دروس الحج 3: أنساك الحج
7 ذو الحجه 1432
د. نهار العتيبي

أنساك الحج ثلاثة وهي كما يلي :
1-           التمتع وهو : أن يحرم الحاج بعمرة في أشهر الحج إما ابتداءً أو أن  يحرم بالحج مفرداً أو قارناً ثم يحل منه بعمرة , ثم يحرم بالحج في العام نفسه .
2-           القران وهو : أن يحرم الحاج بالعمرة والحج معاً فيقرنهما ببعضهما , أو أن يدخل الحج على العمرة فتتداخل أفعالهما ,أو يدخل العمرة على الحج على الصحيح من أقوال أهل العلم . ولا يحل حتى يوم النحر , ويطلق على القرآن التمتع أيضاً كما سيأتي .
3-           الإفراد وهو : أن يحرم بالحج فقط .

 

الأحاديث :
الحديث الأول : عَنْ أَبِي جَمْرَةَ نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ الضُّبَعِيِّ ، قَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْمُتْعَةِ ؟ فَأَمَرَنِي بِهَا , وَسَأَلَتْهُ عَنْ الْهَدْيِ ؟ فَقَالَ : فِيهِ جَزُورٌ , أَوْ بَقَرَةٌ , أَوْ شَاةٌ , أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ . قَالَ : وَكَأنَّ نَاسًا كَرِهُوهَا , فَنِمْتُ ، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ : كَأَنَّ إنْسَاناً يُنَادِي : حَجٌّ مَبْرُورٌ , وَمُتْعَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ . فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَحَدَّثَتْهُ . فَقَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم . وفي باقي روايات في الصحيحين : ( وعمرة متقبلة ) .
الحديث الثاني : عن حفصة رضي الله عنها أنها قالت : يا رسول الله ما شأن الناس حلوا بعمرة , ولم تحلل أنت من عمرتك قال : ( إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر ) .
الحديث الثالث : عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ : أُنْزِلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهَا , وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ . قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ .
قَالَ الْبُخَارِيُّ : يُقَالُ : إنَّهُ عُمَرُ .
وَلِمُسْلِمٍ : نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ - يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ - وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ آيَةَ مُتْعَةِ الْحَجِّ ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى مَاتَ . وَلَهُمَا بِمَعْنَاهُ . ( أي للبخاري ومسلم رحمهما الله تعالى ) .

 

الحديث الرابع : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَأَهْدَى . فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ . وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ , ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ , فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ , فَكَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى , فَسَاقَ الْهَدْيَ مِنْ الْحُلَيْفَةِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ . فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلنَّاسِ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى , فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ . وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ , وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ , ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ , فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْياً فَلْيَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ . فَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ . وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ , ثُمَّ خَبَّ ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ , وَمَشَى أَرْبَعَةً , وَرَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ انْصَرَفَ ، فَأَتَى الصَّفَا ، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ , ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ , وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ . وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ , ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ , وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الْهَدْيَ مِنْ النَّاسِ .

 

المعنى الإجمالي للأحاديث :
لما كان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعلمون أن العمرة في أشهر الحج كانت من أفجر الفجور عند العرب في الجاهلية ؛ فقد سأل أبو جمرة نصر بن عمران الضُبَعي الصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما فأمره ابن عباس بها وبما يجب فيها من بهيمة الأنعام وهو الجزور والمراد به الإبل كأفضلها ثم البقرة ثم الشاة ثم الشرك وهو السبع من الناقة أو البقرة . فرأى أبو حمزة رؤيا في منامة وأن قائل يقول : حج مبرور وعمرة متقبلة فأخبر بها ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فحمد الله تعالى ابن عباس رضي الله عنهما وكبر فرحاً بهذه الرؤيا , وقال : أقم عندي فأجعل لك سهماً من مالي ؛ قال شعبة راوي الحديث : فقلت لِمَ ؟ قال : للرؤيا التي رأيت . رواه البخاري .

 

وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في حج النبي صلى الله عليه وسلم هل حج قارناً أم مفرداً أم متمتعاً , وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه أصحابه رضي الله تعالى عنهم أنه حج مفرداً وروي عنه أنه حج قارناً وروي أنه حج متمتعاً , وقد تحللّ الناس من حجهم بعمرة عندما وصلوا إلى مكة , فسألته زوجه حفصة رضي الله تعالى عنها عن سبب عدم إحلاله كما فعل الناس فأخبرها أنه ساق الهدي معه من المدينة ولذلك كان قارناً ولّبد رأسه لطول المدة التي يبقى خلالها الحاج القارن بإحرامه دون أن يحل .

