إيران.. حتمية الضربة وقيود رد الفعل
12 محرم 1433
حمزة إسماعيل أبو شنب

تقديم :
منذ أسابيع ووتيرة الحديث عن ضربة عسكرية للمفاعلات النووية الإيرانية تتعالى ، ولعل الحديث الصهيوني عن توجيه ضربة هي الأكثر سخونة من غيرها ، في الوقت الذي يتم الحديث فيه عن تقرير الوكالة الدولية وموجة العقوبات القادمة من مجموعة من دول العالم تعزز نظرية احتمالية توجيه ضربة عسكرية لإيران .

 

 

هل الظروف ملائمة لتوجيه ضربة ؟
لا شك بأن التغيرات الحاصلة في المنطقة العربية تقود الكثير من المحللين إلى أن الظروف لا تسمح بدخول حروب في المنطقة بسبب التراجع الأمريكي بعد هزيمته في أفغانستان وقرب انسحابها من العراق نهاية العام ، بالإضافة إلى الأزمة المالية التي تعيشها مع حلفائها في منطقة اليورو ، ناهيك عن الظروف المحيطة بالجانب الصهيوني بعد سقوط النظام المصري والعلاقات المتوترة مع تركيا .

 

كل ما أسلفناه سابقاً جعل الكثير من المحللين يستبعد خيار الضربة العسكرية في هذه الظروف الحالية ولكن هذه العوامل قد تستبعد الدول الأوروبية من الدخول في ضربة ضد المنشآت الإيرانية النووية ، ولكنها لا تمنع دولة الكيان الصهيوني من توجيه ضربة خاطفة لإيران سواء بعلم ومشاركة الإدارة الأمريكية أو بجهود صهيونية فقط ، ويعود التفكير في توجيه ضربة في هذا التوقيت إلى العديد من العوامل المحيطة مثل:
•    الأوضاع الغير مستقرة التي تعيشها سوريا مع الاحتمالية المتزايدة لسقوط النظام فيها تجعل دولة الكيان تفكر في الضربة ضد إيران حتى تتفرغ للأوضاع في سوريا بعد الأسد.
•    الضغط الداخلي المتزايد على حزب الله في لبنان مع القلق الذي يساوره في ظل تغير الأوضاع في سوريا ، مما يجعله يفكر فقط في الحفاظ على قوته الداخلية وعدم استنزافها في صراع خارجي ضد إسرائيل في حال تم توجيه ضربة لحلفيه وزعيمه الروحي الإيراني .
•    فشل إيران في زعزعة الأوضاع في البحرين بعد تدخل السعودية بقواتها مما عزز لدى الكثير من القيادات الصهيونية بأن إيران غير قادرة على التأثير بشكل قوي في المنطقة .

 

•    موقف إيران وحزب الله من الثورة العربية المتناقض حيث أبدت تأييدها للثورة المصرية و التونسية في حين ساندت بشكل كبير أبشع الأنظمة القمعية في المنطقة العربية بشكل واضح وعلني ، وقدمت له الدعم بكافة أشكاله مما أضعف موقفها أمام الشعوب العربية وتراجعه شعبيتهم بشكل كبير جداً في الوسط العربي والإسلامي ، مما يفقدهم التعاطف الشعبي في حال تم توجيه ضربة لإيران لأن الصورة الراسخة الآن لدى الشعوب العربية صورة القمعية السورية فسحب الأمر على كل حلفائها و مسانديها في المنطقة .
•    اقتراب موعد الانتخابات الإيرانية البرلمانية في الوقت التي تعيش فيه إيران أوضاع داخلية صعبة ومعقدة تجعل القيادة الإيرانية تركز تفكيرها على المحافظة على الحكم والاستقرار الداخلي أكثر من إشعال جبهات خارجية تفاقم الأوضاع الداخلية وتهددها .  
•    تعرض إيران للعديد من العمليات و الاغتيالات في صفوف علمائها وقيادات الحرس الثوري الإيراني ، وقد اتهمت جهاز الاستخبارات الأمريكية والموساد الإسرائيلي دون رد يذكر على هذه العمليات ، مما عزز لدى الأجهزة الأمنية العالمية بأن الوضع الداخلي الإيراني سهل الاختراق وهو ما يقوي نظرية أن الحفاظ على الجبهة الداخلية هي أسمي أمنيات النظام في إيران . 

