دروس الحج: 2 ـ الإحرام
30 ذو القعدة 1432
د. نهار العتيبي

الإحرام هو : نية الدخول في النسك سواء كان حجاً أو عمرة  .
أولاً : ما يلبس المحرم من الثياب :

 

الأحاديث :
الحديث الأول : عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً قال : يارسول الله , ما يلبس المحرم من الثياب ؟
قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يلبس القميص , ولا العَمَائِم , ولا السَرَاويلات , ولا البَرَانِسَ , ولا الخِفاف إلا أحذٌ لا يجد نعلين فليلبس خًفَّين وليقطعهما أسفل من الكعبين , ولا يلبس من الثياب شيئاَ مَسّهُ زعفران أو وَرْسٌ ) متفق عليه .
وللبخاري : ( ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين ) .

 

الحديث الثاني : عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات : ( من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزاراً فليبس سراويل ) .

 

المعنى الإجمالي للحديثين :
بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يلبسه المحرم من الثياب لأنه محصور , وأما ما سوى ذلك فيجوز للمحرم لبسه , وأضاف عليه الصلاة والإسلام محظور آخر من محظورات الإحرام وهو الطيب فلا يجوز للمحرم أن يتطيب في لباسه ولا في بدنه بعد الإحرام .

 

الفوائد والأحكام :

1-    بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم فقد بيّن ما لا يجوز لبسه من الثياب لأنه محصور , وأعرض عن سؤال السائل الذي يسأل عن ما يجوز لبسه لأنه غير محصور .
2-    نبه النبي صلى الله عليه وسلم على ما لا يجوز لبسه على الرأس بالعمائم فلا يجوز ما يحيط بالرأس ولا يجوز تغطيته بملاصق كالطاقية ؛ والطربوش ؛ والكوفية , وغير ذلك .
3-    نبه النبي صلى الله عليه وسلم بما يخاط على البدن أو يحيط به كالسراويل التي تلبس في أسفل الجسم بشرط أن يكون واجداً لها مالكاً لقيمتها , فإن لم يجد إزار جاز له لبس السروال .ولا يجوز للمحرم لبس القميص الذي يلبس على الجسم أو البُرْنُس وهو الثوب الذي يلتصق به رأسه وهو معروف في بلاد المغرب العربي .

 

4-    نبه النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم لباس الملابس المطيّبة بقوله ( ولا تلبسوا شيئاً مسه الزعفران أو الوَرْس ) على تحريم جميع أنواع الطيب في الملابس وكذلك تحريم تطييب الجسد ( الجسم ) بعد الإحرام , أما قبل الإحرام فيجوز تطييب الجسد فقط لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يُحرم , ولحله قبل أن يطوف بالبيت ) متفق عليه. واستدل بعض أهل العلم بتحريم الطيب هنا على تحريم شرب ما كان فيه زعفران والصحيح أنه لايحرم لأن الطيب هنا ليس مقصودا وكذلك التَرَفّه فشرب القهوة ليس من باب الترفه وإنما هي مشروب كسائر المشروبات , و استدل بعض أهل العلم كذلك تحريم استخدام ما كان مطيباً كالصابون حال الإحرام وليس الأمر كذلك فالصحيح أنه جائز ولا يطلق على الصايون في هذه الحالة طيباً . وأما كل ما يقصد للتطيب فهو محرم ؛ أما ما لا يقصد كالأترج والتفاح وزهور البرية مثل القيصوم ونحوه فليس بحرام  .

 

5-    أن هذه الأمور المحرمة في اللباس هي خاصة بالرجل وهي قليلة معدودة , وأما المرأة فتحرم في ما شاءت من الثياب ويحرم عليها لبس النقاب والقفازات فإنها من محظورات الإحرام للمرأة خاصة .وأما ماسوى ذلك فإنه مباح للرجل والمرأة فإن الأصل في ذلك الإباحة ولا دليل على التحريم  .

