طفل الإبتدائي وطرق تربيته عمليًا (2)
5 شوال 1432
معتز شاهين

أولاً: التربية الإيمانية
 
 
تبدأ التربية الايمانية للطفل منذ الصغر وتكون على شكل تقديم نماذج يراها الطفل ويقلدها، أما في تلك المرحلة – مرحلة الطفولة المتأخرة 6 : 12 سنة –؛ سنعمل على توصيل المعاني المجردة للطفل، لأن نموه العقلي الآن يسمح بتشرب مثل تلك المعاني والمبادئ الإيمانية المجردة، بل ويعمل عقل طفل تلك المرحلة على صف تلك القيم والمعاني في مصفوفة قيم يبدء في اعتناقها والدفاع عنها.
 
ويمكن تقسيم التربية الإيمانية إلى جانبيين:
 
 
أولاً: الجانب العقائدي
والعقيدة تزرع في النفس مع نشوئها، قال – صلى الله عليه وسلم – ( كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه.. ) صحيح البخاري، وكل ما يحتاجه الطفل هو استثارة تلك الفطرة ليحفظها حفظاً ويشب عليها شيئاً فشيئًا.
 
وسنهتم هنا بعدة نقاط وهي:
1-    زرع حب الله تعالى ومراقبته.
2-    الإيمان بالقضاء والقدر.
3-    حب النبي – صلى الله عليه وسلم –
4-    قراءة القرآن وحفظه
5-    تربية الثبات على العقيدة، والتضحية من أجلها.
 
1- زرع حب الله تعالى ومراقبته:
يبدأ المربي في زرع حب الله تعالى عمليًا في قلب الطفل بالخطوات التالية:
أ‌-   إيقاظ الفطرة : وتكون باستغلال المربي للفرص المناسبة وخلواته مع الطفل ( في نزهة أو حديقة ... )، كما فعلها الرسول – صلى الله عليه وسلم – مع " ابن عباس" – رضى الله عنهما – عندما كان رديفه على الدابة وعلمه كلمات نافعات له، فيوجه المربي نظر الطفل إلى السماء والكواكب والحيوانات وغيرها من الموجودات، وسيجد الطفل ينهال عليه بسيل من الأسئلة عن خالق تلك الموجودات؟ وكيف خلقها؟ ولماذا؟ ويجب على المربي الاجابة عن كافة تساؤلات الطفل بأجوبة مقنعة تحترم عقل الطفل ولاتسفه منه.
ب‌-  التعرف بنعم الله: إن الانسان يميل بطبعه إلى حب من يكرمه ويحسن إليه، فكل ما على المربي فعله هو أن يوضح للطفل كيف أن الله قد كرم بني آدم عن كل الموجودات وفضله عليهم بالعقل ونعمة التفكير، وكذلك يبين له إحسان الله إلى البشر ونعمه الكثيرة علينا، وفي كل جانب من جنبات هذا الكون سيجد المربي الأمثلة الكثيرة التي تدلل على ما يقوله.
ت‌-  بيان عملي لزرع مراقبة الله في نفس الطفل: لنأخذ ما فعله التابعي الجليل " محمد بن سوار " مع أبن أخته " سهل بن عبد الله التستري " عندما كان " سهل " طفل عنده ثلاث سنوات وقام من نومه فوجد خاله يصلي ، فقال له ( ألا تذكر الله الذي خلقك ؟ فقلت له : كيف أذكره ؟ قال : قل بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات من غير ان تحرك به لسانك (( الله معي ، الله ناظري ، الله شاهدي ))، فقلتها لليالي خلت ثم أخبرته فقال لي : قلها سبع ، ففعلت ثم أخبرته ، قال لي : قلها أحدى عشر مرة قبل نومك ، فقلتها ودومت على ذلك سنة كاملة ، فوقع في قلبي حلاوة ، ثم قال لي خالي يوما : يا سهل من كان الله معه ، وناظرًا إليه وشاهده ، أيعصيه ؟! إياك والمعصية ).
 
