مواجهة التكفير غير المنضبط بمؤتمر المدينة العالمي
28 شوال 1432
تقرير إخباري ـ محمد لافي

أكد المشاركون في المؤتمر العالمي (ظاهرة التكفير الأسباب.. الآثار.. العلاج) الذي نظمته جائزة نايف العالمية للسنة النبوية والدارسات الإسلامية المعاصرة بالتعاون مع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، واختتم أعماله أمس الأول بالمدينة المنورة على ضرورة تبني إستراتيجية شاملة في مواجهة ثقافة التكفير ومدارسِه المختلفة تتناول الأبعاد الفكرية والثقافية, إلى جانب الأبعادِ الأمنية, بحيث تواكب هذه الإستراتيجية التطوراتِ المعاصرةَ, وتكون قادرةً على التعامل مع ثقافة التكفير على نحو علمي مبني على الحوار والإقناع.
فمن خلال المؤتمر الذي شارك فيه  120 باحثاً يمثلون 24 جنسية  ناقشوا وعلى مدى  لثلاثة أيام تسعة محاور تناولت مفهوم التكفير في الإسلام وضوابطه والحكم الشرعي للتكفير وأسباب هذه الظاهرة الجذور الفكرية والتاريخية لها, كما ناقشوا شبهات التكفيريين والجماعات التكفيرية المعاصرة, وتناولوا أخطارها وآثارها، وقدموا الحلول المناسبة لعلاجها.

 

 
الجذور التاريخية للتكفير
تناولت الجلسة الرابعة للمؤتمر برئاسة رئيس مجلس الشورى الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ  (ظاهرة التكفير: جذورها التاريخية والعقدية والفكرية) ومن من ضمن ما قدم في الجلسة دراسة للدكتور رشيد بن حسن محمد علي الألمعي الأستاذ المشارك بجامعة الملك بعنوان (الجذور التاريخية لظاهرة التكفير عند المسلمين) قرر فيها أن التكفير غير المنضبط بضوابط الشرع الحنيف ظاهرة قديمة نشأت في فجر الإسلام على يد الخوارج الذين كفروا أهل القبلة بالذنوب أو بما يرونه هم من الذنوب، واستحلوا لذلك دماء المسلمين، ثم وافقهم في الجرأة على التكفير الرافضة حيث كفروا أبا بكر وعمر وعثمان وعامة المهاجرين والأنصار، وكفروا جماهير أمة الإسلام من المتقدمين والمتأخرين، ورجح أن أصل نشأة الخوارج حدث على عهد النبي صلى الله عليه وسلم على يد ذي الخويصرة ( حرقوص بن زهير السعدي) غير أن الخوارج لم يظهروا في صورة جماعة واضحة المعالم إلا بعد حادثة التحكيم لأسباب نقموها افتراءاً على علي رضي الله عنه.

 

وعرض باحثون من خلال الجلسة الجذور التاريخية لظاهرة التكفير في الدين الواحد أو بين الأديان عند اليهود والنصارى فهي تعتمد أساسا على تأويل النصوص والمصطلحات الدينية لمصلحة وجهة نظر معينة. لذلك يلاحظ أن الديانة اليهودية و المسيحية لم يستعملا كلمة تكفير إنما كانت الكلمة المستعملة كلمة هرطقة وهي تؤدي نفس المعنى, باعتبار أن المهرطق صاحب مذهب منحرف خارج عن الطريق القويم
كما تم التعريض لظاهرة التكفير عن اليهود التي تقوم على عقيدة الشعب المختار في ضوء تعاليم التوراة المحرفة, و تكفيرهم الأنبياء عليهم السلام والأمم قاطبة.
 
 
 
الأسباب المؤدية لظاهرة التكفير
عرض جملة من الباحثين في الجلسة الخامسة التي ترأسها الشيخ الدكتور صالح بن سعود العلي رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام الأسباب المؤدية لظاهرة التكفيروالتي من أبرزها أسباب فكرية واجتماعية وهي الجهل (خاصة الأمية الدينية) وهو التلقي غير المنضبط للعلم, ومنها الجهل بحقوق ولاة الأمر، والجهل بحقوق المسلمين والجهل بمقاصد الشريعة، والجهل بمفهوم الولاء والبراء، والجهاد. والجهل بالفرق بين الحكم على الذنب وبين تنفيذ العقوبة على مرتكبه.
ومن  أسباب التكفير وبواعثه التي عرضها الباحثون التَّطرف بالأخذ بقول واحد، والتَّعصب للرأي، واتباع الهوى, وتجاهل أصول مناقشة القضايا الخلافية وقواعدها، مع غياب المرجعية الشرعية، والاعتماد في استصدار الأحكام على من ليس أهلًا لذلك، مع الميل دائمًا إلى التَّضييق التشديد، وتوسيع دائرة المحرمات

 

ومن تلك الأسباب تكاسل العلماء في الرد على الكفار والملحدين والظالمين، وشيوع الظلم، والبعد بين الشباب والمربين، وضعف الرقابة المنزلية، والتدخل الخارجي في بلاد المسلمين، والخلل في مناهج بعض الدعوات المعاصرة، وقصر النظر وقلة الصبر وضعف الحكمة، تصدر حدثاء الأسنان، التعالم والغرور، التشدد والتنطع ومخالطة الجماعات المنحرفة والتلقي عنهم.
ومنها دور وسائل الإعلام التي وجه إليها الاتهام بأنها مسؤولة عن انتشار ثقافة التكفير بسبب غياب أو نقص الكفاءات المهنية القادرة على توجيه المجتمع وطرح قضاياه بموضوعية وحرفية،و منها أيضا سهولة الحصول على منبر إعلامي لنشر الأفكار التكفيرية في القرية الإعلامية
كما عرضوا الحلول المقترحة لمواجهة هذه الأسباب ومنها الفهم الصحيح للدين والقراءة المقاصدية للنصوص, وتلقي العلم من المشايخ الثقات والإقرار بحق الاختلاف والتزام الوسطية والاعتدال.
 

