اختلال الميزان بين الموقف الرسمي والموقف الشعبي
20 شوال 1432
حمزة إسماعيل أبو شنب

خلال أسبوع تلقت دولة الكيان الصهيوني صفعتين في علاقاتها مع أقوى حلفائها السابقين، أولها صفعة الحكومة التركية والتي كانت بمثابة دولة التحالف الاستراتيجي معه في شتى المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية ، فوضعت الكيان في حالة ذهول من سرعة وقوة المواقف التركية تجاه دولة الكيان منذ الهجوم "الإسرائيلي" على سفينة مرمرة التركية .

 

أما الصفعة الثانية فكانت من الجارة والصديقة الحميمة مصر، و كان الهجوم على السفارة "الإسرائيلية" وهروب السفير منها وإتلاف جزء من السفارة وإلقاء وثائقها في الشارع ، ليتسنى للمواطن المصري المعادي لدولة الكيان أن يشاهد ماذا تفعل السفارة الصهيونية في مصر، وما هي نشاطاتها السلمية كما يقول رئيس وزرائها .

 

خلال هاتين الصفعتين القويتين شاهدنا مدى التخبط لدى دولة الكيان الصهيوني وشاهدنا أيضاً كيفية إدارة العلاقات بين الدول ، ولعل أبرز ما برز في الحادثتين أولاً على الصعيد التركي أن ما جرى كان بقرار رئاسي وحكومي من القيادة التركية، فأصبح هناك صلابة في الموقف وقوة من قبل القيادة التركية ؛ لأنها اتخذت قرارها بإسناد شعبي كبير وداعم لهذه الخطوة ، حيث أن من اتخذ القرار جاء أيضاً بإسناد شعبي وبإرادة منه ، فكان يأخذ قراراته بكل ثقة رغم عمق العلاقات السابقة بين البلدين ليس فقط على الصعيد الرسمي بل كانت أيضاً على الصعيد الشعبي .

 

أما على الصعيد المصري فكانت الهبة جماهيرية بحتة حيث لم يطبع الشعب المصري مع دولة الكيان منذ توقيع اتفاق كامب ديفيد قبل 35 عاماً ، وبقي يعتبر أن دولة الكيان هي دولة معادية للأمة العربية والإسلامية قاتلة للمصرين ، في حين كان الموقف الرسمي للأسف مخيب لآمال الشعب في حالة يختل فيها الميزان بين إرادة الشعب والموقف الرسمي المهادن لأبعد من المرجو بكثير، بالرغم من الاعتداء على الجنود المصريين في سيناء وقتل على إثرها خمسة جنود مصريين .

 

القيادة المصرية الحالية غير منتخبة ولم تأتِ بإرادة شعبية بل جاءت لتشكل مرحلة انتقالية ، ولكن للأسف مازالت هذه القيادة تعيش جو النظام البائد فلا تقدم على صعيد الملفات الخارجية ، وأن شرعية حكومة عصام شرف التي أخذها من ميدان التحرير لم تفعل ما هو مطلوب منها على الصعيد الخارجي ، ولم تقدم شيء يقنع الثائرين ، بل ذهبت لتضع الحواجز لحماية سفارة الكيان لأنها تعرف بأن الإرادة الشعبية ترفض وجود السفارة في القاهرة .

 

فهنا الفرق الواضح بين من يحكم بما يريد الشعب لأنه جاء بإرادة الشعب وبين من يحكم تحت الضغوط الخارجية والتأثيرات المحيطة والخوف من المخاطر، فمتى سنصبح نحكم بقوة إرادتنا ولا نصغي للضغوط أو التفكير بالمخاطر الخارجية ؟     

 

في هذه الأجواء المشحونة تجاه دولة الكيان والأسباب التي دفعت إلى اتخاذ هذه الخطوات ، كانت القوة الغربية وعلى رأسها أمريكا تعرب عن الانزعاج الشديد وتتدخل في الأزمة بشكل شخصي ، لحث القيادة المصرية على حماية السفارة من خلال اتصال هاتفي لم يسمع به الشارع المصري يوم أن قتل الجنود المصريين ، وهذه رسالة كافية للقيادة المصرية بأن التحيز الأمريكي والغربي لدولة الكيان أعمى ولا يعرف مبررات ، ولعل من شرع حصار غزة وقتل أبناء شعبه من أجل أن يرضي دولة الكيان لم يكن يوماً يفكر في مصالحة مصر والشعب المصري بقدر ما يفكر في حماية هذه الدولة السرطانية في الجسد العربي .

 

المطلوب اليوم من القيادة المصرية أن تحذو خطوات تركيا بل وأن تكون أكثر قوة وحزم مع دولة الاحتلال ، والالتفات للمطالب الشعبية ورفع الحصار عن غزة ، والتنسيق مع الدول العربية والإسلامية وأن تتحرر من عقلية الخوف والحسابات الزائدة عن اللازم ، وهذه دعوة أيضاً لبعض الدعاة الإسلاميين الذين تحدثوا عن اتفاقية كامب ديفيد وصعوبة الإلغاء ، ولتكن التجربة الفلسطينية في قطاع غزة هي عنوان لكم .