المعارضة الوطنية؟!
24 شوال 1432
منذر الأسعد

يجب علينا ابتداء أن نعذر الإعلام العربي الشريف عندما تفوته نقاط يجدر تسليط الضوء عليها في متابعته اليومية لملف الثورة السورية، مهما كانت تلك النقاط حيوية ومهمة!!

 

والسبب وراء التماسنا العذر للإعلام العربي الموضوعي، يكمن في طبيعة النظام السوري والتي أنتجت إعلاماً تفوق في الكذب على سائر تجارب التضليل الإعلامية المعاصرة. إذ يمكننا الجزم بلا أي مبالغة أنه أول إعلام يكذب باستمرار، الأمر الذي يجعل من مهمة تتبع أكاذيبه عملية شاقة فيضطر المراقبون إلى اختيار مسائل وتجاوز أخرى لأن الإحاطة بكميات التضليل الأسدية شبه مستحيلة.

 

وسأعرض هنا  شاهداً لا يمكن دحضه، للتمثيل على دقة الملاحظة التي سقتها من واقع معاناة مهنية  مع إعلام مسيلمة الجديد.

ففي خطاب الدجل الأسدي منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية السورية ضد النظام، جرى التركيز على اختلاق خرافة العصابات المسلحة-وإن مرت الخرافة بمراحل اختلفت فيها الأسماء لضرورات تضليلية وبسبب تهافت الأسطورة الرسمية-، لكن الإصرار على تصوير الثورة على أنها تمرد مسلح يقوده إرهابيون هبطوا فجأة من الفضاء الخارجي، اصطدم بعجز النظام عن تقديم لقطة مصورة واحدة تثبت تبادلاً لإطلاق النار بين عصاباته العسكرية والاستخبارية!!

 

ثم تناقضت الأسطورة مع الشعارات الوطنية الجلية التي يرددها المحتجون أو يسطرونها في لافتاتهم، وكذلك بوجود أسماء لامعة لا يستطيع مسيلمة الألفية الميلادية الثالثة أن يصفهم  بأنهم سلفيون، مثل المسيحي ميشال كيلو والدرزية منتهى سلطان الأطرش والعلوي عارف دليلة....

 

هنالك اضطر النظام إلى تقسيم المعارضة السورية إلى وطنية في الداخل وعميلة للغرب ومشاريعه وهي تعيش في الخارج مكرهة لأن النظام هجّرها بل إنه دأب على ترهيبها ومطاردتها في شتاتها القسري!!

 

وهنا يستحضر الذهن تلقائياً، أبيات أبي العلاء المعري الشهيرة:

إذا عيّر الطائيَّ بالبخل مادرٌ *** وعيّر قُسّاً بالفهاهة باقلُ
وقال السهى للشمس: أنتِ ضئيلةٌ *** وقال الدجى للصبح: ضوؤك حائل
فيا موتُ  زُرْ إن الحياة ذميمةٌٌ *** ويا نفسُ جِدّي إن دهركِ هازل

 

فالمفارقة المذهلة أن الخائن أباً عن جَدٍّ بالأدلة القطعية يوزع نياشين الشرف على أشباهه  ونعوت العمالة على كل من يجرؤ على قول: لا!!

 

المهم أن النظام الدموي الفظيع وجد نفسه مجبراً على القبول بإطلاق صفة الوطنية على نفر من معارضي الداخل الذين سجنهم سنوات طويلة-ربما لتأكده من وطنيتهم!!-. كما اضطر النظام في أثناء مسرحية حواره المهزلة إلى دعوة بعض من هؤلاء لتزيين صفحاته السود، لكنهم قاطعوا حواره البائس!!

 

الملاحظة التي تنبهتُ إليها مؤخراً خلال متابعتي المضنية لأكاذيب النظام الأسدي الكذاب، هي  أن إعلامه الدجال لا يتيح لأي معارض "وطني" أن يظهر على مصنع الزيف (تلفازه)  أو يكتب في صحفه الصفراء، ولو أن ذلك لو حصل له فوائد كثيرة لمحاولة الضحك على الحمقى والمغفلين!! فلماذا لا يفعل بالرغم من وجود مصلحة أكيدة له، وليس هنالك خسارة ولا مغامرة، فالصحف لا تنشر إلا ما يلائمه، وفي التلفزة يمكن تسجيل اللقاءات ليجري تنقيحها بحسب أوامر ضباط القمع في استخباراته، بالحذف والبتر!!

 

ليس عندي تفسير مقنع لي فكيف بإقناع القارئ الكريم؟
والتفسير الوحيد الذي أظنه يقبل محاولة الإقناع، هو أن النظام لا تطاوعه نفسه على فعل ذلك مهما جلب له من المنافع، لأن الطبع يغلب التطبع..

غير أنني أقدم هذه الملاحظة إلى مذيعي الأخبار والبرامج المباشرة لكي يوجهوا أسئلة حولها لأبواق النظام، حتى يضطروا إلى الهياج الذي يزيد من تعريتهم وتعرية نظامهم الصفيق.