 

•    الانسحاب الأمريكي من العراق مع نهاية العام والمحافظة على السيطرة الإيرانية في العراق تجعل إيران مكتوفة الأيدي أمام أية ضربة ستتلقاها حتى لا تفقد نفوذها في العراق  .
•    الموافقة العربية الصامتة على توجيه ضربة عسكرية لإيران بقيادة دول الخليج بسبب حدة التوتر بينهم بدون مشاركة فعالة منهم .        
مما لا شك فيه بأن بعض العوامل قد تكررت وسيناريو الصراع الداخلي الإيراني قد تم تجريبه في الانتخابات الرئاسية السابقة ، ولكن هناك ظروف مختلفة عما سبق و الضغوط كبيرة  والحديث الإيراني عن تفعيل الأقليات في المحيط العربي يقابلها حديث عن تحريك الأقليات في إيران ، أما الملف الكردي فهناك اتفاق بين تركيا وإيران على توحيد الجهود لمكافحة التمرد الكردي ضد الدولتين .

 

 

"إسرائيل" تستعد وتهيئة الجبهة الداخلية
لقد اعتمدت "إسرائيل" دائماً على تهيئة الجبهة الداخلية لأية عملية خارجية كبرى ستقوم بها ولقد جيشت دولة الاحتلال الصحف "الإسرائيلية" من خلال التحليلات واستطلاعات الرأي التي أيدت توجيه ضربة عسكرية ، وأبدت ثقتها بقرارات رئيس الوزراء نتنياهو ووزير دفاعه بارك خلال الفترة الماضية ، وتفاعلت التصريحات أكثر عندما صدرت تصريحات القيادات العسكرية والأمنية وتُوجت بتصريح رئيس الدولة وثعلب السياسة الإسرائيلية شمعون بيريز ، عندما تحدث عن  احتمالات شن هجوم على إيران" من جانب "إسرائيل" أو دول أخرى" ، وهذه كلها عوامل لتهيئة الجبهة الداخلية بأن الدولة مقدمة على معركة خارجية ، ولم يتوقف الاستعداد "الإسرائيلي" عند هذا الحد بل كان الاستعداد العسكري قد سبق ذلك من خلال تدريبات عسكرية تحاكي قصف المنشآت النووية الإيرانية و آلية تزويد الطائرات بالوقود ، لأن المسافة التي ستقطعها الطائرات الإسرائيلية طويلة ، وتم ذلك من خلال طلعات جوية طويلة وصلت بها الطائرات إلى رومانيا بالإضافة إلى تدريبات الجبهة الداخلية التي تحاكى تعرض إسرائيل للعديد من القذائف الصاروخية على أكثر من جبهة .
"إسرائيل" تمتلك تجربة جيدة في تنفيذ هجمات ولعل قصف مفاعل تموز العراقي عام 1981 وبعد ذلك قصف مفاعل دير الزور السوري يشجعها على تنفيذ مثل هذه الضربات لإيران ، والتي قد تكون دون مشاركة الولايات المتحدة التي طلبت بأن من "إسرائيل" تبليغها إذا قررت أن تنفرد بالهجوم ، وقد فعلتها سابقاً مع مفاعل العراق حيث تم إبلاغ الرئيس الأمريكي بعد عودة الطائرات "الإسرائيلية" إلى قواعدها .

 

 

السيناريو المحتمل لتنفيذ الضربة ورد الفعل الإيراني
موضوع ضرب إيران قد يكون قد دخل حيز التنفيذ لدى "الإسرائيليين" وهم بانتظار الإدارة الأمريكية ، ولعل التفكير لديهم هو توجيه ضربة محدودة لا تمس الحرس الثوري أو مراكز القيادة إنما الضربة فقط ستتوجه إلى المفاعلات الأربعة من خلال عملية عسكرية وذلك بإغارة الطائرات على الأهداف المطلوبة ثم العودة ، وهذا السيناريو هو الأسهل والأكثر فعالية والذي يحقق الهدف المطلوب حيث أن الأطراف لا تسعى إلى إسقاط النظام في طهران أو هزه بقدر ما هي تحتاج إلى وقف نشاطه النووي ، وهذا هدف يجتمع عليه كافة الأطراف الغربية والأمريكية .

 

 

رد الفعل الإيراني
الحديث الإيراني عن سحق "إسرائيل" وأن التحالف الثلاثي مع سوريا وحزب الله في لبنان يدخل في خضم رد الفعل الإيراني النفسي من جراء تعرضها لضغط إعلامي كبير ، فتحاول أن تبرز قدراتها العسكرية من خلال التصريحات وتحاول أن تجعل من حديث حلفائها بحرق الشرق الأوسط وزعزعة المنطقة ما هو إلا جعجعة إعلامية ، فقد تعرضت سوريا وهي ضمن التحالف لضرب المفاعل النووي في دير الزور عام 2007 م ولم يرد الحلفاء ، وقد تعرض حزب الله لعملية اغتيال قائدها العسكري وسط دمشق ولم يتحرك قط حتى هذه اللحظة .

إيران تعلم بأن الضربة العسكرية لن تسقط النظام فيها وأن الهجوم فقط يستهدف منشآتها النووية لذلك لن تخاطر إيران بالدخول في مواجهة واسعة في المنطقة ، وقد تكتفي برد فعل استعراضي أو التعليل بأن الرد سيكون قادماً لأن لدى إيران مشروعها الذي تخشى أن يهدم في حال دخلت مواجهة في ظل هذه الظروف المحيطة ، وستحافظ على فوزها بالعراق حتى و المحافظة على التوسع الفكري في الدول العربية وتقوية نفسها والحديث عن تفعيل جبهة حزب الله لم يمكن أن يحدث في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها سوريا ، فيسكون من الصعب على إيران أن تضع حزب الله في مواجهتين داخلية وخارجية بدون عمق داعم له كما كان يجرى في السابق ، أما الجبهة الفلسطينية فلا يمكن الحديث أو التفكير فيها فهي خارج كافة الحسابات ولا يمكن لها أن تضع نفسها في قضية يجمع العرب عليها ، لذلك ستكتفي الجبهة الفلسطينية بالاستنكار ورفض العدوان حالها حال العديد من الدول المعارضة لضرب إيران .                              

 

 

  
الخلاصة :
ضرب إيران قد أصبح أمراً حتمياً وقريباً ولكن ليس قبل شهرين أو أربعة أشهر وهي المدة التي سيتم فيها انسحاب الولايات المتحدة من العراق ، وتكون الأمور في سوريا قد وضحت الرؤيا فيها من خلال استمرار النظام أو ترنحه أو سقوطه ، في جميع الاحتمالات إسرائيل ستنفذ الضربة لأن بقاء النظام السوري خلال الفترة القادمة أو خروجه من الأزمة سيكون غير قادر على أية مواجهة ، أما التعويل الإيراني على موقف روسيا فهذا رهان خاسر لأن ما عهد عن روسيا تقديم مواقف كلامية لحلفائها و التخلي عنهم عند المواجهة ، ولعل تجربة العراق عام 1991 م خير دليل على ذلك مروراً بالأزمة اللبيبة وحتى موقفهم من الأحداث في سوريا ، فروسيا تفكر بالرشوة الأمريكية بإدخالها في منظمة التجارة العالمية وقد تكون سوريا وإيران هما الثمن !