 
2- الإيمان بالقضاء والقدر:
الأصل هو تجنب الخوض في مسألة القضاء والقدر مع الطفل في تلك المرحلة، لأن هذه مشكلة حارت فيها عقول الجهابذة والعلماء، والصحيح الذي يجب اعتقاده وتوصيله للطفل والإيمان به هو ( أن الإسلام يثبت قضاء الله وقدره، وسيطرة الله مع علمه السابق على كل شيء، خلقًا وتدبيرًا وتنظيمًا، مع إثبات حرية الإنسان، ومسئوليته التامة عن أفعاله الاختيارية، واستحقاقه للثواب أو العقاب عليها ).
 
ولكن إذا شغلت هذه المسألة عقل الطفل وسيطرت عليه، فيجب على المربي أن يوضحها للطفل دون لبس وبصورة مبسطة يدركها عقله، فمثلاً لو سألنا طفل ( إذا كان الله قد كتب في الأزل أن منا من سيخطىء ويضل، فلماذا يعاقبنا؟ )، مسألة ( الجبر والاختيار).
بطريقة عملية يحضر المربي كوبا من الزجاج ويقول للطفل: هل تستطيع أن تلقي هذا الكوب على الأرض لتكسره؟ سيجيب الطفل: بالطبع أقدر، فيبادره المربي متسائلاً: وماذا يمنعك؟ فيرد الطفل: هذا خطأ ولا ينبغي فعله. فيعلق المربي قائلاً: إن الله – عز وجل – علم في الأزل أنك لن تكسر هذا الكوب لأنك ولد طيب، وعلم أيضًا في الأزل أن الولد الشقي سيكسر هذا الكوب، فهل منعك أحد من إلقاء هذا الكوب على الأرض؟ أو هل أجبر أحد الطفل الشقي على كسر الكوب؟ .. فهكذا تكون الهداية والضلال.
 

3- حب النبي – صلى الله عليه وسلم –:
إذا عرف الطفل سيرة الرسول الكريم وخلقه ورحمته بالأطفال، رق قلبه وصار أسيرًا في حب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، ولزرع ذلك الجانب عمليًا يمكن للمربي عمل مسابقات في حفظ أحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، بحيث تكون تلك الأحاديث قصيرة وواضحة المعاني ومتضمنة لبعض الأخلاق المهمة في تلك المرحلة.
 

4- قراءة القرآن وحفظه:
لابد من تبسيط أمر حفظ القرآن على الطفل في بدايته حتى يصير هذا الأمر محببًا له، فيمكن للمربي إعطاء حوافز مادية ( هدايا كثيرة لحفظ قليل )، مع الأخذ في الاعتبار البدء بالحفظ من جزء ( عم ) لأنه سهل ولا تضيق به نفس الطفل، وكذلك يمتاز بأن فواصله قصيرة وتأتي على حرف واحد، مما يسهل رسوخه في ذهن الطفل.
 
5- تربية الثبات على العقيدة، والتضحية من أجلها:
وهو نتاج طبيعي لما سبق كله، فإذا نجح المربي في ترسيخ حب الله تعالى ومراقبته، وحب النبي – صلى الله عليه وسلم -، والإيمان بالقضاء والقدر، وحفظ القرآن، فلن يجد الطفل بدًا عندما يكبر في التضحية في سبيل ما يعتقده ويؤمن به.
 
 
ثانيًا: الجانب العبادي
تأتي العبادة مكملة للعقيدة، فالعبادة ترجمة واقعية وانعكاس وتجسيد للعقائد، ( فلكي يظل غرس العقيدة قويًا في النفس، يجب أن يسقى بماء العبادة ). وهنا سنركز على بعض العبادات المهمة – وكلها مهم - في تلك المرحلة ..
 

