أنت هنا

تأملات في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم
28 ذو القعدة 1432
اللجنة العلمية

حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم

يعتبر حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم منسك مستقل، رأينا أن إيراده هاهنا أنسب، لتضمنه التلبية وغيرها، كما سلف وما سيأتي فنورد طرقه وألفاظه، ثم نتبعه بشواهده من الأحاديث الواردة في معناه.وبالله المستعان.
قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا جعفر بن محمد، حدثني أبي، قال أتينا جابر بن عبد الله وهو في بني سلمة، فسألناه عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث في المدينة تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج في هذا العام قال فنزل المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويفعل ما يفعل فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة، وخرجنا معه حتى إذا أتى ذا الحليفة نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع؟ قال اغتسلي ثم استثفري بثوب، ثم أهلي
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك ولبى الناس، والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام، والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلم يقل لهم شيئا
فنظرت مد بصري بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من راكب وماش، ومن خلفه كذلك، وعن يمينه مثل ذلك، وعن شماله مثل ذلك
قال جابر ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، عليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملناه
فخرجنا لا ننوي إلا الحج، حتى إذا أتينا الكعبة فاستلم نبي الله صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود، ثم رمل ثلاثة ومشى أربعة، حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين، ثم قرأ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى قال أحمد وقال أبو عبد الله- يعني جعفر- فقرأ فيهما بالتوحيد وقل يا أيها الكافرون
 ثم استلم الحجر وخرج إلى الصفا ثم قرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله ثم قال نبدأ بما بدأ الله به فرقى على الصفا حتى إذا نظر إلى البيت كبر ثم قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده وصدق عبده وهزم- أو غلب- الأحزاب وحده ثم دعا ثم رجع إلى هذا الكلام
ثم نزل حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة فرقى عليها حتى نظر إلى البيت فقال عليها كما قال على الصفا فلما كان السابع عند المروة قال يا أيها الناس إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة فمن لم يكن معه هدي فليحل وليجعلها عمرة فحل الناس كلهم
فقال سراقة بن مالك بن جعشم وهو في أسفل الوادي يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه فقال للأبد ثلاث مرات ثم قال دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة
قال وقدم علي من اليمن بهدي وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم معه من هدي المدينة هديا فإذا فاطمة قد حلت ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها فقالت أمرني به أبي قال [قال] علي بالكوفة قال جعفر قال أبي هذا الحرف لم يذكره جابر فذهبت محرشا أستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي ذكرت فاطمة قلت إن فاطمة لبست ثيابا صبيغا واكتحلت وقالت أمرني أبي قال صدقت صدقت [ صدقت] أنا أمرتها به
وقال جابر وقال لعلي بم أهللت؟ قال قلت اللهم إني أهل بما أهل به رسولك قال ومعي الهدي قال فلا تحل
قال وكان جماعة الهدي الذي أتى به علي من اليمن والذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثلاثا وستين ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فأكلا من لحمها وشربا من مرقها
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نحرت هاهنا ومنى كلها منحر ووقف بعرفة فقال وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ووقف بالمزدلفة وقال وقفت هاهنا والمزدلفة كلها موقف
هكذا أورد الإمام أحمد هذا الحديث، وقد اختصر آخره جدا.
ورواه الإمام مسلم بن الحجاج في المناسك من صحيحه عن أبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم، كلاهما عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله فذكره.
وقد أعلمنا في الزيادات المتفاوتة من سياق أحمد ومسلم، إلى قوله عليه السلام لعلي: صدقت صدقت، ماذا قلت حين فرضت الحج؟ قال قلت اللهم إني أهل بما أهل به رسولك صلى الله عليه وسلم قال فإن معي الهدي قال فلا تحل قال فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة قال فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة له من شعر فضربت له بنمرة فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله
واتقوا الله في النساء، فإنكم أخذ تموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا نشهد أنك قد بلغت ونصحت وأديت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها على الناس اللهم اشهد اللهم اشهد، ثلاث مرات ثم أذن، ثم أقام، فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئا.
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص وأردف أسامة بن زيد خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها لتصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى أيها الناس، السكينة السكينة كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد
حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر فصلى الفجر حتى تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا فحمد الله وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا
فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن العباس، وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت ظعن يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحول الفضل يده إلى الشق الآخر، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل، فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر.
حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها [مثل] حصى الخذف رمى من بطن الوادي
ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها.
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر، فأتى بها بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم، فقال انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه
ثم رواه مسلم عن عمر بن حفص، عن أبيه، عن جعفر بن محمد،
عن أبيه، عن جابر فذكره بنحوه.
وذكر قصة أبي سيارة وأنه كان يدفع بأهل الجاهلية على حمار عري وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نحرت هاهنا ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم ووقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، ووقفت هاهنا وجمع كلها موقف.
وقد رواه أبو داود بطوله عن النفيلي وعثمان بن أبي شيبة، وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن.وربما زاد بعضهم على بعض الكلمة والشيء، أربعتهم عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر، بنحو من رواية مسلم.وقد رمزنا لبعض زياداته عليه.
ورواه أبو داود أيضا والنسائي عن يعقوب بن إبراهيم، عن يحيى بن سعيد القطان، عن جعفر به.ورواه النسائي أيضا عن محمد بن المثنى، عن يحيى بن سعيد ببعضه، عن إبراهيم بن هارون البلخي، عن حاتم بن إسماعيل ببعضه.

 

دخول النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة شرفها الله عز وجل

قال البخاري حدثنا مسدد، حدثنا يحيى عن عبيد الله حدثني نافع، عن ابن عمر، قال: بات النبي صلى الله عليه وسلم بذي طوى حتى أصبح، ثم دخل مكة وكان ابن عمر يفعله
ورواه مسلم من حديث يحيى بن سعيد القطان به، وزاد: حتى صلى الصبح، أو قال حتى أصبح
وقال مسلم حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، كان لا يقدم مكة إلا بات بذى طوى حتى يصبح ويغتسل، ثم يدخل مكة نهارا، ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله.
ورواه البخاري من حديث حماد بن زيد، عن أيوب به.
ولهما من طريق أخرى، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية ثم يبيت بذي طوى.وذكره.
وتقدم آنفا ما أخرجاه من طريق موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبيت بذي طوى حتى يصبح، فيصلي الصبح حين يقدم مكة، ومصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أكمة غليظة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل فرضتي الجبل الذي بينه وبين الجبل الطويل نحو الكعبة، فجعل المسجد الذي بني ثم يسار المسجد بطرف الأكمة، ومصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفل منه على الأكمة السوداء، يدع من الأكمة عشرة أذرع أو نحوها، ثم يصلي مستقبل الفرضتين من الجبل الذي بينك وبين الكعبة.
أخرجاه في الصحيحين.
وحاصل هذا كله: أنه عليه السلام لما انتهى في مسيره إلى ذي طوى وهو قريب من مكة متاخم للحرم، أمسك عن التلبية، لأنه قد وصل إلى المقصود، وبات بذلك المكان حتى أصبح، فصلى هنالك الصبح في المكان الذي وصفوه بين فرضتي الجبل الطويل هنالك.
ومن تأمل هذه الأماكن المشار إليها بعين البصيرة عرفها معرفة جيدة وتعين له المكان الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم اغتسل صلوات الله وسلامه عليه لأجل دخول مكة، ثم ركب ودخلها نهارا جهرة علانية من الثنية العليا التي بالبطحاء.ويقال كداء ليراه الناس ويشرف عليهم، وكذلك دخل منها يوم الفتح كما ذكرناه.
قال مالك عن نافع، عن ابن عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من الثنية العليا وخرج من الثنية السفلى.
أخرجاه في الصحيحين من حديثه.
ولهما من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من الثنية العليا التي في البطحاء، وخرج من الثنية السفلى.ولهما أيضا من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مثل ذلك.
ولما وقع بصره عليه السلام على البيت قال ما رواه الشافعي في مسنده: أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة، وزد من شرفه وكرمه، ومن حجه واعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا.
قال الحافظ البيهقي هذا منقطع، وله شاهد مرسل عن سفيان الثوري، عن أبي سعيد الشامي، عن مكحول، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة فرأى البيت رفع يديه وكبر وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام، اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا، وزد من حجه أو اعتمره تكريما وتشريفا وتعظيما وبرا
وقال الشافعي: أنبأنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، قال: حدثت عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ترفع الأيدي في الصلاة، وإذا رأى البيت، وعلى الصفا والمروة، وعشية عرفة وبجمع، وعند الجمرتين وعلى الميت.
قال الحافظ البيهقي وقد رواه محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، وعن نافع عن ابن عمر، مرة موقوفا عليهما ومرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم دون ذكر الميت.
قال: وابن أبي ليلى هذا غير قوي.
ثم إنه عليه السلام دخل المسجد من باب بني شيبة.
قال الحافظ البيهقي روينا عن ابن جريج، عن عطاء ابن أبي رباح، قال: يدخل المحرم من حيث شاء.
قال: ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة وخرج من باب بني مخزوم إلى الصفا.
ثم قال البيهقي: وهذا مرسل جيد.
وقد استدل البيهقي على استحباب دخول المسجد من باب بني شيبة، بما رواه من طريق أبي داود الطيالسي، حدثنا حماد بن سلمة، وقيس بن سلام، كلهم عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة، عن علي رضي الله عنه، قال: لما انهدم البيت بعد جرهم بنته قريش، فلما أرادوا وضع الحجر تشاجروا من يضعه، فاتفقوا أن يضعه أول من يدخل من هذا الباب، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل فخذ أن يأخذوا بطائفة من الثوب، فرفعوه وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه.
وقد ذكرنا هذا مبسوطا في باب بناء الكعبة قبل البعثة.وفي الاستدلال على استحباب الدخول من باب بني شيبة بهذا نظر.والله أعلم.

 

صفة طوافه صلوات الله وسلامه عليه

قال البخاري حدثنا أصبغ بن الفرج، عن ابن وهب، أخبرني عمرو بن محمد، عن محمد بن عبد الرحمن، قال ذكرت لعروة قال: أخبرتني عائشة: أن أول شيء بدأ به حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ ثم طاف ثم لم تكن عمرة ثم حج أبو بكر وعمر مثله، ثم حججت مع أبي الزبير، فأول شيء بدأ به الطواف، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلونه، وقد أخبرتني أمي أنها أهلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة، فلما مسحوا الركن حلوا.
هذا لفظه.وقد رواه في موضع آخر عن أحمد بن عيسى ومسلم عن هارون بن سعيد، ثلاثتهم عن ابن وهب به.وقولها: ثم لم تكن عمرة يدل على أنه عليه السلام لم يتحلل بين النسكين.
ثم كان أول ما ابتدأ به عليه السلام استلام الحجر الأسود قبل الطواف، كما قال جابر حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا.
قال البخاري حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عابس بن ربيعة، عن عمر، أنه جاء إلى الحجر فقبله وقال إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول اللة صلى الله عليه وسلم يقبلك ماقبلتك
ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن أبي نمير، جميعا عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عابس بن ربيعة، قال: رأيت عمر يقبل الحجر ويقول إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيدة وأبومعاوية قا لا: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم عن عابس بن ربيعة، قال: رأيت عمر أتى الحجر فقال أما والله لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك، ثم دنا فقبله
فهذا السياق يقتضي أنه قال ما قال ثم قبلة بعد ذلك، بخلاف سياق صاحبي الصحيح.فالله أعلم.
وقال أحمد: حدثنا وكيع ويحيى واللفظ لوكيع، عن هشام، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب أتى الحجر فقال إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك وقال: ثم قبله.
وهذا منقطع بين عروة بن الزبير وبين عمر.
وقال البخاري أيضا حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير، أخبرني زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب قال للركن أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسولى الله صلى الله عليه وسلم استلمك ما استلمتك فاستلمه
ثم قال: ما لنا وللرمل إنما كنا راءينا به المشركين ولقد أهلكهم الله.
ثم قال: شيء صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه.
وهذا يدل على أن الاستلام تأخر عن القول.
وقال البخاري: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا ورقاء، حدثنا زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: رأيت عمر بن الخطاب قبل الحجر وقال لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك
وقال مسلم بن الحجاج حدثنا حرملة، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، هو ابن يزيد الأيلي، وعمرو، وهو ابن دينار.ح.وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي، أنبأنا ابن وهب، أخبرني عمرو، عن ابن شهاب، عن سالم، أن أباه حدثه أنه قال: قبل عمر بن الخطاب الحجر ثم قال أما والله لقد علمت أنك حجر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك
زاد هارون في روايته: قال عمرو: وحدثني بمثلها زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم- يعني عن عمر- به
وهذا صريح في أن التقبيل تقدم على القول.فالله أعلم.
وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر أن عمر قبل الحجر ثم قال قد علمت أنك حجر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك
هكذا رواه الإمام أحمد.
وقد أخرجه مسلم في صحيحه عن محمد بن أبي بكر المقدمي، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أن عمر، قبل الحجر وقال إني لأقبلك وإني لأعلم أنك حجر، ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك
ثم قال مسلم حدثنا خلف بن هشام والمقدمي وأبو كامل وقتيبة، كلهم عن حماد قال خلف: حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم الأخول، عن عبد الله بن سرجس، قال: رأيت الأصلع- يعني عمر- يقبل الحجر ويقول والله إني لأقبلك وإني لأعلم أنك حجر، وأنك لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
وفي رواية المقدمي وأبى كامل: رأيت الأصيلع.
وهذا من أفراد مسلم دون البخاري.
وقد رواه أحمد عن أبي معاوية عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس به.ورواه أحمد أيضا عن غندر عن شعبة، عن عاصم الأحول به.
وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد بن غفلة، قال: رأيت عمر يقبل الحجر ويقول إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولكني رأيت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم بك حفيا
ثم رواه أحمد عن وكيع عن سفيان الثوري به.وزاد: فقبله والتزمه.هكذا رواه مسلم من حديث عبد الرحمن بن مهدي بلا زيادة، ومن حديث وكيع بهذه الزيادة: قبل الحجر والتزمه وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيا.
وقال الإمام أحمد حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن عمر بن الخطاب أكب على الركن وقال إني لأعلم أنك حجر، ولو لم أر حبيبي صلى الله عليه وسلم قبلك واستلمك ما استلمتك ولا قبلتك لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة
وهذا إسناد جيد قوي، ولم يخرجوه.
وقال أبو داود الطيالسي حدثنا جعفر بن عثمان القرشي، من أهل مكة، قال: رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر وسجد عليه ثم قال: رأيت خالك ابن عباس قبله وسجد عليه، وقال ابن عباس: رأيت عمر بن الخطاب قبله وسجد عليه، ثم قال عمر: لو لم أر النبي صلى الله عليه وسلم قبله ما قبلته.وهذا أيضا إسناد حسن، ولم يخرجه إلا النسائي عن عمرو بن عثمان، عن الوليد بن مسلم، عن حنظلة ابن أبي سفيان، عن طاوس، عن ابن عباس، عن عمر فذكر نحوه.
وقد روى هذا الحديث عن عمر الإمام أحمد أيضا من حديث يعلى بن أمية عنه وأبو يعلى الموصلي في مسنده من طريق هشام بن حبيش بن الأشقر، عن عمر.
وقد أوردنا ذلك كله بطرقه وألفاظه وعزوه وعلله في الكتاب الذي جمعناه فإن مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.ولله الحمد والمنة.
وبالجملة فهذا الحديث مروي من طرق متعددة عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.وهي تفيد القطع عند كثير من أئمة هذا الشأن.
وليس في هذه الرواية أنه عليه السلام سجد على الحجر، إلا ما أشعربه رواية أبي داود الطيالسي، عن جعفر بن عثمان، وليست صريحة في الرفع.
ولكن رواه الحافظ البيهقي من طريق أبي عاصم النبيل، حدثنا جعفر بن عبد الله، قال: رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر وسجد عليه ثم قال: رأيت خالك ابن عباس قبله وسجد عليه.وقال ابن عباس: رأيت عمر قبله وسجد عليه، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هكذا ففعلت.
قال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا الطبراني أنبأنا أبو الزنباع، حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي، حدثنا يحى ابن يمان، حدثنا سفيان بن أبي حسين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد على الحجر
قال الطبراني: لم يروه عن سفيان إلا يحيى بن يمان
وقال البخاري حدثنا مسدد، حدثنا حماد، عن الزبير بن عربي، قال: سأل رجل ابن عمر عن استلام الحجر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله قال أرأيت إن زحمت أرأيت إن غلبت؟ قال اجعل أرأيت باليمن!! رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله
تفرد به مسلم.
وقال البخاري حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: ما تركت استلام هذين الركنين في شدة ولا رخاء منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما فقلت لنافع: أكان ابن عمر يمشي بين الركنين؟ قال: إنما كان يمشي ليكون أيسر لاستلامه.
وروى أبو داود والنسائي من حديث يحيى بن سعيد القطان، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة
وقال البخاري حدثنا أبو الوليد، حدثنا ليث، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين.
ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى وقتيبة، عن الليث بن سعد به.
وفي رواية عنه أنه قال: ما أرى النبي صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين الشاميين إلا أنهما لم يتمما على قواعد إبراهيم.
وقال البخاري وقال محمد بن بكر، أنبأنا ابن جريج، أخبرني عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، أنه قال: ومن يتقي شيئا من البيت!
وكان معاوية يستلم الأركان فقال له ابن عباس: إنه لا يستلم هذان الركنان.فقال له: ليس من البيت شيء مهجور.وكان ابن الزبير يستلمهن كلهن.
انفرد بروايته البخاري رحمه الله تعالى.
وقال مسلم في صحيحه حدثني أبو الطاهر، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن قتادة بن دعامة حدثه، أن أبا الطفيل البكري حدثه، أنه سمع ابن عباس يقول: لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم غير الركنين اليمانيين.
انفرد به مسلم.
فالذي رواه ابن عمر موافق لما قاله ابن عباس، أنه لا يستلم الركنان الشاميان، لأنهما لم يتمما على قواعد إبراهيم، لأن قريشا قصرت بهم النفقة، فأخرجوا الحجر من البيت حين بنوه.كما تقدم بيانه.
وود النبي صلى الله عليه وسلم أن لو بناه فتممه على قواعد إبراهيم، ولكن خشي من حداثة عهد الناس بالجاهلية، فتنكره قلوبهم.
فلما كانت إمرة عبد الله بن الزبير هدم الكعبة وبناها على ما أشار إليه صلى الله عليه وسلم كما أخبرته خالته أم المؤمنين عائشة بنت الصديق.
فإن كان ابن الزبير استلم الأركان كلها بعد بنائه إياها على قواعد إبراهيم فحسن جدا وهو والله المظنون به!
وقال أبو داود حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة
ورواه النسائي عن محمد بن المثنى عن يحيى.
وقال النسائي حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن ابن جريج، عن يحيى بن عبيد، عن أبيه، عن عبد الله بن السائب، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بين الركن اليماني والحجر ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
ررواه أبو داود عن مسدد، عن عيسى بن يونس، عن ابن جريج به.
وقال الترمذي حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جابر، قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة دخل المسجد فاستلم الحجر، ثم مضى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا، ثم أتى المقام فقال واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فصلى ركعتين والمقام بينه وبين البيت ثم أتى الحجر بعد الركعتين فاستلمه ثم خرج إلى الصفا أظنه قال إن الصفا والمروة من شعائر الله هذا حديث حسن صحيح.والعمل على هذا عند أهل العلم.
وهكذا رواه إسحاق بن راهويه، عن يحيى بن آدم، ورواه الطبراني عن النسائي وغيره، عن عبد الأعلى بن واصل، عن يحيى بن آدم به.

