3 محرم 1433

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وفقكم الله وسددكم..
أنا شاب عمري 23 سنة، طالب بالجامعة خطبت ابنة خالي، وقد طالت فترة الملكة بسبب أن الفتاة تدرس في جامعة الملك سعود، وبصراحة أني أعاني الكثير خلال هذه الفترة، أصبحت فترة الملكة لا تطاق، لعدة أسباب:
أولاً: طول فترة الملكة، فهي تزيد عن السنة والنصف.
ثانياً: الفتاة تدرس في الرياض، وأنا أدرس في أبها، فبُعد المسافة يؤرقني كثيراً، ويزيد من أوجاعي.
ثالثاً: غيرتي عليها، وقد زاد الطين بلة هو سفرها مع أهلها إلى دبي، الفتاة ديِّنة ومحافظة، وكذلك بيتها، ولكني أخاف عليها.
وبصراحة، لقد أصبحت في دوامة لا تنتهي من الحالة النفسية السيئة، الفتن تعصف بي ليل نهار، وأرى زوجتي ولا أستطيع الزواج بها مع أن وضعي المادي جيد، فالوالد أعطاني دوراً كاملاً أسكن فيه وأعطاني كذلك راتباً شهرياً، ولكن لا تزال النقاط التي سبق وذكرتها في الأعلى تمثل لي عبئاً نفسياً كبيراً، ولا أخفيك، أخشى أن تؤثر على تحصيلي الدراسي.
أفيدوني جزاكم الله خيراً.

