هل تسعى الأردن إلى "إمساك العصا من المنتصف".!
15 محرم 1433
إيمان يس

تصاعدت في الآونة الأخيرة أنباء زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس خالد مشعل للمملكة الأردنية الهاشمية، فلا يمر يوم دون تداول خبر في هذه الصحيفة أو تلك القناة الفضائية يؤكد أن الزيارة خلال يوم أو يومين أو على الأكثر خلال أسبوع.
ومن يتابع تطور العلاقات الفلسطينية الأردنية يرى أن هذه الزيارة المرتقبة ليست الأولى في إطار عودة العلاقات بين حماس والأردن بعد انقطاع استمر 12 عاما إثر قيام السلطات الأردنية بطرد قيادات حماس وإغلاق مكاتب الحركة في عمان بإيعاز صهيوأمريكي
سبق ذلك زيارتان قام بهما خالد مشعل للأردن، وصفت الزيارة الأولى بأنها إنسانية عندما توفي والده عام 2009، أما الثانية فرغم الإعلان عنها بأنها زيارة عائلية للاطمئنان على والدته المريضة إلا أن تسريبات بدأت تتحدث عن عودة قادة حماس للأردن بوساطة قطرية
وتوالت بعد ذلك زيارات واتصالات بين قيادات من الحركة وعدد من المسئولين الأردنيين كان أحدها اتصال هاتفي بين رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية ونظيره الأردني "عون خصاونة" بعد صفقة "وفاء الأحرار".

 

 

وعلى الجانب الأردني توالت التصريحات التي بلغت ذروتها عندما أعلن "عون خصاونة" أن طرد قيادات حماس من الأردن عام 1999 كان خطأ دستوريا وسياسيا وهو ما يعني ضمنا تصحيح الخطأ وإمكانية إعادة فتح مكتب لحماس في الأردن، وهو ما صرح به نائب رئيس المكتب السياسي لحماس الدكتور موسى أبو مرزوق قائلا أن زيارة مشعل للأردن  بعد العيد لفتح مكتب لحماس في عمان.
ويبدو أن السعي لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين الأردن وحماس هو رؤية متبادلة بين الجانبين

 

 

فحماس تتمنى الخروج من مأزقها في سوريا وتسعى لإيجاد مقر بديل، كما أنها حتى ومن قبل هذا المأزق تنظر للأردن كعمق استراتيجي ولا يمكن أن تكون القطيعة هي السمة الأساسية للعلاقات بينهما.
أما الأردن أو بالأصح النظام الأردني فهو يعاني ما تعانيه باقي الأنظمة في المنطقة، فـ"الربيع العربي" يطل برأسه من وقت لآخر، مما جعله يفكر في كسب ود الحركة الإسلامية بتحسين العلاقة مع حماس كحركة مقاومة إسلامية يدعمها التيار الإسلامي في المنطقة، إلا أن هذا التقارب يمثل سلاح ذو حدين بالنسبة للنظام الأردني لأنه في نفس الوقت يقوي شوكة الإسلاميين في الأردن.

 

 

إذن، ما الذي يدفع الأردن إلى السعي وراء هذا التقارب خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن وجودها في سوريا لم يمنع الحراك الشعبي؟!، الإجابة أن الوضع في الأردن يختلف فمعظم حاملي جوازات السفر الأردنية هم بالأصل فلسطينيون، وهنا يجب الإشارة إلى نقطة هامة أن الفلسطينيين لم يشاركوا في التحركات الشعبية في الأردن فأوضاعهم الأمنية لا تسمح بذلك، مما يعني أن التقارب بين حماس والنظام "سيضرب عصفورين بحجر واحد"، فمن جهة سيؤدي إلى التخفيف من  الاحتقان الذي يشعر به الفلسطيني في الأردن مع الاحتفاظ بتحييد الفلسطيني في أي حركة ثورية، ومن جهة أخرى سيزيد من الفجوة بين الأردني الأصل وبين الأردني الفلسطيني علما بأن هذه الفجوة هي إحدى أركان النظام الأردني.

 

 

ثمة "عصفور ثالث" يدفع السلطات في الأردن إلى السعي نحو التقارب مع حماس في هذه الفترة تحديدا، هو تزايد الحديث في أوساط الكيان الصهيوني عن "الوطن البديل"  وهو مخطط يسعى لتوطين الفلسطينيين في الأردن ويحاول إقناع الشرعية الدولية بأن الأردن ليست دولة وأن العائلة الحاكمة في الأردن تحكم مجموعة قبائل جاءت من كل مكان واستوطنت الأردن حديثا ، بل ذهبوا لأبعد من ذلك وهو رفض إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية لأنها لا بد ستسعى للتوحد مع الدولة" الفلسطينية" المقامة شرق نهر الأردن !!، أما التصريح الذي وصفه المتابعون للعلاقات الأردنية الفلسطينية بأنه "الأغبى" فهو ما قاله القائد العسكري الصهيوني يائير نافيه أن عبد الله الثاني هو آخر ملوك الأردن!!