 

ولما كان بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومنهم عمر وروي عن عثمان ومعاوية يرون عدم العمرة في أشهر الحج حتى يكثر زوار المسجد الحرام بقية العام بيّن عمران بن حُصين رضي الله تعالى عنه أن المتعة بالعمرة إلى الحج باقية وأنها نزلت في كتاب الله ويشير بذلك إلى قوله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } [ البقرة : 196 ] مؤكداً أنها لم تنسخ لا بكتاب الله تعالى ولا بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى مات عليه أفضل الصلاة والسلام .

 

ولما كان من المهم إيضاح أنساك الحج وكيفيتها وأفضلها فقد بين عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما كيف أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حجته التي ودّع الناس فيها وبين لهم مناسكهم قائلاً لهم : ( خذوا عني مناسككم ) .

 

الفوائد والأحكام :
1-  يدل الحديث الأول على أفضلية التمتع وأنه سنة النبي صلى الله عليه وسلم , والسنة هنا بمعنى الأفضلية فكل الأنساك هي سنته صلى الله عليه وسلم ومن هذه الأنساك التمتع بالعمرة إلى الحج ويؤيد ذلك أمر ابن عباس رضي الله تعالى بها في هذا الحديث , وقوله لأبي جمرة : سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم , وفرح بالرؤيا التي رآها التابعي الجليل أبو جمرة رضي الله تعالى عنه . وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتمتع كما في حديث ابن عمر وكفى به دليل .

 

2-  استئناس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالرؤيا الصالحة التي هي جزء من ست وأربعين جزءً من النبوة , وهي عاجل بشرى المؤمن يراها أو ترى له , ولكنها لا يترتب عليه حكم شرعي وإنما هي لمجرد الاستئناس وأما الأحكام الشرعية فلا تثبت إلا بالدليل الشرعي .

 

3-  أن هدي التمتع على الترتيب : هو البدنة ثم البقرة ثم الشاة ثم سبع البدنة أو البقرة  عن الشخص الواحد ويجزئ فيهما ما يجزئ في الأضحية , وهذا تفسير لقوله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } [ البقرة :196 ] .

 

4-  أن على المسلم أن يسأل من يثق بعلمه ودينه كما فعل أبو جمرة عندما سأل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما , فإذا سأل فلا يتأثر بكلام المشككين من الناس بل يعمل بما أفتاه به ذلك العالِمُ ويثبت على ذلك كما فعل أبو جمرة رضي الله تعالى عنه .

 

5-  أن العلم لا يؤخذ إلا من العلماء , وأن كراهة الناس لأمر من الأمور لا يدل على عدم جوازه فإن الدين ليس بالتشهي وإنما بما دل عليه كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .

 

6-  أن الحاج إذا ساق معه الهدي ( والسنة أن يقلده بشيء ليس من المعتاد أن يقلد به ؛ مثل أن يضع في رقبته نعال أو نحو ذلك , وإذا كانت أبل فالسنة أن يُشعرها وذلك بأن يجرح سنامها ليسيل منه الدم ) فإنه لا يحلّ من إحرامه إلا يوم النحر إذا رمى وحلق رأسه أو قصره والحلق أفضل للرجال , وسيأتي تفصيل ذلك في صفة الحج إن شاء الله تعالى . ويدل على تحريم إحلال القارن إلا يوم العيد قوله تعالى : { ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله }[ البقرة : 196 ] , وحديث ابن عمر المتقدم . 

 

7-  أن تلبيد الرأس عند الإحرام سنة , لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك , قال ابن دقيق العيد : ( فيه دليل على استحباب التلبيد لشعر الرأس عند الإحرام . والتلبيد أن يجعل في الشعر ما يسكّنه ويمنعه من الانتفاش , كالصَّبِر أو الصمغ , وما أشبه ذلك ) .

 

8-  يدل حديث عمران ابن حصين رضي الله تعالى عنه على أن التمتع باقي ولم ينسخ لا بالقران الكريم ولا بالسنة المطهرة , وفي ذلك إشارة إلى جواز نسخ السنة للقرآن , والنسخ بقع في الأحكام دون العقائد والأخبار , وفيه بيان لأفضلية التمتع لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة به .

 

9-  وفي حديث عمران رضي الله تعالى عنه دليل على وجوب تقديم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل قول حتى لو كان القائل عمر رضي الله تعالى عنه فكيف بمن هو دونه .

