لماذا احتلال 'وول ستريت'؟
17 ذو الحجه 1432
موقع العصر

لا يزال ناشطو "احتلوا وول ستريت" (ومنذ أكثر من شهرين) يجوبون شوارع مانهاتن في نيويورك.

كانت الحركة هي الأهم خلال العقود الماضية، وقد أخرجت ما في جوف أمريكا وعمقها من تعاسة وبؤس ومشاكل طاحنة، كما مثلت تطورا حيويا هاما في الحياة السياسية الأميركية.

نعم، المسحوقون قادمون، بل ويهددون نظام الدولة الأقوى في العالم.

أمعن فيهم التوحش اللبرالي فتكا وطبقية واختلالا، ليس من أمس، ولكن منذ أكثر من مئة عام، فالمجتمع الأميركي ينقسم إلى طبقتين: طبقة الـ1% من الأثرياء وطبقة الـ99% التي تمثل مختلف الفئات الاجتماعية. وقد اتسعت الفجوة بشكل غير مسبوق في الآونة الأخيرة، بحيث ما عاد ممكنا السكوت عنها.

تشير الإحصاءات إلى أن 400 عائلة من الأثرياء يملكون من الأموال، أكثر من 150 مليون أميركي. ويحتكر ثلثا الناتج المحلي الإجمالي ما نسبته 5% من الطبقة العليا. وقد ازدادت أعداد "المليونيرية" في المجتمع الأميركي عام 2009، بشكل ملفت، حيث أشارت دراسة نشرتها الـCIRإلى أن المجتمع الأميركي، منقسم عموديا أكثر من أي بلد في العالم.

وهذا التركيز المفرط للثروة في أيدي القلة من الذين يقفون على رأس الطبقة العليا، بدأ منذ بداية القرن العشرين، حيث تركزت الثروة آنذاك في أيدي ثلاثة من أباطرة الصناعة، هم جون روكفلر وأندرو غارنيفي وج. ب. مورغن، فاحتكروا الثروة في أيديهم لمدة طويلة.

إنه عصر الجمود، كما سماه مراقبون، حيث تسيطر الطبقة العليا من أصحاب الغنى الفاحش، وهي تتشكل أساسا من حملة الأسهم والمنتجات المالية وأباطرة الاستثمارات بدلا من أثرياء النفط والسكك الحديدية، الذي هيمنوا في وقت سابق.

وقد فضحت الأزمة المالية التي انفجرت في خريف عام 2008، كافة المشاكل وأخرجتها إلى العلن.

 

كان العاملون الأميركيون يتلقون زيادة على رواتبهم بنـسبة 3% سنوياً، وذلك حتى السبعينيات من القرن الماضي. ولكن ذلك تغـير منذ الثمانينيات، إذ على الرغم من زيادة النمو، فإن ذلك لم ينعكس على الأجور. واقتصرت الفائدة المالية على الطبقات العليا. وفي عهد رونالد ريغان لم تستفد إلا قلة من الناس. أما في عهد جورج بوش الابن، فقد تدهورت الأمور أكثر.

منذ بداية القرن الحادي والعشرين، وفي العقد الأول منه، زادت الفوارق بين الطبقات، واستولت طبقة الأغنياء على 65% من الزيادة التي طرأت على الأجور، وعلى الرغم من نمو الاقتصاد الأميركي في تلك السنوات، لم تزد أجور صغار الموظفين والعمال، بل انخفضت بمعدل 10%.

 

ويرى أساتذة الاقتصاد، أن توزيع الثروة كان مقبولا إلى حد ما في الماضي، أما اليوم فقد تحول الاقتصاد إلى اوليغارشية رأسمالية، حيث تتركز الثروة في أيدي القلة.

تسيطر طبقة الـ1% الأميركية على أكثر من نصف الأسهم والأوراق المالية في البلاد. وقد عانت الطبقة الوسطى من خسارة الزيادة على أجورها خلال العقد الماضي. أما العاملون في تجارة الأسهم والأوراق المالية، فقد كانوا يحصلون على دخل سنوي يقدر بـ360 ألف دولار سنوياً.

 

في عام 1980 كان راتب المدير في الشركات يساوي 44 ضعفاً راتب العامل. أما اليومـ فهو يساوي 300 ضعف. ولا تتعدى نسبة الذين يتقاضون رواتب عالية نسبة الـ25% من العاملين.

والقسم الأكبر من النمو الاقتصادي خلال السنوات الـ30 الأخيرة وقع في أيدي الأغنياء. ولم يكن ذلك نتيجة لقوانين السوق، بل بسبب القرارات السياسية التي اتخذتها الطبقة الحاكمة.

 

يسيطر أصحاب الغنى الفاحش على السياسة العامة في الولايات المتحدة. وتضم تلك الطبقة مديري البنوك والمسيطرين على بورصة "وول ستريت"، التي استطاعت دوما إملاء سياساتها على الدولة.

 

وفي أثناء الأزمة المالية الكبرى التي بدأت في خريف عام 2008 (وكانوا من أهم مسببيها) حصلوا على قروض هائلة استطاعوا من خلالها إعادة هيكلة مؤسساتهم وتحقيق أرباح كبرى بعد ذلك.

وقد استفادت تلك الطبقة استفادت من خفض الضرائب عليها. فقد كانت تلك الضرائب تبلغ 40% من الأرباح، ثم تصاعدت إلى نسبة 70%، ولكن جورج بوش الابن خفضها إلى 35%.

 

ويظهر عالم الاقتصاد روبرت فرانك في كتابه "الاقتصاد الدارويني"، أن ما ينطبق على الاقتصاد العالمي ليست أفكار آدم سميث، بل أطروحات داروين حول المنافسة الضارية والبقاء للأقوى. ويدل على ذلك صعود الأغنياء إلى قمة المجتمع وبقاء الأغلبية في الحضيض.

 

المصدر/ مجلة العصر