أخطاء غير مقصودة في موائد رمضان
26 رمضان 1432
أميمة الجابر

لعلنا ندرك أن شهر رمضان يتميز بجو روحاني خاص تملؤه الفرحة فمن بدايته تتبادل الموائد والدعاوى وهذا باب ولاشك من أبواب الخير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن في الجنة غرفاَ يرى ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها ) قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال :(لمن أطعم الطعام و أطاب الكلام و صلي بالليل و الناس نيام )أخرجه أحمد و صححه الألباني .

 

لكن ما أجده أن بعض الناس يقومون بتقديم وجبات فاخرة في هذه الموائد و كأنه يقدم موائد "خمس نجوم" علي سبيل التباهي و التفاخر
و قد نجد الكثيرين يتبادلون العزائم ولاباس بذلك لكن بعد انتهاء الطعام تبدأ جلسة الدردشة و يتدرج الأمر شيئا فشيئا و تبدأ كثرة الثرثرة و كثرة الحديث و الكلام عن سيرة هذا وذاك وتنتهي بالوقوع في الغيبة , فهذه الموائد يجب أن تستغل كفرصة طيبة لإزالة الخلافات و الضغائن و تصفية النفوس و توطيد العلاقات ويجب أن يستغل ذلك التجمع علي طاعة الله سبحانه كصلاة قيام جماعية أو ذكر الله أو دعاء فبذلك تكون ليلة رمضانية بدأت بإطعام الطعام و انتهت بما يرضى الله تعالى .

 

وقد نجد أيضاَ في بعض العائلات أن الآباء و الأمهات يفضلون جمع أولادهم وزوجاتهم وأحفادهم كل يوم , وذلك في حد ذاته لا يعد من الأخطاء و لكن عند البعض لا تتوفر لديهم الخادمة فنجد الجهد الشديد الذي يقع علي هذه الزوجات فيقضين طوال شهر رمضان في الإنشغال والجهد مما يزيدهم إرهاقا فيصعب عليهم آخر الليل عبادة الله كما ينبغي من صلاة قيام وتهجد

 

كما نجد كثيرا من الناس يقومون بشراء المأكولات بكميات كبيرة مما يعد نوع من الإسراف وهذا يتنافى مع شهر رمضان المخصص للتقوى والتقليل من الطعام والشراب , لذلك فالاقتصاد في صنع الطعام مطلوب مع الاكتفاء بصنف من الطعام أو صنفين وعدم إعداد الأطعمة المعقدة التي تحتاج لوقت كبير لقوله صلى الله عليه وسلم " ما ملأ ابن ادم وعاء شر من بطنه بحسب ابن ادم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"

 

وقد نجد من يتفنن في الموائد ويقوم بإفطار الأصدقاء والأهل فتبذل الزوجة كل طاقتها لكي تخرج بعد هذه الوليمة بما يفرح زوجها ويشرفه أمام أصدقائه من إتقانها في إعداد ذلك الطعام ولكنها قد تقع في صدمة لخطأ غير مقصود من ذلك الزوج فتشعر أنها أخذت مكافأة سلبية!

 

وهذه رسالة جاءتنا من إحدى الزوجات تقول : قام احد أصدقاء زوجي بدعوتنا على طعام دعا فيه بعض أصدقائه وزوجاتهن وكنا نحن ممن دعانا فأعدت زوجته طعاما تبارك الله كان في غاية الإبداع وتفننت حتى في شكل تقديم الطعام فبعد الانتهاء من الطعام شكر الجميع لهذه الوليمة وعظم من شأنها , فأراد زوجي أن يقوم برد لهذه الدعوة ودعا الكل عندنا وفعلت قصارى جهدي في إعداد ذك الطعام وبعد الانتهاء من هذه الوليمة سألت زوجي ما رأيك في الطعام ؟ نظر لي بغضب ولم يتكلم كلمة واحدة!! فحزنت أنني لم استطيع أن اشرف زوجي أمام أصدقائه كما ينبغي ولكنني احتسبت جهدي عند الله سبحانه وتعالى .

 

أما الرسالة الأخرى تقول إحدى الزوجات : إنه في أول يوم في رمضان الماضي دعانا احد أقارب زوجي على مائدة الإفطار فأبدعت زوجته في إعداد ذلك الطعام فأخذ زوجي يشكر في هذا الطعام ليس شكرا عاديا بل أطال في ذلك الشكر لمدة ثلاثين يوما وذلك كان واضحا كلما فعلت اي طعام في ذلك الشهر لا يعجبه حتى جاءت أخر ليلة في رمضان وبعد انتهاء طعام الإفطار صرح بكلمة واضحة " ما طعام إلا هذا الطعام الذي تناولته أول يوم " !!

 

لاشك أن الغرض من الولائم في رمضان هو إفطار الصائم والفوز بذلك الثواب العظيم وليس منافسة في تقديم أحلى الطعام , فعلى كل زوج أن أعجبه طعام تناوله في أي مكان غير بيته أن يدعو لصاحب ذلك الطعام بالبركة ولا داعي للشكر الزائد أمام زوجته لأن القدرات تختلف وقد تكون إحدى الزوجات مبدعة في صنع الطعام ولكن قد يحدث خطا في ذلك الوقت ... فالخطأ وارد !! وحينئذ لا يكون الطعام على الوجه الأمثل والأصل هو توفيق الله سبحانه وتعالى أولا وآخرا لذلك فعلى الزوج أن يتحدث بكلمة صدقة للزوجة بعد الانتهاء من هذه الولائم " جزآك الله خيرا على تعبــك " حتى ولو لم يعجبه ذلك الطعام في هذا الوقت , وممكن في وقت آخر يلفت نظرها لبعض العيوب لتصحيحها .

 

إنني ذكرت بعض الأخطاء التي لفتت نظري فأردت أن القي عليها الضوء فرمضان شهر ننتظره كل عام فلنبعد كل البعد عن أهوائنا فيه فلنصدق أنفسنا ما دام في العمر فسحة قبل أن نندم حين لا ينفع الندم

 

وفي النهاية يمكن استغلال الموائد بتقديم وجبات متوسطة لعدد أكبر للفقراء و المحتاجين توزع داخل منازلهم علي شكل حقائب رمضانية و تعتبر بديلا عن دعوتهم علي ما تسمى بموائد الرحمن لمنع الحرج عنهم فهذه أفضل فرصة للتكافل الاجتماعي

أسأل الله أن يتقبل منا صالح الأعمال وان يبلغنا وإياكم رمضان وقد صلحت أحوالنا  , وعزت امتنا , وعدنا لربنا عودة صادقة .