هواجس صهيونية من الثورة السورية
8 ذو القعدة 1432
حمزة إسماعيل أبو شنب

تقديم
تشكل الثورة السورية منعطفاً مهماً في ربيع الثورات العربية فهي تعتبر محوراً مهماً في المحيط العربي لما تحتله من موقع جغرافي بالإضافة إلى طبيعة التحالفات القائمة مع النظام الحالي ، لذلك يشكل نجاح هذه الثورة في سوريا مخاطر عديدة على الحلفاء والأعداء السابقين من دول الجوار، ولعل دولة الكيان الصهيوني أشد المتخوفين من هذا السقوط .   

 

سوريا وهدوء الجبهتين
يحافظ النظام السوري منذ احتلال الجولان على الهدوء التام فيها فلم يبدر منها أي نشاط مقاومة للاحتلال ، مما كان يشكل حالة من الراحة للجانب الصهيوني ويقلل احتمالات نشوب أي اشتباك مع السوريين ؛ ليقين الاحتلال بأن نظام الأسد لا يريد مواجهة مباشرة معه فكان يستخدم الجبهة الجنوبية للبنان عن طريق حزب الله ، ولكن كانت الأوضاع هناك تُدار بتنسيق سوري تام لذلك كان النظام يضبط إيقاع الجبهتين ، إلا أن التطورات على الساحة السورية جعلت نظام الأسد يحاول أن يستغل الحدود مع الاحتلال في تسيير تظاهرات سلمية محاولة منه أن يشكل ضغط أمريكي للحفاظ على النظام ، هذا الاستخدام يجعل الاحتلال يفكر جلياً فيما بعد سقوط الأسد في سوريا وتأثيراتها على الأمن والاستقرار السوري ، حيث أن كافة الاحتمالات واردة في زعزعة الأمن والنظام هناك ، وهذا على أكثر من احتمال سيتم الحديث عنهم لاحقاً في سوريا ، ولكن بكافة الخيارات سيبقى الوضع على الجبهة السورية مصدر قلق متزايد للصهاينة .

 

ماذا تريد "إسرائيل" من الثورة السورية ؟
فكرة إسقاط النظام السوري كانت ورادة جداً خلال فترة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري من قبل الغرب وعلى رأسهم فرنسا بالإضافة إلى التوجه الأمريكي ، ولكن دولة الاحتلال كانت تبحث عن البدائل المناسبة فخلصت إلى أن النظام الحالي أفضل لها من أي تغيير لأن عواقب التغيير ستكون حساباتها صعبة جداً ، فاستخدمت سياسية الضربات والاغتيالات لأنها تعلم أنه لن يكون هناك رد ولعل أبرز هذه الضربات عملية قصف منطقة دير الزور التي استهدفت منشأة حساسة .

 

أما على الأوضاع المقبلة فتحاول أن تحصل إسرائيل على سيناريو يقدم لها سبل الراحة لاحقاً ليشكل صمام أمان وتحاول أن تبحث عن السيناريو الأفضل لها من مجموعة السيناريوهات التالية:
السيناريو الأول: أن يبقى نظام بشار الأسد لسنوات عديدة مع ضعف داخلي وهذا هو السيناريو المفضل لدولة الكيان لأنها تعرف النظام المتواجد جيداً وتعلم توجهاته وقد جربته لمدة أكثر من أربعين عاماً.
السيناريو الثاني : هو سقوط نظام بشار الأسد ودخول سوريا في مرحلة عدم الاستقرار والصراعات الداخلية وهذا الوضع سيضعف سوريا ، ولكن لن يكون مصدر راحة لدولة الكيان بل يزعزع الاستقرار والأمان على طول الحدود السورية .
السيناريو الثالث : هو سقوط النظام وتسلم قوة سنية إسلامية ، وهذا يشكل تهديداً كبيراً على دولة الكيان وهذا أسوأ الاحتمالات التي لا ترغب به الدولة الصهيونية ، لأنها معرضة لخوض مغامرة حول الجولان أو ترك الحدود لعلميات المقاومة وهذا يعتبر خطيراً جداً ويشكل تهديداً بالنسبة لهم .
السيناريو الرابع : استقرار الأوضاع في سوريا وصعود قوى علمانية أو ليبرالية  تتأثر بالسياسة الغربية يمكن الدخول معها في مفاوضات تحافظ من خلالها بالحد الأدنى على الاستقرار على الحدود السورية معها ، وهذا السيناريو مرغوب لدى الجانب الصهيوني في حال لم يجد بد من أن النظام سيسقط .

