عن معاني الأخوة ومشاعر الألم وعن التقصير
15 محرم 1433
بلال نزار ريان

لطالما تغنّت قلوبنا بالشام وحبّ الشام وأهله، وهل فلسطين إلا قطعة منه، وهل كانت تُسمّى زمن الخلافة إلا سوريّة الجنوبية!

 

نحبّها لله، وما عرفناها إلا أرض أهل الله وخاصّة عباده، ولا زالت ذكريات سنين طفولة قضيناها في رحاب الأمويّ، وحدائق قاسيون، تبثّ فينا الحنين، وتدعونا لكلمة وفاء، في وقتٍ تعلن مآذن الأمويّ الحداد وترتدي خضرة قاسيون السواد، وقلوبنا تردد في ألم:

سلامٌ من صبا بردى أرقُّ *** ودمعٌ لا يُكفكفُ يا دِمشقُ
ومعذرةُ اليَراعةِ والقوافي *** جلالُ الرّزء عن وصفٍ يدِقُّ
دمُ الشّهداء يعرفه (بشّار) *** ويعلم أنه نورٌ وحقُّ

(مع الاعتذار للفراهيدي وشوقي).

 

 

يقتلنا والله ما نشهد من سفكٍ لدماء الأحرار، باسم العروبة والممانعة والمقاومة والتصدي للاستعمار والمؤامرة، وأيّ استعمار أطول من توارثٍ لا تُرى له نهاية من حكم عائلة مجرمة، وأيّ مؤامرة أكبر من قتل الأطفال ودكّ البيوت بنيران الدبابات وتفجير الرؤوس برصاص القناصات!

 

 

نشاهدُ على الجزيرة ما نشاهد، ونقول: نعرف والله هذه المشاهد! نعم: رأيناها رأي العين في حرب غزّة، ونراها ثانية بعين الكاميرا!! ولكن في درعا وحماة وحمص والبوكمال وتلكلخ ودمشق وأخيرًا في حلب!
نعرف طعمَ الموتِ ومرارة الفراق، ولكنّ آخره حلو المذاق، آخره نصرٌ وعزّ، والموتُ على قسوته أهون من الذلّ وإيثار السلامة.

 

 

لا عيشة أكثر استقرارًا من عيشة الحمار! يأكل ويشرب وينام ويعمل بجدّ! ولا يملك من أمره شيئًا! فمن اختار الذلّ تحت شعار الاستقرار، فلن يظفر بأحسن من عيشة الحمار!

ميز الله البشر بالعقول، وخصّ المسلمين بعده وبعد رسوله بالعزّة، والذين كفروا يأكلون ويتمتعون كما تأكل الأنعام! فلا تحيدوا عما اختاره الله لكم من العزّ ولو بالدم، وضريبة الحرّية غالية! ومن يطلب الحسناء لم يغلها المهرُ!

 

 

إنني أكتب لكم وأنا واحدٌ من الملايين التي تتابع أخباركم من جمعة إلى جمعة ومن حصاد إلى حصاد ومن نشرة إلى نشرة، أو إن شئتم من طفل إلى طفل ومن عين إلى عين ومن حنجرة إلى حنجرة!

أقول لكم –وأنتم أساتذتنا في التضحية وأبطال التحدي والمواجهة-: إنّ نصركم أقرب مما نظنّ وتظنون، فاثبتوا على ما تقدمون، واصبروا على ما تلقون، والله معكم ولن يتركم أعمالكم.

 

 

إنّ أبناء فلسطين لا يرضون أن يتذرع النظام المجرم بقضية فلسطين لادعاء مؤامرة عليه وتبرير سفك دماء شعبه، ولا نقدمُ بلدًا على بلد ولا شعبًا على شعب، ولا نرهن مصير قومٍ لمصلحة آخرين، ونثق بالله أولًا وبشعبنا السوري العظيم ثانيًا أنه سيكون لفلسطين وأهلها ومقاومتها خيرًا من نظام بشار وأبيه وأخيه، وما خوفُ الصهاينة عليه إلا لأنّهم يعلمون أن شعب سوريا ممانع أكثر منه، يتوق لتحرير أرضه ونصرة إخوانه والاجتماع بهم تحت قبّة الصخرة وما ذلك على الله ببعيد.

 

 

إنّ أخاكم صاحب هذه الكلمات العاجزة، والدعوات الصادقة آناء الليل وأطراف النهار، يكتبُ هذه الكلمات، وهي حيلته، تعلو خدّيه حمرةُ الخجل إذ يطالع الشاشات وقد غطتها حمرة الدماء القانية! لا يمثل في كلماته إلا نفسه بوصفه إنسانًا مسلمًا عربيًا، لا ترضى معاني الإنسان فيه أن يصمت أمام ما يرى، تفرض عليه مواقفه اعتبارات الأخوّة والولاء لإخوانه المسلمين –والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه-، وتوجب عليه أخلاق العرب وشهامتهم أن لا يكون إلا مع إخوانه في سورية الصابرة.
والله معينكم وناصركم