 

رمله عليه الصلاة والسلام في طوافه واضطباعه

قال البخاري حدثنا أصبغ بن الفرج، أخبرني ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سالم عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود أول ما يطوف يخب ثلاثة أشواط من السبع
ورواه مسلم عن أبي الطاهر ابن السرح، وحرملة، كلاهما عن ابن وهب به.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن سلام، حدثنا سريج بن النعمان، حدثنا فليح، عن نافع، عن ابن عمر، قال: سعى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشواط ومشى أربعة في الحج والعمرة
تابعه الليث: حدثني كثير بن فرقد، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
انفرد به البخاري.
وقد روى النسائي عن محمد وعبد الرحمن ابني عبد الله بن عبد الحكم،كلاهما عن شعيب بن الليث، عن أبيه الليث بن سعد، عن كثير بن فرقد، عن نافع، عن ابن عمر به.
وقال البخاري حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض، حدثنا موسى بن عقبة، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم، سعى ثلاثة أطواف ومشى أربعة ثم سجد سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة
ورواه مسلم من حديث موسى بن عقبة.
وقال البخاري حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا أنس، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول يخب ثلاثة أطواف ويمشي أربعة، وأنه كان يسعى بطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة
ورواه مسلم من حديث عبيد الله بن عمر.وقال مسلم أنبأنا عبد الله بن عمر بن أبان الجعفي، أنبأنا ابن المبارك، أنبأنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثا ومشى أربعا
ثم رواه من حديث سليم بن أخضر، عن عبيد الله بنحوه.
وقال مسلم أيضا حدثني أبو الطاهر، حدثني عبد الله بن وهب، أخبرني مالك وابن جريج، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: رمل ثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر وقال عمر بن الخطاب: فيم الرملان والكشف عن المناكب، وقد أطد الله الإسلام ونفى الكفر؟ ومع ذلك لا نترك شيئا كنا نفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي، من حديث هشام بن سعيد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه عنه.
وهذا كله رد على ابن عباس ومن تابعه من أن الرمل ليس بسنة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما فعله لما قدم هو وأصحابه صبيحة رابعة- يعني في عمرة القضاء- وقال المشركون: إنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمى يثرب.فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين، ولم يمنعهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم.
وهذا ثابت في الصحيحين وتصريحه بعذر سببه في صحيح مسلم أظهر.
فكأن ابن عباس ينكر وقوع الرمل في حجة الوداع.
وقد صح بالنقل الثابت كما تقدم، بل فيه زيادة تكميل الرمل من الحجر إلى الحجر، ولم يمش ما بين الركنين اليمانيين لزوال تلك العلة المشار إليها وهي الضعف.
وقد ورد في الحديث الصحيح عن ابن عباس، أنهم رملوا في عمرة الجعرانة واضطبعوا.
وهو رد عليه، فإن عمرة الجعرانة لم يبق في أيامها خوف، لأنها بعد الفتح كما تقدم.
رواه حماد بن سلمة، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت واضطبعوا ووضعوا أرديتهم تحت آباطهم وعلى عواتقهم ورواه أبو داود من حديث حماد بنحوه، ومن حديث عبد الله بن خثيم عن أبي الطفيل، عن ابن عباس به.
فأما الاضطباع في حجة الوداع فقد قال قبيصة والفريابي، عن سفيان الثوري، عن ابن جريج، عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة، عن ابن يعلى بن أمية، عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت مضطبعا
رواه الترمذي من حديث الثوري، وقال: حسن صحيح.
وقال أبو داود حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان، عن ابن جريج عن ابن يعلى، عن أبيه، قال: طاف رسول الله مضطبعا ببرد أخضر
وهكذا رواه الإمام أحمد عن وكيع، عن الثوري، عن ابن جريج، عن ابن يعلى، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم طاف بالبيت وهو مضطبع ببرد له حضرمي
وقال جابر في حديثه المتقدم حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فجعل المقام بينه وبين البيت فذكر أنه صلى ركعتين قرأ فيهما قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون
فإن قيل: فهل كان عليه السلام في هذا الطواف راكبا أو ماشيا؟
فالجواب: أنه قد ورد نقلان، قد يظن أنهما متعارضان، ونحن نذكرهما ونشير إلى التوفيق بينهما ورفع اللبس عند من يتوهم فيهما تعارضا.وبا لله التوفيق وعليه الاستعانة وهو حسبنا ونعم الوكيل.
قال البخاري رحمه الله حدثنا أحمد بن صالح ويحيى بن سليمان، قالا: حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعيره في حجة الوداع يستلم الركن بمحجن.
وأخرجه بقية الجماعة، إلا الترمذي، من طرق عن ابن وهب.
قال البخاري: تابعه الدراوردي، عن ابن أخي الزهري، عن عمه.
وهذه المتابعة غريبة جدا.
وقال البخاري حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير، كلما أتى الركن أشار إليه
وقد رواه الترمذي من حديث عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي وعبد الوارث، كلاهما عن خالد بن مهران الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فإذا انتهى إلى الركن أشار إليه
وقال: حسن صحيح.
ثم قال البخاري حدثنا مسدد، حدثنا خالد بن عبد الله، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير، فلما أتى الركن أشار إليه بشيء كان عنده وكبر
تابعه إبراهيم بن طهمان، عن خالد الحذاء.
وقد أسند هذا التعليق ها هنا في كتاب الطواف، عن عبد الله بن محمد، عن أبي عامر، عن إبراهيم بن طهمان به.
وروى مسلم عن الحكم بن موسى، عن شعيب بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع حول الكعبة على بعير يستلم الركن، كراهية أن يضرب عنه الناس
فهذا إثبات أنة عليه السلام طاف في حجة الوداع على بعير، ولكن حجة الوداع كان فيها ثلاثة أطواف:
الأول: طواف القدوم.
والثاني: طواف الإفاضة وهو طواف الفرض وكان يوم النحر.
والثالث: طواف الوداع.
فلعل ركوبه صلى الله عليه وسلم كان في أحد الآخرين أو في كليهما، فأما الأول وهو طواف القدوم فكان ماشيا فيه.وقد نص الشافعي على هذا كله.والله أعلم وأحكم.
والدليل على ذلك ما قال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه السنن الكبير أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى، حدثنا الفضل بن محمد بن المسيب، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا عيسى بن يونس، عن محمد بن إسحاق- هو ابن يسار رحمه الله- عن أبي جعفر، وهو محمد بن علي بن الحسين، عن جابر بن عبد الله، قال: دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم باب المسجد فأناخ راحلته، ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه، وفاضت عيناه بالبكاء، ثم رمل ثلاثا ومشى أربعا، حتى فرغ فلما فرغ قبل الحجر ووضع يده عليه ومسح بهما وجهه وهذا إسناد جيد.
فأما ما رواه أبو داود حدثنا مسدد، حدثنا خالد بن عبد الله، حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي، فطاف على راحلته فلما أتى على الركن استلمه بمحجن، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين
تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف.
ثم لم يذكر أنه في حجة الوداع، ولا ذكر أنه في الطواف الأول من حجة الود اع.
ولم يذكر ابن عباس في الحديث الصحيح عنه عند مسلم، وكذا جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب في طوافه لضعفه، وإنما ذكرا كثرة الناس وغشيانهم له، وكان لا يحب أن يضربوا بين يديه.كما سيأتي تقريره قريبا إن شاء الله.
ثم هذا التقبيل الثاني الذي ذكره ابن إسحاق في روايته بعد الطواف وبعد ركعتيه أيضا، ثابت في صحيح مسلم من حديث جابر.قال فيه، بعد ذكر صلاة ركعتي الطواف: ثم رجع إلى الركن فاستلمه
وقد قال مسلم بن الحجاج في صحيحه حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة وابن نمير جميعا، عن أبي خالد، قال أبو بكر: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن عبيد الله، عن نافع، قال: رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده ثم قبل يده.قال: وما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.
فهذا يحتمل أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطوافات، أو في آخر استلام فعل مثل هذا.لما ذكرنا، أو أن ابن عمر لم يصل إلى الحجر لضعف كان به، أو لئلا يزاحم غيره فيحصل لغيره أذى به.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوالده ما رواه أحمده في مسنده حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن أبي يعفور العبدي، قال: سمعت شيخا بمكة في إمارة الحجاج يحدث عن عمر بن الخطاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا عمر إنك رجل قوي، لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وكبر
وهذا إسناد جيد، لكن راويه عن عمر مبهم لم يسم.
والظاهر أنه ثقة جليل، فقد رواه الشافعي عن سفيان بن عيينة، عن أبي يعفور العبدي واسمه وقدان، سمعت رجلا من خزاعة حين قتل ابن الزبير وكان أميرا على مكة يقول: قال رسول الله لعمر: يا أبا حفص إنك رجل قوي، فلا تزاحم على الركن، فإنك تؤذي الضعيف، ولكن إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فكبر وامض.
قال سفيان بن عيينة: هو عبد الرحمن بن الحارث، كان الحجاج استعمله عليها منصرفه منها حين قتل ابن الزبير.
قلت: وقد كان عبد الرحمن هذا جليلا نبيلا كبير القدر، وكان أحد النفر الأربعة الذين ندبهم عثمان بن عفان في كتابة المصاحف التي نفذها إلى الآفاق ووقع على ما فعله الإجماع والاتفاق.

 

طوافه عليه السلام بين الصفا والمروة

روى مسلم في صحيحه عن جابر، في حديثه الطويل المتقدم، بعد ذكره طوافه عليه السلام بالبيت سبعا وصلاته عند المقام ركعتين.قال: ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله أبدأ بما بدأ الله به
فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك، فقال مثل هذا ثلاث مرات.
ثم نزل، حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة فرقى عليها حتى نظرا إلى البيت فقال عليها كما قال على الصفا.
وقال الإمام أحمد حدثنا عمر بن هارون البلخي، أبو حفص، حدثنا ابن جريج، عن بعض بني يعلى بن أمية، عن أبيه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مضطبعا بين الصفا والمروة ببرد له نجراني
وقال الإمام أحمد حدثنا يونس، حدثنا عبد الله بن المؤمل، عن عمر بن عبد الرحمن، حدثنا عطاء، عن حبيبة بنت أبي تجراة قالت: دخلت دار أبي حسين في نسوة من قريش والنبي صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة، قالت: وهو يسعى يدور به إزاره من شدة السعي وهو يقول لأصحابه: اسعوا إن الله كتب عليكم السعي
وقال أحمد أيضا حدثنا سريج حدثنا عبد الله بن المؤمل، حدثنا عطاء ابن أبي رباح، عن صفية بنت شيبة، عن حبيبة بنت أبي تجراة قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم، وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره وهو يقول: اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي
تفرد به أحمد.
وقد رواه أحمد أيضا عن عبد الرزاق، عن معمر، عن واصل مولى أبي عيينة، عن موسى بن عبيدة، عن صفية بنت شيبة، أن امرأة أخبرتها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة يقول: كتب عليكم السعي فاسعوا
وهذه المرأة هي حبيبة بنت أبي تجراة المصرح بذكرها في الإسنادين الأولين.
وعن أم ولد شيبة بن عثمان، أنها أبصرت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة وهو يقول: لا يقطع الأبطح إلا شدا
رواه النسائي والمراد بالسعي ها هنا هو الذهاب من الصفا إلى المروة ومنها إليها، وليس المراد بالسعي ها هنا الهرولة والإسراع، فإن الله لم يكتبه علينا حتما، بل لو مشى الإنسان على هيئته في السبع الطوافات بينهما ولم يرمل في المسيل، أجزأه ذلك عند جماعة العلماء لا نعرف بينهم اختلافا في ذلك.
وقد نقله الترمذي رحمه الله عن أهل العلم، ثم قال: حدثنا يوسف بن عيسى، حدثنا ابن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن كثيربن جهمان، قال: رأيت ابن عمر يمشي في المسعى فقلت: أتمشي في السعي بين الصفا والمروة؟ فقال: لئن سعيت فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى، ولئن مشيت لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي، وأنا شيخ كبير.
ثم قال: هذا حديث حسن صحيح.
وقد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس نحو هذا.وقد رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة من حديث عطاء بن السائب، عن كثير بن جهمان السلمي الكوفي، عن ابن عمر.
فقول ابن عمر: إنه شاهد الحالين منه صلى الله عليه وسلم يحتمل شيئين: أحدهما: أنه رآه يسعى في وقت ماشيا لم يمزجه برمل فيه بالكلية.والثاني: أنه رآه يسعى في بعض الطريق ويمشي في بعضه.
وهذا له قوة، لأنه قد روى البخاري ومسلم من حديث عبيد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسعى بطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة.
وتقدم في حديث جابر أنه عليه السلام: نزل من الصفا فلما انصبت قدماه في الوادي رمل، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة.
وهذا هو الذي تستحبه العلماء قاطبة، أن الساعي بين الصفا والمروة- وتقدم في حديث جابر- يستحب له أن يرمل في بطن الوادي في كل طوفة في بطن المسيل الذي بينهما، وحددوا ذلك بما بين الأميال الخضر، فواحد مفرد من ناحية الصفا مما يلي المسجد، واثنان مجتمعان من ناحية المروة مما يلي المسجد أيضا.
وقال بعض العلماء: ما بين هذه الأميال اليوم أوسع من بطن المسيل الذي رمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.فالله أعلم.
وأما قول أبي محمد بن حزم في الكتاب الذي جمعه في حجة الوداع: ثم خرج عليه السلام إلى الصفا فقرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله أبدأ بما بدأ الله به فطاف بين الصفا والمروة أيضا سبعا راكبا على بعير يخب ثلاثا ويمشي أربعا.فإنه لم يتابع على هذا القول ولم يتفوه به أحد قبله، من أنه عليه السلام خب ثلاثة أشواط بين الصفا والمروة ومشى أربعا.
ثم مع هذا الغلط الفاحش لم يذكر عليه دليلا بالكلية، بل لما انتهى إلى موضع الاستدلال عليه قال: ولم نجد عدد الرمل بين الصفا والمروة منصوصا، ولكنه متفق عليه.هذا لفظه.
فإن أراد بأن الرمل في الثلاث الطوفات الأول، على ما ذكر، متفق عليه، فليس بصحيح، بل لم يقله أحد.
وإن أراد أن الرمل في الثلاث الأول في الجملة متفق عليه، فلا يجدي له شيئا ولا يحصل له مقصودا، فإنهم كما اتفقوا على الرمل في الثلاث الأول في بعضها، على ما ذكرناه، كذلك اتفقوا على استحبابه في الأربع الأخر أيضا.
فتخصيص ابن حزم الثلاث الأول باستحباب الرمل فيها مخالف لما ذكره العلماء.والله أعلم.
وأما قول ابن حزم إنه عليه السلام كان راكبا بين الصفا والمروة، فقد تقدم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسعى بطن المسيل
أخرجاه.
وللترمذي عنه: إن أسعى فقد رأيت رسول الله يسعى وإن مشيت فقد رأيت رسول الله يمشي
وقال جابر: فلما انصبت قدماه في الوادي رمل، حتى إذا صعد مشى
رواه مسلم.
وقالت حبيبة بنت أبي تجراة: يسعى يدور به إزاره من شدة السعي.
رواه أحمد.
وفي صحيح مسلم عن جابر كما تقدم أنه رقى على الصفا حتى رأى البيت.وكذلك على المروة.
وقد قدمنا من حديث محمد بن إسحاق، عن أبي جعفر الباقر، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ بعيره على باب المسجد، يعني حتى طاف ثم لم يذكر أنه ركبه حال ما خرج إلى الصفا.
وهذا كله مما يقتضي أنه عليه السلام سعى بين الصفا والمروة ماشيا.
ولكن قال مسلم حدثنا عبد بن حميد، حدثنا محمد- يعني ابن بكر- أخبرنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة على بعير، ليراه الناس وليشرف وليسألوه، فإن الناس غشوه ولم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا
ورواه مسلم أيضا عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن علي بن مسهر، وعن علي بن خشرم عن عيسى بن يونس، وعن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد، كلهم عن ابن جريج به.وليس في بعضها: وبين الصفا والمروة.
وقد رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، عن يحى بن سعيد القطان، عن ابن جريج، أخبرني أبوالزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ورواه النسائي عن الفلاس عن يحيى، وعن عمران بن يزيد، عن شعيب بن إسحاق، كلاهما عن ابن جريج به.
فهذا محفوظ من حديث ابن جريج.وهو مشكل جدا، لأن بقية الروايات عن جابر وغيره تدل على أنه عليه السلام كان ماشيا بين الصفا والمروة.
وقد تكون رواية أبي الزبير عن جابر لهذه الزيادة وهي قوله: وبين الصفا والمروة مقحمة أو مدرجة ممن بعد الصحابي.والله أعلم.
أو أنه عليه السلام طاف بين الصفا والمروة بعض الطوفان على قدميه، وشوهد منه ما ذكر، فلما ازدحم الناس عليه وكثروا ركب، كما يدل عليه حديث ابن عباس الآتي قريبا.
وقد سلم ابن حزم أن طوافه الأول بالبيت كان ماشيا، وحمل ركوبه في الطواف على ما بعد ذلك.وادعى أنه كان راكبا في السعي بين الصفا والمروة قال: لأنه لم يطف بينهما إلا مرة واحدة، ثم تأول قول جابر: حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل بأنه يصدق ذلك وإن كان راكبا، فإنه إذا انصب بعيره فقد انصب كله وانصبت قدماه مع سائر جسده.قال: وكذلك ذكر الرمل يعني به رمل الدابة براكبها.
وهذا التأويل بعيد جدا.
 وقال أبو داود حدثنا أبو سلمة موسى، حدثنا حماد، أنبأنا أبو عاصم الغنوي، عن أبي الطفيل، قال: قلت لابن عباس: يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمل بالبيت وأن ذلك سنة.قال: صدقوا وكذبوا.فقلت: وما صدقوا وما كذبوا؟ قال: صدقوا، رمل رسول الله، وكذبوا ليس بسنة، إن قريشا قالت زمن الحديبية: دعوا محمدا وأصحابه حتى يموتوا موت النغف فلما صالحوه على أن يحجوا من العام المقبل فيقيموا بمكة ثلاثة أيام، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركون من قبل قعيقعان فقال رسول الله لأصحابه: ارملوا بالبيت ثلاثا وليس بسنة.
قلت: يزعم قومك أن رسول الله طاف بين الصفا والمروة على بعير، وأن ذلك سنة.قال: صدقوا وكذبوا.فقلت: وما صدقوا وكذبوا؟ قال: صدقوا، قد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة على بعير، وكذبوا ليست بسنة، كان الناس لا يدفعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصرفون عنه، فطاف على بعير ليسمعوا كلامه وليروا مكانه ولا تناله أيديهم.
هكذا رواه أبو داود.
وقد رواه مسلم عن أبي كامل، عن عبد الواحد بن زياد، عن الجريري، عن أبي الطفيل، عن ابن عباس، فذكر فضل الطواف بالبيت كنحو ما تقدم ثم قال: قلت لابن عباس: أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكبا، أسنة هو؟ فإن قومك يزعمون أنه سنة.قال: صدقوا وكذبوا.قلت: فما قولك صدقوا وكذبوا؟ قال: إن رسول الله كثر عليه الناس يقولون: هذا محمد هذا محمد حتى خرج العواتق من البيوت، وكان رسول الله لا يضرب الناس بين يديه، فلما كثر عليه الناس ركب.قال ابن عباس: والمشي والسعي أفضل.
هذا لفظ مسلم.وهو يقتضي أنه إنما ركب في أثناء الحال.وبه يحصل الجمع بين الأحاديث والله أعلم.
وأما ما رواه مسلم في صحيحه حيث قال: حدثنا محمد بن رافع، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا زهير، عن عبد الملك بن سعيد، عن أبي الطفيل، قال: قلت لابن عباس: أراني قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.قال: فصفه لي.قلت: رأيته عند المروة على ناقة وقد كثر الناس عليه.فقال ابن عباس: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنهم كانوا لا يضربون عنه ولا يكرهون.
فقد تفرد به مسلم، وليس فيه دلالة على أنه عليه السلام سعى بين الصفا والمروة راكبا، إذ لم يقيد ذلك بحجة الوداع ولا غيرها.وبتقدير أن يكون ذلك في حجة الوداع فمن الجائز أنه عليه السلام بعد فراغه من السعي وجلوسه على المروة وخطبته الناس وأمره إياهم من لم يسق الهدي منهم أن يفسخ الحج إلى العمرة، فحل الناس كلهم إلا من ساق الهدي، كما تقدم في حديث جابر، ثم بعد هذا كله أتي بناقته فركبها وسار إلى منزله بالأبطح، كما سنذكره قريبا، وحينئذ رآه أبو الطفيل عامر بن واثلة البكري، وهو معدود في صغار الصحابة.
قلت: قد ذهب طائفة من العراقيين كأبي حنيفة وأصحابه والثوري إلى أن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين، وهو مروي عن علي وابن مسعود ومجاهد والشعبي.
ولهم أن يحتجوا بحديث جابر الطويل ودلالته على أنه سعى بين الصفا والمروة ماشيا، وحديثه هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى بينهما راكبا على تعداد الطواف بينهما مرة ماشيا ومرة راكبا.
وقد روى سعيد بن منصور في سننه عن علي رضي الله عنه، أنه أهل بحجة وعمرة، فلما قدم مكة طاف بالبيت والمروة لعمرته، ثم عاد فطاف بالبيت وبالصفا والمروة لحجته، ثم أقام حراما إلى يوم النحر.
هذا لفظه.ورواه أبو ذر الهروي في مناسكه عن علي، أنه جمع بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل.وكذلك رواه البيهقي والدارقطني والنسائي في خصائص علي.فقال البيهقي في سننه أنبأنا أبو بكر ابن الحارث الفقيه، أنبأنا علي بن عمير الحافظ، أنبأنا أبو محمد بن صاعد، حدثنا محمد بن زنبور، حدثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم، عن مالك بن الحارث، أو منصور عن مالك بن الحارث، عن أبي نصر، قال: لقيت عليا وقد أهللت بالحج وأهل هو بالحج والعمرة، فقلت: هل أستطيع أن أفعل كما فعلت؟ قال: ذلك لو كنت بدأت بالعمرة.قلت: كيف أفعل إذا أردت ذلك؟ قال: تأخذ إداوة من ماء فتفيضها عليك، ثم تهل بهما جميعا ثم تطوف لهما طوافين وتسعى لهما سعيين ولا يحل لك حرام دون يوم النحر.
قال منصور: فذكرت ذلك لمجاهد قال: ما كنا نبني إلا بطواف واحد، فأما الآن فلا نفعل.
قال الحافظ البيهقي: وقد رواه سفيان بن عيينة وسفيان الثوري وشعبة عن منصور، فلم يذكر فيه السعي.قال: وأبو نصر هذا مجهول.وإن صح فيحتمل أنه أراد طواف القدوم وطواف الزيارة.
قال: وقد روي بأسانيد أخر عن علي مرفوعا وموقوفا، ومدارها على الحسن بن عمارة وحفص بن أبي داود وعيسى بن عبد الله وحماد بن عبد الرحمن، وكلهم ضعيف لا يحتج بشيء مما رووه في ذلك.والله أعلم.
قلت: والمنقول في الأحاديث الصحاح خلاف ذلك.
فقد قدمنا عن ابن عمر في صحيح البخاري أنه أهل بعمرة وأدخل عليها الحج، فصار قارنا، وطاف لهما طوافا واحدا بين الحج والعمرة.وقال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد روى الترمذي وابن ماجة والبيهقي من حديث الدراوردي، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جمع بين الحج والعمرة طاف لهما طوافا واحدا وسعى لهما سعيا واحدا
قال الترمذي: وهذا حديث حسن غريب.
قلت: إسناده على شرط مسلم.
وهكذا جرى لعائشة أم المؤمنين، فإنها كانت ممن أهل بعمرة لعدم سوق الهدي معها، فلما حاضت أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتهل بحج مع عمرتها، فصارت قارنة، فلما رجعوا من منى طلبت أن يعمرها من بعد الحج، فأعمرها تطييبا لقلبها، كما جاء مصرحا به في الحديث.
وقد قال الإمام أبو عبد الله الشافعي: أنبأنا مسلم- هو ابن خالد- الزنجي، عن ابن جريج، عن عطاء أن رسول الله قال لعائشة: طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك.
وهذا ظاهره الإرسال، وهو مسند في المعنى، بدليل ما قال الشافعي أيضا: أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشافعي: وربما قال سفيان: عن عطاء، عن عائشة، وربما قال: عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة.فذكره.
قال الحافظ البيهقي ورواه ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة موصولا.وقد رواه مسلم من حديث وهيب، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن عائشة بمثله.
وروى مسلم من حديث ابن جريج، أخبرنى أبو الزبير، أنه سمع جابرا يقول: دخل رسول الله على عائشة وهي تبكي، فقال: مالك تبكين؟ قالت أبكي أن الناس حلوا ولم أحل وطافوا بالبيت ولم أطف، وهذا الحج قد حضر
قال: إن هذا أمر قد كتبه الله على بنات آدم، فاغتسلي وأهلي بحج قالت ففعلت ذلك، فلما طهرت قال طوفي بالبيت وبين الصفا والمروة ثم قد حللت من حجك وعمرتك قالت يا رسول الله إني أجد في نفسي من عمرتي أني لم أكن طفت حتى حججت قال اذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم وله من حديث ابن جريج أيضا أخبرني أبو الزبير، سمعت جابرا قال: لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا.
وعند أصحاب أبي حنيفة رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين ساقوا الهدي كانوا قد قرنوا بين الحج والعمرة، كما دل عليه الأحاديث المتقدمة.والله أعلم.
وقال الشافعي: أنبأنا إبراهيم بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي، قال في القارن: يطوف طوافين ويسعى سعيا.
قال الشافعي وقال بعض الناس: طوافان وسعيان.واحتج فيه برواية ضعيفة عن علي، قال جعفر: يروى عن علي قولنا، ورويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن قال أبو داود: حدثنا هارون بن عبد الله، ومحمد بن رافع، قالا: حدثنا أبو عاصم، عن معروف- يعني ابن خربوذ المكي- حدثنا أبو الطفيل، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على راحلته يستلم الركن بمحجن ثم يقبله
 زاد محمد بن رافع ثم خرج إلى الصفا والمروة فطاف سبعا على راحلته
وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي داود الطيالسي، عن معروف بن خربوذ به.بدون الزيادة التي ذكرها محمد بن رافع.وكذلك رواه عبيد الله بن موسى عن معروف بدونها.ورواه الحافظ البيهقي عن أبي سعيد ابن أبي عمرو، عن الأصم، عن يحيى بن أبي طالب، عن يزيد بن أبي حكيم، عن يزيد بن مالك، عن أبي الطفيل بدونها.فالله أعلم.
وقال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو بكر بن الحسن وأبو زكريا بن أبي إسحاق، قالا: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم، حدثنا أحمد ابن حازم، أنبأنا عبيد الله بن موسى وجعفر بن عون، قالا: أنبأنا أيمن بن نابل، عن قدامة بن عبد الله بن عمار قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى بين الصفا والمروة على بعير لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك
وقال البيهقي كذا قالا.وقد رواه جماعة عن أيمن فقالوا: يرمي الجمرة يوم النحر.قال: ويحتمل أن يكونا صحيحين.
قلت: رواه الإمام أحمد في مسنده عن وكيع وقران بن تمام، وأبي قرة موسى بن طارف قاضي أهل اليمن، وأبي أحمد محمد بن عبد الله الزبيري ومعتمر بن سليمان، عن أيمن بن نابل الحبشي، أبي عمران المكي نزيل عسقلان مولى أبي بكر الصديق، وهو ثقة جليل من رجال البخاري، عن قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي، أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة يوم النحر من بطن الوادي على ناقة صهباء لا ضرب ولا طرب ولا إليك إليك وهكذا رواه الترمذي عن أحمد بن منيع، عن مروان بن معاوية.وأخرجه النسائي عن إسحاق بن راهويه.وابن ماجة عن أبي بكر ابن أبي شيبة، كلاهما عن وكيع، كلاهما عن أيمن بن نابل، عن قدامة.كما رواه الإمام أحمد.وقال الترمذي حسن صحيح.
في قوله عليه الصلاة والسلام "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ".
قال جابر في حديثه: حتى إذا كان آخر طوافه عند المروة قال: إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي رواه مسلم.
ففيه دلالة على من ذهب إلى أن السعي بين الصفا والمروة أربعة عشر، كل ذهاب وإياب يحسب مرة.قاله جماعة من أكابر الشافعية.
وهذا الحديث رد عليهم، لأن آخر الطواف عن قولهم يكون عند الصفا لا عند المروة.
ولهذا قال أحمد في روايته في حديث جابر فلما كان السابع عند المروة قال: أيها الناس إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة، فمن لم يكن معه هدي فليحل وليجعلها عمرة فحل الناس كلهم.
وقال مسلم: فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي.