 

6-    أن الإحرام في النعلين جائز بدون قطع , وأن الأمر بقطع الخفين منسوخ بالحديث الثاني , وكذلك لبس السراويل جائز لمن لم يجد إزاراً لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بعرفات في حجته صلى الله عليه وسلم وهذا متأخر عن الأمر الأول فقال : ( من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزاراً فليبس سراويل ) . وليس على من فعل ذلك فدية على الصحيح من قولي أهل العلم .

 

7-    ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعض محظورات الإحرام وهي :
أ‌-    لبس المخيط أو المُحيط للرجل إلا لمن لم يجد إزار فيجوز له لبس السراويل , ومن لم يجد خف فيجوز له لبس النعلين بدون قطع . ويجوز له الالتحاف بهذه الملابس بدون لبس ؛ فإن اللبس محمول على اللبس المعتاد , ولا يجوز للرجل كذلك له تغطية رأسه بملاصق ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل المحرم الذي وقصته ناقته فمات : ( اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه ووجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ) متفق عليه واللفظ لمسلم .

 

ب‌-    من محظورات الإحرام الخاصة بالمرأة لبس النقاب أو القفازين ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين ) .

 

ت‌-      يحرم على الرجل والمرأة التطيّب بعد الإحرام ويجوز في البدن قبل الإحرام لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ولا يلبس من الثياب شيئاَ مَسّهُ زعفران أو وَرْسٌ ) ؛ ولقول عائشة رضي الله عنها : (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يُحرم , ولحله قبل أن يطوف بالبيت ) .

 

وهناك محظورات أخرى للإحرام يجب على المحرم اجتنابها وهي :
ث‌-    النكاح ( عقد النكاح , والخطبة ) , أو تزويج الغير , لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يَنكح المحرم ولا يُنكح , ولا يخطب ) رواه مسلم من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه . وإذا فعل ذلك فإن عقد النكاح لا يصح , ويأثم على فعله , وليس عليه كفارة .فإنه لا فدية عليه ، لأنه ( عقد ) فسد لأجل الإحرام فلم يجب به فدية . 

 

ج‌-    حلق الشعر , فمن حلق شعره عالماً ذاكراً مختاراَ وجبت عليه الكفارة لحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي , فقال : ( ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى , أتجد شاة ؟ قلت : لا , قال : ( فصم ثلاثة أيام , وأطعم ستة مساكين , لكل مسكين نصف صاع ) متفق عليه . وهي كفارة فعل المحظور وقد حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم : بذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع , وهو مخير في ذلك بين هذه الثلاث . وألحق العلماء رحمهم الله تعالى قص الأظفار والطيب , ولبس الثياب بجامع التَرفّه في كل منهما , فقد نص أهل العلم على أن تقليم الأظفار ممنوع منه المحرم حال الإحرام، أشبه إزالة الشعر . حكى الإجماع عليه غير واحد من أهل العلم. قال ابن قدامة: أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره، لكونه مؤذنا بالرفاهية وهي منافية لحال المحرم . لكن لو انكسر ظفره وتأذى به فقال جماعة من أهل العلم لا بأس أن يزيل المؤذي منه فقط ولا شيء عليه.  

 

ح‌-    الجماع : فإنه مفسد للحج والعمرة لقوله تعالى :{ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[ البقرة:197] , فإذا جامع الحاج قبل التحلل الأول فسد حجه ، وعليه أن يتمه ؛ وعليه أن يقضيه بعد ذلك ولو كان حج تطوع كما أفتى بذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وعليه بدنة يذبحها ويقسمها على الفقراء بمكة المكرمة ، وإذا كان معتمراً فإذا كان الجماع قبل إتمام السعي وجب عليه إتمامها وتفسد عمرته وعليه أن يقضيها وأن يذبح فدي . ويحرم كذلك  المباشرة لشهوة . لدخولها في عموم قوله ( فلا رفث ) ولأنه لا يجوز للمحرم أن يتزوج ولا أن يخطب ، فلأن لا يجوز أن يباشر من باب أولى  .

