أنت هنا

تقرير عن المؤتمر
30 ذو القعدة 1432

انعقد - بحمد الله  تعالى - في مدينة إسطنبول- تركية- مؤتمر "السلفيون وآفاق المستقبل" وذلك في المدة من 15-16 ذي القعدة 1432هـ، وقد نظمت المؤتمر وأشرفت عليه "مؤسسة البيان"، وحضره نخبة من رموز التيارات السلفية في أنحاء العالم العربي،  من كبار العلماء والدعاة والمفكرين والباحثين، وقد ناهز عددهم 140 شخصاً من 17 دولة.

 

توزعت فعاليات المؤتمر على يومين حافلين باللقاءات والنقاشات والسجالات العلمية والفكرية والسياسية، وذلك من خلال جدول أعمال ثابت في اليومين، يبدأ بجلستين رئيستين متتابعتين، ثم ورشتي عمل متزامنتين، ويختم اليوم بلقاء حواري مفتوح يجمع كافة المشاركين.

 

بدأ المؤتمر بآيات من الذكر الحكيم تلاها المقرئ الشيخ الدكتور محمد عبد الكريم، ثم بدأت الجلسة الافتتاحية بكلمة ألقاها الشيخ عبد الله شاكر الجنيدي (رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية في مصر)، ثم تحدث الشيخ أحمد الصويان رئيس تحرير "مجلة البيان" في افتتاحية المؤتمر عن الداعي لانعقاده وأهدافه، وأكد على أن منظمي المؤتمر لم يقصوا أحداً أو ينتقوا أشخاصاً بعينهم، وأشار إلى أن الدعوة وجهت إلى قيادات ورموز آخرين لكنهم اعتذروا لظروف خاصة.

 

وقال الشيخ أحمد الصويان: إن ما دعا لعقد المؤتمر سببان رئيسان: أولهما: أن التيارات السلفية أصبحت (فزاعة) تستخدَم للتخويف من كل ما هو إسلامي، وأن الهجوم على السلفية والسلفيين هو المرحلة الأخيرة التي بلغها أعداء الإسلام في وقتنا الحالي. وثانيها: أن الثورات العربية دفعت بالسلفيين إلى واجهة الأحداث، فانفتحت أمامهم السبل والمجالات بدرجة غير مسبوقة، وقد استجاب السلفيون وتمددت أنشطتهم إلى مسارات متنوعة أحوجتهم إلى مزيد من التأصيل والدراسة والبحث لتقويم الممارسات ورسم المسارات وإزالة العقبات؛ لهذا كان من أهداف المؤتمر مناقشة المستقبل السلفي على ضوء التطورات الراهنة.

ثم جاءت الجلسة الأولى للمؤتمر تحت عنوان (التيارات السلفية، أزمات الداخل)، وأدارها د. عادل حسن الحمد من البحرين، وابتدأها الشيخ الدكتور ناصر العمر الأمين العام لرابطة علماء المسلمين بورقة عن (الانقسام السلفي، أسبابه وعلاجه)، ومما قال فضيلته: إن ما يقال عن (انقسام سلفي) يجانب الحقيقة في كثير من معانيه؛ فالمشاهد حالياً على الساحة السلفية اجتهادات ورؤى مختلفة تتقارب وتتنافر، ولكنها لم تبدأ جسداً واحداً حتى نقول إنها انقسمت أو انشقت.

 

ثم تحدث د. محمد يسري إبراهيم (الأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح) عن موضوع (أولويات الخطاب السلفي) فقدم كلمة مختصرة لبحث مطول أعده عن هذه القضية المهمة، وقال فيها: إن تحديد أولويات الخطاب السلفي تكتسب أهميتها من تمركز التيارات السلفية كمتلقٍ للهجمات الغربية على الإسلام في المرحلة الحالية، وتزامن ذلك مع تفُّرق في الصف وانشقاقات ومراجعات، بالإضافة إلى دعاوى التجديد والتطوير المطروحة من أطراف عديدة.

 

وختم الجلسة د. محمد عبد الكريم (رئيس قسم الثقافة الإسلامية في جامعة الخرطوم)، فألقى كلمة عن النقد الذاتي داخل التيارات السلفية، وأشار فيها إلى ضرورة التفرقة بين عصمة المنهج وعصمة الأشخاص، وحذر من محاولات الوقيعة بين السلفيين من جهات خارجية، ومن خطورة غياب بعض القيادات العلمية للسلفيين التي باتت ملاحظة في الآونة الأخيرة.

