التدخّل الأجنبي والحماية الدولية: بين المحظور والمباح
7 محرم 1433
د. محمد بسام يوسف

مع اشتداد وطأة المحنة في سورية، واشتداد العمليات الإجرامية للنظام السوريّ بحق شعبنا، من قتلٍ وجَرحٍ واعتقالٍ وإخفاءٍ وتهجيرٍ وإذلالٍ وتعذيبٍ وتدميرٍ ونهبٍ واستباحةٍ لكلّ محرَّم.. بدأت ترتفع أصوات شعبنا بطلب الحماية الدولية، وما يستلزم ذلك من تدخّلٍ عربيٍّ أو إسلاميٍّ أو دوليّ.

 

لدى سؤال مذيعي القنوات الفضائية الكثيرين من العناصر الفاعلة داخل سورية وخارجها، عن معنى الحماية الدولية المرغوبة وفحوى التدخل الدوليّ المطلوب، لم يتمكن أحد من المتحدِّثين أن يقدّم جواباً شافياً واضحاً متكاملاً.. لقد بدت هذه الضبابية غريبةً، أن لا تكون هناك رؤية واضحة موحَّدة لهذه الحماية الدولية.

 

إنّ الساحة السورية حافلة بالمخلصين والعاملين والمضحّين في سبيل نيل الحرية والكرامة، لكن من الواضح أن ما أفرزته أحداث الثورة من تطوّرٍ في المواقف الإيجابية والثمرات العظيمة، لم يؤدِّ -حتى الآن- إلى اتفاقٍ في الرؤية وبلورةٍ للمواقف والمفاهيم، التي تنعكس وحدةً في التحرّك على الأرض، وتوحيداً للجهد في بناء المستقبل. وهذا يدفعنا –من منطلق الحرص على نجاح الثورة- أن نسهم في اتّخاذ الموقف السياسيّ الصحيح، ضمن بلورة المفاهيم المهمة التي يُبنى عليها الموقف الشعبيّ، حالياً ومستقبلاً، ومن ذلك: مفهومنا الوطنيّ والشرعيّ للتدخل الأجنبيّ والحماية الدولية، وذلك بالنظر الموضوعيّ إلى الواقع الحاليّ وما تحكمه من محدِّداتٍ وضوابط، تصبّ في قناة المصلحة الوطنية والواجب الأخلاقيّ والشرعيّ.
*     *     *

 

 

يمارس النظام السوريّ الأساليب الرئيسية التالية للاستفراد بالشعب الأعزل:
1- الحرص التام على تحويل ساحة الصراع إلى ما يشبه الصندوق المغلق، الذي تُمنَع عنه أيةُ وسيلةٍ إعلاميةٍ حيادية، تستطيع نقل الصورة الحقيقية لما يجري داخل ساحة الصراع.
2- اقتراف كل الانتهاكات بحق الشعب، وبأبشع صورة، بعيداً عن رقابة منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدوليّ، وقد ارتقت جرائمه إلى مستوى (الجرائم ضد الإنسانية)، كما أشار المختصّون المعتَمَدون في المنظّمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة.
3- استباحة الزرع والضرع، وإهلاك الحرث والنسل، مستخدماً كل صنوف السلاح، دون أي وازعٍ أخلاقيٍّ أو إنسانيّ، بعيداً عن المحاسبة أو القصاص.

 

وهذا يفرض حمايةَ شعبنا السوريّ من عمليات الإبادة التي يرتكبها النظام بحقه، ضمن المفاهيم والضوابط التالية:
1- حماية المدنيين من القتل والقمع والتنكيل.. واجب عربيّ ودوليّ تفرضه المواثيق العربية والدولية، والشعب السوريّ جزء من المنظومة العربية والإسلامية والدولية، له حق الحماية بكل الوسائل المتاحة.
2- نحن نطالب الدول العربية الشقيقة والدول الإسلامية قبل غيرها، أن تقومَ بواجبها في حماية الشعب السوريّ الذي يتعرّض للإبادة.
3- إنّ فشل الدول العربية في حماية شعبنا، واستمرار النظام في حملة الإبادة للشعب السوريّ، سيؤدي حتماً إلى التدخّل الدوليّ، لأنّ القوانين الدولية والإنسانية ستفرض ذلك، فسورية دولة عضو في الأمم المتحدة، وجزء من المجتمع الدوليّ، والنظام السوريّ هو المسؤول الوحيد عن مثل هذا التدخّل الدوليّ إن وقع، لأنه هو الذي يستجلبه بممارساته وانتهاكاته المختلفة.