1- الصلاة:
قال – صلى الله عليه وسلم – : (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع ) صحيح ، وهنا تبدأ مرحلة التكليف ، وشعارنا هنا سيكون ( تحبيب الصلاة لأطفالنا، لا تعليم الصلاة لأطفالنا )، ويتم ذلك باتباع عدة خطوات كالتالي:

-    تبدأ تلك الخطوات في تعليم الوضوع للطفل، وتكون في البداية نظريًا، ويراعى أن تصاغ التعليمات في عبارات سهلة وواضحة، والأفضل ان تكون مدعمة بالصور وهذا متاح في تلك الأيام، ثم يقوم المربي بأداء الوضوء عمليًا أمام الأطفال أكثر من مرة حتى يتقنوه ويتأكد من اتقانهم له، ويستحب توفير الماء الدافئ في الشتاء، حتى لا ينفر الأطفال من الصلاة لهروبهم من الوضوء بماء بارد.
-    يجب على المربي إظهار السعادة للطفل اثناء استعداده للوضوء أو الصلاة، حتى تقترن الصلاة في عقل الطفل الباطن بمعاني السعادة والبهجة.
-         يمكن للمربي أن يجعل الصلاة أهم  حدث ديني واجتماعي وخلقي وتربوي في حياة الطفل من خلال ..
·   إعلام الطفل – قبل سن السابعة بقليل – بقرب موعد تكليفه بالصلاة وتشويقه للذهاب إلى الجامع بكلمات مثل ( لقد كبرت وستصلي )
·   عندما يتم الطفل السابعة ويبدأ بصلاة أول فرض له يعقد الوالدين حفة ولو بسيطة ويقدم هدية فيها للطفل بمناسبة بدأه للصلاة.
·        أن يأتي الأب أو الأم للطفل بملابس جديدة للصلاة.
-         يبدأ المربي بتوجيه الأوامر للطفل بصورة محببة بأن يقف في الصف
-    البعد عن النقد الشديد أو أسلوب التهديد والوعيد، فلابد من التعزيز الإيجابي وتشجيع الطفل حتى تصير الصلاة جزءًا من حياته.
-         ربط أوقات الصلاة بأشياء محببة إلى نفس الطفل ( نزهة بعد صلاة المغرب أو العشاء .. وهكذا )
-    بعد سن التاسعة يلاحط بصورة عامة تغير سلوك الأطفال تجاه الصلاة، وعدم التزامهم بها، وببساطة نقول أنها بداية طبيعية لمرحلة التمرد ورفض الانصياع للأوامر، وهنا لابد من التعامل بحكمة حتى لا ينفر الطفل من الصلاة نهائيًا ولا يعود إليها، والتركيز على التعزيز الإيجابي، والبعد عن العقاب لأنه قد فقد مكانته في تصحيح السلوك في تلك المرحلة.
-    الحرص ان يبتعد المربي عن السؤال المباشر للطفل حول أدائه للصلاة ( هل صليت العصر ؟ ... )، لأننا هنا نفرض على الطفل اللجوء للكذب للنجاة من العقاب سواء مادي أو معنوي الذي سيقع عليه جراء تركه للصلاة، والأفضل أن يًذكر الطفل بالصلاة على هيئة تنبيه وليس على هيئة سؤال، مثل ( العصر يا شباب .. )، وإذا لم يستجب الطفل يقف المربي ويقول بطريقة حازمة ( أنا في انتظار حدوث شيء ضروري، ولا بد أن يحدث قبل فوات آوانه ).
 

2- الصوم: 
وهنا لابد ان نوصل الطفل لمرحلة أن يتنفل في الصيام لا أن يصوم رمضان فقط ، فهو قد كبر ولابد أن يتعود على الصيام ، وذلك بالمكافآت والتعزيز الآيجابي أيضًا، وللصوم أهمية كبرى في تعليم الطفل الإخلاص لله – عز وجل – ومراقبته في السر ، وتعود الطفل على الصبر وتقوي إرادته.