نزوله صلى الله عليه وسلم الأبطح وعدم قدومه البيت إلا بعد رجوعه من عرفة

ثم سار صلوات الله وسلامه عليه بعد فراغه من طوافه بين الصفا والمروة وأمره بالفسخ لمن لم يسق الهدي، والناس معه حتى نزل بالأبطح شرقي مكة، فأقام هنالك بقية يوم الأحد ويوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء حتى صلى الصبح من يوم الخميس، كل ذلك يصلي بأصحابه هنالك، ولم يعد إلى الكعبة من تلك الأيام كلها.
قال البخاري: باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة ويرجع بعد الطواف الأول:
حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا فضيل بن سليمان، حدثنا موسى بن عقبة، قال: أخبرني كريب، عن عبد الله بن عباس، قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة فطاف سبعا وسعى بين الصفا والمروة ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة.انفرد به البخاري - ص 214 -

 

قدوم علي رضي الله عنه من اليمن ورسول الله صلى الله عليه وسلم منيخ بالبطحاء خارج مكة

وقدم - في هذا الوقت ورسول الله صلى الله عليه وسلم منيخ بالبطحاء خارج مكة - علي من اليمن.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعثه - كما قدمنا - إلى اليمن أميرا بعد خالد بن الوليد رضي الله عنهما.
فلما قدم وجد زوجته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حلت، كما حل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين لم يسوقوا الهدي، واكتحلت ولبست ثيابا صبيغا فقال: من أمرك بهذا؟ قالت: أبي.
فذهب محرشا عليها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنها حلت ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت، وزعمت أنك أمرتها بذلك يا رسول الله.
فقال: صدقت.صدقت.صدقت ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بم أهللت حين أوجبت الحج؟ قال: بهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم.قال: فإن معي الهدي فلا تحل
فكان جماعة الهدي الذي جاء به علي من اليمن والذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة واشتراه في الطريق مائة من الإبل، واشتركا في الهدي جميعا.
 - ص 216 - وقد تقدم هذا كله في صحيح مسلم رحمه الله.
وهذا التقرير يرد الرواية التي ذكرها الحافظ أبو القاسم الطبراني رحمه الله من حديث عكرمة، عن ابن عباس، أن عليا تلقى النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجحفة والله أعلم.
وكان أبو موسى في جملة من قدم مع علي، ولكنه لم يسق هديا، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يحل بعدما طاف للعمرة وسعى، ففسخ حجه إلى العمرة وصار متمتعا، فكان يفتي بذلك في أثناء خلافة عمر بن الخطاب.فلما رأى عمر بن الخطاب أن يفرد الحج عن العمرة، ترك فتياه مهابة لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه.
وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا سفيان، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: رأيت بلالا يؤذن ويدور ويتبع فاه هاهنا وهاهنا وإصبعاه في أذنيه.قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له حمراء أراها من أدم.قال: فخرج بلال بين يديه بالعنزة فركزها فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.قال عبد الرزاق: وسمعته بمكة قال: بالبطحاء يمر بين يديه الكلب والمرأة والحمار وعليه حلة حمراء، كأني أنظر إلى بريق ساقيه.قال سفيان: نراها حبرة.
وقال أحمد حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن عون بن أبي جحيفة، - ص 217 - عن أبيه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالأبطح وهو في قبة له حمراء فخرج بلال بفضل وضوئه فمن ناضح ونائل قال فأذن بلال فكنت أتتبع فاه هكذا وهكذا - يعني يمينا وشمالا - قال ثم ركزت له عنزة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه جبة له حمراء أو حلة حمراء وكأني أنظر إلى بريق ساقيه فصلى بنا إلى العنزة الظهر أو العصر ركعتين تمر المرأة والكلب والحمار لا يمنع ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى أتى المدينة
وقال [وكيع] مرة: فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري.
وقال أحمد أيضا حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة وحجاج، [أخبرني شعبة] عن الحكم، سمعت أبا جحيفة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ وصلى الظهر ركعتين وبين يديه عنزة
وزاد فيه عون عن أبيه ; أبي جحيفة: وكان يمر من ورائنا الحمار والمرأة.
قال حجاج في الحديث: ثم قام الناس فجعلوا يأخذون يده فيمسحون بها وجوههم.قال: فأخذت يده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك.
 - ص 218 - وقد أخرجه صاحبا الصحيح من حديث شعبة بتمامه.

 

أعماله صلى الله عليه وسلم يوم التروية

فأقام عليه السلام بالأبطح - كما قدمنا - يوم الأحد ويوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء.وقد حل الناس إلا من ساق الهدي.وقدم في هذه الأيام علي بن أبي طالب من اليمن بمن معه من المسلمين، وما معه من الأموال، ولم يعد عليه السلام إلى الكعبة بعدما طاف بها.فلما أصبح عليه السلام يوم الخميس صلى بالأبطح الصبح من يومئذ، وهو يوم التروية، ويقال له: يوم منى ; لأنه يسار فيه إليها.وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب قبل هذا اليوم، ويقال للذي قبله فيما رأيته في بعض التعاليق: يوم الزينة ; لأنه يزين فيه البدن بالجلال ونحوها.فالله أعلم.
قال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أحمد بن محمد ابن جعفر الجلودي، حدثنا محمد بن إسماعيل بن مهران، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا أبو قرة، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، قال:
 كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يوم التروية خطب الناس فأخبرهم بمناسكهم
 - ص 220 - فركب عليه السلام قاصدا إلى منى قبل الزوال، وقيل بعده، وأحرم الذين كانوا قد حلوا بالحج من الأبطح حين توجهوا إلى منى، وانبعثت رواحلهم نحوها.
قال عبد الملك، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله، قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحللنا حتى كان يوم التروية وجعلنا مكة منا بظهر لبينا بالحج
ذكره البخاري تعليقا مجزوما
وقال مسلم حدثنا محمد بن حاتم، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير عن جابر، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى قال وأهللنا من الأبطح
وقال عبيد بن جريج لابن عمر: رأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولم تهل أنت حتى يوم التروية؟ فقال: لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته.
رواه البخاري في جملة حديث طويل.
 - ص 221 - قال البخاري وسئل عطاء عن المجاور منى يلبي بالحج.فقال: كان ابن عمر يلبي يوم التروية إذا صلى الظهر واستوى على راحلته.
قلت: هكذا كان ابن عمر يصنع إذا حج معتمرا، يحل من العمرة، فإذا كان يوم التروية لا يلبي حتى تنبعث به راحلته متوجها إلى منى، كما أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة بعدما صلى الظهر وانبعثت به راحلته.
لكن يوم التروية لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالأبطح، وإنما صلاها يومئذ بمنى، وهذا مما لا نزاع فيه.
قال البخاري: باب أين يصلي الظهر يوم التروية؟
حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا إسحاق الأزرق، حدثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع، قال: سألت أنس بن مالك قال: قلت: أخبرني بشيء عقلت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أين صلى الظهر والعصر يوم التروية؟ قال: بمنى.قلت: فأين صلى العصر يوم النفر؟ قال: بالأبطح، ثم قال: افعل كما يفعل أمراؤك!
وقد أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجة من طرق، عن إسحاق بن - ص 222 - يوسف الأزرق، عن سفيان الثوري به.وكذلك رواه الإمام أحمد عن إسحاق بن يوسف الأزرق به.وقال الترمذي: حسن صحيح يستغرب من حديث الأزرق، عن الثوري.
ثم قال البخاري أنبأنا علي، سمع أبا بكر بن عياش، حدثنا عبد العزيز بن رفيع، قال: لقيت أنس بن مالك.وحدثني إسماعيل بن أبان، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عبد العزيز، قال: خرجت إلى منى يوم التروية فلقيت أنسا ذاهبا على حمار، فقلت: أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا اليوم الظهر؟ فقال: انظر حيث يصلي أمراؤك فصل.
وقال أحمد حدثنا أسود بن عامر، حدثنا أبو كدينة، عن الأعمش، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خمس صلوات بمنى وقال أحمد أيضا حدثنا أسود بن عامر، حدثنا أبو محياة يحيى بن يعلى التيمي، عن الأعمش، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم التروية بمنى وصلى الغداة يوم عرفة بها
وقد رواه أبو داود عن زهير بن حرب، عن أحوص بن جواب، عن عمار بن زريق، عن سليمان بن مهران الأعمش به.ولفظه: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفة بمنى
 - ص 223 - وأخرجه الترمذي عن الأشج، عن عبد الله بن الأجلح، عن الأعمش بمعناه.وقال: ليس هذا مما عده شعبة فيما سمعه الحكم عن مقسم.
وقال الترمذي حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا عبد الله بن الأجلح، عن إسماعيل بن مسلم، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: صلى بنا رسول الله بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم غدا إلى عرفات ثم قال: وإسماعيل بن مسلم قد تكلم فيه.
وفي الباب عن عبد الله بن الزبير وأنس بن مالك.
وقال الإمام أحمد [حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا الوليد أبو مسلم عن عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة] حدثنا من رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه راح إلى منى يوم التروية وإلى جانبه بلال بيده عود عليه ثوب يظلل به رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني من الحر -.
تفرد به أحمد.
وقد نص الشافعي على أنه عليه السلام ركب من الأبطح إلى منى بعد الزوال، ولكنه إنما صلى الظهر بمنى، فقد يستدل له بهذا الحديث.والله أعلم.

 

قدومه صلى الله عليه وسلم عرفة وخطبته وصلاته بها

وتقدم في حديث جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، قال: فحل
الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة له من شعر فضربت له بنمرة.
فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية.
فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس.وقال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، وكان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل.وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، واتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أجدا تكرهونه، - ص 225 - فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف.وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي إن اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت.فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها على الناس: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد ثلاث مرات.
وقال أبو عبد الرحمن النسائي أنبأنا علي بن حجر، عن مغيرة، عن موسى بن زياد بن حذيم بن عمرو السعدي، عن أبيه، عن جده، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم عرفة في حجة الوداع: اعلموا أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا كحرمة شهركم هذا كحرمة بلدكم هذا
وقال أبو داود باب الخطبة على المنبر بعرفة: حدثنا هناد، عن ابن أبي زائدة، حدثنا سفيان بن عيينة، عن زيد بن أسلم، عن رجل من بني ضمرة، عن أبيه أو عمه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر بعرفة
وهذا الإسناد ضعيف ; لأن فيه رجلا مبهما، ثم تقدم في حديث جابر الطويل ; أنه عليه السلام خطب على ناقته القصواء.
ثم قال أبو داود حدثنا مسدد، حدثنا عبد الله بن داود، عن سلمة بن نبيط، عن رجل من الحي، عن أبيه نبيط، أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا بعرفة على بعير أحمر يخطب
 - ص 226 - وهذا فيه مبهم أيضا، ولكن حديث جابر شاهد له.
ثم قال أبو داود حدثنا هناد بن السري وعثمان بن أبي شيبة، قالا: حدثنا وكيع، عن عبد المجيد أبي عمرو، قال: حدثني العداء بن خالد بن هوذة.وقال هناد: عن عبد المجيد، حدثني خالد بن العداء بن هوذة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم عرفة على بعير قائما في الركابين.
قال أبو داود: رواه ابن العلاء عن وكيع كما قال هناد.وحدثنا عباس بن عبد العظيم، حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا عبد المجيد أبو عمرو، عن العداء ابن خالد بمعناه.
وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات: من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس السراويل للمحرم.

 

ما حفظ من دعائه عليه السلام وهو واقف بعرفة

قد تقدم أنه عليه السلام أفطر يوم عرفة، فدل على أن الإفطار هناك أفضل من الصيام، لما فيه من التقوي على الدعاء، لأنه المقصود الأهم هناك.
ولهذا وقف عليه السلام وهو راكب على الراحلة من لدن الزوال إلى أن غربت الشمس.
وقد روى أبو داود الطيالسي في مسنده عن حوشب بن عقيل، عن مهدي الهجري، عن عكرمة، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة.
وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا حوشب بن عقيل، حدثني مهدي المحاربي حدثني عكرمة مولى ابن عباس، قال: - ص 236 - دخلت على أبي هريرة في بيته فسألته عن صوم يوم عرفة بعرفات، فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفات وقال عبد الرحمن مرة: عن مهدي العبدي.
وكذلك رواه أحمد عن وكيع، عن حوشب، عن مهدي العبدي فذكره.وقد رواه أبو داود عن سليمان بن حرب، عن حوشب، والنسائي عن سليمان بن معبد، عن سليمان بن حرب به.وعن الفلاس عن ابن مهدي به.وابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد، كلاهما عن وكيع، عن حوشب.
وقال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا أبو أسامة الكلبي، حدثنا حسن بن الربيع، حدثنا الحارث بن عبيد، عن حوشب بن عقيل، عن مهدي الهجري، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفة
قال البيهقي كذا قال الحارث بن عبيد، والمحفوظ: عن عكرمة عن أبي هريرة.
 - ص 237 - وروى أبو حاتم محمد بن حبان البستي، في صحيحه عن عبد الله بن عمر أنه سئل عن صوم يوم عرفة فقال: حججت مع رسول الله فلم يصمه ومع أبي بكر فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه وأنا فلا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه
قال الإمام مالك عن زياد بن أبي زياد مولى ابن عباس، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
قال البيهقي هذا مرسل.وقد روي على مالك بإسناد آخر موصولا، وإسناده ضعيف.
 - ص 238 - وقد روى الإمام أحمد والترمذي من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير
وللإمام أحمد أيضا عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير
وقال أبو عبد الله بن منده، أنبأنا أحمد بن إسحاق بن أيوب النيسابوري، حدثنا أحمد بن داود بن جابر الأحمسي، حدثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي، حدثنا فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعائي ودعاء الأنبياء قبلي عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد، يعني ابن عبد ربه - ص 239 - الجرجسي حدثنا بقية بن الوليد، حدثني جبير بن عمرو القرشي، عن أبي سعد الأنصاري، عن أبي يحيى مولى آل الزبير بن العوام، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة يقرأ هذه الآية: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم وأنا على ذلك من الشاهدين يا رب.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في مناسكه: حدثنا الحسن بن مثنى بن معاذ العنبري، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا قيس بن الربيع، عن الأغر بن الصباح، عن خليفة، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل ما قلت أنا والأنبياء قبلي عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
 - ص 240 - وقال الترمذي في الدعوات حدثنا محمد بن حاتم المؤدب، حدثنا علي بن ثابت، حدثنا قيس بن الربيع، وكان من بني أسد، عن الأغر بن الصباح، عن خليفة بن حصين، عن علي رضي الله عنه، قال: كان أكثر ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في الموقف: اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيرا مما نقول، اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي ولك رب تراثي، أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما تهب به الريح
ثم قال: غريب من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوي.
وقد رواه الحافظ البيهقي من طريق موسى بن عبيدة، عن أخيه عبد الله ابن عبيدة، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أكثر دعاء من كان قبلي ودعائي يوم عرفة أن أقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل في بصري نورا وفي سمعي نورا وفي قلبي نورا.اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري، اللهم إني أعوذ بك من وسواس الصدر، وشتات الأمر، وشر فتنة القبر، وشر ما يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح، وشر بوائق الدهر
ثم قال: تفرد به موسى بن عبيدة، وهو ضعيف وأخوه عبد الله لم يدرك عليا.
 - ص 241 - وقال الطبراني في مناسكه: حدثنا يحيى بن عثمان النصري، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا يحيى بن صالح الأيلي، عن إسماعيل بن أمية، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال: كان فيما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: اللهم إنك تسمع كلامي وترى مكاني وتعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين وأبتهل إليك ابتهال الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبته وفاضت لك عبرته، وذل لك جسده، ورغم لك أنفه، اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيا وكن بي رءوفا رحيما، يا خير المسئولين ويا خير المعطين.
وقال الإمام أحمد حدثنا هشيم، أنبأنا عبد الملك، حدثنا عطاء، قال: قال أسامة بن زيد: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فرفع يديه يدعو فمالت به ناقته فسقط خطامها قال فتناول الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الأخرى
وهكذا رواه النسائي عن يعقوب بن إبراهيم، عن هشيم.
وقال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو عبد الله - ص 242 - محمد بن يعقوب، حدثنا علي بن الحسن، حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز، حدثنا ابن جريج، عن حسين بن عبد الله الهاشمي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بعرفة يداه إلى صدره كاستطعام المسكين
وقال أبو داود الطيالسي في مسنده حدثنا عبد القاهر بن السري، حدثني ابن لكنانة بن العباس بن مرداس، عن أبيه، عن جده عباس ابن مرداس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة فأكثر الدعاء فأوحى الله إليه إني قد فعلت إلا ظلم بعضهم بعضا وأما ذنوبهم فيما بيني وبينهم فقد غفرتها فقال يا رب إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيرا من مظلمته وتغفر لهذا الظالم فلم يجبه تلك العشية فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء فأجابه الله تعالى إني قد غفرت لهم فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له بعض أصحابه يا رسول الله تبسمت في ساعة لم تكن تتبسم فيها؟ قال تبسمت من عدو الله إبليس إنه لما علم أن الله عز وجل قد استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل والثبور ويحثو التراب على رأسه
 - ص 243 - ورواه أبو داود السجستاني في سننه عن عيسى بن إبراهيم البركي وأبي الوليد الطيالسي، كلاهما عن عبد القاهر بن السري، عن ابن لكنانة بن عباس بن مرداس، عن أبيه عن جده.مختصرا.
ورواه ابن ماجة عن أيوب بن محمد الهاشمي بن عبد القاهر بن السري، عن عبد الله بن كنانة بن عباس، عن أبيه عن جده به.مطولا.
ورواه ابن جرير في تفسيره عن إسماعيل بن سيف العجلي، عن عبد القاهر بن السري، عن ابن لكنانة، يقال له أبو لبابة، عن أبيه عن جده العباس ابن مرداس فذكره
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عمن سمع قتادة يقول: حدثنا خلاس بن عمرو، عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة: أيها الناس إن الله تطول عليكم في هذا اليوم فغفر لكم إلا التبعات فيما بينكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم.وأعطى محسنكم ما سأل، فادفعوا باسم الله
-    ص 244 - فلما كانوا بجمع قال: إن الله قد غفر لصالحكم وشفع صالحيكم في طالحيكم، تنزل الرحمة فتعمهم ثم تفرق الرحمة في الأرض فتقع على كل تائب ممن حفظ لسانه ويده.وإبليس وجنوده على جبال عرفات ينظرون ما يصنع الله بهم ; فإذا نزلت الرحمة دعا هو وجنوده بالويل والثبور، كنت أستفزهم حقبا من الدهر [ثم جاءت ] المغفرة فغشيتهم.فيتفرقون يدعون بالويل والثبور.

 

ذكر إفاضته عليه السلام من عرفات إلى المشعر الحرام

قال جابر في حديثه الطويل: فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا قليلا حين غاب القرص، فأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق لناقته القصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده اليمنى: أيها الناس، السكينة السكنية
كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا.
رواه مسلم.
وقال البخاري: باب السير إذا دفع من عرفة.
حدثنا عبد الله بن يوسف، أنبأنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: سئل أسامة وأنا جالس كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يسير في حجة الوداع حين دفع؟ قال كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص
قال هشام: والنص فوق العنق.
 - ص 247 - ورواه الإمام أحمد وبقية الجماعة إلا الترمذي من طرق عدة، عن هشام ابن عروة، عن أبيه عن أسامة بن زيد به.
وقال الإمام أحمد حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسامة بن زيد، قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة.قال: فلما وقعت الشمس دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمع حطمة الناس خلفه قال: رويدا أيها الناس، عليكم السكينة إن البر ليس بالإيضاع.قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التحم عليه الناس أعنق وإذا وجد فرجة نص، حتى أتى المزدلفة فجمع فيها بين الصلاتين المغرب والعشاء الآخرة.
ثم رواه الإمام أحمد من طريق محمد بن إسحاق، حدثني إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن أسامة بن زيد.فذكر مثله.وقال الإمام أحمد حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد، عن قيس بن سعد، عن عطاء، عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد، قال: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة وأنا رديفه، - ص 248 - فجعل يكبح راحلته حتى إن ذفراها ليكاد يصيب قادمة الرحل.ويقول: يا أيها الناس، عليكم السكينة والوقار، فإن البر ليس في إيضاع الإبل
وكذا رواه عن عفان عن حماد بن سلمة به، ورواه النسائي من حديث حماد بن سلمة به.
ورواه مسلم عن زهير بن حرب، عن يزيد بن هارون، عن عبد الملك ابن أبي سليمان، عن عطاء، عن ابن عباس، عن أسامة بنحوه.قال: وقال أسامة: فما زال يسير على هيئته حتى أتى جمعا.
وقال الإمام أحمد حدثنا أحمد بن الحجاج، حدثنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن شعبة، عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد أنه ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة حتى دخل الشعب ثم أهراق الماء وتوضأ ثم ركب ولم يصل
 - ص 249 - وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد، حدثنا همام، عن قتادة، عن عزرة عن الشعبي، عن أسامة بن زيد، أنه حدثه قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاض من عرفات فلم ترفع راحلته رجلها غادية حتى بلغ جمعا
وقال الإمام أحمد حدثنا سفيان، عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس، أخبرني أسامة بن زيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه من عرفة فلما أتى الشعب نزل فبال ولم يقل أهراق الماء فصببت عليه فتوضأ وضوءا خفيفا فقلت الصلاة؟ فقال الصلاة أمامك قال ثم أتى المزدلفة فصلى المغرب ثم حلوا رحالهم وأعنته ثم صلى العشاء
كذا رواه الإمام أحمد عن كريب، عن ابن عباس عن أسامة بن زيد، فذكره.ورواه النسائي عن الحسين بن حريث، عن سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن عقبة ومحمد بن أبي حرملة، كلاهما عن كريب، عن ابن عباس، عن أسامة.
 - ص 250 - قال شيخنا أبو الحجاج المزي في أطرافه: والصحيح: كريب عن أسامة.
وقال البخاري حدثنا عبد الله بن يوسف، أنبأنا مالك، عن موسى بن عقبة، عن كريب، عن أسامة بن زيد، أنه سمعه يقول: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة، فنزل الشعب فبال ثم توضأ فلم يسبغ الوضوء، فقلت له: الصلاة؟ فقال: الصلاة أمامك فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ، ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت الصلاة فصلى العشاء ولم يصل بينهما.
وهكذا رواه البخاري أيضا عن القعنبي ومسلم عن يحيى بن يحيى والنسائي عن قتيبة عن مالك، عن موسى بن عقبة به.وأخرجاه من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري، عن موسى بن عقبة أيضا.
ورواه مسلم من حديث إبراهيم بن عقبة ومحمد بن عقبة عن كريب، كنحو رواية أخيهما موسى بن عقبة عنه.
وقال البخاري أيضا حدثنا قتيبة، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن - ص 251 - محمد بن أبي حرملة، عن كريب، عن أسامة بن زيد، أنه قال: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعب الأيسر الذي دون المزدلفة أناخ فبال، ثم جاء فصببت علية الوضوء فتوضأ وضوءا خفيفا.فقلت: الصلاة يا رسول الله؟ قال: الصلاة أمامك فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى المزدلفة ; فصلى ثم ردف الفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة جمع.قال كريب: فأخبرني عبد الله بن عباس عن الفضل ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة.
ورواه مسلم عن قتيبة، ويحيى بن يحيى، ويحيى بن أيوب، وعلي بن حجر، أربعتهم عن إسماعيل بن جعفر به.
وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع، حدثنا عمر بن ذر، عن مجاهد عن أسامة بن زيد، أن رسول الله أردفه من عرفة.قال: فقال الناس: سيخبرنا صاحبنا ما صنع.قال: فقال أسامة: لما دفع من عرفة فوقف كف رأس راحلته حتى أصاب رأسها واسطة الرحل أو كاد يصيبه، يشير إلى الناس بيده: السكينة، السكينة، السكينة حتى أتى جمعا ثم أردف الفضل بن عباس، قال فقال الناس: سيخبرنا صاحبنا بما صنع رسول الله.فقال الفضل: لم يزل يسير سيرا لينا كسيره بالأمس، حتى أتى على وادي محسر فدفع فيه - ص 252 - حتى استوت به الأرض.
وقال البخاري حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا إبراهيم بن سويد، حدثني عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، أخبرني سعيد بن جبير مولى والبة الكوفي، حدثني ابن عباس أنه دفع [مع] النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجرا شديدا وضربا للإبل، فأشار بسوطه إليهم وقال: أيها الناس عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإيضاع
تفرد به البخاري من هذا الوجه.وقد تقدم رواية الإمام أحمد ومسلم والنسائي هذا من طريق عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد.فالله أعلم.

 

تقديم الضعفة بالليل من المزدلفة

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم طائفة من أهله بين يديه من الليل قبل حطمة الناس من المزدلفة إلى منى.
قال البخاري: باب من قدم ضعفة أهله بالليل، فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب القمر.
حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب قال: قال سالم: كان عبد الله بن عمر يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام [بالمزدلفة] بليل فيذكرون الله ما بدا لهم ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك فإذا قدموا رموا الجمرة وكان ابن عمر يقول أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 - ص 260 - حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جمع بليل.
وقال البخاري حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد، سمع ابن عباس يقول: أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله
وروى مسلم من حديث ابن جريج، أخبرني عطاء، عن ابن عباس، قال: بعث بي رسول الله صلى الله عليه وسلم من جمع بسحر مع ثقله.
وقال الإمام أحمد حدثنا روح حدثنا سفيان الثوري، حدثنا سلمة بن كهيل، عن الحسن العرني، عن ابن عباس، قال: قدمنا رسول الله أغيلمة بني عبد المطلب على حراثنا فجعل يلطح أفخاذنا بيده ويقول: أبني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس قال ابن عباس: ما أخال أحدا يرمي الجمرة حتى تطلع الشمس.
 - ص 261 - وقد رواه أحمد أيضا عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري فذكره.وقد رواه أبو داود عن محمد بن كثير، عن الثوري به.والنسائي عن محمد بن عبد الله بن يزيد، عن سفيان بن عيينة، عن سفيان الثوري به.وأخرجه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، كلاهما عن وكيع، عن مسعر وسفيان الثوري، كلاهما عن سلمة بن كهيل به.
وقال أحمد حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن الحكم بن عيينة، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: مر بنا رسول الله ليلة النحر وعلينا سواد من الليل، فجعل يضرب أفخاذنا ويقول: أبني أفيضوا لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس
ثم رواه الإمام أحمد من حديث المسعودي عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعفة أهله من المزدلفة بليل فجعل يوصيهم أن لا يرموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس
وقال أبو داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا الوليد بن عقبة، حدثنا حمزة الزيات عن حبيب، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: كان - ص 262 - رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم ضعفة أهله بغلس ويأمرهم - يعني أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس -
وكذا رواه النسائي عن محمود بن غيلان، عن بشر بن السري، عن سفيان، عن حبيب.قال الطبراني: وهو ابن أبي ثابت.عن عطاء، عن ابن عباس.فخرج حمزة الزيات من عهدته وجاد إسناد الحديث.والله أعلم.
وقد قال البخاري حدثنا مسدد، عن يحيى، عن ابن جريج، حدثني عبد الله مولى أسماء، عن أسماء، أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي فصلت ساعة ثم قالت يا بني هل غاب القمر؟ قلت لا فصلت ساعة ثم قالت هل غاب القمر؟ قلت نعم قالت فارتحلوا فارتحلنا فمضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها فقلت لها يا هنتاه ما أرانا إلا قد غلسنا فقالت يا بني إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن.
ورواه مسلم من حديث ابن جريج به.
فإن كانت أسماء بنت الصديق رمت الجمار قبل طلوع الشمس، كما ذكر هاهنا، عن توقيف فروايتها مقدمة على رواية ابن عباس ; لأن إسناد حديثها أصح من إسناد حديثه، اللهم إلا أن يقال: إن الغلمان - ص 263 - أخف حالا من النساء وأنشط، فلهذا أمر الغلمان بأن لا يرموا قبل طلوع الشمس وأذن للظعن في الرمي قبل طلوع الشمس، لأنهم أثقل حالا وأبلغ في التستر.والله أعلم.
وإن كانت أسماء لم تفعله عن توقيف، فحديث ابن عباس مقدم على فعلها.
لكن يقوي الأول قول أبي داود حدثنا محمد بن خلاد الباهلي، حدثنا يحيى، عن ابن جريج، أخبرني عطاء، أخبرني مخبر عن أسماء، أنها رمت الجمرة بليل قلت إنا رمينا الجمرة بليل قالت إنا كنا نصنع هذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
وقال البخاري حدثنا أبو نعيم، حدثنا أفلح بن حميد، عن القاسم، عن محمد، عن عائشة، قالت: نزلنا المزدلفة فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم سودة أن تدفع قبل حطمة الناس وكانت امرأة بطيئة فأذن لها فدفعت قبل حطمة الناس وأقمنا نحن حتى أصبحنا ثم دفعنا بدفعه فلأن أكون استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنت سودة أحب إلي من مفروح به
وأخرجه مسلم عن القعنبي عن أفلح بن حميد به.وأخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة به.
 - ص 264 - وقال أبو داود حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا ابن أبي فديك، عن الضحاك - يعني ابن عثمان - عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت وكان ذلك اليوم [اليوم] الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو داود - يعني عندها -.
انفرد به أبو داود، وهو إسناد جيد قوي رجاله ثقات.

 

ذكر تلبيته عليه السلام بالمزدلفة

قال مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن كثير بن مدرك، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: قال عبد الله ونحن بجمع: سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المقام لبيك اللهم لبيك.