 

 

وبما أن حماس ترفض هذا الطرح جملة وتفصيلا فإن هذا يدفع النظام الأردني إلى التقارب معها بشكل أو بآخر.
لكن الصورة لها شق آخر فالأردن تربطه بالكيان الصهيوني اتفاقية وادي عربة بالإضافة إلى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، فالعلم الصهيوني ما زال يرفرف فوق سفارة الكيان في عمان!

 

ثمة طرف آخر غير الكيان الصهيوني تقلقه استعادة العلاقات بين الأردن وحماس

 

ولعل هذا ما يفسر التضارب الذي ظهر في التصريحات مسؤولين أردنيين، ففي الوقت الذي أكد فيه  الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية راكان المجالي، أن زيارة مشعل قائمة ،أكد أيضا أن علاقة الأردن الرسمية هي مع السلطة الفلسطينية فقط ، بينما تبقى العلاقات مع الفصائل الأخرى ـ غير السلطة ـ على مسافات متساوية لبعضها البعض بما فيها حماس!، وأضاف أيضا أن لا مجال للحديث عن إعادة فتح مكتب لحماس في عمان.! ونفى أن تكون علاقة الأردن مع حماس على حساب نظيرتها مع السلطة الفلسطينية.
 وعلى الرغم أن أحاديث المسؤولين كانت عن استعادة العلاقات بين الأردن وحماس إلا أن زيارة أبو الوليد للأردن سبقتها زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لأبي مازن في مقر المقاطعة في رام الله، وهي الزيارة الأولى له منذ تولي أبو مازن للسلطة.

 

هذه الزيارة التي تزامنت مع تراجع في التصريحات عن حجم العلاقات الدبلوماسية المزمع إقامتها مع حماس أكد فيها "عبد الله" صراحة دعمه ل "فتح" ولمسار المفاوضات وناقش فيها مع عباس كافة الملفات بما فيها مصير 800 ألف لاجئ فلسطيني في سوريا، وتحدثت بعض وسائل الإعلام عن نقله لعباس مبادرة أوروبية للعودة للمفاوضات وغض الطرف عن الاستيطان في مقابل دعم بريطانيا وفرنسا للاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة في سبتمبر أيلول المقبل.!! مما جعل بعض المراقبين يصفونها بأنها زيارة تطمينات للسلطة الفلسطينية للتأكيد على أن التقارب مع حماس لن يكون على حسابها.

 

أيضا هذه الزيارة التي استمرت لمدة ساعتين قام فيها العاهل بزيارة قبر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وهو ما وصفه مراقبون بأنه رسالة شكر للفلسطينيين لعدم مشاركتهم في الحراك الشعبي، وجاءت هذه الزيارة في أعقاب عودة العاهل من لندن وقبل زيارة أخرى للولايات المتحدة فيما يبدوا أنها رسائل تطمين أخرى للرباعية الدولية.

 

فهل يستطيع الأردن إقامة علاقات مع حماس دون أن يخسر علاقاته الخارجية مع دولة الاحتلال وسلطة أوسلو؟ وهل من الممكن أن تحتضن بقعة من الأرض تقل مساحتها عن 10آلاف كيلو متر مربع  قيادات المقاومة وإلى جوارهم يرفرف علم الكيان الصهيوني؟ وهل ضاقت الأرض ب "حماس" مما يضطرهم إلى القبول بهذا الخيار بل والسعي إليه؟

 

لعله الربيع العربي يفرض استراتيجيته على المنطقة بل على العالم بأسره، فالأردن ليست الدولة الوحيدة التي تسعى لتحسين علاقاتها مع حماس، فقد سبقتها مصر ودول أوروبية وكيانات برلمانية كثيرة، بل أن بعض أصوات داخل الكيان الصهيوني نفسه تدعو لتغيير سياسات إسرائيل تجاه حماس وقد جاء في صحيفة معاريف الصهيونية، أن حديث الساسة في "إسرائيل" لم يعد  يدور حول مطالبة السلطة الفلسطينية بالتخلي عن حماس، ولكن عن محاولة دراسة الشروط التي تستطيع إسرائيل التعاون خلالها مع حكومة فلسطينية تكون حماس جزء منها، واعترفت الصحيفة أن حماس باتت تحظى بشرعية في حين أن "إسرائيل" تعاني من عزلة دولية

 

في ظل هذه المتغيرات ربما ستسمح الأردن لحماس بإقامة مشروطة في أراضيها وقد  تسمح لها أيضا بإعادة فتح مكاتبها ومزاولة قدر من الأنشطة السياسية لعلها تنجح في "إمساك العصا من المنتصف"، وربما أن الأمر برمته لا يتعدى كونه مناورة تكتيكية لكسب الوقت لحين هدوء عاصفة الربيع العربي، أو لتحقيق بعض المكاسب المؤقتة كإيقاف مخطط الوطن البديل.