 

10-                    يدل حديث حفصة رضي الله عنها وكذلك حديث ابن عمر على أن النبي صلى الله عليه وسلم حج قارناً , ففي حديث حفصة رضي الله تعالى عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : ( ولم تحلل أنت من عمرتك ) , فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر ) وهذا يدل على أنه كان قارناً ؛ إذ أنه لو كان متمتعاً لحل كما فعل أصحابه ولأنه أمرهم بالإحلال , ولقول حفصة رضي الله عنها : ولم تحلل أنت من عمرتك فإنه يدل على أنه لم يحرم بالحج منفرداً , وإنما أحرم بالحج والعمرة فقولها : من عمرتك أي : عمرتك التي مع حجتك . وأما حديث ابن عمر فيدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حج قارناً حيث قال ابن عمر رضي الله عنهما : ( تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَأَهْدَى . فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ) , والمراد بالتمتع هنا المعنى اللغوي فإن قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الحديث : ( فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ) وفي بعض الرايات ( مكة ) قَالَ لِلنَّاسِ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى , فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ . وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ , وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ , ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ ) فيه دليل على أن النبي صلى اله عليه وسلم كان قارناً ؛ فإن إحرامه بالحج والعمرة كان من ذي الحليفة , ولما وصل إلى سَرْف كما روى القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من لم يكن منكم معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ) , ثم بعد ذلك أمر صلى الله عليه وسلم أصحابه بالإحلال بعدما طافوا بالبيت وسعوا كما روى الأسود عن عائشة رضي الله تعالى عنها , ولما روى جابر في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالإحلال بعد السعي حيث قال : ( حتى إذا كان آخر طواف على المروة قال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة ) . وقد دلت أحاديث أخرى على أن النبي صلى الله عليه وسلم حج قارناً . قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه زاد المعاد 2/107 : ( وإنما قلنا أنه أحرم قارناً لبضعة عشر حديثاً صريحة في ذلك ) .

 

11-                    يدل حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما على أن التمتع أفضل لمن لم يسق الهدي , والمراد به هنا المفرد , ومن كان قارناً ولم يسق الهدي , فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من لم يسق الهدي من أصحابه أن يحل ويجعلها عمرة ثم بعد ذلك يحرم بالحج ,لقول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما : ( فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلنَّاسِ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى , فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ . وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ , وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ , ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ , فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْياً فَلْيَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ) .

 

12-                    عموم فضل الله تعالى ورحمته بعباده المسلمين فمن كان فقيراً لا يجد ثمن الهدي فإنه يصوم عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله , وهذا من رحمة الله تعالى بالفقراء فإنهم يتساوون مع الأغنياء في الحصول على الأجر .
13-                    يدل حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما على : مشروعية سوق الهدي لقوله : " فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ " ، وقد كان مجموع هَديه صلى الله عليه وسلم إلى البيت مائة من الإبل ، نَحَر منها عليه الصلاة والسلام ثلاثا وستّين ، وتولّى عليّ رضي الله عنه نحر ما بقي .

 

14-                    تدل الأحاديث على وجوب الدم على المتمتع , فإن لم يجد فيجب عليه أن يصوم عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله , لقول ابن عمر رضي الله عنهما : ( وَلْيُهْدِ , فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْياً فَلْيَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ) . , وأما القارن فالصحيح أنه يجب عليه أيضاً على رأي الجمهور وهو الصحيح إن شاء الله تعالى .

 

15-                    دل حديث ابن عمر رضي الله عنه على أن السنة لمن لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة ويحل من إحرامه , ويحرم بالحج بعد ذلك , والدليل على هذا أمر النبي صلى الله عليه أصحابه بذلك , ولكن هل يجب الصحيح أنه لا يجب ولكنه خلاف الأولى . ويدل على ذلك : حديث أبي ذر رضي الله عنه عندما سئل عن المتعة هل هي عامة أو للصحابة خاصة ؟ قال : بل لنا خاصة . [ رواه مسلم ] . وهو قول الجمهور وهو الصحيح إن شاء الله .     وأما قول ابن عباس رضي الله تعالى عنه : ( وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ , ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ ) . فإنه يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم قارناً . 
16-                    وفي حديث ابن عمر بيان لكيفية قدوم النبي صلى الله عليه وسلم وعمرته لأنه كان قارناً , وسيأتي إيضاح صفة العمرة في الدرس عند بيان صفة الحج إن شاء الله تعالى .
 
