الحالمون بالحماية الدولية في سوريا
15 شوال 1432
أمير سعيد

[email protected]
جميعنا يشعر بالقهر إزاء تكالب العالم كله ضد الشعب السوري المهيض، والبعض في الداخل تعلق بقشة الحماية الدولية فانتشرت عبارات الاستغاثة بـ"المجتمع الدولي"، وهي استغاثة رغم تفهم بواعثها إلا أنها تحرف الثورة السورية النقية عن خطها وتكدر صفوها.. حال الثورة كان أفضل قبل أسابيع عندما كانت الاستغاثة بالله وحده..

 

دعونا نفترض جدلاً أن الاستغاثة بالغرب واجبة الآن مع وجود هذا المسلخ الأسدي، لكن أتراها ستتحقق؟! قبل ثماني سنوات كانت قوات بوش على تخوم سوريا بعد أن فرغت من صدام وجنوده.. ساعتها كانت الاتهامات الأمريكية توجه لسوريا بأنها داعمة للمقاومة العراقية والفلسطينية، وبأنها أحد أركان محور الشر، وقد تناثرت التقارير هنا وهناك بالوتيرة ذاتها التي أعملت فيها الاستخبارات الأمريكية أقصى درجات التهويل والترهيب من نظام صدام، وضخمت في تلك الأثناء المعلومات عن امتلاك نظام بشار الأسد منظومة صواريخ متقدمة يمكن أن تطال "إسرائيل" و"عمقها الاستراتيجي".. لعلكم تذكرون كم وضع الكثيرون وقتها أيديهم على قلوبهم خشية حصول غزو أمريكي لسوريا يعقب غزوها لأفغانستان والعراق، وكان السائد حينها لدى العديد من المحللين الغربيين والعرب ترجيح ذلك استناداً إلى أكذوبة "الأسد الجريح" التي ظل الإعلام الأمريكي يطلقها على أمريكا ما بعد 11 سبتمبر، ولاعتبار أن ثمة ما يدعو إلى إزالة النظام السوري وتغيير سياسة دمشق المختلفة عما دُعي وقتها بمحور أو دول الاعتدال العربية، غير أن قناعة قليلين بأن نظام دمشق الاستثنائي والطارئ في المنطقة الحية والمقاومة للغزاة ـ أعني الشام ـ التي كانت لا ترضى أبداً بلعب هذا الدور الرخيص الذي يفعله نظام بشار، كانت راسخة بأن هذا النظام مثالي للكيان الصهيوني ولواشنطن، لذا فقد كتبت يومها (في مقال بعنوان سلام عليك يا سورية 16/10/2003) قائلاً: "لا ترضى الولايات المتحدة والكيان الصهيوني التخلي عن مزية تولي الأقلية العلوية مقاليد الحكم في سورية, وبالتالي فإن الإقدام على عدوان قوي على سورية قد يؤدي إلى انفلات الزمام من أيدي العلويين؛ ما قد يعرضهم للرحيل تحت طائلة ثورة شعبية سنية لن تكون أقرب للصهاينة من نظام بشار بالتأكيد". وقد كانت هذه الثورة بعد ثماني سنوات بالفعل، والأمريكيون والأوربيون والصهاينة منها حذرون، وعليها متآمرون.

 

إن الالتجاء إلى هؤلاء هو محض ذهول عن تآمر هؤلاء على أهل سوريا، وإلا لما تمالؤوا عليها لنحو نصف قرن دعماً لهذا الحكم الموالي لهم، والذي يجسد دورهم في المنطقة إبان فترات "الاستعمار" المباشرة والواضحة، وهو تجاهل لأهمية سوريا كرمانة ميزان في الشرق العربي كله، ورقم لا يستهان به إلى جوار الكيان الصهيوني الغاصب، بل يحق أن نقول بأن بقاء "إسرائيل" ذاتها هو رهين ببقاء نظام الأسد وعصابته، وعليه فلا يمكن تصديق أي رغبة أوروبية أو غربية في إزالة هذا النظام، وإنما ما يمكن تقبله عقلياً فقط هو أنه قد تقبل هذه العواصم إعادة تدوير هذا النظام فحسب ولو تمت التضحية بدمية نظام الأقلية في دمشق رغبة في تثبيت فريق آخر منه في الحكم أسوة بمحاولات غربية في دول عربية أخرى رضيت تلك العواصم أن يزال رأس النظام طمعاً في تبييض وإطالة أمد ما يتبقى من تلك الأنظمة.
ولذا؛ فإن حركة الضغوط الغربية البطيئة جداً وعديمة الفعالية لا تتأخر فحسب عن هذا الثورة الممتدة نسبياً لأكثر من ستة أشهر، وإنما تكاد تكون خلف مواقف الثوار بخطوات تجعلها غير ذات جدوى بالمرة، فمثلاً بعد شهور طويلة من نصب المسلخ الأسدي أتت ضغوط النفط الهزيلة على دمشق مع استبعاد أي تلويح ـ مجرد تلويح ـ بإمكانية استخدام القوة.

