تقويم سلوك الصغار
22 ذو الحجه 1432
عبدالعزيز بن سعد الدغيثر

قد يظن** ظان أن أسرع طريقة للتقويم الضرب وهو مخالف للهدي النبوي كما أن الدراسات الحديثة أثبتت أن استخدام الوسائل الأخرى أكثر تقويما للسلوك. ولنتأمل في هذه القصة التي رواها أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى طعام كان قد دعي إليه مع بعض أصحابه فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام القوم وحسين مع غلمان يلعب، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذه فطفق الصبي ها هنا مرة وها هنا مرة، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يضاحكه حتى أخذه , رواه احمد ,  فهذه وسيلة سهلة توصل إلى المقصود.

 

ومن الأساليب أيضا العتاب الرقيق فقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا ، فأرسلني يوما لحاجة ، فقلت: والله لا أذهب – وفي نفسي أن أذهب لما أمرني نبي الله صلى الله عليه وسلم- قال: فخرجت حتى أمر على الصبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قابض بقفاي من ورائي فنظرت إليه وهو يضحك فقال : يا أنيس اذهب حيث أمرتك، قلت: نعم أنا أذهب يا رسول الله اخرجه ابو داود

 

ولا يشك مؤمن ما للدعاء من أهمية في صلاح الصغار وهو ما كان يوصي به المصلحون أولياء  الصغار فقد شكى أحدهم ابنه إلى طلحة بن مصرف فقال: استعن عليه بهذه الآية:" رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي.." ( عن محاضرة نشأة السلف للدكتور عبد العزيز العبد اللطيف )

والضرب وسيلة تقويم وقبلها وسائل، وقد ورد الأمر بتعليق العصا في البيت , أ خرجه ابن ابي الدنيا وحسنه الالباني
وعن عائشة رضي الله عنها قالت في أدب اليتيم: إني لأضرب اليتيم حتى ينبسط , أي يعتدل. وقال الإمام أحمد: اليتيم يؤدب ويضرب ضربا خفيفا

وكان عمر بن عبدالعزيز رحمه الله يكتب للأمصار: لا يقرن المعلم فوق ثلاث فإنها مخافة للغلام – يعني لا يجمع ثلاث ضربات. وسئل الإمام أحمد عن ضرب المعلم الصبيان، فقال: على قدر ذنوبهم، ويتوقى بجهده الضرب، وإن كان صغيرا لا يعقل فلا يضربه أخرجه ابن ابي الدنيا
كان لشريح القاضي ابن يدع الكُتَّـاب ويذهب يلعب مع الصبيان والكلاب، يهارش بينها، فدعا شريح بدواة وصحيفة فكتب إلى مؤدبه:
ترك الصلاة لأكلب يسعى لها  طلب الهراش مع الغواة الرُّجَّـس
فإذا أتاك فعظنه بملامة  وعظه موعظة الأديب الأكيس
وإذا هممت بضربه فبدرة   وإذا ضربت بها ثلاثا فاحبس
واعلم بأنك ما أتيت فنفسه  - مع ما يجرعني- أعز الأنفس

وليعلم أن الأمور لا تؤتى غلابا كما قال الشاعر، وإنما التدرج مطلوب في التقويم ،فقد نقل الحافظ عن  سعيد بن جبير الحث على التدرج في أخذ الطفل بالجد , وهذا يتمشى مع الحكمة التي جاءت بها الشريعة، وطبيعة النفس الإنسانية التي تستثقل أخذها بالعزيمة بلا تدرج.

 

ولا ينسى الذي ولاه الله صغيرا قوله تعالى:" المال والبنون زينة الحياة الدنيا"، وتأمل أيها القارئ هذا الموقف من الأحنف حينما غاضب معاوية رضي الله عنه ابنه يزيدا فقال له الأحنف بن قيس: هم ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا ونحن لهم أرض ذليلة وسماء ظليلة وبهم نصول إلى كل جليلة ، فإن غضبوا فأرضهم ، وإن طلبوك فأعطهم يمحضوك ودهم ، ويلطفون جهدهم ، ولا تكن عليهم ثقيلا لا تعطيهم إلا نزرا فيملوا حياتك ويكرهوا قربك . فكان ذلك سببا لتراضيهما.

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

** دراسة مطولة للكاتب بعنوان : حق الحدث في التنشئة الصالحة