أوباما في الأمم المتحدة .. صهيوني أكثر من الصهاينة !
28 شوال 1432
جمال عرفة

لم يكن رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو في حاجة أن يلقي بيانا أمام الأمم المتحدة يدافع فيه عن بلاده في مواجهة المطلب الفلسطيني بالحصول علي حق الاعتراف الدولي بفلسطين عضوا في الأمم المتحدة ، فقد كفاه حامي حمي اسرائيل (أوباما) مئونة الكذب والتمثيل في الأمم المتحدة ليظهر كالضحية لا الجلاد ، وألقي خطابا أنتن من خطاب نتنياهو لبس فيه ثوبا صهيونيا غير عادي وراح يلقي خطابا يحاول أن يستدر فيه تعاطف العالم مع "اسرائيل" ، ويظهر الفلسطينيين والمسلمين علي أنهم قتلة يترصدون "للإسرائيليين" !!.

 

بل لقد أنتقد هذه المبالغة والنفاق الواضح من قبل أوباما في خطابه أمام الأمم المتحدة ، مفكرون أمريكان يهود ، خشية أن يكون لخطابه أثر عكسي علي اسرائيل من كثرة ما حواه من تمثيلية عاطفية وأبدي خبراء في معاهد دراسات إستراتيجية أمريكية استغرابهم ليس من معارضة أوباما الدولة الفلسطينية فقط ، ولكن من سعيه لحشد الدعم والتعاطف مع اسرائيل بصورة أبعدته عن صورته الحيادية في التعامل مع ملف الصراع العربي "الاسرائيلي".

 

حتي أن روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لـ "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" – الذي يموله اللوبي الصهيوني (إيباك) كتب يقول: " لقد قدم أوباما أحد أكثر خطابات الرؤساء الأمريكيين العاطفية دعما "لإسرائيل" في الجمعية العامة للأمم المتحدة ولكن ما يثير الدهشة أن يذهب أوباما بعيداً كمحامي مهزوم يقدم زبونا غير محبوب أمام قاض متشكك (الأمم المتحدة) بعدما ركز خطاب أوباما على مخاطبة قادة أكثر من 199 دولة أن يضعوا أنفسهم مكان إسرائيل وبخاصة الشعب اليهودي" !.

لم يقل نتنياهو في خطابه أمام الأمم المتحدة: "فلنكن أمناء مع أنفسنا إن إسرائيل محاطة بجيران شنوا ضدها حروبا متكررة.. إن مواطني إسرائيل تم قتلهم بصواريخ على منازلهم وبقنابل انتحارية على حافلاتهم.. إن أطفال إسرائيل ترعرعوا في منطقة يعرفون عن أطفالها أنهم قد تعلموا أن يكرهونهم.. إسرائيل دولة صغيرة ذات ثمانية ملايين مواطن في حين تهددها دولا كبيرة بمحوها من على الخريطة.. إن الشعب اليهودي يحمل قرونا من النفى والاضطهاد، والذكريات القريبة تعرِّفنا أن ستة ملايين منهم قتلوا لأنهم كذلك.. إن تلك الحقائق لا يمكن إنكارها" .. لم يقل هذا نتنياهو ولكن قاله أوباما !؟

 

 

في هذا الحديث لم يذكر أوباما النشاط الاستيطاني الإسرائيلي، والبناء في مدينة القدس، والصعوبات التي تواجه تحركات الفلسطينيين في نقاط التفتيش ، ولا رفض اسرائيل للتفاوض وإدعاءها رفض الفلسطينيين عدة مقترحات سلام منها ، ولم يتحدث عن جرائم الحرب واستخدام الاسلحة المحرمة دوليا والفسفور في غزة ، ولكنه ركز علي جلب التعاطف مع اسرائيل فقط ليبين للعالم أنه ليس من حق الفلسطينيين دولة لأنهم قتلة للاسرائيليين وليس العكس وأن دولتهم يجب أن تحدد اسرائيل معالمها وطريق إدارتها بالاشتراك مع "الاسرائيليين".

 

 

شايلوك (نتنياهو) يكذب .. هل من جديد؟

أما نتنياهو فقد أنبري مهاجما الأمم المتحدة التي تستضيفه لأنها تستقبل أبو مازن وتقبل منه طلب انضمام دولة فلسطين للأمم المتحدة ، شاكيا من عدم جلوس القيادة الفلسطينية معه، ومتباكيا لاستدرار العطف الدولي تجاه إسرائيل الضعيفة الصغيرة....؟!

ولم يكن أحدا يشك في أن نتنياهو أو شايلوك إسرائيل الجديد يكذب .. فهو زعم أنه مد يده للشعب الفلسطيني من أجل السلام، وتحدث عن استعادة ارض فلسطين الإنجيلية، وهاجم الأمم المتحدة التي استضافت قادة عربا ومسلمين ، وأهان الأمم المتحدة بقوله أن حاخاما يهوديا قال له أنه ذاهب إلى (بيت مظلم)، ولكن وجوده فيه سيبدد الظلام ولو لعدة دقائق !.

 

أكاذيبه في خطابه أمام الامم المتحدة بشأن مزاعم أن الفلسطينيين رفضوا مشروعين للسلام تقدم بهما خلفاءه في الحكومة لم تكن تحتاج للرد عليها ، فما قاله نتنياهو في هذا الصدد ليظهر للعالم ان الفلسطينيين يرفضون يد إسرائيل الممدوة بالسلام كله أكاذيب .