 

 

الأردن وانتقال العدوى:
تعتبر الأردن الدولة الأكثر استقراراً حتى هذه اللحظة بما يخص المحيط الإسرائيلي ولكن رغم ذلك يزايد الخطر بالنسبة لحكام الكيان من أن نجاح الثورة السورية قد يؤثر بشكل كبير على الأوضاع في الأردن ، وهذا أكثر ما يزعج الإسرائيليين ؛ فالأوضاع في عمان تتأرجح بسبب اعتماد النظام هناك على المنظومة المتعاونة مع الولايات المتحدة إلا أن التغيير في سوريا سيسمح بشكل فعال بالانتقال بالثورة إلى الأردن لذلك تعتبر ساحة الأردن معضلة  كبيرة  في المرحلة المقبلة وذلك للعديد من الأسباب:
1.    الأردن دولة لا تعتمد على مواردها وهي ضعيفة وتعتمد على أمريكا ، وأمريكا تتراجع الآن بسبب الأزمة المالية .
2.    الحدود المشتركة بين سوريا والأردن ونجاح الثورة هناك سيشجع الأردنيين على التظاهر بشكل أوسع.
3.    الانسحاب الأمريكي من العراق عامل تهديد للنظام الأردن بسبب هجرة المسلحين من العراق إلى الأردن وهذا سيشكل قاعدة انطلاق لهم باتجاه دولة الكيان.
4.    طول الحدود الأردنية مع الاحتلال وهي أطول حدود له وهذا يشكل تهديداً كبيراً لهم.
5.    الاتصال بين الضفة الغربية والأردن تشكل نقطة دعم لوجستي للضفة الغربية على غرار سيناء وقطاع غزة .

 

الخلاصة
تعتبر دولة الكيان بأن توتر العلاقة مع مصر وتركيا بقدر ما يشكل عزلة لها إلا أنه لا يصل إلى حد التهديد كما الحال على الصعيد السوري والأردني ، وما قد يسببه نجاح الثورة السورية من خطر على دولة الكيان بسبب الحدود الطويلة والانعكاسات التي ستنتج من تطور للمقاومة على صعيد الداخل الفلسطيني وبالذات في ساحة الضفة الغربية ، ورغم عدم تطرقي للأوضاع في لبنان فالحدود سيصبح حالها حال الجبهات الأخرى ولكن بدرجة نسبية لأن سقوط النظام السوري يقلل من هيبة حزب الله في لبنان في حينها قد لا يستطيع الحزب أن يغامر بمواجهة مع الكيان ، ولكن يمكن أن يتحول الجنوب إلى ساحة انطلاق للمجموعات المسلحة من خارج حزب الله

 

مازال العالم يحاول أن يتجنب انهيار النظام السوري بسبب التأثيرات على الساحة الأخرى وعلى رأسه الأمن الصهيوني و إضعاف دور إيران في المنطقة من خلال التراجع المتوقع في سوريا ولبنان ، ناهيك عن الوضع في العراق الذي يشكل الآن رأس حربة الصراع في المنطقة بين إيران والعالم العربي وذلك بعد الانسحاب الأمريكي وسقوط النظام في سوريا يشكل تهديداً كبيراً لنظام الحكم الحالي في العراق.

 

في النهاية الثورة السورية تحتاج إلى دعم متواصل من المحيط العربي لأن الربيع العربي لا يمكن أن ينضج في حال بقي النظام السوري، وحتى يكتمل يجب أن ينجح الربيع العربي في أجواء آسيا ليلحق بركب تونس ومصر وليبيا.