 

خ‌-    الصيد : فلا يجوز للمحرم أن يصيد بنفسه ولا أن يساعد على الصيد , ولا أن يصاد له . سواء كان داخل حدود الحرم أم خارجه , وإما تحريك الصيد داخل حدود الحرم فمحرم للمحرم وغير المحرم , ويستثنى من ذلك قتل الفواسق فإنها تقتل في الحل والحرم لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خمس من الدواب كلهن فواسق يقتلن في الحل والحرم : القرب , والحدأة , والغراب , والفأرة , والكلب العقور ) متفق عليه .وزاد مسلم رحمه الله تعالى : ( الحية بدل العقرب ) .
وكفارة الصيد كما قال الله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله غزيز ذو انتقام } [ المائدة : 95] .

 

ثانياً : التلبية
الحديث الأول : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لبيك اللهم لبيك , لبيك لا شريك لك لبيك , إن الحمد والنعمة لك والملك , لا شريك لك ) متفق عليه .
الحديث الثاني : كان عبدالله بن عمر يزيد فيها : ( لبيك . لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل ) . رواه مسلم .
الحديث الثالث : عن جابر رضي الله عنه قال : ( أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يزيدون . يا ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئاً  ) رواه البخاري وأحمد وأبو داود .
الحديث الرابع : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول  ( لبيك إله الحق لبيك ) رواه أحمد وابن ماجة والنسائي وابن خزيمة وابن حبان .

 

المعنى الإجمالي :
التلبية هي شعار المحرم ودليل استجابته لأمر الله تعالى فقول الحاج لبيك الله لبيك أي : اسجابة بعد استجابة , وهي دليل التوحيد , فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالتوحيد .

 

الفوائد والأحكام :
1-     يشرع للمحرم التلفظ بما نوى من حج منفرد  أو عمرة منفرة  أو قران بينهما ، فيقول: اللهم لبيك حجاً، إن أراد الحج، أو يقول: اللهم لبيك عمرة ، إن كان أراد العمرة أو: اللهم لبيك عمرة وحجاً ، إذا أراد القران. والأفضل لمن قدم في أشهر الحج وليس معه هدي أن يحرم بالعمرة وحدها ثم يلبي بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة ؛ تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم . والتلبية مستحبة ( سنة ) فلو تركها الحاج أو المعتمر فلا شيء عليه , لكنه يستحب أن يأتي بها لفعل النبي صلى الله عليه وسلم .

 

2-     الصبي والجارية دون التمييز ينوي عنهما وليهما ويلبي عنهما ويجنبهما ما يجتنبه المحرم، ويكونان طاهري الثياب حين الطواف بهما. وإن كان الصبي والجارية مميزين أحرما بإذن وليهما ويفعلان ما يفعله الكبير، فإن عجزا عن الطواف والسعي حُمِلا، ووليهما هو الذي يتولى الحج بهما، سواء كان أباهما أو أمهما أو غيرهما.

 

3-     النية تكفي المستنيب، ولا يحتاج إلى ذكر اسمه، وإن سماه لفظاً عند الإحرام فهو أفضل , ولا يجوز لمن أهل بالحج أو العمرة عن نفسه أو عن غيره تغيير النية عمن أهل عنه إلى شخص آخر .

 

4-     لا تشترط الطهارة الصغرى ولا الكبرى لمن أراد الإحرام، ولهذا صح الإحرام من الحائض والنفساء، وإنما يستحب للجميع الغسل، ويستحب أن يكون الإحرام بعد صلاة مفروضة أو نافلة في حق غير الحائض والنفساء ؛ لأن الصلاة لا تصح منهما.

 

5-      إذا وصلت الحائض أو النفساء للميقات وجب عليهما أن تحرما إذا كان الحج فريضة أو العمرة. أما إن كانا مستحبين وقد أدتا حجة الإسلام وعمرة الإسلام فإنه يشرع لهما الإحرام من الميقات كغيرهما من الطاهرات في الحج والعمرة؛ رغبة في الخير وتزوداً من الأعمال الصالحة؛ لقول الله عز وجل: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}، ولحديث أسماء بنت عميس رضي الله عنها، فإنها ولدت في الميقات محمد بن أبي بكر، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتحرم، فإذا طهرت الحائض أو النفساء طافتا وسعتا لحجهما أو عمرتهما ثم قصرتا إن كانتا محرمتين بالحج والعمرة فإنه يشرع لهما جعل إحرامهما عمرة فتطوفان وتسعيان وتقصران وتحلان ثم تحرمان بالحج في اليوم الثامن كسائر الحجاج المحلين، وإن بقيتا على إحرامهما ولم تحلا فلا بأس، لكن ذلك خلاف السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه في حجة الوداع أن يحلوا ويجعلوها عمرة إلا من كان معه الهدي . ويجوز للحائض قراءة القرآن، لعدم وجود الدليل الصريح المانع من ذلك ولكن بدون مس المصحف، وحديث: ((لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن)) ضعيف . ويشرع للحائض والنفساء التلبية لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : ( افعلي كما يفعل الخاج غير ألا تطوفي بالبيت ) متفق عليه .

 

6-     كان النبي صلى الله عليه وسلم يهل  بنسكه إذا انبعثت به راحلته، ومثل الراحلة السيارة يستحب الإهلال في الحج أو العمرة إذا ركب السيارة من الميقات، وهكذا إذا ركبها عند التوجه من مكة إلى منى يوم الثامن.
7-     يجوز للمرأة أخذ حبوب منع العادة قبل الإحرام إذا لم يكن فيها مضرة بعد استشارة طبيب مختص .

 

8-      الاشتراط يكون وقت الإحرام إذا دعت الحاجة إليه؛ لحديث عائشة رضي الله عنها في قصة ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أنها قالت: يا رسول الله، إني أريد الحج وأنا شاكية، فقال لها صلى الله عليه وسلم: ( حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني ) متفق عليه . 

 

9-     التلبية في العمرة يستمر بها المعتمر حتى يشرع في الطواف أو يستلم الحجر الأسود لفعل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كما روى البيهقي رحمه الله . أما في الحج فيلبي الحاج حتى يرمي جمرة العقبة لما ثبت في صحيح البخاري : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي حتى يرمي جمرة العقبة ) .

 

10-    الزيادة على التلبية الواردة ( لبيك اللهم لبيك , لبيك لا شريك لك لبيك , إن الحمد والنعمة لك والملك , لا شريك لك ) , قال الإمام الشافعي : يستحب ألا يزيد عليها , وقال مالك : إن اقتصر عليها فحسن وإن زاد عليها فحسن . وقد وردت الصيغ الواردة أعلاه ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة الذين يزيدون كما في حديث جابر السابق وهذا يدل على الجواز والله أعلم .

 

11-    يستحب للرجال رفع أصواتهم بالتلبية ( لبيك اللهم لبيك  .....) وتخفض النساء أصواتهن بها لما رواه أهل السنن بسند صحيح عن خلاّد بن السائب عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية ) .

 

مسألة : حكم التلبية :
اختلف العلماء في حكم التلبية إلى ثلاثة أقوال :
القول الأول : أنها سنة , وهو قول الشافعي وأحمد رحمهما الله ؛ وقالوا : إنها ذكر كسائر الأذكار ؛ لا يجب بتركها شيء .
القول الثاني : أنها واجبة , وهو قول مالك رحمه الله وأصحابه , وقالوا : يأثم تاركها , ويصح حجه , وعليه دم لتركه إياها . وقوى هذا القول فضيلة الشيخ عبدالله البسام رحمه الله في تيسير العلام .
القول الثالث : أنها ركن , لا يصح الحج بدونها , وهو قول أبي حنيفة وأهل الظاهر , وعطاء وطاوس , وعكرمة رحمهم الله جميعاً .
واستدل الموجبون : بأنها شعر الحج , كما أن تكبيرة الإحرام ؛ وتكبيرات الانتقال شعار الصلاة , وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُخِّل بها , وكان يقول خذو عني مناسككم , وهي من أعظم المناسك , وفي الحديث : أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال ) .وهي التلبية . والأمر يقتضي الوجوب .

