص المرسلة وقد ظهر ذلك جليا في الانتخابات التي عبرت عن ثقة في أشخاص بعيدا عن أدائهم السياسي والذي لم يتبلور بعد..

 

هناك متربصون بالتيار السلفي بشكل خاص ويراهنون على فشلهم في العمل الميداني ومواجهة المشاكل على أرض الواقع وهو ما ينبغي للسلفيين أن ينتبهوا إليه من الآن وأن يضبطوا تصريحاتهم ويركزوا على الثوابت دون الدخول في التفاصيل التي يراد من خلالها اصطيادهم, وعليهم التأكيد على الاولويات الاكثر أهمية عند الشعب الآن والتي دعا الإسلام الحاكم للاهتمام بها ومنها قضايا الامن العام والخاص والمشاكل الاقتصادية الملحة التي يعاني من تداعياتها أغلب أفراد الشعب, كما أن عليهم إبراز أوجه التعامل مع غير المسلمين لطمأنتهم من خلال حقوقهم التي فرضها الشرع ,وهو جانب يسعى العلمانيون لإغفاله لتخويف "المسيحيين" في الداخل والحكومات الغربية في الخارج...

 

في الفترة الاخيرة طور العلمانيون من أساليبهم في الهجوم على التيار السلفي حيث بدأوا يوقعون بينه وبين التيار الذي تمثله جماعة الإخوان وقد أعجبني تأكيد عدد من مشايخ الدعوة السلفية على تأييدهم للمرشحين الإسلاميين بشكل عام دون تخصيص حزب أو اتجاه معين, وهي خطوة جيدة لتجاوز الكمين العلماني الذي يريد أن يفرق الصف الإسلامي حيث بدأ في تحذير جماعة الإخوان من التحالف مع السلفيين باعتبارهم "وهابيين متطرفين ينتمون لإسلام بدوي" ـ على حد زعمهم ـ في نفس الوقت يريدون الضغط على جماعة الإخوان واستمالتهم لكي تتنازل عن ثوابت تحكيم الشريعة وإلا أصبحوا ينتمون للمدرسة "السلفية المتطرفة" وتشن عليهم حرب ضروس من هذا المنطلق..لقد نجح السلفيون في اختبار الثقة ولكن الاختبار الاصعب هو العمل الميداني وتحقيق طموحات الشعب والحذر من ردود الافعال غير المنضبطة والتي يمكن أن تؤخذ عليهم في ظل حالة الاستقطاب والتشويه وانتزاع العبارات من سياقها..

 

في النهاية لا يمكن أن تعتبر هذه النتائج نوعا من التشريف بقدر ما هي مسؤولية كبيرة تلقى على عاتق التيار السلفي في وقت شديد الحرج تمر به الأمة, وما كان اختيار الشعب لهم ولإخوانهم من التيار الإسلامي إلا رغبة في الإصلاح والنهضة وإيقاف نزيف السرقات والنهب المتواصل طوال عشرات السنين.