الارهاب في الحرب ضد الارهاب
10 محرم 1433
علي مطر

أدت ما يسمى بالحرب ضد الارهاب الى قتل ما لا يقل عن 000ر35 مدنيا باكستانيا في عمليات ارهابية وقعت على الاراضي الباكستانية، وذلك نتيجة لتورط باكستان بقياديتيها العسكرية والسياسية في هذه الحرب، وعلى الرغم من خسارة الولايات المتحدة للحرب في افغانستان وسيطرة طالبان على 40 بالمائة من الاراضي الافغانية، وكون الولايات المتحدة تنفق على التسلح اكثر من جميع دول العالم مجتمعة، الا انها ليست قادرة على اخضاع حركة طالبان، وليست قادرة على فرض السيطرة على انحاء هذا البلد؛ الا ان وزيرة الخارجية الامريكية صرحت قبل بضعة اسابيع من العاصمة الافغانية كابل بان قواتها سوف تلاحق من وصفتهم بالارهابيين وستضربهم بكل قوة وتدمر المخابئ الامنة التي يتمتعون بها سواء كانت في الجانب الافغاني او الباكستاني من الحدود الفاصلة بين البلدين، ضاربة عرض الحائط بكون باكستان حليفا رئيسيا لواشنطن في الحرب ضد الارهاب. هذا التصريح يحمل دلالة واضحة على الطريقة التي تتعامل من خلالها الولايات المتحدة مع احد حلفائها الرئيسيين منذ هجمات 11/9 ، وقيام الرئيس الباكستاني السابق في اقحام باكستان في مواجهات مع عدو مجهول الهوية، وتسخير قدراتها لكي تصبح خادما طيعا للمصالح الامريكية في منطقة ( افغانستان – باكستان )، كما يحلو لصانعي القرار الامريكي تسميتها. اما الدلالة الاخرى على الازدراء الذي تقابل به الولايات المتحدة حليفتها الرئيسية، فهو رفض الرئيس الامريكي مجرد تقديم الاعتذار على الهجوم الذي شنته قوات الناتو على موقعين حدوديين باكستانيين بتاريخ 26 نوفمبر، والذي استمر لمدة ساعتين متواصلتين، وادى الى قتل 26 شخصا من العسكريين الباكستانيين، ما بين ضابط وجندي، على الرغم من ان مسؤول الموقعين قد خابر قوات المساعدة الدولية لحفظ السلام في افغاستان – ايساف – واطلعه على ان الموقع الذي يتعرض للقصف هو موقع باكستاني حليف، ولكن ايساف لم تكترث بالتحذير، واستمرت طائرات حلف الناتو في القصف غير المبرر، سوى انها كانت تعمل على انقاذ 50 مسلحا معادين لباكستان، والذين كانت القوات الامنية الباكستانية قد نصبت لهم كمينا بالقرب من موقع سالالة الحدودي بمناطق مهمند القبلية المتاخمة لاقليم كونر الافغاني، والذي ينطلق منه المسلحون المعادون لباكستان لتنفيذ عمليات ضد الجيش الباكستاني بدعم وحماية واسناد من قوات ايساف وقوات حلف الناتو والقوات الامريكية المتمركزة بافغانستان.

 

 

والسؤال المطروح بعد هذا الهجوم السافر على سيادة باكستان وتكامل ترابها هو الى اين تسير العلاقات الباكستانية – الامريكية بعد انعدام الثقة بين الجانبين، وما هي البدائل امام الولايات المتحدة في حال ما اذا تعرضت علاقاتها مع باكستان الى مزيد من التدهور، ونتيجة لهذا التدهور، ما هو الاتجاه الذي سوف تسلكه السياسات الامريكية القادمة في افغانستان.

 

 