 

وقد أسهمت مداخلات: د. عبد الله بخاري من المغرب، ود. عبد المحسن المطيري من الكويت، ود. سعد الحميد من السعودية، في إثراء الجلسة بالتعليق على الكلمات الرئيسة، وبإلقاء الضوء على جوانب أخرى للموضوع.

 

التأمت الجلسة الثانية تحت عنوان "السلفيون وآفاق المشاركة السياسية"، وأدارها الباحث أنور قاسم الخضري (رئيس مركز الجزيرة للدراسات والبحوث في اليمن)، وتحدث فيها الشيخ نشأت أحمد (من الدعاة البارزين بمصر)، فبين مواقف العلماء من المشاركة السياسية، ونبه إلى أهمية اغتنام الفرص المتاحة حاليا أمام السلفيين للعمل على استئناف التحاكم إلى الشريعة وعودة المجتمع إلى الإسلام، وحذر من أن التردد سيضيع هذه الفرص.

وقدم د. كمال حبيب (الباحث السياسي المتخصص في شؤون الحركة الإسلامية في مصر)، ورقة مختصرة لبحث مطول عن المشاركة السياسية للسلفيين، فذكر أنه من أهم تداعيات ثورة يناير أن السلفيين سارعوا إلى إعادة النظر في كثير من مقولاتهم واجتهاداتهم السابقة عن المشاركة السياسية، وصاغوا رؤية جديدة تدعم اقتحام أو دخول الميدان السياسي بكافة السبل المتاحة، فظهرت أحزاب سياسية ذات مرجعية سلفية، وبدا واضحاً أن هناك قدراً من التمايز بين العملين (الدعوي والسياسي).

 

شارك في المداخلات على موضوع الجلسة الثانية، كلٌّ من: الشيخ عادل المعاودة (نائب رئيس مجلس النواب البحريني)، ود. شافي الهاجري (الأستاذ في كلية الشريعة في قطر)، والدكتور ربيع الحافظ (من العراق)، وكانت مداخلات قيمة ومفيدة ركزت على ضرورة التأصيل الشرعي للنوازل السياسية، وأكدت أهمية المبادرة والتفاعل مع المتغيرات المتلاحقة في الواقع العربي.

وفي المساء انعقدت ورشتا عمل متزامنتان توزع عليهما حضور المؤتمر، فكان موضوع النقاش في الورشة الأولى هو (آليات التنسيق وحل الخلافات بين التيارات الإسلامية عامة، والسلفية خاصة) ، وقد أدار الورشة د. أحمد المعلم (من اليمن)، وقدم ورقتها الرئيسة د. عبد الحي يوسف (نائب رئيس هيئة علماء السودان).

 

وكان موضوع الورشة الثانية هو (التوازن بين العمل الدعوي والعمل السياسي) وأدارها د. سالم الرافعي (من لبنان)، وألقى كلمتها الرئيسة الأستاذ جمال سلطان (من مصر).

وفي ختام اليوم الأول للمؤتمر انعقد لقاء مفتوح تناول التطورات السياسية في المنطقة في ظل الثورات، وأبعاد المشروع الصفوي، وتحدث فيها الدكتور طه الدليمي من العراق عن النفوذ الإيراني في العراق، والشيخ رائد حليحل عن مشروع حزب الله في لبنان، والشيخ عادل المعاودة عن الدور الإيراني في الحراك السياسي في البحرين ومنطقة الخليج العربي، والأستاذ أسامة شحادة (رئيس تحرير دورية الراصد) عن المشروع الصفوي في الشام. وأثارت هذه الجلسة نقاشاً واسعاً عن مشاريع تصدير الثورة الخمينية، فتحدث الشيخ محمد زيتون (رئيس جمعية الوحدة الإسلامية في إندونيسيا)، والدكتور سعيد سيلا (أمين عام اتحاد علماء أفريقيا)، والأستاذ محمد علوش (عضو المجلس الوطني الجديد في سوريا)، ثم تحدث الدكتور محمد يسري إبراهيم عن التغلغل الإيراني في مصر، كما تحدث الأستاذ صباح الأحوازي عن واقع العرب وأهل السنة في الأحواز وإيران، واتفقت كلمة الحضور على أهمية إعداد رؤية إستراتيجية لمواجهة المشروع الصفوي، وتحصين الأمة من التغلغل الشيعي الذي يزداد اتساعاً مع مرور الأيام، كما اتفقت كلمة الحضور على ضرورة التحذير من المشروع (الصهيوأمريكي) الذي يستهدف عقيدة الأمة وهويتها ويتطاول على سيادتها السياسية ومقدراتها الاقتصادية والحضارية.

