كيف أشرح للأسد أن درعا لا تنهزم
14 محرم 1433
د. عوض السليمان

هل يستطيع الأسد أن ينتصر على حسام عياش، أول شهيد في الثورة السورية، وهل يستطيع أن ينتصر على حمزة الخطيب ذي الثلاثة عشر ربيعاً، أو على قرينه تامر.

حمزة وتامر حملا أرغفة الخبز وبعض الطعام وسارا إلى مدينة درعا المحاصرة بالدبابات والمحتلة من الشبيحة والقناصة. اختطفهما الأمن، وأذاقهما ألوان العذاب، ولكن هل انتصر عليهما؟

استطاع حمزة الطفل أن يفجر أرض درعا بـآلاف مثله ومثل صديقه تامر، تماماً كسيد شهداء درعا حسام عياش. أتساءل إذا استطاع الأسد أن ينتصر على أم تامر التي رأت ولدها، وقد تصارع الناس حوله من يكون، فجاءت من بعيد، وقالت بلهجة حوران هذا ابني والله ابني، ونزلت دموعها وهي تقبله على جبينه ويديه وقدميه، وجاء أهل حمزة الخطيب، فقبلوا تامراً وطلبوا منه أن يسلم على حمزة الذي سبقه إلى أعلى عليين.

قالوا له قل لحمزة، اطمئن، ثم رفعوا الصوت مرة أخرى اطمئن، ثم رفعوه أكثر فأكثر، اطمئن ستنتصر أنت ويخسر الأسد. ثم نظر بعضهم إلى بعض وبلا تدقيق أو تمحيص، صرخوا ستعيش يا تامر ستعيش يا حمزة وسيموت الشبيحة. عرفت وقتها كما عرف السوريون كلهم أن سورية انتصرت في معركتها ضد الاضطهاد وضد حكم الشبيحة، وأدركت أن هذا الحكم إلى زوال وأنه "أتى أمر الله"، فهمت تماماً أن حمزة وتامر وحسام انتصروا، وأن درعا انتصرت ومن ورائها سوريا كلها.

يأخذ أنور دراجته النارية القديمة، وحده في شمس النهار وفي ظلمة الليل الحالك أيضاً، يسير في شوارع قرى درعا الشرقية، ويصرخ بأعلى صوته "الفزعة يا رجال" الفزعة يا أهل حوران، وأين النخوة وأين النشامى، أينكم يا أهل صيدا، أو النعيمة أو أو...وتلبي القرى النداء، وتتحد مع مدينة درعا، لتفجر شرارة ثورة ما عرف التاريخ مثلها ولن يعرف ولست مبالغاً في ذلك، ففي سورية وبعد تسعة أشهر يخرج السوريون يقابلون الرصاص بالأهازيج، بمواويل عبد الباسط ساروت وطرائف الحماصنة وتصبّر درعا.

كان أنور يصيح وحده، الفزعة الفزعة، واليوم كل درعا أنور، تصيح، لكن، "أبشر الموت ولا المذلة". الشعار الذي أصبح رمز سورية كلها.

شبيحة النظام، يوعدون بالملايين للقبض على أنور، إذاً من المنتصر أنور أم هم. وكيف يوقفون اليوم زحف أنور ليس في درعا وحدها بل في سورية كلها. انتشر أنور، كما انتشر حسام، وحمزة وتامر كالنار في الهشيم، فأدركي شبيحة أدركي.

في درعا، تمر عجوز طاعنة في السن على حاجز أمني، وكلما اقتربت منه، قالت:" شالوم"، وبعد أن تكرر الأمر مرات، سألها أحد الواقفين هناك، لماذا تقولين لنا شالوم، فردت دونما إبطاء" يي هاي بتحكوا عربي مثلينا".

آباء درعا وأمهاتها يطلبون من أبنائهم ألا يعودوا إلى البيوت إلا مصحوبين بزغاريد الشهادة، فهل يعقل أن ينتصر على هؤلاء أحد.

عندما بدأت الثورة، وقد شرّف الله درعا ببدايتها، لم يبق رجلان مختلفان في المدينة كلها، وكان الشباب المنتصر، يستيقظ في الفجر فيصلي ركعتيه، ثم يلبس كفنه ليخرج باحثاً عن الشهادة. أيها الشبيحة إننا نحب الموت في سبيل الله، كما تحبون الإفساد في الأرض. فمن سينتصر علينا إذاً.

لا يعتقدنَ أحد أن الأسد أقال فيصل كلثوم محافظ درعا، وعاطف نجيب رئيس قسم الأمن السياسي من منصبيهما، رغبة منه في تهدئة الأوضاع، بل فعل ذلك خوفاً على صاحبيه، فقد كان رأس الرجلين هدف المنتصرين في درعا، ولو بقيا يوماً واحداً زيادة في تلك المدينة لسحقهما الثوار هناك.

في درعا، يخاف النظام من رجل ضرير، اسمه الشيخ أحمد الصياصنة، كان له فضل كبير في اندلاع تلك الثورة، فمما لا يعرفه الكثير من الناس، أن وفد وجهاء درعا، وعندما لاقى استخفاف عاطف نجيب توجه إلى المسجد العمري، وهناك ألقى الشيخ الصياصنة، خطبة عصماء في ضرورة الثورة على الظلم والاضطهاد، وأن تلك الخطبة أسهمت إلى حد كبير في تفجير الثورة السورية. ولقد عمد الأمن السوري إلى قتل ولد الشيخ، كما فرض عليه الإقامة الجبرية. فهل ينتصر نظام يرتجف من رجل ضرير.

درعا، أعادت لنا شجاعتنا وصنعت حريتنا، عندما تقول اليوم لأحد أنك من حوران، فتوقع على الفور أن يعاملك معاملة الشجعان، ويعترف بفضلك، ولن ينسى أن يقول لك "الله محيي أهل درعا، والله رفعتم راسنا". حتى هنا في فرنسا فإنه ينظر إلى الحوارنة على أنهم أصحاب ثورة لا مثيل لها. لقد فعلها أطفال درعا، حتى أصبحت قصة رجولتهم تحكى في أبعد البلاد.

هل يعلم السادة القراء، أن شبيحة النظام، كانوا إذا واجهوا الحوارنة، يرمون أسلحتهم ويخلعون أحذيتهم، ويفرون فرار الأرانب، بل وكان بعضهم يصيح سلمية سلمية، خوفاً من رجالات درعا وفرسانها.

إذا كان الأسد يريد أن يعرف من سينتصر في هذه المعركة، فعليه أن يقرأ التاريخ جيداً وينتبه جيداً، فإن أي معركة جرت على أرض درعا، قلبت كفة التاريخ كله. فليطلع على كمين الحوارنة لغورو، وثورة المسيفرة التي قلبت تاريخ الاستعمار الفرنسي، وليقرأ عن معركة اليرموك بقيادة خالد رضي الله، التي غيرت تاريخ سورية والمشرق كله، والتي جرت بالقرب من وادي اليرموك في درعا. ولا أعرف كيف غاب عن بال الرجل، أن درعا إذا قالت وفت، وقد قالت كلمتها وستنتصر.