الجنرال كياني قائد الجيش الباكستاني اصدر اوامره الى قواته بان لا تتردد لحظة في الرد بكل القوة الممكنة على اي اعتداء آخر تتعرض له الاراضي الباكستانية، وانه لا يجب عليهم ان ينتظروا صدور اوامر بالرد من القيادة العليا للقوات المسلحة الباكستانية الكائنة بمدينة راولبندي المجاورة للعاصمة اسلام اباد. وهذا ينم عن تغيير واضح في المواقف الباكستانية تجاه علاقات التعاون واشكاله مع الولايات المتحدة، ويندرج في اطار توصيات لجنة الدفاع التابعة لمجلس الوزراء الباكستاني، والتي قررت ضرورة القيام بمراجعة شاملة للعلاقات مع الولايات المتحدة وخصوصا ما يتعلق بعلاقات التعاون غير المكتوبة بين البلدين منذ سنوات حكم الجنرال مشرف، سواء كانت علاقات التعاون تلك سياسية او عسكرية او دبلوماسية، اللجنة قررت ايضا مطالبة الولايات المتحدة باخلاء قاعدة الشامسي الجوية واعادة السيطرة عليها للجيش الباكستاني بحلول تاريخ 11 ديسمبر الجاري، الذي تنتهي فيه المهلة التي حددتها اللجنة لذلك وهي 15 يوما، وقد ناقش البرلمان الباكستاني الاوضاع الناجمة عن الاعتداء الامريكي على الموقعين الحدوديين الباكستانيين، وقرر المصادقة على قرارات لجنة الدفاع التي تعتبر من اهم اللجان الاستراتيجية في باكستان. كما قررت اللجنة وقف مرور ونقل الامدادات الى قوات حلف الناتو والقوات الامريكية من خلال باكستان الى افغانستان، وهذه تشكل ضربة قوية واجراء انتقامي حازم من جانب باكستان، وهو ما اضطر القوات الامريكية الى استخدام الناقلات الجوية الضخمة لالقاء المعونات والامدادات من الجو على المواقع العسكرية الاجنبية المنتشرة في انحاء افغانستان.

 

 

تبقى معرفة ما اذا كانت الاجراءات الباكستانية مجرد محاولة لاسكات غضب الشارع الباكستاني على الهجوم الاستفزازي وعلى سقوط القتلى، اما انها بوادر تغيير شامل في اتجاهات السياسة العامة لباكستان، والتي لوحظ في الشهور الاخيرة انها تبحث عن تحالفات اقليمية جديدة لمساعدتها في فك ارتباطها غير المقدس مع الولايات المتحدة، حيث ان دولا مثل الصين وروسيا وايران ليست بعيدة كثيرا عن الافكار التي تتناول البحث في هذا التحالف المحتمل قيامه، والذي ربما اخذ يتشكل على ارض الواقع بعد وقوف الدول الاربعة في وجه محاولات الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة في مؤتمر اسطنبول الاخير حول افغانستان، الذي عقد في الاسبوع الاول من شهر نوفمبر، وهي المحاولات الرامية الى تشكيل مجلس امني لمنطقتي وسط وجنوب اسيا يكون خاضعا لسلطة الولايات المتحدة التي بيدها ادارة دفته بالاتجاه الذي تراه مناسبا لتحقيق مصالحها في هاتين المنطقتين الهامتين، واللتان تزخران بالموارد البشرية والطبيعية الضخمة. الهند التي شاركت بالمؤتمر، وقفت موقف المتفرج ازاء هذه المحاولات طمعا في ان يكون لها دور ريادي في المجلس المقترح الذي رفضته كل من باكستان والصين وروسيا وايران.

 

 

كما ان تغيب باكستان عن مؤتمر بون قد القى على كاهل الولايات المتحدة عبئا اخر، خصوصا وانها تضغط على باكستان لكي تقوم بدورها بالضغط على حركة طالبان الافغانية لكي تقبل بالجلوس على طاولة المفاوضات وفق املاءات وشروط الولايات المتحدة – التي تعتبر الطرف المهزوم في الحرب الافغانية، بالاضافة الى ان الولايات المتحدة تحاول جمع اكبر عدد ممكن من الحضور في مؤتمر بون حول افغانستان، الذي يعقد بتاريخ 5 ديسمبر الجاري، لكي يتم التوقيع امام الملأ على المعاهدة الامنية الاستراتيجية بين افغانستان والولايات المتحدة، والتي تسمح للولايات المتحدة ضمن اشياء كثيرة، باقامة قواعد عسكرية دائمة في افغانستان بعد الانسحاب المقرر للقوات الامريكية من افغانستان في عام 2014م. حيث ان الولايات المتحدة تقوم ببناء قاعدة عسكرية ضخمة على الطريق الواصل بين مدينة جلال اباد والعاصمة كابل، في منطقة محاطة بالجبال ومنزوية عن الطريق العام الواصل بين المدينتين، ومن المتوقع ان تكون من كبريات القواعد العسكرية الامريكية خارج اراضيها.