 

(قارنوا بانتفاض الغرب مع تحرك الجيش السوداني في آبيي لقتال مجموعات متمردة حقيقية بالفعل تنتمي للجنوب العلماني وغير المسلم بعد ساعات فقط من حدوث المناوشات العسكرية، ولا أقول انظروا إلى استيقاظ أوباما من نومه بعد أقل من ساعة من اقتحام شقة مجاورة للسفارة الصهيونية في القاهرة فهذا أمر مفهوم في ظل العلاقة الصهيوأمريكية).
جاءت ضغوط النفط لتكشف هزالة هذه الضغوط، لأنها بكل بساطة لا تنسحب قرارات حظرها على  الشركات المستوردة للنفط السوري، ولا تضمن عدم تصدير النفط والغاز السوري إلى دول أخرى بخلاف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كما أن حظر تصدير النفط والغاز السوري لا يمس إلا العقود التي تبدأ في منتصف نوفمبر القادم، ما يجعلنا نؤمن بأن الضغط الاقتصادي الذي يمارسه الثوار بأنفسهم أشد أثراً من تلك التي تدعي الدول الغربية الحليفة أنها تمارسه على دمشق.

 

هذا، ناهيكم عن فضائح اللجان الحقوقية والصليب الأحمر التي زارت سوريا مؤخراً، والتي لم ينزل بعض أفرادها من سياراتهم، وابتلعوا عامدين حيل دمشق الطريفة بتبديل أسماء الشوارع والأحياء المضطهدة وسَوق سيارات الوفود باتجاه المناطق ذات الغالبية العلوية! كما إخراج المعتقلين ووضعهم في المدارس والملاعب الرياضية، وسحب عناصر الصليب الأحمر إلى بعض المعتقلات الفارغة، وتبديل العسكريين والأمنيين المحاصرين لبعض الشوارع ملابسهم بأخرى مدنية للتعمية على اللجان العمياوات!

 

وعندما تطمئن أكثر الدول حماسة ـ ظاهرياً ـ للضغط على دمشق، وهي فرنسا على لسان وزير خارجيتها بأن لا مجال للتدخل العسكري في سوريا، والجميع يعلم يقيناً أن إيران و"حزب الله" منخرطان في عمل عسكري ضد الشعب السوري الأعزل؛ فإن الرسالة التي تصل إلى النظام الصهيوني في دمشق هي أن بوسعك أن تستمر في نصب المسالخ لكن بلا ضجيج عالٍ.

 

قطعاً، نحن ندرك أن طلب الحماية الدولية من قبل بعض جموع الثوار لا تعني طلب التدخل العسكري، كما أن في أدبياتهم لا يعني تشجيع الانشقاقات في الجيش السوري الذي يحمل أكبر عار في تاريخ الجيوش العربية برمتها، على مدى التاريخ الحديث كله لا يعني "عسكرة الثورة" ولا حث المدنيين على حمل السلاح، هذا كله متفهم، لكن مجرد التعلق بمطلب الحماية هو حرف بالقضية عن المسار مهما كانت البواعث اضطرارية ومتفهمة، لا من حيث المبدأ وحده، بل أيضاً وفقاً للتقدير السياسي الذي أثبت بلا كلل أن النظام الفاشي في سوريا هو أقرب نظام للغرب في المنطقة بعد "إسرائيل"، بل هو الأقرب أيضاً إلى قلب "إسرائيل"، وأن هؤلاء لو تدخلوا فلمصلحته، وإن رأوا أن الثقل في كفة الثورة سيعملون على حرفها عن مسارها ولو تذرعوا بإسقاط نظام بشار لأنهم سيدعمون تغييراً وتدويراً للنظام ليس إلا..
مع ذلك كله، فالأمل قائم وكبير، لكن ـ بعد الله ـ في تلك الجموع المخلصة، ونؤمن بأن بشار ساقط حقيقة.. لأنه ساقط.