 

وقوفه عليــه السلام بالمشعر الحرام ودفعه مـن المزدلفـة قبل طلوع الشمس وإيضاعه فــي وادي محسر

قال الله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام } الآية
وقال جابر في حديثه فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله عز وجل وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ودفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن عباس وراءه
وقال البخاري حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت عمرو بن ميمون يقول: شهدت عمر صلى بجمع الصبح ثم وقف فقال إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ويقولون أشرق ثبير وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض قبل أن تطلع الشمس
وقال البخاري حدثنا عبد الله بن رجاء، حدثنا إسرائيل، عن - ص 268 - أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: خرجت مع عبد الله إلى مكة ثم قدمنا جمعا، فصلى صلاتين، كل صلاة وحدها بأذان وإقامة، والعشاء بينهما، ثم صلى الفجر حين طلع الفجر ; قائل يقول: طلع الفجر.وقائل يقول: لم يطلع الفجر.
ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان: المغرب [والعشاء] فلا يقدم الناس جمعا حتى يعتموا وصلاة الفجر هذه الساعة
ثم وقف حتى أسفر ثم قال: لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة.فلا أدري: أقوله كان أسرع أو دفع عثمان، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر.
وقال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني، حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى، حدثنا عبد الرحمن بن المبارك العيشي حدثنا عبد الوارث بن سعيد، عن ابن جريج، عن محمد بن قيس بن مخرمة، عن المسور بن مخرمة، قال: خطبنا رسول الله بعرفة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
 أما بعد فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من هاهنا عند غروب - ص 269 - الشمس حتى تكون الشمس على رءوس الجبال مثل عمائم الرجال على رءوسها، هدينا مخالف لهديهم.وكانوا يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع الشمس على رءوس الجبال مثل عمائم الرجال على رءوسها، هدينا مخالف لهديهم
قال: ورواه عبد الله بن إدريس، عن ابن جريج، عن محمد بن قيس بن مخرمة مرسلا.
وقال الإمام أحمد حدثنا أبو خالد سليمان بن حيان، سمعت الأعمش، عن الحكم عن مقسم، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من المزدلفة قبل طلوع الشمس
وقال البخاري حدثنا زهير بن حرب، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي، عن يونس الأيلي، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس، أن أسامة كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى قال فكلاهما قال لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة ورواه ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس.
وروى مسلم من حديث الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن أبي معبد، عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس، وكان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال في - ص 270 - عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا: عليكم بالسكينة وهو كاف ناقته حتى دخل محسرا وهو من منى.قال: عليكم بحصى الخذف الذي يرمى به الجمرة قال: ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى الجمرة.

 

ما ورد في الإيضاع في وادي محسر

وقال الحافظ البيهقي باب الإيضاع في وادي محسر.أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو عمرو المقري وأبو بكر الوراق، أنبأنا الحسن ابن سفيان، حدثنا هشام بن عمار وأبو بكر بن أبي شيبة، قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل، حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه عن جابر في حج النبي صلى الله عليه وسلم قال حتى إذا أتى محسرا حرك قليلا
رواه مسلم في الصحيح، عن أبي بكر بن أبي شيبة.
ثم روى البيهقي من حديث سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر قال: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه السكينة وأمرهم بالسكينة وأوضع في وادي محسر، وأمرهم أن يرموا الجمار بمثل حصى الخذف.وقال: خذوا عني مناسككم، لعلي لا أراكم بعد عامي هذا
ثم روى البيهقي من حديث الثوري، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من جمع حتى أتى محسرا فقرع ناقته حتى جاوز الوادي فوقف ثم أردف الفضل ثم أتى الجمرة فرماها
هكذا رواه مختصرا.
وقد قال الإمام أحمد حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري، حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال: هذا الموقف وعرفة كلها موقف وأفاض حين غابت الشمس وأردف أسامة، فجعل يعنق على بعيره، والناس يضربون يمينا وشمالا، لا يلتفت إليهم، ويقول: السكينة أيها الناس
ثم أتى جمعا فصلى بهم الصلاتين، المغرب والعشاء، ثم بات حتى أصبح ثم أتى قزح فوقف على قزح فقال: هذا الموقف وجمع كلها موقف ثم سار حتى أتى محسرا فوقف عليه فقرع دابته فخبت حتى جاز الوادي ثم حبسها، ثم أردف الفضل وسار حتى أتى الجمرة فرماها ثم أتى المنحر فقال: هذا المنحر ومنى كلها منحر قال: واستفتته جارية شابة من خثعم فقالت: إن أبي شيخ كبير قد أفند وقد أدركته فريضة الله في الحج، فهل يجزئ عنه أن أؤدي عنه؟ قال: نعم.فأدي عن أبيك
 - ص 273 - قال: ولوى عنق الفضل، فقال له العباس: يا رسول الله، لم لويت عنق ابن عمك؟ قال: رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما
قال: ثم جاءه رجل فقال: يا رسول الله، حلقت قبل أن أنحر.قال: انحر ولا حرج ثم أتاه آخر فقال: يا رسول الله، إني أفضت قبل أن أحلق.قال: احلق أو قصر ولا حرج
ثم أتى البيت فطاف ثم أتى زمزم فقال: يا بني عبد المطلب سقايتكم، ولولا أن يغلبكم الناس عليها لنزعت معكم
وقد رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، عن يحيى بن آدم، عن سفيان الثوري.ورواه الترمذي عن بندار، عن أبي أحمد الزبيري.وابن ماجة عن علي بن محمد عن يحيى بن آدم، وقال الترمذي: حسن صحيح لا نعرفه من حديث علي إلا من هذا الوجه.
قلت: وله شواهد من وجوه صحيحة مخرجة في الصحاح وغيرها.فمن ذلك: قصة الخثعمية، وهو في الصحيحين من طريق الفضل، وتقدمت في حديث جابر.وسنذكر من ذلك ما تيسر.
 - ص 274 - وقد حكى البيهقي بإسناده عن ابن عباس أنه أنكر الإسراع في وادي محسر وقال: إنما كان ذلك من الأعراب.قال: والمثبت مقدم على النافي.
قلت: وفي ثبوته عنه نظر والله أعلم.
وقد صح ذلك عن جماعة من الصحابة عن رسول الله، وصح من صنيع الشيخين أبي بكر وعمر أنهما كانا يفعلان ذلك، فروى البيهقي عن الحاكم عن النجاد وغيره، عن أبي علي محمد بن معاذ بن المستهل المعروف بدران، عن القعنبي، عن أبيه، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن المسور بن مخرمة، أن عمر كان يوضع ويقول:

إليــك تعــدو قلقـا وضينهـا *** مخالفا ديــن النصــارى دينهـا

 

رميه عليه السلام جمرة العقبة وحدها يوم النحر، وكيف رماها ومتى رماها، ومن أي موضع رماها، وبكم رماها، وقطعه التلبية حين رماها

قد تقدم من حديث أسامة والفضل وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين أنه عليه السلام لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة.
وقال البيهقي أنبأنا الإمام أبو عثمان، أنبأنا أبو طاهر بن خزيمة، أنبأنا جدي - يعني إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة - حدثنا علي بن حجر، حدثنا شريك، عن عامر بن شقيق، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: رمقت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة.
وبه عن ابن خزيمة: حدثنا عمر بن حفص الشيباني، حدثنا حفص بن غياث، حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس، عن الفضل.قال: أفضت مع رسول الله من عرفات فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخر حصاة.
 - ص 276 - قال البيهقي وهذه زيادة غريبة ليست في الروايات المشهورة عن ابن عباس، عن الفضل وإن كان ابن خزيمة قد اختارها.
وقال محمد بن إسحاق حدثني أبان بن صالح، عن عكرمة، قال: أفضت مع الحسين بن علي، فما أزال أسمعه يلبي حتى رمى جمرة العقبة، فلما قذفها أمسك.فقلت: ما هذا؟ فقال: رأيت أبي علي بن أبي طالب يلبي حتى رمى جمرة العقبة، وأخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
وتقدم من حديث الليث عن أبي الزبير، عن أبي معبد، عن ابن عباس، عن أخيه الفضل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس في وادي محسر بحصى الخذف الذي يرمى به الجمرة.
رواه مسلم.
وقال أبو العالية: عن ابن عباس، حدثني الفضل، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة يوم النحر: هات فالقط لي حصى فلقطت له حصيات مثل حصى الخذف فوضعهن في يده فقال: بأمثال هؤلاء.بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين
رواه البيهقي.
 - ص 277 - وقال جابر في حديثه: حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف رمى من بطن الوادي.
رواه مسلم.
وقال البخاري وقال جابر رضي الله عنه: رمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى ورمى بعد ذلك بعد الزوال.
وهذا الحديث الذي علقه البخاري أسنده مسلم من حديث ابن جريج: أخبرني أبو الزبير سمع جابرا، قال: رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى وأما بعد فإذا زالت الشمس.
وفي الصحيحين من حديث الأعمش عن إبراهيم، عن عبد الرحمن ابن يزيد، قال: رمى عبد الله من بطن الوادي فقلت: يا أبا عبد الرحمن إن ناسا يرمونها من فوقها.فقال: والذي لا إله غيره هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة.
لفظ البخاري.
وفي لفظ له من حديث شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن، - ص 278 - عن عبد الله بن مسعود، أنه أتى الجمرة الكبرى فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه، ورمى بسبع وقال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة.
ثم قال البخاري: باب من رمى الجمار بسبع يكبر مع كل حصاة: قاله ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا إنما يعرف في حديث جابر من طريق جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر كما تقدم، أنه أتى الجمرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف.
وقد روى البخاري في هذه الترجمة من حديث الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود، أنه رمى الجمرة من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم قال: من هاهنا والذي لا إله غيره قام الذي أنزلت عليه سورة البقرة.
وروى مسلم من حديث ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، سمع جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله يرمي الجمرة بسبع مثل حصى الخذف.
وقال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن زكريا، حدثنا حجاج، عن الحكم، عن أبي القاسم - يعني مقسما - عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة جمرة العقبة يوم النحر راكبا.
ورواه الترمذي عن أحمد بن منيع، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وقال: حسن.وأخرجه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي خالد الأحمر، عن الحجاج بن أرطاة به.
وقد روى أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي من حديث يزيد بن أبي زياد، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص، عن أمه أم جندب الأزدية، قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار من بطن الوادي وهو راكب يكبر مع كل حصاة، ورجل من خلفه يستره، فسألت عن الرجل فقالوا: الفضل بن عباس.فازدحم الناس.فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضا، وإذا رميتم الجمرة فارموه بمثل حصى الخذف
لفظ أبي داود.
وفي رواية له قالت: رأيته عند جمرة العقبة راكبا ورأيت بين أصابعه حجرا، فرمى ورمى الناس، ولم يقم عندها.
ولابن ماجة قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر عند جمرة العقبة وهو راكب على بغلة وذكر الحديث
 - ص 280 - وذكر البغلة هاهنا غريب جدا.
وقد روى مسلم في صحيحه من حديث ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، سمعت جابر بن عبد الله يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ويقول: لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه
وروى مسلم أيضا من حديث زيد بن أبي أنيسة، عن يحيى بن الحصين، عن جدته أم الحصين، [قال] سمعتها تقول: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته يوم النحر وهو يقول: لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه
وفي رواية قالت حججت مع رسول الله حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا أحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة.
وقال الإمام أحمد حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري، - ص 281 - حدثنا أيمن بن نابل حدثنا قدامة بن عبد الله الكلابي، أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة من بطن الوادي يوم النحر على ناقة له صهباء لا ضرب ولا رد ولا إليك إليك.
ورواه أحمد أيضا عن وكيع ومعتمر بن سليمان وأبي قرة موسى بن طارق الزبيدي ثلاثتهم عن أيمن بن نابل به.ورواه أيضا عن أبي قرة عن سفيان الثوري عن أيمن.
وأخرجه النسائي وابن ماجة من حديث وكيع به.ورواه الترمذي عن أحمد بن منيع، عن مروان بن معاوية، عن أيمن بن نابل به.وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وقال الإمام أحمد حدثنا نوح بن ميمون، حدثنا عبد الله - يعني العمري - عن نافع، قال: كان ابن عمر يرمي جمرة العقبة على دابته يوم - ص 282 - النحر، وكان لا يأتي سائرها بعد ذلك إلا ماشيا.وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأتيها إلا ماشيا ذاهبا وراجعا.
ورواه أبو داود عن القعنبي، عن عبد الله العمري به.

 

في صفة نحره صلى الله عليه وسلم البدن

قال جابر: ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها.
وسنتكلم على هذا الحديث.
وقال الإمام أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن حميد الأعرج، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عبد الرحمن بن معاذ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ونزلهم منازلهم فقال: لينزل المهاجرون هاهنا وأشار إلى ميمنة القبلة.والأنصار هاهنا وأشار إلى ميسرة القبلة.ثم لينزل الناس حولهم
قال: وعلمهم مناسكهم، ففتحت أسماع أهل منى حتى سمعوه في منازلهم.قال: فسمعته يقول: ارموا الجمرة بمثل حصى الخذف
وكذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل إلى قوله: ثم لينزل الناس حولهم
 - ص 284 - وقد رواه الإمام أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه.وأبو داود عن مسدد، عن عبد الوارث، وابن ماجة من حديث ابن المبارك عن عبد الوارث، عن حميد بن قيس الأعرج، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى كأنا نسمع ما يقول الحديث.
ذكر جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرك علي بن أبي طالب في الهدي، وأن جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بيده الكريمة ثلاثا وستين بدنة.
قال ابن حبان وغيره: وذلك مناسب لعمره عليه السلام، فإنه كان ثلاثا وستين سنة!
وقد قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا زهير، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج مائة بدنة نحر منها بيده ستين وأمر ببقيتها فنحرت وأخذ من كل بدنة بضعة فجمعت في قدر فأكل منها وحسا من مرقها
 - ص 285 - قال: ونحر يوم الحديبية سبعين فيها جمل أبي جهل فلما صدت عن البيت حنت كما تحن إلى أولادها
وقد روى ابن ماجة بعضه عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد عن وكيع، عن سفيان الثوري، عن ابن أبي ليلى به.
وقال الإمام أحمد حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، حدثني رجل، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر، عن ابن عباس، قال: أهدى رسول الله في حجة الوداع مائة بدنة نحر منها ثلاثين بدنة بيده ثم أمر عليا فنحر ما بقي منها وقال اقسم لحومها وجلودها وجلالها بين الناس ولا تعطين جزارا منها شيئا وخذ لنا من كل بعير جدية من لحم واجعلها في قدر واحدة حتى نأكل من لحمها ونحسو من مرقها ففعل
وثبت في الصحيحين من حديث مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن علي، قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها وأن لا أعطي الجزار منها شيئا وقال نحن نعطيه من عندنا
وقال أبو داود حدثنا محمد بن حاتم، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، - ص 286 - حدثنا عبد الله بن المبارك، عن حرملة بن عمران، عن عبد الله بن الحارث الأزدي، سمعت غرفة بن الحارث قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع] وأتي بالبدن فقال: ادعوا لي أبا حسن فدعي له علي.فقال: خذ بأسفل الحربة وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلاها، ثم طعنا بها البدن، فلما فرغ ركب بغلته وأردف عليا تفرد به أبو داود وفي إسناده ومتنه غرابة والله أعلم.
وقال الإمام أحمد حدثنا أحمد بن الحجاج أنبأنا عبد الله أنبأنا الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن أبي القاسم - يعني مقسما - عن ابن عباس قال رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة ثم ذبح ثم حلق
وقد ادعى ابن حزم أنه ضحى عن نسائه بالبقر وأهدى بمنى بقرة، وضحى هو بكبشين أملحين.

 

تحلله صلـى الله عليه وسلم التحلل الأول

ثم لبس عليه السلام ثيابه وتطيب بعدما رمى جمرة العقبة ونحر هديه، وقبل أن يطوف بالبيت طيبته عائشة أم المؤمنين.
قال البخاري حدثنا علي بن عبد الله بن المديني، حدثنا سفيان - هو ابن عيينة - حدثنا عبد الرحمن بن القاسم بن محمد، وكان أفضل أهل زمانه، أنه سمع أباه وكان أفضل أهل زمانه يقول: إنه سمع عائشة تقول: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين حين أحرم ولحله حين أحل قبل أن يطوف وبسطت يديها
وقال مسلم حدثنا يعقوب الدورقي وأحمد بن منيع، قالا: حدثنا هشيم، أخبرنا منصور، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك
وروى النسائي من حديث سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة، - ص 292 - عن عائشة، قالت: طيبت رسول الله لحرمه حين أحرم ولحله بعدما رمى جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت
وقال الشافعي: أنبأنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سالم، قال: قالت عائشة: أنا طيبت رسول الله لحله وإحرامه.
ورواه عبد الرزاق، عن معمر عن الزهري، عن سالم، عن عائشة.فذكره.
وفي الصحيحين من حديث ابن جريج: أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة، أنه سمع عروة والقاسم يخبران عن عائشة أنها قالت: طيبت رسول الله بيدي بذريرة في حجة الوداع للحل والإحرام
ورواه مسلم من حديث الضحاك بن عثمان، عن أبي الرجال، عن أمه عمرة، عن عائشة به.
وقال سفيان الثوري: عن سلمة بن كهيل، عن الحسن العرني عن ابن عباس أنه قال: إذا رميتم الجمرة فقد حللتم من كل شيء كان عليكم حراما إلا النساء حتى تطوفوا بالبيت فقال رجل والطيب يا أبا العباس؟ - ص 293 - فقال له إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك أفطيب هو أم لا؟!
وقال محمد بن إسحاق: حدثني أبو عبيدة، عن عبد الله بن زمعة، عن أبيه وأمه زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة قالت: كانت الليلة التي يدور فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة النحر، فكان رسول الله عندي، فدخل وهب بن زمعة ورجل من آل أبي أمية متقمصين.فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضتما؟" قالا: لا.قال: "فانزعا قميصيكما" فنزعاهما.فقال له وهب: ولم يا رسول الله؟ فقال: "هذا يوم أرخص لكم فيه إذا رميتم الجمرة ونحرتم هديا إن كان لكم فقد حللتم من كل شيء حرمتم منه إلا النساء حتى تطوفوا بالبيت، فإذا رميتم ولم تفيضوا صرتم حرما كما كنتم أول مرة حتى تطوفوا بالبيت"
وهكذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، كلاهما عن ابن أبي عدي، عن ابن إسحاق فذكره.
وأخرجه البيهقي عن الحاكم، عن أبي بكر بن أبي إسحاق، عن أبي - ص 294 - المثنى العنبري، عن يحيى بن معين.وزاد في آخره:
قال أبو عبيدة: وحدثتني أم قيس بنت محصن، قالت: خرج من عندي عكاشة بن محصن في نفر من بني أسد متقمصين عشية يوم النحر، ثم رجعوا إلينا عشيا وقمصهم على أيديهم يحملونها، فسألتهم فأخبروها بمثل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوهب بن زمعة وصاحبه.وهذا الحديث غريب جدا، لا أعلم أحدا من العلماء قال به.

 

إفاضته عليه السلام إلى البيت العتيق

قال جابر: ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم [فأفاض] إلى البيت، فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم.فقال: انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه.رواه مسلم.
ففي هذا السياق ما يدل على أنه عليه السلام ركب إلى مكة قبل الزوال فطاف بالبيت، ثم لما فرغ صلى الظهر هناك.
وقال مسلم أيضا أخبرنا محمد بن رافع، أنبأنا عبد الرزاق، أنبأنا عبيد الله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى
وهذا خلاف حديث جابر، وكلاهما عند مسلم.
فإن عللنا بهما أمكن أن يقال: إنه عليه السلام صلى الظهر بمكة ثم رجع إلى منى فوجد الناس ينتظرونه فصلى بهم.والله أعلم.
ورجوعه عليه السلام إلى منى في وقت الظهر ممكن، لأن ذلك - ص 296 - الوقت كان صيفا والنهار طويل، وإن كان قد صدر منه عليه السلام أفعال كثيرة في صدر هذا النهار، فإنه دفع فيه من المزدلفة بعدما أسفر الفجر جدا، ولكنه قبل طلوع الشمس، ثم قدم منى فبدأ برمي جمرة العقبة بسبع حصيات، ثم جاء فنحر بيده ثلاثا وستين بدنة ونحر علي بقية المائة، ثم أخذت من كل بدنة بضعة، ووضعت في قدر، وطبخت حتى نضجت، فأكل من ذلك اللحم وشرب من ذلك المرق.وفي غضون ذلك حلق رأسه عليه السلام وتطيب، فلما فرغ من هذا كله ركب إلى البيت.
وقد خطب عليه السلام في هذا اليوم خطبة عظيمة.ولست أدري أكانت قبل ذهابه إلى البيت أو بعد رجوعه منه إلى منى.فالله أعلم.
والقصد أنه ركب إلى البيت فطاف به سبعة أطواف راكبا، ولم يطف بين الصفا والمروة، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر وعائشة رضي الله عنهما.ثم شرب من ماء زمزم ومن نبيذ تمر من ماء زمزم
فهذا كله مما يقوي قول من قال: إنه عليه السلام صلى الظهر بمكة، كما رواه جابر.ويحتمل أنه رجع إلى منى في آخر وقت الظهر فصلى بأصحابه بمنى الظهر أيضا.
وهذا هو الذي أشكل على ابن حزم فلم يدر ما يقول فيه، وهو معذور لتعارض الروايات الصحيحة فيه.والله أعلم.
 - ص 297 - وقال أبو داود حدثنا علي بن بحر وعبد الله بن سعيد المعني، قالا: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة
قال ابن حزم: فهذا جابر وعائشة قد اتفقا على أنه عليه السلام صلى الظهر يوم النحر بمكة.وهما - والله أعلم - أضبط لذلك من ابن عمر.
كذا قال، وليس بشيء ; فإن رواية عائشة هذه ليست ناصة أنه عليه السلام صلى الظهر بمكة، بل محتملة إن كان المحفوظ في الرواية: "حتى صلى الظهر".وإن كانت الرواية "حين صلى الظهر" وهو الأشبه، فإن ذلك دليل على أنه عليه السلام صلى الظهر بمنى قبل أن يذهب إلى البيت، وهو محتمل.والله سبحانه وتعالى أعلم.
وعلى هذا فيبقى مخالفا لحديث جابر، فإن هذا يقتضي أنه صلى الظهر بمنى قبل أن يركب إلى البيت، وحديث جابر يقتضي أنه ركب إلى البيت قبل أن يصلي الظهر وصلاها بمكة.
وقد قال البخاري: وقال أبو الزبير، عن عائشة، وابن عباس، أخر النبي صلى الله عليه وسلم - يعني طواف الزيارة إلى الليل.
وهذا الذي علقه البخاري قد رواه الناس من حديث يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وفرج بن ميمون، عن سفيان الثوري، عن أبي الزبير - ص 298 - عن عائشة وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الطواف يوم النحر إلى الليل ورواه أهل السنن الأربعة من حديث سفيان به.وقال الترمذي: حسن.
وقال الإمام أحمد حدثنا [عبد الرحمن] حدثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن عائشة وابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار ليلا
فإن حمل هذا على أنه أخر ذلك إلى ما بعد الزوال كأنه يقول إلى العشي، صح ذلك، وأما إن حمل على ما بعد الغروب فهو بعيد جدا ومخالف لما ثبت في الأحاديث الصحيحة المشهورة من أنه عليه السلام طاف يوم النحر نهارا، وشرب من سقاية زمزم.
وأما الطواف الذي ذهب في الليل إلى البيت بسببه فهو طواف الوداع.ومن الرواة من يعبر عنه بطواف الزيارة، كما سنذكره إن شاء الله.أو طواف زيارة محضة قبل طواف الوداع وبعد طواف الصدر الذي هو طواف الفرض.
وقد ورد حديث سنذكره في موضعه: أن رسول الله كان يزور البيت كل ليلة من ليالي منى وهذا بعيد أيضا والله أعلم.
وقد روى الحافظ البيهقي من حديث عمرو بن قيس، عن عبد الرحمن، - ص 299 - عن القاسم عن أبيه، عن عائشة: أن رسول الله أذن لأصحابه فزاروا البيت يوم النحر ظهيرة وزار رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نسائه ليلا
وهذا حديث غريب جدا أيضا.
وهذا قول طاوس وعروة بن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر الطواف يوم النحر إلى الليل.
والصحيح من الروايات وعليه الجمهور: أنه عليه السلام طاف يوم النحر بالنهار، والأشبه أنه كان قبل الزوال، ويحتمل أن يكون بعده.والله أعلم.

 

توجهه صلى الله عليه وسلم إلــى زمـزم وشربـه منــه

والمقصود أنه عليه السلام لما قدم مكة طاف بالبيت سبعا وهو راكب، ثم جاء زمزم وبنو عبد المطلب يستقون منها ويسقون الناس، فتناول منها دلوا فشرب منه وأفرغ عليه منه.
كما قال مسلم أخبرنا محمد بن منهال الضرير، حدثنا يزيد بن جههزريع، حدثنا حميد الطويل، عن بكر بن عبد الله المزني، سمع ابن عباس يقول وهو جالس معه عند الكعبة: قدم النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته وخلفه أسامة، فأتيناه بإناء فيه نبيذ فشرب وسقى فضله أسامة وقال أحسنتم وأجملتم، هكذا فاصنعوا.
قال ابن عباس: فنحن لا نريد أن نغير ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية عن بكر أن أعرابيا قال لابن عباس: مالي أرى بني عمكم يسقون اللبن والعسل وأنتم تسقون النبيذ، أمن حاجة بكم أم من بخل؟ فذكر له ابن عباس هذا الحديث.
وقال أحمد حدثنا روح، حدثنا حماد، عن حميد، عن بكر بن عبد الله أن أعرابيا قال لابن عباس: ما شأن آل معاوية يسقون الماء والعسل، وآل فلان يسقون اللبن، وأنتم تسقون النبيذ، أمن بخل بكم أم حاجة؟
فقال ابن عباس: ما بنا بخل ولا حاجة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا ورديفه أسامة بن زيد فاستسقى فسقيناه من هذا- يعني نبيذ السقاية- فشربا منه وقال: أحسنتم، هكذا فاصنعوا
ورواه أحمد، عن روح ومحمد بن بكر، عن ابن جريج، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، وداود بن علي بن عبد الله بن عباس، عن ابن عباس فذكره.
وروى البخاري عن إسحاق بن سليمان، حدثنا خالد عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله جاء إلى السقاية فاستسقى، فقال العباس يا فضل، اذهب إلى أمك فأت رسول الله بشراب من عندها فقال اسقني فقال يا رسول الله، إنهم يجعلون أيديهم فيه قال اسقني فشرب منه
ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها.فقال: اعملوا فإنكم على عمل صالح ثم قال لولا أن تغلبوا لنزعت حتى أضع الحبل على هذه - يعني عاتقه- وأشار إلى عاتقه
وعنده من حديث عاصم عن الشعبي، أن ابن عباس قال: سقيت النبي صلى الله عليه وسلم من زمزم فشرب وهو قائم.قال عاصم: فحلف عكرمة: ما كان يومئذ إلا على بعير.وفي رواية: ناقته.
وقال الإمام أحمد حدثنا هشيم، حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت وهو على بعير واستلم الحجر بمحجن كان معه قال وأتى السقاية فقال اسقوني فقالوا إن هذا يخوضه الناس ولكنا نأتيك به من البيت فقال لا حاجة لي فيه، اسقوني مما يشرب الناس
وقد روى أبو داود عن مسدد، عن خالد الطحان، عن يزيد بن أبي زياد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قدم رسول الله مكة ونحن نستقي فطاف على راحلته الحديث.
وقال الإمام أحمد حدثنا روح وعفان، قالا: حدثنا حماد، عن قيس، وقال عفان في حديثه: أنبأنا قيس عن مجاهد، عن ابن عباس، أنه قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمزم فنزعنا له دلوا فشرب، ثم مج فيها ثم أفرغناها في زمزم ثم قال لولا أن تغلبوا عليها لنزعت بيدي انفرد به أحمد وإسناده على شرط مسلم.

 

رجوعه صلى الله عليه وسلم إلى منى

ثم رجع عليه السلام إلى منى بعد ما صلى الظهر بمكة، كما دل عليه حديث جابر
.وقال ابن عمر: رجع فصلى الظهر بمنى.
رواهما مسلم كما تقدم قريبا.ويمكن الجمع بينهما بوقوع ذلك بمكة وبمنى والله أعلم.وتوقف ابن حزم في هذا المقام فلم يجزم فيه بشيء، وهو معذور لتعارض النقلين الصحيحين فيه.فالله أعلم.
وقال محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرات إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة
رواه أبو داود منفردا به.
وهذا يدل على أن ذهابه عليه السلام إلى مكة يوم النحر كان بعد الزوال.وهذا ينافي حديث ابن عمر قطعا، وفي منافاته لحديث جابر نظر.والله أعلم.

 

مبيته صلى الله عليه وسلم بمنى أيام التشريق

ثم نزل عليه السلام بمنى حيث المسجد اليوم، فيما يقال، وأنزل المهاجرين يمنته والأنصار يسرته والناس حولهم من بعدهم.
وقال الحافظ البيهقي أبو عبد الله الحافظ أنبأنا علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري، حدثنا عبيد الله بن موسى، أنبأنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن يوسف بن ماهك، عن أمه مسيكة، عن عائشة
 قالت قيل يا رسول الله ألا نبني لك بمنى بناء يظلك؟ قال لا، منى مناخ من سبق
وهذا إسناد لا بأس به، وليس هو في المسند ولا في الكتب الستة من هذا الوجه.
وقال أبو داود حدثنا أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي، حدثنا يحيى، عن ابن جريج، حدثني حريز أو أبو حريز الشك من يحيى، أنه سمع عبد الرحمن بن فروخ يسأل ابن عمر قال: إنا نتبايع بأموال الناس، فيأتي أحدنا مكة فيبيت على المال، فقال: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فبات بمنى وظل
انفرد به أبو داود.
ثم قال أبو داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا ابن نمير وأبو أسامة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له
وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن نمير.زاد البخاري وأبي ضمرة أنس بن عياض.زاد مسلم وأبي أسامة حماد ابن أسامة.
وقد علقه البخاري عن أبي أسامة وعقبة بن خالد، كلهم عن عبيد الله بن عمر به.

 

قصره صلى الله عليه وسلم بمنى وصفـة رميه للجمرات

وقد كان صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه بمنى ركعتين كما ثبت عنه ذلك في الصحيحين من حديث ابن مسعود وحارثة بن وهب رضي الله عنهما.
ولهذا ذهب طائفة من العلماء إلى أن سبب هذا القصر النسك، كما هو قول طائفة من المالكية وغيرهم.قالوا: ومن قال: إنه عليه السلام كان يقول بمنى لأهل مكة: أتموا فإنا قوم سفر فقد غلط إنما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو نازل بالأبطح، كما تقدم-.والله أعلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرات الثلاث في كل يوم من أيام منى بعد الزوال كما قال جابر فيما تقدم، ماشيا كما قال ابن عمر فيما سلف، كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة.ويقف عند الأولى وعند الثانية يدعو الله عز وجل ولا يقف عند الثالثة.
قال أبو داود حدثنا علي بن بحر، وعبد الله بن سعيد، المعنى، قالا: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، ويكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية فيطيل المقام ويتضرع، ويرمي الثالثة لا يقف عندها
انفرد به أبو داود.
وروى البخاري من غير وجه عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة، ثم يتقدم ثم يسهل، فيقوم مستقبل القبلة طويلا ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل، فيقوم مستقبل القبلة، ويدعو، ويرفع يديه، ويقوم طويلا، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها، ثم ينصرف فيقول هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله
وقال وبرة بن عبد الرحمن: قام ابن عمر عند العقبة بقدر قراءة سورة البقرة.وقال أبو مجلز: حزرت قيامه بقدر قراءة سورة يوسف.
ذكرهما البيهقي.
وقال الإمام أحمد حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الله ابن أبي بكر، عن أبيه، عن أبي البداح عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: رخص للرعاء أن يرموا يوما ويرعوا يوما
وقال أحمد حدثنا محمد بن بكر وأنبأنا روح، حدثنا ابن جريج، أخبرني محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو، عن أبيه، عن أبي البداح ابن عاصم بن عدي، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرخص للرعاء أن يتعاقبوا فيرموا يوم النحر، ثم يدعوا يوما وليلة ثم يرموا الغد
وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن، حدثنا مالك، عن عبد الله بن [أبي] بكر، عن أبيه، عن أبي القداح بن عاصم بن عدي عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة بمنى حتى يرموا يوم النحر ثم يرمون يوم النحر ثم يرمون الغد أو من بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر
وكذا رواه عن عبد الرزاق عن مالك بنحوه.وقد رواه أهل السنن الأربعة من حديث مالك ومن حديث سفيان بن عيينة به.قال الترمذي: ورواية مالك أصح، وهو حديث حسن صحيح.

 

ما ورد مــن الأحاديث الدالة على أنه عليه السلام خطب الناس بمنى فـي اليوم الثاني من أيام التشريق وهو أوسطها

قال أبو داود: باب أي يوم يخطب [بمنى] حدثنا محمد بن العلاء، أنبأنا ابن المبارك، عن إبراهيم بن نافع، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، عن رجلين من بني بكر، قالا: رأينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب بين أوسط أيام التشريق ونحن عند راحلته، وهي خطبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي خطب بمنى.انفرد به أبو داود.
ثم قال أبو داود حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عاصم، حدثنا ربيعة بن عبد الرحمن بن حصن حدثتني جدتي سراء بنت نبهان- وكانت ربة بيت في الجاهلية- قالت: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الرءوس فقال: أي يوم هذا؟.قلنا: الله ورسوله أعلم.قال: أليس أوسط أيام التشريق؟
انفرد به أبو داود.
قال أبو داود وكذلك قال عم أبي حرة الرقاشي: أنه خطب أوسط أيام التشريق.
وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد متصلا مطولا فقال: حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة، أنبأنا علي بن زيد، عن أبي حرة الرقاشي، عن عمه، قال: كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أوسط أيام التشريق أذود عنه الناس.فقال: يا أيها الناس، أتدرون في أي شهر أنتم؟ وفي أي يوم، أنتم؟ وفي أي بلد أنتم؟ قالوا: في يوم حرام وشهر حرام وبلد حرام.قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى أن تلقوه.
ثم قال: ((اسمعوا مني تعيشوا، ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا، إنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه.ألا إن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة، وإن أول دم يوضع دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل، ألا إن كل ربا في الجاهلية موضوع، وإن الله قضى أن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب، لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون.
ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، ثم قرأ: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ولكنه في التحريش بينكم.
واتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإن لهن عليكم حقا ولكم عليهن حق، ألا يوطئن فرشكم أحدا غيركم، ولا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه.فإن خفتم نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غبر مبرح ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما أخذ تموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها)).
وبسط يده وقال: ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟، ثم قال: ليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ أسعد من سامع
قال حميد: قال الحسن حين بلغ هذه الكلمة: قد والله بلغوا أقواما كانوا أسعد به.وقد روى أبو داود في كتاب النكاح من سننه عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي حرة الرقاشي واسمه حنيفة- عن عمه ببعضه في النشوز.
قال ابن حزم: جاء أنه خطب يوم الرءوس وهو اليوم الثاني من يوم النحر بلا خلاف عند أهل مكة، وجاء أنه أوسط أيام التشريق، فتحمل على أن أوسط بمعنى أشرف كما قال تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا.
وهذا المسلك الذي أخذه ابن حزم بعيد.والله أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا الوليد بن عمرو بن مسكين، حدثنا أبو همام محمد بن الزبرقان، حدثنا موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن دينار وصدقة بن يسار، عن عبد الله بن عمر، قال: نزلت هذه السورة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنى وهو في أوسط أيام التشريق في حجة الوداع: إذا جاء نصر الله والفتح، فعرف أنه الوداع فأمر براحلته القصواء فرحلت له، ثم ركب، فوقف للناس بالعقبة، فاجتمع إليه ما شاء الله من المسلمين، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد، أيها الناس، فإن كل دم كان في الجاهلية فهو هدر، وإن أول دمائكم أهدر دم ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل، وكل ربا في الجاهلية فهو موضوع، وإن أول رباكم أضع ربا العباس بن عبد المطلب.
أيها الناس، إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر منها أربعة حرم رجب- مضر- الذي بين جمادى وشعبان، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم الآية، إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله كانوا يحلون صفر عاما ويحرمون المحرم عاما، ويحرمون صفر عاما ويحلون المحرم عاما، فذلك النسيء.
يا أيها الناس، من كان عنده وديعة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد ببلادكم آخر الزمان، وقد يرضى عنكم، بمحقرات الأعمال، فاحذروا على دينكم محقرات الأعمال.
أيها الناس، إن النساء عندكم عوان أخذ تموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، لكم عليهن حق ولهن عليكم حق، ومن حقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم غيركم، ولا يعصينكم في معروف، فإن فعلن ذلك فليس لكم عليهن سبيل، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، فإن ضربتم فاضربوا ضربا غير مبرح.ولا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه.
أيها الناس، إني قد تركت فيكم، ما إن أخذتم به لم تضلوا؟ كتاب الله، فاعملوا به.
أيها الناس، أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام.قال: فأي بلد هذا؟ قالوا: بلد حرام.قال: فأي شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام.قال: فإن الله حرم دماءكم وأموالكم وأعراضكم، كحرمة هذا اليوم في هذا البلد وهذا الشهر، ألا ليبلغ شاهدكم غائبكم، لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم، ثم رفع يديه فقال: اللهم اشهد.

 

نزوله صلى الله عليه وسلم المحصب

فلما كان يوم النفر الآخر وهو اليوم الثالث من أيام التشريق، وكان يوم الثلاثاء، ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، فنفر بهـم من منى فنزل المحصب، وهو واد بين مكة ومنى فصلى به العصر.
كما قال البخاري حدثنا محمد بن المثني، حدثنا إسحاق بن يوسف، حدثنا سفيان الثوري، عن عبد العزيز بن رفيع، قال سألت أنس بن مالك أخبرني عن شيء عقلته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أين صلى الظهر يوم التروية؟ قال بمنى قلت فأين صلى العصر يوم النفر؟ قال بالأبطح، افعل كما يفعل أمراؤك
وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم النفر بالأبطح، وهو المحصب فالله أعلم.
قال البخاري حدثنا عبد المتعال بن طالب، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن قتادة حدثه.، أن أنس بن مالك حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ورقد رقدة في المحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به
قلت: يعني طواف الوداع.
وقال البخاري حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا خالد بن الحارث، قال: سئل عبيد الله عن المحصب فحدثنا عبيد الله عن نافع قال نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر وابن عمر
وعن نافع أن ابن عمر كان يصلي بها- يعني المحصب- الظهر والعصر، أحسبه قال والمغرب قال خالد لا أشك في العشاء، ثم يهجع هجعة ويذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقال الإمام أحمد حدثنا نوح بن ميمون، أنبأنا عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان نزلوا المحصب هكذا رأيته فى مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله العمري عن نافع.
وقد روى الترمذي هذا الحديث عن إسحاق بن منصور.وأخرجه ابن ماجة عن محمد بن يحيى، كلاهما عن عبد الرزاق، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان ينزلون الأبطح
قال الترمذي: وفي الباب عن عائشة وأبي رافع وابن عباس، وحديث ابن عمر حسن غريب، وإنما نعرفه من حديث عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر به.وقد رواه مسلم عن محمد بن مهران الرازي، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا ينزلون الأبطح
ورواه مسلم أيضا من حديث صخر بن جويرية، عن نافع عن ابن عمر، أنه كان يرى التحصيب سنة، وكان يصلي الظهر يوم النفر بالحصبة.قال نافع قد حصب رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده
وقال الإمام أحمد حدثنا يونس، حدثنا حماد- يعني ابن سلمة- عن أيوب وحميد، عن بكر بن عبد الله، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء ثم هجع هجعة، ثم دخل- يعني مكة- فطاف بالبيت
ورواه أحمد أيضا عن عفان، عن حماد، عن حميد، عن بكر، عن ابن عمر فذكره.وزاد في آخره: وكان ابن عمر يفعله.وكذلك رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل.
وقال البخاري حدثنا الحميدي، حدثنا الوليد، حدثنا الأوزاعي، حدثني الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد يوم النحر بمنى نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر - يعني بذلك المحصب- الحديث.
ورواه مسلم عن زهير بن حرب عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي.فذكر مثله سواء.
وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد، قال: قلت يا رسول الله، أين تنزل غدا- في حجته-؟ قال وهل ترك لنا عقيل منزلا؟! ثم قال نحن نازلون غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة - يعني المحصب- حيث قاسمت قريشا على الكفر
وذلك أن بني كنانة حالفت قريشا على بني هاشم أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يؤوهم- يعني حتى يسلموا إليهم رسول الله.
ثم قال عند ذلك: لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم قال الزهري: والخيف: الوادي.
أخرجاه من حديث عبد الرزاق.
وهذان الحديثان فيهما دلالة على أنه عليه السلام قصد النزول في المحصب مراغمة لما كان تمالأ عليه كفار قريش لما كتبوا الصحيفة في مصارمة بني هاشم وبني المطلب حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.كما قدمنا بيان ذلك في موضعه.
وكذلك نزله عام الفتح، فعلى هذا يكون نزوله سنة مرغبا فيها، وهو أحد قولي العلماء.
وقد قال البخاري حدثنا أبو نعيم، أنبأنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: إنما كان منزلا ينزله النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أسمح لخروجه - يعني الأبطح
وأخرجه مسلم من حديث هشام به.ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، عن يحى بن سعيد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة: إنما نزل رسول الله المحصب ليكون أسمح لخروجه، وليس بسنة، فمن شاء نزله ومن شاء لم ينزله وقال البخاري حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، قال: قال عمرو عن عطاء، عن ابن عباس قال: ليس التحصيب بشيء، إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورواه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة وغيره، عن سفيان- وهو ابن عيينة- به
وقال أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل وعثمان بن أبي شيبة المعني ومسدد، قالوا: حدثنا سفيان، حدثنا صالح بن كيسان، عن سليمان بن يسار، قال: قال أبو رافع لم يأمرني، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أنزله، ولكن ضربت قبته فنزكه قال مسدد وكان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم وقال عثمان - يعني [في] الأبطح
ورواه مسلم عن قتيبة وأبي بكر وزهير بن حرب عن سفيان بن عيينة به
والمقصود أن هؤلاء كلهم اتفقوا على نزول النبي صلى الله عليه وسلم في المحصب لما نفر من منى، ولكن اختلفوا: فمنهم من قال: لم يقصد نزوله وإنما نزله اتفاقا ليكون أسمح لخروجه.ومنهم من أشعر كلامه بقصده عليه السلام نزوله، وهذا هو الأشبه.
وذلك أنه عليه السلام أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، وكانوا قبل ذلك ينصرفون من كل وجه، كما قال ابن عباس، فأمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت- يعني طواف الوداع - فأراد عليه السلام أن يطوف هو ومن معه من المسلمين بالبيت طواف الوداع وقد نفر من منى قريب الزوال، فلم يكن يمكنه أن يجيء البيت في بقية يومه ويطوف به ويرحل إلى ظاهر مكة من جانب المدينة، لأن ذلك قد يتعذر على هذا الجم الغفير، فاحتاج أن يبيت قبل مكة.
ولم يكن منزل أنسب لمبيته من المحصب الذي كانت قريش قد عاقدت بني كنانة على بني هاشم وبني المطلب فيه، فلم يبرم الله لقريش أمرا بل كبتهم وردهم خائبين، وأظهر الله دينه ونصر نبيه وأعلى كلمته، وأتم له الدين القويم، وأوضح به الصراط المستقيم.
فحج بالناس وبين لهم شرائع الله وشعائره، وقد نفر بعد إكمال المناسك فنزل في الموضع الذي تقاسمت قريش فيه على الظلم والعدوان والقطيعة، فصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء وهجع هجعة.
وقد كان بعث عائشة أم المؤمنين مع أخيها عبد الرحمن ليعمرها من التنعيم، فإذا فرغت أتته، فلما قضت عمرتها ورجعت أذن في المسلمين بالرحيل إلى البيت العتيق.
كما قال أبو داود حدثنا وهب بن بقية، حدثنا خالد، عن أفلح، عن القاسم، عن عائشة، قالت: أحرمت من التنعيم بعمرة فدخلت فقضيت عمرتي، وانتظرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح حتى فرغت، وأمر الناس بالرحيل قالت وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت فطاف به ثم خرج وأخرجاه في الصحيحين من حديث أفلح بن حميد.
ثم قال أبو داود حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو بكر- يعني الحنفي- حدثنا أفلح عن القاسم، عن عائشة، قالت: خرجت معه، تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، [في] النفر الآخر فنزل المحصب
قال أبو داود فذكر ابن بشار بعثها إلى التنعيم، قالت ثم جئت سحرا، فأذن في أصحابه بالرحيل فارتحل، فمر بالبيت قبل صلاة الصبح، فطاف به حين خرج، ثم انصرف متوجها إلى المدينة ورواه البخاري عن محمد بن بشار به.
قلت: والظاهر أنه عليه السلام صلى الصبح يومئذ عند الكعبة بأصحابه، وقرأ في صلاته تلك بسورة والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور السورة بكمالها.
وذلك لما رواه البخاري حيث قال: حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة بن الزبير، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: شكوت إلى رسول الله أني أشتكي، قال طوفي من وراء الناس وأنت راكبةفطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حينئذ إلى جنب البيت وهو يقرأ والطور وكتاب مسطور وأخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من حديث مالك بإسناد نحوه.
وقد رواه البخاري من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب، عن أم سلمة، أن رسول الله قال وهو بمكة وأراد الخروج، ولم تكن أم سلمة طافت وأرادت الخروج فقال لها: إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون فذكر الحديث.
فأما ما رواه الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة
فهو إسناد كما ترى على شرط الصحيحين، ولم يخرجه أحد من هذا الوجه بهذا اللفظ.ولعل قوله: يوم النحر غلط من الراوي أو من الناسخ، وإنما هو يوم النفر، ويؤيده ما ذكرناه من رواية البخاري.والله أعلم.والمقصود أنه عليه السلام لما فرغ من صلاة الصبح طاف بالبيت سبعا ووقف في الملتزم بين الركن الذي فيه الحجر الأسود وبين باب الكعبة، فدعا الله عز وجل وألزق جسده بجدار الكعبة.قال الثوري عن المثنى ابن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلزق وجهه وصدره بالملتزم..

 

صفة خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة شرفها الله

ثم خرج عليه السلام من أسفل مكة كما قالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من أعلاها وخرج من أسفلها أخرجاه.
وقال ابن عمر: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثنية العليا التي بالبطحاء وخرج من الثنية السفلى.رواه البخاري ومسلم.
وفي لفظ: دخل من كداء وخرج من كدى.
وقد قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا أجلح بن عبد الله، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة عند غروب الشمس، فلم يصل حتى أتى سرف، وهي على تسعة أميال من مكة
وهذا غريب جدا، وأجلح فيه نظر.ولعل هذا في غير حجة الوداع، فإنه عليه السلام كما قدمنا طاف بالبيت بعد صلاة الصبح، فماذا أخره إلى وقت الغروب؟ هذا غريب جدا.
اللهم إلا أن يكون ما ادعاه ابن حزم صحيحا من أنه عليه السلام رجع إلى المحصب من مكة بعد طوافه بالبيت طواف الوداع، ولم يذكر دليلا على ذلك إلا قول عائشة حين رجعت من اعتمارها من التنعيم فلقيته بصعدة، وهو منهبط على أهل مكة، أو منهبطة وهو مصعد.
قال ابن حزم: الذي لا شك فيه أنها كانت مصعدة من مكة وهو منهبط، لأنها تقدمت إلى العمرة وانتظرها حتى جاءت، ثم نهض عليه السلام إلى طواف الوداع فلقيها منصرفه إلى المحصب من مكة.
وقال البخاري: باب من نزل بذى طوى إذا رجع من مكة.
وقال محمد بن عيسى: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان إذا أقبل بات بذى طوى حتى إذا أصبح دخل، وإذا نفر مر بذي طوى وبات بها حتى يصبح، وكان يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
هكذا ذكر هذا معلقا بصيغة الجزم، وقد أسنده هو ومسلم من حديث حماد بن زيد به لكن ليس فيه ذكر المبيت بذي طوى في الرجعة.فالله أعلم.