 
 
أهم المسائل :
المسألة الأولى : أفضل الأنساك
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في أي الأنساك أفضل على ثلاثة أقوال , وهي كما يلي :
القول الأول : أن أفضلها القرآن ثم التمتع ثم الإفراد للآفاقي وهذا قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى .
القول الثاني : أن أفضلها الإفراد ثم التمتع ثم القرآن وهو قول الإمامين مالك والشافعي رحمهما الله تعالى ,ويرى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أن الإفراد أفضل من التمتع .
القول الثالث : أن أفضلها التمتع , وهو قول الإمام أحمد يرحمه الله تعالى , وأحد قولي الشافعي يرحمه الله تعالى .

 

وسبب اختلافهم هو اختلافهم في حجه صلى الله عليه وسلم هل كان إفراداً أو تمتعاً أو قران .
فاستدل من قال بأفضلية الإفراد بحديث عائشة رضي الله عنها المتفق على صحته  قالت : (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع , فمنا من أهل بعمرة , ومنا من أهل بحج وعمرة , ومنا من أهل بالحج , وأهل رسوا الله صلى الله عليه وسلم بالحج ) وكذلك ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ( أفرد الحج ) وهذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم أفر الحج فيكون أفضل .
واستدل من قال بأن الإفراد أفضل بما في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه : ( لبيك عمرة وحجاً ) فهو نسك رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان الله ليختار لنبيه لا أفضل الأنساك .
واستدل من قال بأن التمتع أفضل , بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت , لما سقت الهدي , ولحللت معكم )  .
وهناك مسلك وسط بين القولين الأخيرين وهو : أن التمتع أفضل لمن لم يسق الهدي والقرآن أفضل لمن ساق الهدي .

 

الراجح في المسألة :
أن التمتع أفضل الأنساك للأدلة التالية :
أولاً : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به أصحابه كما في حديث جابر رضي الله تعالى عنه  الذي أخرجه الإمام مسلم حيث قال جابر : ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه  أن يجعلوها عمرة فيطوفوا ثم يقصروا ويحلوا إلا من كان معه الهدي) , وعندما راجعه أصحابه فقالوا ( كيف نجعلها عمرة وقد سمينا الحج ) قال : ( افعلوا ما آمركم به ) , وقالوا كما في الصحيحين : يارسول الله نخرج إلى منى وذكر أحدنا يقطر منياً – أي : من جماع أهله – فأمرهم بالإحلال .
ثانياً : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت , لما سقت الهدي , ولحللت معكم ) وهو آخر الأمرين كما قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى . والنبي صلى الله عليه تأسف على فواته في هذا الحديث .
قال ابن قدامة : قَدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالانْتِقَالِ إلَى الْمُتْعَةِ عَنْ الإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ ، وَلا يَأْمُرُهُمْ إلاَّ بِالانْتِقَالِ إلَى الأَفْضَلِ ، فَإِنَّهُ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَنْقُلَهُمْ مِنْ الأَفْضَلِ إلَى الأَدْنَى ، وَهُوَ الدَّاعِي إلَى الْخَيْرِ ، الْهَادِي إلَى الْفَضْلِ ، ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِتَأَسُّفِهِ عَلَى فَوَاتِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ ، وَأَنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلَى انْتِقَالِهِ وَحِلِّهِ ، لِسَوْقِهِ الْهَدْيَ ، وَهَذَا ظَاهِرُ الدَّلالَةِ .
وأما الذين استدلوا بأحاديث الإفراد قد أفادت أحاديث أخرى على أنه أدخل العمرة على الحج فأصبح قارناً

 

المسألة الثانية : حكم التمتع :
القول الأول : أن التمتع جائز وهو قول الجمهور ؛ فقالوا : يجوز لكل من أحرم وليس معه هدي أن يقلب إحرامه عمرة ويتحلل بأعمالها .
القول الثاني :  أن التمتع واجب , وأن المسلم إذا طاف وسعى للحج في أشهره إذا لم يسق الهدي إذا لم يسق الهدي فإنه يحل شاء أم أبى , وهذا رأي ابن عباس رضي الله عنهما وإليه يميل ابن القيم رحمه الله تعالى .
واستدل أصحاب القول الثاني : بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم يسف الهدي بالإحلال وتحتيمه على الناس , وغضبه لما تراخوا وصار يراجعونه .  
واستدل أصحاب القول الثاني : بأن ذلك خاص بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , وذلك لقول أبي ذر رضي الله عنه : كانت المتعة ي الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة . [ رواه مسلم ]
الراجح في المسألة : القول الثاني وذلك لأن الحديث نص في المسألة .

وكتبه الفقير إلى عفو ربه ............نهار بن عبدالرحمن العتيبي عضو الجمعية الفقهية السعودية

 

الرياض 6/12/1432هــ
يتبع الدرس الرابع ( صفة الحج ) إن شاء الله تعالى