 

الحماية الدولية والتدخّل الدوليّ -في رؤيتنا- يقتضي:
التعامل العربيّ والإسلاميّ والدوليّ مع الشعب السوريّ، على أنه جزء من المجتمع الدوليّ، وأنّ سورية جزء من منظومة الجامعة العربية والدول الإسلامية والأمم المتّحدة، تحكمها القوانين والمعاهدات والتفاهمات الدولية، التي تحمي الإنسان من أي اعتداءٍ أو انتهاكٍ لحقه في الحياة، بل في الحياة الإنسانية الحرّة الكريمة، وهذا يستدعي بالضرورة جملةً من الإجراءات:
1- تشكيل اللجان الإعلامية والفِرَق الإنسانية المختصة، العربية أو الإسلامية أو الدولية، التي تنشط رسمياً في ساحة الصراع، لتقديم التقارير المطلوبة عما يجري بالضبط في هذه الساحة.
2- أن تتولى المؤسّسات الدولية (الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامية والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدوليّ) إرسال مراقبين دوليين، ومراقبين عن المجلس العالميّ الأعلى لحقوق الإنسان، لمراقبة ما يجري على الأرض من انتهاكات النظام لحقوق الإنسان السوريّ.
3- تقديم مجرمي النظام إلى المحاكم الجنائية الدولية، وتسريع فتح ملفاتهم ومحاكمتهم.
4- اتخاذ قرارٍ واضحٍ من المؤسسات الدولية –بما فيها العربية والإسلامية ومجلس الأمن- يُدين النظام السوريّ، ويحذره من مغبّة استمراره في انتهاك حقوق الإنسان.
5- اتخاذ القرارات الدولية اللازمة لعزل النظام السوريّ، اقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً، وفرض الحصار الصارم عليه، وقطع كل العلاقات معه، وفرض العقوبات الجدية عليه، ومنع إمداده بالسلاح والعتاد والرجال من قِبَلِ حلفائه أو داعميه، تحت طائلة المسؤولية.
6- تقديم كل أنواع العون والمساعدات للشعب السوريّ، المادية والمعنوية والإغاثية والطبية.
7- مَدّ يد العون للمنشقّين من شرفاء الجيش السوريّ، ليتمكّنوا من تقديم الحماية لأهلهم وأبناء شعبهم وحراكهم.

 

8- إنّ موقفنا من الحماية الدولية العسكرية والتدخّل الدوليّ –كما نراه- يتضمّن ما يلي:
أ- الحماية العسكرية وموجباتها وطرائقها من قِبَل الدول العربية والإسلامية غير المتورِّطة في دعم النظام وارتكاب الجرائم بحق شعبنا.
ب- نقبل الحماية العسكرية التي تقدّمها الدول العربية والإسلامية، بتنسيقٍ تامٍ مع شعبنا وممثليه، ومع جيش الثورة المنشقّ عن جيوش النظام.
ج- كما نقبل بالتدخّل الدوليّ تحت مظلّةٍ عربية، على ألا يمسّ ذلك بالسيادة الوطنية السورية، وأن يكون ضمن أُطُر القوانين الدولية والقرارات ذات العلاقة، التي تحمي الشعوب من حملات الإبادة، ومن الجرائم ضد الإنسانية. ونرى أنّ الحظر الجويّ، وإقامة مناطق عازلة.. هي أفضل ترجمةٍ لما نذكره.
*     *     *

 

 

إنّ الثورة السورية المبارَكَة ماضية إلى هدفها في تحقيق الحرية لسورية وشعبها، مهما بلغت التضحيات، ومهما طالت مدة الصراع، وخير للعرب والمسلمين والمجتمع الدوليّ أن يكونوا أوفياء للمبادئ الإنسانية والأخلاقية في حماية شعبٍ أعزل يتعرّض لمختلف الجرائم ضدّ الإنسانية، فشعبنا لن ينسى الفضل لأولي الفضل، كما لن ينسى تخاذل المتخاذلين عن الوفاء باستحقاقات الشرائع الأخلاقية والإنسانية والدولية.. وهو –حتماً- لن ينسى تواطؤ المتواطئين وتآمر المتآمرين، المصطفّين إلى جانب النظام الأسديّ المجرم، من أولئك الأنذال –أفراداً وأحزاباً وحكومات- الذين يدعمونه ويمدّونه بأسباب الجريمة ونصاب البقاء.