 

في اليوم الثاني من فعاليات مؤتمر "السلفيون وآفاق المستقبل" بدأت الجلسة الأولى، التي حملت عنوان (السلفيون والتعامل مع قوى المجتمع)، وأدار الجلسة د. إسماعيل عثمان (الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية بالسودان)، وألقى الكلمة الأولى فضيلة الشيخ عبد الرحمن المحمود من السعودية (وهو نائب رئيس رابطة علماء المسلمين)، وتحدث فيها عن الحق وثبات المفاهيم والأفكار، وحذر فيها من الاسترسال مع المصطلحات السياسية الوافدة إلينا من الغرب، تلك التي تحدث خللاً في رؤيتنا للحق، مثل: الحياد، التسامح، الإسلام السياسي، التعددية، وغيرها من المصطلحات التي تطرح منظوراً مخالفاً للحق كما يراه الإسلام، كما دعا الشيخ المحمود إلى أن تتولى جماعات من العلماء والفقهاء عبء الفصل في المسائل الاجتهادية الطارئة، وبيان ما هو قابل للتغيير أو الاجتهاد وما هو ثابت لا يتغير ولا يتبدل، وأشار إلى أن تقديم التنازلات على حساب الدين مزلق خطير، إذا ولجه المرء فلن يتوقف.

 

وألقى الباحث السياسي أحمد فهمي الكلمة الثانية، التي حملت عنوان (منهج مقترح لقياس وتقدير القوة السياسية والاجتماعية للسلفيين)، وأشار في مقدمته إلى أهمية التخلي عن التقديرات العاطفية والجزافية للقوة السلفية في المجتمع وما يمكن أن يحدث بسبب ذلك من مواقف سياسية خاطئة، وقال: إن هناك منهجين لقياس القوة السلفية، أولهما: يستند إلى العاطفة والتقديرات المباشرة للحشود الجماهيرية السلفية، وهو منهج لا يصلح للتخطيط. والثاني: منهج علمي يعتمد أسساً علمية مقارنة تعطي تقديرات دقيقة لقوة السلفيين في مختلف المجالات استناداً إلى معطيات دقيقة، وهو منهج يخدم أهل التخطيط والتنظير.

 

وذكر أن أهم ما يتضمنه هذا المنهج هو تحويل المؤشرات الكيفية عن القوة السلفية المجتمعية إلى مؤشرات كمية قابلة للقياس والمقارنة.

 

وتحدث د. هيثم الحداد (الباحث الشرعي من فلسطين)، عن (رؤية شرعية في التعامل مع المخالفين ومقاماته المتنوعة)، واستعرض فيها طرائق التعامل مع المخالفين مع الحفاظ على وحدة المسلمين واجتماع كلمتهم.

 

وقد حظيت هذه الجلسة بمداخلتين هاتفيتين مهمتين: الأولى: من العلامة الشيخ عبد الرحمن البراك من السعودية، والثانية: من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم من مصر، ثم تبعتها عدد من مداخلات الحضور، منها مداخلة الدكتور  عبد الله الحاشدي الأستاذ في جامعة الإيمان بصنعاء، والشيخ رائد حليحل من لبنان، والدكتور سليمان العودة أستاذ التاريخ الإسلامي من السعودية والشيخ عدنان عرعور من سوريا.

 

انتظمت الجلسة الثانية من اليوم الثاني لمؤتمر "السلفيون وآفاق المستقبل" تحت عنوان (الخطاب الدعوي الإعلامي للسلفيين)، وأدار هذه الجلسة الإعلامي د. فهد السنيدي، وتحدث فيها البرلماني الكويتي د. وليد الطبطبائي، فحذر السلفيين من خطر الاختلاف في ميدان السياسة الذي هو بطبيعته منبع للتضارب والتضاد واختلاف المصالح والآراء، وأشار إلى خطر الانسياق وراء المصلحة الشخصية والاستسلام لحظوظ النفس، وأكد على ضرورة حسن مخاطبة الجمهور والنخبة بما يليق ويناسب كلاً منهما.

 

وتحدث المهندس عبد المنعم الشحات (المتحدث باسم الدعوة السلفية بمدينة الإسكندرية- مصر) عن تأثير الربانية والعقلانية في صياغة الخطاب الإعلامي، وأهمية المزاوجة بينهما بحسب المسائل التي يعرض لها الناشطون، وقال في كلمته: إن الخطاب الإعلامي لا بد أن يتسم بالقدرة على الإقناع باستخدام أساليب مؤثرة تنطلق من الثوابت وتتدرج في منطقها، مبْتعداً عن مداهنة الباطل المضطرب.