 

الراجح : أن التلبية سنة , وأما قياس الحج على الصلاة فإنه قياس مع الفارق لاختلاف الحج عنها , وأما تكبيرات الإحرام فقد دلت النصوص على وجوبها ولم تدل على وجوبها في الحج ,وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يُخّل بها فإن فعله صلى الله عليه وسلم لا يدل الوجوب , وأما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بها فإنه يدل على الكيفية وليس على الوجوب ففعل السنة له كيفية وهو أن يرفع الصوت به حتى يسمع ولكنه لم ينص على وجوبها كأن يأمرهم بالتلبية مثلاً وليس الأمر برفع الصوت والله تعالى أعلم .   

 

ثالثاً : الاغتسال للمحرم :
الاغتسال إما أن يكون للإحرام أو أن يكون بعد الإحرام :
الاغتسال للإحرام :
ذكر أهل العلم رحمهم الله حكم الاغتسال للإحرام هل هو مستحب أم أنه مباح والصحيح أنه مستحب , قال ابن قدامة رحمه الله : فمن أراد الإحرام استحب له أن يغتسل قبله في قول أكثر أهل العلم منهم طاوس والنخعي ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي لما روى خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه [ أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل ]. رواه الترمذي وقال : حديث حسن غريب. وثبت [ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس وهي نفساء أن تغتسل عند الإحرام [ رواه مسلم ] وأمر عائشة أن تغتسل عند الإهلال بالحج وهي حائض ] ولأن هذه العبادة يجتمع لها الناس فسن لها الاغتسال كالجمعة وليس ذلك واجبا في قول عامة أهل العلم. قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الإحرام جائز بغير اغتسال وأنه غير واجب .

 

 الاغتسال بعد الإحرام :
الحديث : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالأَبْوَاءِ . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ . وَقَالَ الْمِسْوَرُ : لا يَغْسِلُ رَأْسَهُ . قَالَ : فَأَرْسَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه . فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ , وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ . فَسَلَّمْت عَلَيْهِ . فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ فَقُلْت : أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ , أَرْسَلَنِي إلَيْكَ ابْنُ عَبَّاسٍ , يَسْأَلُكَ : كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ ؟ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ , فَطَأْطَأَهُ , حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ . ثُمَّ قَالَ لإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ : اُصْبُبْ , فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ . ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ , فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ . ثُمَّ قَالَ : هَكَذَا رَأَيْتُهُ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلُ.
وَفِي رِوَايَةٍ : فَقَالَ الْمِسْوَرُ لابْنِ عَبَّاسٍ : لا أُمَارِيكَ أَبَداً .
وفي هذا الحديث دليل على جواز اغتسال المحرم , وجواز دعك رأسه حتى لو تساقط منه الشعر لأنه غير مقصود .

 

رابعاً : الصلاة قبل الإحرام :
الحديث : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أتاني آت من ربي  فقال صل في هذا الوادي وقل حجة في عمرة ) رواه البخاري .
قال بعض أهل العلم أن هذا من العموم يدل على شرعية الصلاة عند الإحرام ولكنه ليس بصريح لأنه يحتمل المراد صلاة الفريضة التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال ابن القيم- رحمه الله-: ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى للإحرام ركعتين غير فرض ، و إن لم يتفق له بعد فريضة وأراد أن يصلي- يعني ركعتي نافلة- فلا يركعهما وقت نهي للنهي عنه وليس من ذوات الأسباب .