18 صفر 1434

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ حقيقة أريد استشارة منكم، أنا متزوج منذ 10 سنوات، بابنة عمي، ولدي منها 3 أطفال؛ أكبرهم عمره 9 سنوات، والصغير 8 أشهر، المهم أن علاقتنا ليست ممتازة، يوميًا تقريبًا يصبح بيننا خلاف، أحيانًا أمام الأولاد، وأحيانًا بعيدًا عنهم.
زوجتي فيها أمور طيبة، أرضى بها، لكن في أمور أحس أنها مهمة في حياتي، ومنها احترامي أمام أولادي، هذه لم أحظ به منها، فهي لا تثق بي، ولا تهتم لي أحيانًا، إذا أخبرتها أني سأتزوج ربما تتعدل، تنقلب علي، وتطلق ألفاظًا وتشتم وتسب، وتغضب بشدة، وتهدد بأخذ الأولاد إذا فعلت ذلك.
أريد مشورتكم هل تنصحوني بالزواج عليها، علمًا بأنني، ولله الحمد، مُقتَدرٌ ماديًا، وما زلت شابًا. وشكرًا لكم.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
قرأت رسالتك، وأود أن أوضح لك بداية بعض الأمور وهي:
1) لست وحدك الذي تشكو من زوجتك، فهناك غيرك الكثير من الرجال الذين يندبون حظهم، ويندمون على الارتباط بزوجاتهم، بل ويعتبرون أنهم يعاقبون من الله عز وجل بزواجهم من زوجاتهم، ربما لذنوب ارتكبوها في حياتهم، ويفكرون مثلما تفكر.
2) والأمانة تقتضي أن نقول بأن هناك أيضًا العديد من النساء اللواتي يشتكين من أزواجهن، ويعانين الأمرين في العيش معهم، بل ومنهن من تعتبر أن الله يعاقبها بهذا الزوج، ربما لذنوب ارتكبتها في حياتها، وتتمنى لو أن الله عز وجل من عليها بالانفصال عنه، والتخلص من تبعيته.
3) لكن العدالة تقتضي أن نوضح أنه ليس كل النساء سبب شقاء الأزواج، وليس كل الرجال سر تعاسة الزوجات، فالأمر يتوقف بالأساس على ما دعا إليه الإسلام من الترو والتمهل وحسن الاختيار، مع الاهتمام للمعايير التي شدد عليها الشارع الحكيم سبحانه وتعالى، على لسان نبيه (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم)، فيما يرويه أبو هريرة (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) عن النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) قال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك". [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. ومعنى الحديث: أن الناس يقصدون في العادة من المرأة هذه الخصال الأربع فاحرص أنت على ذات الدين واظفر بها واحرص على صحبتها.
4) الزواج الثاني أمر أحله الله لعباده المؤمنين وفيه منافع كثيرة , لكنه أيضا به تبعات كثيرة ويجب التدبر جيدا قبل فعله وقراءة الواقع المحيط جيدا وتوقع العقبات والمشكلات التي يمكن أن تعصف بالبيت الأول تماما في بعض الأحيان.
أما عن مشكلتك – أخي الكرم- فأنت تقول أنك "متزوج من 10 سنوات"، من ابنة عمك، وأن لديك "منها 3 أطفال؛ أكبرهم عمره 9 سنوات، والصغير 8 أشهر"، وهذا ما يجعلني أدعوك للصبر والتعقل، فقرار الانفصال نظريًا من أسهل القرارات التي يمكن أن يتخذها الإنسان، حيث لا تحتاج أكثر من كلمتين يلقيهما الرجل على زوجته (أنت طالق)، لكنه عمليًا قرار في منتهى الصعوبة، حيث يوقع الضرر على آخرين، وتكون له تبعات (ليست مادية وحسب) على أطرافٍ أخرى، في هذه الشراكة، أولهم وأهمهم الأطفال، الذين هم حصاد هذه السنوات العشر التي قضيتموها معًا، ثلاثة أولاد، أكبرهم – لا يزال طفلاً يحتاج للعناية (9 سنوات)، أما أصغرهم (8 أشهر) فهو المجني عليه الأول، والمتضرر الأول.