 

أثر التكفير في مستقبل الإسلام
الجلسة الحادية عشرة برئاسة معالي الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي خصصت لمناقشة (أثر التكفير في مستقبل الإسلام). فقدم عدد من الباحثون أثر التكفير على مستقبل الإسلام من الناحيةِ الدينية، والتعليمية، والاجتماعية، والأمنية، والسياسية، والاقتصادية, وكان من بينهم دراسة قدمها د. سعود بن فرحان محمد الحبلاني من جامعة طيبة عن تأثير التكفير على الدعوة فعرض أثر الفكر التكفيري في إفساد وتجميد جانب التكافل الاجتماعي فقد حرم فقراء وأيتام المسلمين من صدقات وزكاة إخوانهم ؛ مما فتح المجال للمنصرين وأهل الضلال للعبث في المجتمعات المسلمة مما أدى إلى تدهور معدلات النمو الاقتصادي، وانخفاض معدلات الاستثمار,والاضطراب في سعر صرف العملات، والتدخلات الخارجية في شؤون اقتصاد المسلمين.
وقدم د. إبراهيم طلبة حسين عبدرب النبي من كلية الشريعة بالرياض بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بحثاً بعنوان "أثر الغلو في التكفير وأثره في مستقبل الإسلام" أوضح فيه أن الغلو في التكفير من أسباب انتشار الإرهاب، وهذا يربط الإرهاب في عقول الناس بالإسلام، وهذا له أثره البالغ في حاضر الإسلام ومستقبله.
 

 

توصيات المؤتمر :
أكد المشاركون في المؤتمر إلى ضرورة حماية هذا المصطلح الشرعي "التكفير"، بجعل الجهة المخولة بإصدار حكمه على من يستحقه هي الجهة القضائية، واعتبار الافتئات عليه من غير أهله جريمة يستحق من تجاسر عليه العقوبة التعزيرية التي يراها ولي الأمر".
وأوصوا باستقراء شبهات دعاة التكفير, واستعراض دعاواهم وفتاواهم, وتتبع مقالاتهم ومؤلفاتهم وسائر خطاباتهم, ثم الرد عليهم بالحجة والدليل والبرهان الشرعي والعقلي المقنع, وصياغتها في قالب سهل ميسر، بحيث لا تبقى في مستوى النخب والخاصة, ونشر هذه الجهود الفكرية على أوسع نطاق حتى يستفيد منها الجميع, ويدركوا بوضوح أبعاد ثقافة التكفير ومخاطرها, ويتولى ذلك ذوو الكفاءاتِ العلمية والتخصصات الدقيقة والمهارات الحوارية.

 

من التوصيات أيضاً التنبيه على وظيفة الأسرة المسلمة لتقوم بمسؤوليتها في تحصين الأبناء ضد الفكر المنحرف, وذلك بنشر الوعي الأسري, وتنمية روحِ المسؤولية نحوَ الأبناء لدى الآباء والأمهات, وتوطيد أواصر الصلة بين أفراد الأسرة.
كما تم التأكيد على أهميةَ معالجة مسائل التكفير وما ينتج عنه من صور التطرف والغلو في التعليم العام والجامعي بما يناسب الفئات العمريةَ المختلفةَ, من خلال المقررات التي تهتم بالثقافة والعقيدة والحضارة, وتصاغ هذه المضامين من قبل علماء موثوق بمنهجهم ممن عُرفوا بالوسطية والاعتدال.

 

وأوصى المؤتمر بتفعيل وسائل الإعلام في البلاد الإسلامية للعناية بقضايا التكفير, وتكاتف الجهود ونشر الرأي الوسطي في المسائل التي تدار حولَها الشبهاتُ, وإيضاح المنهج الإسلامي فيها, والإفادةِ من التقنية ِالإعلاميةِ وبرامجِ التواصل الاجتماعي في رفعِ مستوى الوعي بهذه الظاهرة.

 

وحث المشاركون على ضرورة الانتقاء والاختيار لمن يتولون الدعوة والتوجيه والإرشاد وفق ضوابط معينة تحدد من الجهات المسؤولة, بحيث لا يتولى هذه المنابرَ إلا من عُرف بالوسطية والاعتدال وسلامة المنهج وصحة المعتقد والبعد عن نزعات الغلو والتطرف.
كما أوصوا بإنشاء مراكز بحثية ودعم كراسي متخصصة في العالم الإسلامي لمعالجة الفكر المنحرف ودراسة أسبابه, تجمع متخصصين في علوم الشريعة, وعلم النفس, وعلم الاجتماع والتربية.
 

 

وأوصى المؤتمر بإنشاء رابطة لعلماء المسلمين تنطلق من المملكة العربية السعودية وتجمع علماء المسلمين من أنحاء العالم وتشرف على تأسيسها جائزة نايف بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة تدرس هذه الظاهرة وأمثالها للصدور عن رأي موحد تجتمع عليه الكلمة ويشكل معالجة علمية شرعية تستأصلها.

 

ودعا المؤتمر إلى إنشاء مركز عالمي لرصد ظاهرة التكفير وظواهر الانحراف الأخرى، والتعرف على مسبباتها، ودراستها دراسة علمية معمقة ومعالجتها وفق المنهجية العلمية، ويكون تحت إشراف جائزة نايف بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة.