أنت هنا

هل نجج المؤتمر؟
30 ذو القعدة 1432

هل نجح مؤتمر "السلفيون وآفاق المستقبل" المنعقد في مدينة إسطنبول بتركيا في الفترة من 15-16 ذي القعدة 1432هـ؟

بدأت "مجلة البيان" في التخطيط لعقد المؤتمر قبل خمسة أشهر، وتم توجيه الدعوة إلى عشرات من العلماء والدعاة، واختير من بينهم 28 شخصا ليتولوا مهمة إعداد الأوراق والمداخلات الرئيسة في الجلسات وورش العمل، ونرجو أن تكون هذه المبادرة فاتحة خير وبركة لمزيد من العطاء والبناء.

 

وحتى يكون تقويمنا للمؤتمر مرتكزا على أسس علمية، نعرض بعض المعايير المهمة التي تجيب بمجموعها على سؤال: هل نجح المؤتمر؟ وما مستوى النجاح وأسبابه؟

 

وهي معايير ستة نبدأها على النحو التالي:

1- عدد الحضور والتنوع:

بلغ عدد حضور المؤتمر حوالي 140 شخصا، وهو عدد يتناسب مع هدف المؤتمر وكونه نخبويا وليس جماهيريا، وكانت السمة الأهم في هذا الحضور، التنوع الكبير فيما بينهم، والرمزية العلمية والدعوية التي يمثلونها؛ فقد مثَّل هؤلاء 17 دولة، كما أنهم ينتمون إلى مختلف التوجهات السلفية، ونرجو أن هذا أضفى على المؤتمر مصداقية كبيرة في خطابه ومضمونه.

 

2- التفاعل:

بعض المؤتمرات يحضرها العدد الكبير من المتخصصين والخبراء، لكن تفاعلهم يبقى محدودا رسميا جامدا، لكن في مؤتمر "السلفيون وآفاق المستقبل" كان واضحا منذ اليوم الأول أن الحاضرين قد أتوا متحمسين لموضوع المؤتمر وظهر ذلك في كثير من الكلمات التي ألقيت، فهي لم تكن كلمات مختصرة، بل بحوث مستفيضة تم إعدادها خصيصا للمؤتمر، حتى أن بعض المتحدثين وجد صعوبة في تلخيص مضمون بحثه مع ضيق الوقت المتاح.

من مظاهر التفاعل الواضحة، كثرة الأسئلة ووفرة طلبات المداخلة الواردة إلى المنصة في أغلب الجلسات واللقاءات.

 

3- المواظبة على حضور فعاليات المؤتمر:

يواجه المنظمون للمؤتمرات العلمية ظاهرة متكررة، وهي تراجع مستوى الحضور لجلسات المؤتمر من بعد الجلسة الافتتاحية، وتسرب من يحضر في الجلسات تدريجيا، ولكن المشاهد في مؤتمر إسطنبول كان مختلفا تماما، فيحمد للمشاركين في هذا المؤتمر حرصهم على حضور كافة الفعاليات بالكثافة نفسها، واختفت ظاهرة (التسرب) أثناء اللقاءات إلى درجة كبيرة.

 

4- الروح العامة الإيجابية:

توقع البعض نظرا للخلافات المعروفة بين بعض التيارات السلفية، أن يتحول المؤتمر إلى ساحة واسعة للنزاع الفكري والعلمي وتبادل الاتهامات والآراء الحادة، لكن لم يحدث أي من ذلك - بحمد الله وفضله -، على العكس سادت روح جميلة من الود والإخاء والنقد الإيجابي البناء، والتناصح الأخوي السامي، حتى أن المراقب للمشاركين يشعر وكأنهم جميعا ينتمون إلى توجه واحد وفكر واحد وينطلقون من اجتهادات واحدة.

ومن علامات الإيجابية الواضحة، كثرة الاقتراحات والأفكار المقدمة إلى اللجنة المنظمة، والطلبات المتعددة لتكرار هذا المؤتمر وانعقاده بصورة دورية مع توسيع نطاق المشاركة والتغطية.

 

5- جمع الصف:

من أبرز معالم النجاح في هذا المؤتمر جمعه لثلة كريمة من الرموز العلمية والدعوية، وحرصه على تعزيز التواصل والاعتصام بحبل الله - تعالى -، وسعيه الحثيث لتوثيق أواصر المحبة والأخوة، وتأسيسه لقاعدة صلبة تدعو إلى التآلف والتعاون والتكامل، وتحذر من الاختلاف والتنازع، خاصة في هذه المرحلة التاريخية التي تمر بها المنطقة العربية.

ورغم تتابع جلسات وورش العمل، حصلت – بحمد الله وفضله – لقاءات جانبية عديدة، اجتمعت فيها القلوب، وتبادل فيها أصحاب الفضيلة الآراء حول كثير من المستجدات والنوازل المتلاحقة.

 

6- التوصيات العملية:

كثير من المؤتمرات تعجز عن إصدار توصيات عملية تلخص هدف المؤتمر ونتائجه، وذلك لأسباب عديدة، منها: اختلاف الحاضرين مع تنوعهم الفكري، لكن نجح مؤتمر "السلفيون وآفاق المستقبل" - بتوفيق من الله تعالى- في تجاوز هذه العقبات وتم الإعلان عن بعض التوصيات العملية المهمة في البيان الختامي.

 

وحتى لا تكون التوصيات مجرد انفعالات كلامية تنتهي مع انتهاء المؤتمر، فقد قررت اللجنة المنظمة تشكيل لجنة عليا للمتابعة، تم انتقاؤها بمعايير حيادية من مختلف التيارات والدول، وبلغ عددهم 22 شخصا، اتُفِق على أن يجتمعوا عدة مرات لدراسة التوصيات والاقتراحات وتنفيذ المناسب منها..

 

هذه هي أهم معايير النجاح التي توفرت –بحمد الله –في مؤتمر "السلفيون وآفاق المستقبل" المنعقد في إسطنبول، وهو نجاح لا تستأثر به اللجنة المنظمة فقط، بل هي شراكة مع كافة الحاضرين للمؤتمر، الذين أسهموا بجهودهم ومشاعرهم وإخلاصهم في إنجاح هذا الجهد المبارك، الذي نسأل الله تعالى أن يجعله خالصا مقبولا نافعا..

وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم