نظرة على الانتخابات التونسية
26 ذو القعدة 1432
تقرير إخباري ـ نسيبة داود

يصوت الشعب التونسي يوم الأحد في أول انتخابات تعددية حرة في تاريخه بعد أن أطاحت انتفاضة شعبية بالرئيس الهارب زين العابدين بن علي. ويختار التونسيون أعضاء المجلس التأسيسي الذي سيناط به وضع دستور جديد للبلاد وبناء مؤسسات ديمقراطية فيها. الانتخابات يشارك فيها أحزاب جديدة إلى جانب الأحزاب الكرتونية التي سيطرت الحياة السياسية في عهد بن علي، حيث ارتفعت أعداد الأحزاب في تونس من 19 حزبا في السابق إلى 116 حزبا حالي. وتشارك تلك الأحزاب في الانتخابات إما منفردة أو في إطار تحالفات. ولأول مرة، تنظم الانتخابات لجنة مستقلة ويشرف عليها مراقبون دوليون من الاتحاد الأوروبي. وتجرى الانتخابات وفقا لنظام التمثيل النسبي؛ حيث تقسم البلاد إلى 33 دائرة انتخابية بينها 27 في كافة المدن التونسية وستة للتونسيين في الخارج. والحد الأقصى للمقاعدة في كل دائرة عشرة مقاعد من إجمالي مقاعد البرلمان البالغة 217. ويطرح كل حزب مشارك أو ائتلاف قائمة بمرشحيها، ويصوت الناخبون علي القائمة كلها وليس على المرشحين. وكل 60 ألف صوت تحصل عليها أي قائمة يخولها الحصول على مقعد في الجمعية التأسيسية، وإذا بقيت أي مقاعد في دائرة انتخابية تمنح للقائمة صاحبة ثاني أعلى عدد من الأصوات. الأحزاب والتحالفات سجل أكثر من 100 حزب للمشاركة في الانتخابات. وهناك عدد كبير من القوائم الفردية. ومن أبرز الأحزاب المشاركة في الانتخابات حزب "النهضة" الإسلامي الذي يتزعمه الشيخ راشد الغنوشي، الذي أسس حركة النهضة في عام 1981 مع مجموعة من المفكرين الإسلاميين الذي استلهموا فكر جماعة "الإخوان المسلمين". والغنوشي كان من قادة المعارضة التونسية في المنفى حيث أقام 22 عاما في لندن خلال عهد بن علي بعدما حظرت السلطات حركته وسجنت آلافا من أبنائها. وعاد الغنوشي بعد فرار بن علي ونجاح الثورة. ومن المتوقع أن يحوز حزب النهضة على أكبر عدد من المقاعد في هذه الانتخابات، لكنه ليس من الواضح ما إذا كان سيفوز بالأغلبية في ظل معارضة توجهات علمانية قوية داخل تونس. كذلك يشارك بالانتخابات الحزب "الديمقراطي التقدمي" وهو الحزب العلماني الأبرز في السباق الانتخابي، ويقدم نفسه على أنه بديل لحزب النهضة الإسلامي. ومؤسسه السياسي الشهير نجيب الشابي وهو محام قناعاته تنتمي ليسار الوسط، وهو من المعارضة منذ عهد بن علي، وقد تقدم الشابي لترشيح نفسه عام 2009 لمنافسة بن علي في الانتخابات الرئاسية لكن قانونا أصدره بن علي لإبعاده عن السباق قضي بعدم أحقيته في الترشح. وعين الشابي وزيرا للتنمية الجهوية في أول حكومة تسيير أعمال بعد سقوط بن علي واستقال من منصبه إثر احتجاجات حاشدة أسقطت الحكومة. وركزت الحملة الانتخابية للحزب الديمقراطي التقدمي على التخويف من حزب النهضة والتفزيع من تولي إسلاميين الحكم. وقد سعت الأمين العام للحزب وهي مية الجريبي للتخويف من الإسلاميين معتبرة أنهم يمثلون اتجاها متطرفا، حيث قالت في تجمع انتخابي إنها واثقة من أن التونسيين سيصوتون للوسطية وليس للتطرف وأنه يتعين على تونس حماية شعلة الوسطية. وحاول الشابي إقامة تحالف مع أحزاب علمانية أخري للحيلولة دون فوز حزب النهضة بأغلبية مقاعد الجمعية التأسيسية. ولكن الشركاء المحتملين يريدون أن تظل خياراتهم مفتوحة لحين ظهور النتائج. وإلى جانب ذلك، يشارك حزب "التكتل الديمقراطي من أجل العدل والحريات" وهو حزب اشتراكي اسسه مصطفى بن جعفر (طبيب) في عام 1994. وكان جعفر ضمن معارضي بن علي الذين لم يغادروا تونس. وحظى حزبه بوضع قانوني في عام 2002، لكنه ووجه بتضييق وتعتيم إعلامي. وكذلك، شغل بن جعفر منصب وزير الصحة في أول حكومة تشكلت بعد سقوط بن علي. ولقي احتراما كبيرا عندما استقال معلنا رفضه وجود وزراء من الحكومة القديمة. ويعتقد أنه في حال سعى حزب النهضة عقب الانتخابات لتشكيل "ائتلاف موسع" يضم أحزابا علمانية كبرى فإن حزب بن جعفر شريك محتمل على الأرجح. ومن أبرز الإئتلافات المشاركة هو "القطب الديمقراطي الحداثي" وهو يضم بالأساس حزب "التجديد" و"الحزب الاشتراكي اليساري" وحزب "طريق الوسط" و"الحزب الجمهوري". ويعتبر حزب "التجديد" أقوى مكونات هذا الائتلاف حيث يرأسه أحمد إبراهيم وهو منبثق عن الحزب الشيوعي. وقد فاز الحزب بثلاثة مقاعد فقط في آخر انتخابات برلمانية أجريت في عهد بن علي نتيجة معوقات من جانب حكومة بن علي. وإبراهيم استاذ جامعي سابق وكان وزيرا للتعليم العالي في الحكومة الأولى لتسيير الأعمال التي لم تستمر طويلا. وحزب التجديد أيضا من الأحزاب التي سعت للتخويف من عواقب فوز حركة النهضة الإسلامية، حيث صرح إبراهيم في مقابلة صحفية بأن القيم الليبرالية الحديثة في تونس مهددة من المعسكر الإسلامي الذي يريد استغلال المشاعر الدينية للمواطنين ويريد فرض سيطرته وأسلوب حياة معين، على حد زعمه. ومع ذلك قال إن حزب التجديد مستعد للتعاون مع النهضة في الجمعية التأسيسية. كذلك هناك: حزب "المؤتمر من اجل الجمهورية"، ويرأسه منصف المرزوقي وهو طبيب علماني يساري وتأسس عام 2001 وحظر بعد وقت قصير من قيامه. وأقام زعماؤه في المنفي في فرنسا. وعاد قبل ثلاثة أعوام من قيام الثورة ولكنه غادر البلاد بعد شهرين فقط معلنا أن لا يمكنه العمل بسبب مضايقات السلطات له، حيث طوق مئات من ضباط الشرطة بزي مدني منزله ومكتبه طوال ساعات اليوم ولاحقوه في اجتماعاته. ثم عاد المرزوقي من باريس بعد فرار بن علي وسقوط نظامه، واستقبله اتباعه في مطار قرطاج بالاغاني والهتافات. وقد تبوأ مكانته تلك بفضل معارضته لبن علي لسنوات طويلة. ويعد المؤتمر شريكا محتملا اخر لحزب النهضة. هذا ومن المتوقع أن تشهد الانتخابات إقبالا كبيرا في ظل سخونة في السباق الانتخابي بين التيارات المختلفة. وتفتح مراكز الاقتراع صباح الأحد أبوابها في السابعة صباحا بالتوقيت المحلي وتغلق في السابعة مساء. ومن المتوقع أن تعلن النتائج الاولية للانتخابات في وقت متأخر من مساء الأحد أو يوم الاثنين. وتتولى الجمعية التأسيسية التي سيتم انتخابها مهمة صياغة دستور جديد للبلاد. وسيحدد هذا الدستور موعدا لإجراء انتخابات عامة ورئاسية، حيث من المنتظر أن تنجز هذه المهمة خلال عام. ومؤقتا ستختار الجمعية التأسيسية رئيسا للبلاد خلال الفترة الانتقالية، وهو منصب شرفي إلى حد كبير حيث سيناط بالجمعية نفسها بناء المؤسسات والإشراف على أدائها. وسيقوم الرئيس بتعيين حكومة مؤقتة جديدة بالتشاور مع الأغلبية البرلمانية، لتخلف حكومة رئيس الوزراء الحالي الباجي قائد السبسي وهو من التكنوقراط وعمل وزيرا للخارجية في عهد الحبيب بورقيبة الذي سبق بن علي في حكم تونس. ومن المرجح أن يجرى استبدال السبسي، لكن الحكومة ستستمر في مهامها إلى أن تعين الحكومة الجديدة.