أقول لك هذا ردًا على كلماتك التي ذيلت بها رسالتك، والتي أشرت فيها إلى أنك "مُقتَدرٌ ماديًا"، و"مازلت شابًا"، فالمسألة ليست مسألة إمكانات مادية وحسب، ولا مسألة قدرات بدنية وحسب، هناك عناصر أخرى في المعادلة، لا بد أن تضعها في حسبانك، وأنت تفكر في اتخاذ مثل هذا القرار الجوهري، والمحوري، والذي سيقلب حياتك، وحياة آخرين، مرتبطين بحياتك، رأسًا على عقب، فلا تكن أنانيًا، لا تفكر إلا في نفسك، أنا ومن بعدي الطوفان، بل يجب أن تضحي من أجل أبنائك، وتتحمل المزيد والمزيد من أجلهم، فأنت ربان السفينة، وقائد السيارة، ينام الآخرون وأنت يقظ لا تنام، لأن بيدك مقود السيارة، وعجلة القيادة، ولهذا فإن أجرك عند الله عظيم.
وأنا لا أقول هذا لك – أخي الحبيب- متجاهلاً معاناتك، فأنا أعي جيدًا حجم الشقاء الذي يعيشه الرجل عندما تكون علاقته مع زوجته "ليست ممتازة"، خاصة إذا ما تطور الأمر، وأصبح الخلاف "يوميًا تقريبًا"، ومما يزيد من معاناتك أن ينشب الخلاف "أمام الأولاد"، أدرك كل هذا، وأقدر التعب النفسي والألم الذي يلاقيه الرجل جراء هذا، لكن ألم تقرأ قوله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) فيما رواه أبو هريرة (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قال، قال رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم): "استوصوا بالنساء خيراً؛ فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء". [متفق عَلَيْهِ]. وفي رواية للإمام مسلم: "إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها".
ولفت انتباهي إلى عدلك وأمانتك، اعترافك في رسالتك بأن زوجتك "فيها أمور طيبة، أرضى بها"، مع إقرارك بأن هناك أموراً "أحس أنها مهمة في حياتي، ومنها احترامي أمام أولادي، هذه لم أحظ بها منها"، وتزيد تفصيلاً بقولك إنها "لا تثق بي"، بل و"لا تهتم لي أحيانًا"، وحديثك هذا ذكرني بما روي عن نبينا الصادق المصدوق، فعن أبي هريرة (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، قال، قال رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم): "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر". رواه مُسْلِمٌ. ومعنى قولُه (يفرك) هو بفتح الباء وإسكان الفاء وفتح الراء معناه: يبغض. يقال: فركت المرأة زوجها وفركها زوجها. بكسر الراء يفركها: أي أبغضها، والله أعلم. فلعل ما فيها من خير يجبر ما فيها من شر، ولعل الله يصلحها لك بصبرك عليها، ودعائك لها بصلاح الحال.
أما قولك في رسالتك "إذا أخبرتها أني سأتزوج عليها ربما تتعدل، تنقلب علي، وتشتم وتسب، وتغضب بشدة، وتهدد بأخذ الأولاد"، فهذا رد فعلٍ طبيعي من الزوجة التي تحب زوجها، وتبقي على عشرته، إذا لو كانت غير راغبة في العيش معك، وتطمح للخلاص منك، والفكاك من عشرتك، لباركت فكرتك، وشجعت خطوتك، لأنك آنئذ لا تعنيها، ولكونها لا تود مواصلة العيش معك، فلا تغضب من كلامها هذا، ولا تنس أن أكبر إهانة يوجهها الرجل لزوجته حينما يخبرها بقراره الزواج عليها، لأنه قرار له مدلولات، أولها أنك فاشلة في إدارة الحياة الزوجية، وأنك غير جديرة بثقتي وعشرتي، فلا تكترث لردها.
وقبل الختام؛ أدعوك إلى الجلوس مع نفسك أولاً، ومكاشفتها ومصارحتها ومراجعتها، فلعل الخطأ من عندك، ولعل العيب فيك، فإن تيقنت أن العيب منها، والخطأ عندها، فاجلس معها على انفراد، في غير وجود الأولاد، وتكاشفا سويًا، أخبرها بعيوبها وأخطائها، واطلب منها أن تصارحك بعيوبك وأخطائك، واحصرا الأخطاء، وتعاهدا على بدء صفحة جديدة، ملؤها الحب والتفاني والإخلاص، وملاطها الصبر، والمودة، والمغفرة، والتحمل، ولا تنس أن تصلي ركعتين في جوف الليل ثم تبتهل وتدعو لها بصلاح الحال.
وختامًا؛ نسأل اللهَ (عز وجل) أن يتقبل منك نيتك الطيبة، وأن يثيبك عنها خيرًا، وأن يصرف عنكما الخلاف، وأن يعينك على تحملها والصبر عليها، كما نسأله سبحانه أن يصرف عنكما كيد الشيطان ومكره.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.