حمص .. قاهرة الطغاة.. وآخرهم بشار
17 محرم 1433
تقرير إخباري ـ إيمان الشرقاوي

انتفضت قبل 9 أشهر لتطالب بالحرية بعد درعا.. ومنذ هذا الوقت وهي تنزف على أيدي زبانية الطاغية بشار الأسد الذي أعلن الحرب على شعبه فقتل منهم أكثر من 4 آلاف سوري بينهم ألف في هذه المدينة المقاومة.. إنها حمص .. إحدى أكبر المدن السورية وأبرز مراكز الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام السوري وها هي الآن محاصرة ويعيش أهلها حالة من الخوف والترقب مع قرب هجوم وشيك من جانب رجال الطاغية الذي يبدو أنه يستعد لارتكاب مجزرة جديدة على غرار ما فعلها أبوه حافظ الأسد في حماة قبل سنوات ولكن هذه المرة في حمص.

 

وبحسب قيادات بالمعارضة والجيش السوري الحر الذي يقاتل قوات الأسد فقد أمهلت قوات بشار يوم الجمعة الماضي سكان المدينة المحاصرة عدة أيام لوقف الاحتجاجات المناهضة للنظام، وتسليم الأسلحة والمنشقين من عناصر الجيش السوري وهددت بشن هجوم شامل على المدينة التي تعاني من أزمة إنسانية، واستندت المعارضة إلى تسجيلات مصورة، ومعلومات من الناشطين على الأرض في حمص ( تتعلق خصوصا بقيام القوات الحكومية بحفر الخنادق حول المدينة)، للقول بأن النظام يمهد لارتكاب مجزرة جماعية، لإخماد الثورة في المدينة التي أصبحت تلقب بعاصمة الثورة السورية، وإعطاء باقي المدن السورية المنتفضة درسا كي تتوقف عن الاحتجاجات.

 

وخلال الأيام الماضية، تحولت حمص ويسكنها أكثر من مليون سوري إلى ما يشبه ساحة الحرب بسبب الهجمات الدموية العنيفة التي شنها جيش بشار وقناصته على سكان المدينة دون التفرقة بين امرأة أو طفل أو رجل فكان الأهالي يعجزون حتى عن انتشال جثث ضحاياهم- الذين يسقطون بيد القناصة أو في إطلاق نار عشوائي-إلا في الليل، حيث كانت الجثث تنتشر في الشوارع، وإذا اقترب أحد من هذه الجثث بالنهار فإن الرصاص يكون من نصيبه ليرقد بجانب من جاء لانتشاله لتزيد الضحايا في الشوارع بشكل غير آدمي وذلك في الوقت الذي يصر فيه بشار على مزاعمه بأنه لا يوجد أوامر بإطلاق النار للقتل.

 

ويروي الكثير من السكان كيف أن الجثث تظل ملقاة في الشوارع مخضبة بالدماء لساعات -وحتى المصابين الذي يفارق منهم الحياة نتيجة التأخر في إسعافهم- إلى أن يتوقف إطلاق النار بما يكفي للخروج إلى الشوارع أو يأتي الليل، وقد تحولت المدينة إلى ساحة قتال، فهناك خنادق للجيش وعربات قتالية مدرعة وجنود مدججين بالأسلحة والرشاشات وكأنهم في حرب مع العدو الصهيوني!.

 

وتظهر العديد من مقاطع الفيديو التي ينشرها نشطاء سوريون بشاعة جيش بشار مع أهالي حمص الأحياء منهم والأموات ، ولعل أكثرها بشاعة ما تم تصويره لجثة لشاب ممددة في شارع خال من المارة ويقوم جنود سوريون بسحبها بواسطة كابل كان ملفوفا حول كاحله وقد جرى سحب الجثة عبر تقاطع طرق وبركة من الوحل.

 

كما تحدث بعض الفارين من حمص عن استعداد آلاف من جنود بشار لإحراقها واعتقال الإسلاميين فيها، وتوقع هؤلاء الفارين أن يزداد القتل ضراوة في المدينة المحاصرة منذ أسابيع والذي تسبب الحصار فيها لانقطاع الكهرباء والإنترنت، ووجود نقص حاد في القمح والسلع التموينية، بسبب حصار قوات الجيش والأمن للمدينة وعزلها عن الريف.

 

ومع ما تعانيه حمص من أزمة بل نكبة إنسانية -أدانها العالم أجمع-فإن التاريخ يشهد على صمود هذه المدينة أمام الكثير من الطغاة الذين وجدوها عصية عليهم في زمن الفراعنة واليونان والرومان والبيزنطيين والفرس وغيرهم ، من أمثال الفرعون رمسيس الثاني والإسكندر المقدوني وكسرى فارس وحتى هولاكو المغولي، فهؤلاء كانت حمص عصية عليهم، بل أذاقتهم الهزيمة المرة. والآن هاهي صامدة أمام طاغية آخر في عصرنا الحديث، يتوقع له أن يلقى على أبوابها شر هزيمة بل قد تكون سببا في نهاية نظام بشار "هولاكو سوريا".

 

وفيها دفن الكثير من الصحابة والتابعين، ومنهم جعفر بن أبي طالب الملقب بالطيار وكعب الأحبار والخليفة عمر بن عبد العزيز وأبي موسى الأشعري وميسرة بن مسروق وأبي ذر الغفاري وعبد الرحمن بن عوف ورابعة العدوية وغيرهم ممن أضافت مقاماتهم سحرا خاصا على حمص التي وصفها الجغرافي العربي اليعقوبي في كتابه "تاريخ اليعقوبي" قبل 1200 عام بواحدة من أكبر مدن سوريا "ولها أراض خصبة محيطة بها".

حمص ليست لعبة، وهي التي أذاقت الانتداب الفرنسي بدءا من 1920  طعم التمرد الحمصي أيضا، فسقط من أهلها العشرات قتلى في ثوراتها المتتالية على المستعمرين، ستبقى عصية على كل غاصب غادر.