أجاب عنها:
خالد عبداللطيف

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبارك الله لك أخي الكريم ولزوجك وبارك عليكما وجمع بينكما في خير، وشكر الله ثقتك في موقع المسلم.
مشكلتك أخي المبارك تتلخص في معاناتك من طول فترة الملكة (العقد) مع بُعد المسافة بين ديارك وديار شريكة درب المستقبل، إضافة إلى خوفك عليها من فتن طارئة (مثل سفرها برفقة عائلتها إلى دبي).
وفي المقابل أجد في ثنايا كلامك خيرا كثيرا وبشارات مؤنسة؛ فالأسرة والفتاة من أهل الخير والصلاح، وتخرّجكما (أنت ورفيقة الدرب) وشيك، والبيت قد يسّره الله جل وعلا لك على يد أبيك الفاضل، جزاه الله خيرا، إضافة إلى راتب شهري، فبارك الله لك في ذلك كله وزادك من فضله.
فلا تحزن أخي ولا تبتئس، وانظر إلى من هو أسفل منك:
من راغبين في العفاف لا يملكون دينارا ولا درهما، والله واسع عليم!
أو على النقيض: عازفين عن العفاف مع قدرتهم عليه، مستبدلين الخبيث بالطيب! أو آخرين لا يقيمون في زواجهم للدين والصلاح رأسا، ولا يشغلهم ما يشغلك؛ فالحمد لله الذي منّ عليك بابتغاء الصلاح في بيتك وحياتك: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس/58].
أخي المبارك:
وأما ما تحس به من معاناة نفسية بين جوانحك؛ فاستعن أخي بالله ولا تعجز، وأتمنى عليك أن يكون أول ما تبدأ به – عقب هذا التواصل الكريم - أن تسبغ الوضوء وتصلي في خلوة ركعتين لله جل وعلا، تسأله في سجودهما وقبل السلام، أن يتم عليك نعمته، وليكن لسان حالك في انكسار: "اللهم قد أنعمت علي بالزوجة الصالحة والنسب الطيب والعون الكريم، وفضلتني على كثير ممن خلق تفضيلا؛ فلك الحمد... اللهم أتم نعمتك عليّ وعلى زوجتي، وفرّج عني ما أهمني..." إلى آخر ما يفتح الله به على قلبك.
واعلم أن مقام الانكسار والانطراح بين يدي الله تعالى – كما ذكر ابن القيم رحمه الله – من أفضل مقامات العبد، وأعجب أسباب حب الرب لعبده، وحب العبد لربه؛ فهذا مع تحري آداب الدعاء وأسباب الإجابة، لا يكاد يرد بإذن الله الرحمن المنّان.
وقد كان فاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يحمل هم الإجابة، وإنما يحمل هم الدعاء، ويقول: "إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه".
وقد بدأت بهذه التذكرة؛ لأني أري بين سطورك الكريمة ملامح شاب عليه سمت الصلاح والعبودية؛ فالذكرى تنفعه وتوقظه لما قد يسهو عنه خاطره؛ فالدعاء يدفع البلاء بإذن رب الأرض والسماء.
ثم أنتقل معك إلى ما يؤرقك من سفرها إلى دبي مع أهلها؛ فأفترض من ظاهر رسالتك أنه سفر طارئ لأسرة محافظة، وليس بحال كأسفار اللاهين العابثين، وأقول لك: إن من حقك كزوج أن تطمئن إلى ظروف هذا السفر، ولكن بحكمة وتلطف، فإذا لم تجد ريبة – وهذا المأمول بإذن الله – فادع الله أن يحفظ الجميع من الفتن، وأوص فتاتك بوصايا تجمع بين الحنان والمودة وبين الموعظة الحسنة؛ ثم ليكن بينكما تواصل في هذه الفترة بالهاتف ونحوه أوسع بعض الشيء من تواصلكما المعتاد.
ولكن احذر أخي في حديثك مع من اخترتها زوجة من لهجة ارتياب تؤذي بها قلب فتاتك، ولتلفّ مشاعر القلق بكلمات المحب الرفيق المشفق على محبوبته.
ثم تبقى بعد ذلك وسائل كثيرة بين يديك من شأنها أن تخفف – بإذن الله تعالى – من معاناتك النفسية، في انتظار اليوم المرتقب؛ يوم الزفاف والانتقال مع شريكتك إلى بيت المستقبل.
ولا شك في أن حصول الملكة (العقد الشرعي) يتيح لكما من سبل التواصل خيرا كثيرا حلالا مباركا بإذن الله، مما يربط الله به على قلبك وقلب زوجك، ويصبّركما على ما تبقى من مدة الدراسة، ويخفف وطأة بُعد المسافات وتنائي الديار.
فاجتهد أن تجعل من المهاتفات ورسائل الجوال ونحوها رسولا بينكما بالحب والمودة، إلى غيرها من صور التواصل الجميلة المؤثرة، والهدايا المنتقاة، التي من شأنها الإشباع العاطفي وتخفيف المعاناة عنكما.
وقد أكد خبراء علم النفس أن ملء الفراغ وإشباع العاطفة من أهم السبل التي تعين على الثقة والاطمئنان، وعدم الجنوح إلى مسارب الانحراف؛ فالمرأة إذا أحست الحب الصادق والتقدير والاحترام من شريك حياتها؛ كان ذلك من أقوى دوافعها - ودوافعه كذلك - للثبات على الخير والعفاف بإذن الله.
وخلاصة القول أخي الحبيب:
انظر إلى نصف الكوب الممتلئ، ولا تحصر نظرتك في النصف الفارغ!
فبين يديك تيسير وخير كثير، وما تؤمّله وتترقبه قريب المنال بإذن الكريم القدير.
واجعل من حُسن التواصل تخفيفا من بُعد المنازل؛ وتعاهد شجرة المودة الزوجية بالسقيا والرعاية.
واستجلب تفريج همّك بشكر ربك؛ فالنعم تزيد بالشكر!
وانتظر تهانينا وتبريكاتنا قريبا حين تخبرنا بموعد زفافك!
يسر الله أمرك ووفقك وزوجك لما يحب ويرضى، وبارك لكما وعليكما وجمع بينكما في خير.