ماذا يريدون بمصر؟
1 محرم 1433
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

ما تشهده مصر الآن من أحداث قد يكون أصعب بمراحل من الثورة التي أطاحت بنظام الطاغية مبارك, والاسباب بسيطة وجلية فالمصريون يوم أطاحوا بنظام مبارك كانوا على قلب رجل واحد وكان هدفهم واضح وكان التأييد الشعبي لثوار التحرير لا يشوبه شك لذلك لم يجد مبارك مفرا من الرحيل ولم يجد قادة الجيش مفرا من الانحياز للثوار ليس اقتناعا بما يطمحون إليه بقدر من يقينهم بأن الشعب بكافة طوائفه يقف وراءهم وأن أي خيار آخر سيؤدي إلى الإطاحة بهم أيضا مع النظام, أما الوضع الحالي فقد اختلط فيه الحابل بالنابل وانقسم الثوار رغم اتفاقهم على إدانة سياسات المجلس العسكري وأجهزة الأمن والمطالبة بالتحقيق في قتل المتظاهرين وفقأ أعينهم عمدا, إلا أنهم يختلفون على بقاء أو رحيل المجلس العسكري في الوقت الحالي, كما يختلفون على الشخصيات المرشحة لتولي الوزارة القادمة, وهل ينبغي تعيين مجلس رئاسي لتولي مهام المجلس العسكري؟ أم يفوض المجلس صلاحياته لرئيس الوزراء القادم ؟ ومن مظاهر هذا الانقسام امتناع جماعة الإخوان عن المشاركة في مليونية "الفرصة الأخيرة" أو "حق الشهيد"  وفقا لتسميات مختلفة أطلقت عليها من متظاهري التحرير, كما أنه في نفس الوقت الذي تقام فيه مليونية التحرير تقام فيه مظاهرة تأييد للمجلس العسكري في العباسية..

 

ورغم أن الدعوة إلى مظاهرة العباسية يشوبها الكثير من الشبهات لوقوف عدد من فلول النظام السابق ورائها إلا أنه من المؤكد أن هناك من سينضم إليها ممن يؤيدون الثورة خوفا من زعزعة الاستقرار ودخول البلاد في نفق مظلم وهو ما سيكرس الانقسام الشعبي في وقت تحتاج فيه البلاد إلى الاتحاد لبناء مستقبلها ..

 

من الغبن البين أن نلقي تبعة هذا الانقسام على جهة وحيدة رغم أن دور المجلس العسكري في ذلك هو الأكبر فسياسة "الطبطبة" على رموز النظام السابق طوال الفترة الماضية وتأجيل قانون الغدر وعدم تطهير مؤسسات الدولة من أذنابهم خصوصا وزارة الداخلية التي أسندوها لشخص ضعيف وعديم الكفاءة, اسهم بشدة في حالة الغليان التي كانت تزداد يوما بعد يوم حتى حدث الانفجار فجر الجمعة الماضية, والغريب أن المجلس وهو يحاول تهدئة الاوضاع وقع في خطأ قاتل أثار استفزار متظاهري التحرير ونكاتهم وهو تعيين كمال الجنزوري وزير ورئيس وزراء مبارك والعضو البارز في حزبه لعشرين سنة رئيسا  لحكومة "الإنقاذ الوطني", لقد اقترح المتظاهرون العديد من الاسماء وبعضها وافق بشرط منحها صلاحيات واسعة ولكن لم يتم الاستجابة دون تفسير واضح, كذلك لا يمكن أن نتجاهل دور بعض القوى السياسية التحريضية التي تخشى من الفشل في اختبار الانتخابات والكشف عن ضعف وجودها في الشارع وتسعى لكي تحكم من الميدان وهو أمر شديد الخطورة ويتم استخدام الشباب الغر الطاهر في سبيل تحقيقه مما سيؤدي إلى عواقب ضخمة لن تقف عند المرحلة الحالية ولكن قد تتعداها إلى ما بعد انتخاب حكومة باختيار الشعب حيث يتم تفجير التحرير عند حدوث أي خلاف على بعض القرارات..

 

فلول النظام السابق داخل وخارج المؤسسات الرسمية تسعى بقوة أيضا لدق أسافين بين الجيش والثوار حتى يتسلل إلى الحكم من جديد وهي مسؤولة بشكل أو آخر عن تزايد عدد القتلى والجرحى بالتحرير حيث تم ضبط عد من البلطجية المسلحين في الميدان..القوى الخارجية كذلك مثل أمريكا و "إسرائيل" لا تريد وصول الإسلاميين للحكم وتخشى من خروج الامور عن سيطرتها لذلك هي تدفع لاستغلال الاوضاع واللعب من تحت المائدة لإشعال الموقف بتسخين بعض الاطراف على بعض..

 

التلويح باستفتاء جديد من المجلس العسكري على بقائه أو عدمه هو رهان على رغبة الشارع في الاستقرار وهو حقيقي تماما ولا نريد أن ندخل في جدل عقيم حول الفارق بين الجيش كمؤسسة و قياداته الذي يشكلون المجلس العسكري والذين ارتكبوا أخطاء واضحة طوال الفترة الماضية لكن المهم الآن هو ما التزموا به بتسليم السلطة بشكل كامل خلال 7 أشهر فقط وهو ما ينبغي المطالبة بتأكيده عن طريق مرسوم مكتوب وليسعى الجميع للتهدئة حتى مرور هذه الأشهر لنقل السلطة بشكل طبيعي للشعب وعندها فقط سيتم محاسبة المسؤولين عن قتل المتظاهرين وجميع أركان نظام مبارك وتطهير البلاد من شرورهم...

 

اللغط الذي يثار الآن في الشارع ليس في مصلحة التحرير ولا في مصلحة الثورة وفقدان الناس ثقتهم في شباب التحرير سيؤدي إلى عواقب وخيمة ..الناس يريدون خارطة طريق واضحة  للاسقرار وهو ما قدمه المجلس أخيرا وغير ذلك لا اتفاق عليه حتى بين متظاهري التحرير..

 

على الجميع الآن إنكار ذواتهم من أجل مصلحة البلاد وليس معنى ذلك أن هذا هو الحل الأمثل ولكنه الأفضل في ظل الظروف المحيطة .