 

وختم الجلسة د. وليد الرشودي من السعودية مبيناً الأسلوب العلمي في الخطاب الإعلامي المؤثر، كما شارك أيضا في المداخلات كلٌّ من د. محمد الدويش من السعودية، ود. أحمد الذويب من الأردن، ود. بسام الشطي من الكويت.

 

وفي المساء انعقدت ورشتا عمل متزامنتين، كان موضوع الورشة الأولى هو (مشاريع الإصلاح رؤية تقويمية)، وأدارها د. جمال بادي من ليبيا، وقدم ورقتها الرئيسة د. عبد الرحيم السلمي من السعودية (مدير مركز التأصيل للدراسات والبحوث في جدة)، وفي الورشة الثانية التي أدارها د. بسام الشطي، قدم د. محمد العبدة (من سوريا)، ورقة عن المحافظة على المكتسبات الدينية والاجتماعية والسياسية في مرحلة ما بعد الثورات العربية.

 

ثم انعقد اللقاء المفتوح في نهاية اليوم وكان موضوعه (ربيع الثورات العربية)، وتحدث فيه الشيخ عدنان عرعور عن الثورة السورية، والشيخ شعبان هدية (قائد الثوار في مدينة الزاوية الليبية) عن الثورة في ليبيا، والأستاذ فتحي السعيدي (رئيس جمعية الخير الإسلامية التونسية) عن الثورة في تونس، والأستاذ الدكتور حسن شبالة عن الثورة اليمنية. وقد أكد المتحدثون على أنَّ الثورات العربية أوجدت فرصاً دعوية وسياسية واجتماعية كبيرة، يجب استثمارها والتفاعل معها بإيجابية وبرؤية واعية. كما حذروا من ثورات مضادة تصاعَدَ حَراكها السياسي والإعلامي من أجل قطف ثمرات الثورات، وتجريدها من مكتسباتها، وإقصاء الإسلاميين عن ساحتها. واختتم اللقاء فضيلة الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق بكلمة مؤثرة دعا فيها إلى التفاؤل والوحدة والحكمة.

 

وفي نهاية فعاليات اليوم الثاني ألقى الشيخ أحمد الصويان البيان الختامي للمؤتمر؛ حيث ظهر عليه تفاؤله الشديد بنجاح المؤتمر، والجو العام المفعم بالود والإخوة الإيمانية. فوجه الشكر إلى جميع الحضور على إيجابيتهم وتفاعلهم ومشاركاتهم النافعة التي أثْرَت الجلسات واللقاءات، كما أشار الشيخ الصويان إلى أهم الإنجازات التي تمخض عنها المؤتمر وهو (ميثاق العمل الإسلامي) الذي توافَق عليه الحاضرون ليكون نبراسا يجتمع عليه الدعاة، وتقتفى مبادئه الداعية إلى الالتزام بمنهج أهل السنة والجماعة، والمحافظة على الأخوة الإيمانية ووحدة الصف، والتمسك بالحكمة في الدعوة، والحرص على تحسين الأداء الدعوي في مختلف مجالاته، مع السعي بقوة لنهضة المسلمين، وهو يخضع للتعديل النهائي بعد أخذ ملحوظات وتعديلات العلماء والدعاة المشاركين في المؤتمر.

 

وذكر الشيخ الصويان أن الجهة المنظمة للمؤتمر قد شكلت لجنة عُلْيا تضم 22 عضواً من الحاضرين في المؤتمر، وقد أُسنِد إليها متابعة الاقتراحات والتوصيات والأفكار النافعة والمفيدة التي قدمها عدد كبير من المشاركين، وذلك حرصاً على الانتفاع بها بعد دراستها والنظر في جدواها وآلية تنفيذها، وقد حدد البيان الختامي مدى زمنياً لإنجاز التوصيات.

 

وقد أكد عدد من العلماء والدعاة المشاركين تميز المؤتمر بجمعه لعدد كبير من القامات العلمية والدعوية، ودوره الرائد في جميع الكلمة وتوحيد الصف وتنسيق المواقف العلمية والعملية في أجواء الأُلفة والمودة والمحبة التي سادت فعالياته، وهو دعا كثيراً منهم إلى اقتراح أن ينعقد المؤتمر بصفة دورية.