حيث أكد أن المفاوضات التى أجريت في 2001 مع إيهود باراك قد تم إلغاءها من قبل إسرائيل بسبب الانتخابات التى خسرها باراك، كما أن العرض المقدم  بواسطة رئيس الوزراء أولمرت لم يكن جاداً، إذ لم يكن أمامه سوى بضعة أسابيع فقط في منصبه، بسبب الاتهامات التى وجهت إليه، وضعف نسب التأييد له والتى وصلت لأقل من 6%، لذلك لم يكن بمقدوره إنهاء التفاوض، حتى ولو قبل الفلسطينيون بما عرضه عليه.

 

بل ولم يتورع خطاب نتنياهو عن الكذب بأن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات رفض السلام عام 2000 وقام بشن هجوم على "إسرائيل" راح ضحيته عدة آلاف من الإسرائيليين ، ما دعا رئيس الوزراء التركي للرد علي هذه الكذبة مطالبا نتنياهو أن يذكر للعالم من هم هؤلاء الالاف الذين قتلهم الفلسطينيين من الاسرائيليين ، وأن يذكر بالمقابل كم قتلتهم ألة القتل الصهيونية من الفلسطينيين !؟.

محاولات نتنياهو لارتداء مسوح التماسيح والتظاهر بالضعف أمام العالم في خطابه ، وإظهاره الفلسطينيين والمسلمين علي العكس وكأنهم تمساح يفتح فكيه ليلتهم اليهود ، كانت محاولة ساذجة رخيصة ومع هذا فقد وجد من يصفق له ، ولم يقل له أحد أنه يكذب .. لأن كبيرهم أوباما مارس نفس الكذب قبله بدقائق وعلي نفس المنصة الدولية وأظهر الصهاينة علي أنهم حمامات سلام تجلس في بيتها الذي سرقته من الفلسطينيين في هدوء وسكينة ولكن أصحاب المنزل يريدون إخراجها منه .. وتعمد نتانياهو تشويه التاريخ وإظهار المسلمين على أنهم أعداء السلام وبالتالي يتعين فصلهم عن العالم وخاصة عن اليهود !!.

 

ولأنه يدرك أن أي قرار للأمم المتحدة بضم فلسطين لعضويتها – ولو بعضوية مراقبة لا كاملة لو استخدم الأمريكان الفيتو – لن يكون له قيمة مثل باقي قرارات الأمم المتحدة ضد اسرائيل ، فقد سعي نتنياهو لإهانة الأمم المتحدة في عقر دارها قائلا أن السلام لن يمر من خلال القرارات الصادرة – وما أكثرها- عن الأمم المتحدة، بل عبر المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين و"إسرائيل" .

لقد كشف أوباما تحيز وعدم أخلاقية السياسة الأمريكية في خطابه أمام الأمم المتحدة وبدلا من أن يصر علي ما قاله في خطابه السابق (سبتمبر 2010) من أنه يتنمي وجود الفلسطينيين في المنطقة الدولية العام المقبل (2011 الحالي) راح يكفر عن هذه الكلمة ويدافع بشراسة ونفاق لم يقدر عليها نتنياهو .. فظهر أوباما كحليف "لإسرائيل" لا كوسيط في دبلوماسية السلام .

 

وقد لخص  جيمس زغبي رئيس المعهد العربي الأمريكي تداعيات الموقف الذي أتخذه الرئيس أوباما ضد الدولة الفلسطينية في خطابه في الأمم المتحدة وانحيازه التام لإسرائيل بقوله أنه سيضر بمصالح الولايات المتحدة والدول الغربية في منطقة الشرق الأوسط ، كما أنه لن يجلب "لإسرائيل" الأمن ولا الاستقرار .

ولكن ما لم يقله أحد هو أن أوباما ونتنياهو بتشددهما واستمرارهما في الكذب نسيا أن خصمهما تغير ، وأن العالم العربي اليوم ليس هو العالم العربي الذي صمت 63 عاما علي أكاذيبهم وجرائم النكبة واحتلال فلسطين .. فالشعوب العربية قامت بثوراتها لتستعيد كرامتها المهدرة علي أيدي حكامها الظلمة الديكتاتوريين وعلي ايدي هؤلاء الزعماء في أمريكا و"إسرائيل" وتضع وجوههم في التراب .

 

ما لم يدركه هؤلاء الكاذبين والقتلة أن اللعبة تغيرت وأنهم بدلا من أن يدوروا مع التغيير الذي تشهده المنطقة يحاولون إرجاع عقارب الساعة الي الوراء عشرات السنين .. وربما هي حكمة الخالق في المد للظالم والغشاوة علي عينيه حتي إذا ما أخذه لن يفلته .. فرب ضارة نافعة ورب خطاب كاذب لأوباما ونتنياهو يكون له مفعول السحر في تحريك الشعوب العربية وفلسطين الغاضبة فنشهد ثورة شعبية فلسطيني أو أنتفاضة ثالثة لا تبقي لاسرائيل أمنا ولا وجودا تشاندها الشعوب بل والجيوش العربية بعدما تحررت الارادة العربية .