بعد قتل الجنود.. هل تدخل "كامب ديفيد" نفق الخطر؟
24 رمضان 1432
تقرير إخباري ـ إيمان الشرقاوي

لم تشهد العلاقات المصرية "الإسرائيلية" منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد قبل 33 عاما مثل هذه الحالة من التوتر التي تشهدها الآن بعد استشهاد جنود مصريين في سيناء على يد القوات "الإسرائيلية" قبل أيام وهو ما جعل البعض يطالب بإلغاء أو تعديل "اتفاقية الذل والهوان" -بحسب وصف البعض- والتي ظلت منذ توقيعها وحتى الآن مثار جدل شديد.

 

فبعد تجرؤ "إسرائيل" على قتل 5 جنود وضباط مصريين على الحدود خلال هجوم" إسرائيلي" لملاحقة مهاجمين قتلوا ثمانية صهاينة -والذي تبين بعد ذلك أنه كان متعمدا حيث إن نوع المقذوف المستخدم في قتل المصريين من النوع الذي ينفجر داخل الجسم-، أجمع خبراء عسكريون واستراتيجيون على أنه لدى مصر الآن فرصة ذهبية لتعديل معاهدة السلام التي حدت من الوجود العسكري المصري في سيناء وخاصة المنطقة (ج) الممتدة من شرم الشيخ جنوبا وغرب رفح شمالا أو منطقة "الكونتيلا" كما يسميها الصهاينة، ما يسمح بوجود أمني فاعل لحفظ الأمن.

 

كما لم تعد مراجعة اتفاقية كامب ديفيد مطلبا شعبياً فقط، بل انضم له نخب وقوى سياسية مصرية، وهو ما قد يلقى استجابة لدي الحكومة المصرية الذي بدا موقفها مغايرا بشكل كبير للموقف السابق خلال عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك في التعامل مع مثل تلك الأحداث.

 

فقد أصدرت القاهرة بياناً حمل إشارات لموقف أكثر فعالية، وهمت بسحب السفير المصري من تل أبيب لحين موافاتها بنتائج التحقيقات، لكنها تراجعت بعد ذلك، وأعلنت عن استدعاء السفير "الإسرائيلي" لديها، وإن كان شاب ذلك غموض أيضاً، وطلبت اعتذارا رسميا عن الحادث، كما تم إغلاق منفذ العوجة البري بوسط سيناء وهو المخصص لعبور البضائع والتبادل التجاري بين مصر و"إسرائيل" طبقا لاتفاقية الكويز الموقعة بين مصر و"إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية.

 

وفي بيان يعد الأكثر حدة في مواجهة "إسرائيل" منذ عشرات السنين، أكدت القيادة السياسية المصرية أن مصر ستستخدم كافة الإجراءات الواقية لتعزيز منطقة الحدود من جانبها مع "إسرائيل" ودعمها بما يلزم من قوات قادرة على ردع إدعاءات لتسلل أي نشاط أو عناصر خارجة عن القانون، وكذلك الرد على أي نشاط عسكري "إسرائيلي" باتجاه الحدود المصرية.

 

الخبراء العسكريون المصريون طالبوا بضرورة تعديل اتفاقية كامب ديفيد التى تسمح بإعادة النظر فيها كل 5 سنوات وفقا لبنودها من أجل زيادة أعداد القوات المسلحة في سيناء، مؤكدين في الوقت ذاته أن الاعتداء على قوات حرس الحدود المصرية من الممكن أن يكون محاولة من "إسرائيل" لاحتلال سيناء بحجة وجود خطر يهدد حدودها نتيجة الانفلات الأمنى الذي تشهده مصر حاليا.
وتقضي الاتفاقية بعدم السماح لأكثر من 750 جندي مصري فقط بالانتشار على طول الخط الحدودي بين "إسرائيل" ومصر، والذي يبلغ طوله حوالي 220 كيلومتراً.
يذكر أن اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها كل من الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، ومناحم بيجن رئيس الوزراء "الإسرائيلي" عام 1979، أدت إلى موجة استياء عربي واسعة، وصلت لمقاطعة الدول العربية لمصر، ونقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس.
وأثارت الاتفاقية، انتقادات واسعة، ليس فقط لفكرة السلام المنفرد، بعد حرب 6 أكتوبر عام 1973 ، لكن أيضا بسبب نصوص الاتفاقية نفسها، وهي النصوص التي كتبت "دستور سيناء" طيلة 33 عاما.

 

 

تقسيم سيناء
وتنقسم سيناء إلى مناطق أمنية ثلاث بحكم اتفاقية السلام التي تلزم مصر بتسليح محدد ومعروف مسبقا في تلك المناطق ولا يجوز رفعه إلا باتفاق الطرفين.

 

المنطقة الأولى، وتعرف بـ«المنطقة أ»، تبدأ من قناة السويس، وحتى أقل من ثلث مساحة سيناء، وفيها تلتزم مصر بعدم زيادة التسليح عن فرقة مشاة ميكانيكية واحدة ومنشآتها العسكرية وتحصينات ميدانية، كذلك لا يجوز لمصر أن تزيد عدد الدبابات في تلك المنطقة المفتوحة حتى 230 دبابة، ولا عدد ناقلات الأفراد المدرعة إلى ما فوق 480 مركبة من كل الأنواع. وحسب الاتفاقية تلتزم مصر بسقف 22 ألف جندي في تلك المنطقة لا يزيدون.

أما في المنطقة «ب»، فتضم منطقة شاسعة، حيث تبدأ جنوبا من حدود شرم الشيخ، وتتسع على شكل مثلث مقلوب لتصل إلى العريش، وفي تلك المنطقة وسط سيناء بالكامل أو أغلبه، وتضم أيضا الممرات الإستراتيجية التي تتحكم في شبه الجزيرة.

وتنص الاتفاقية أن تلتزم مصر بحد أقصى من التسليح يتمثل في 4 كتائب بأسلحة خفيفة وبمركبات على عجل (وليس المجنزرات التي تسير بشكل أفضل على الرمال)، تعاون الشرطة المدنية في المحافظة على النظام في المنطقة، وتتكون العناصر الرئيسية لكتائب الحدود الأربع بحد أقصى 4000 فرد.

 

أما المنطقة الثالثة، المعروفة بالمنطقة «ج»، فتضم الشريط الحدودي كله، بالإضافة لهضاب منطقة وسط سيناء الشهيرة، ومدينتي طابا وشرم الشيخ الإستراتيجيتين، ومدينة رفح المصرية التي تعتبر بوابة قطاع غزة.

وحسب الاتفاقية، من غير المسموح لمصر نشر قوات عسكرية في تلك المنطقة، حيث تتركز قوات شرطة، وقوات أمم متحدة فقط، على أن تكون الشرطة المدنية المصرية مسلحة بأسلحة خفيفة أداء المهام العادية للشرطة داخل هذه المنطقة التي تعتبر أبرز مناطق الفراغ العسكري في سيناء، رغم أنها تضم أقل من ربع مساحة شبه الجزيرة بقليل، وكامل خط الحدود بين مصر وفلسطين المحتلة.
ومنذ اندلاع ثورة 25 يناير فى مصر والتي أطاحت بمبارك، وافقت "إسرائيل" مرتين على نشر مصر لمزيد من القوات فى سيناء لحماية بنية تحتية أساسية مثل خط أنابيب الغاز ل"إسرائيل"، كما وافقت على الانتشار المؤقت لأسلحة ثقيلة الى سيناء لأول مرة منذ عام 1979.

 

وعلى الجانب الآخر يدرك "الإسرائيليون" أن اتفاقية السلام مع القاهرة لم تعد العامود الفقري لأمن "إسرائيل" مع مصر، حيث دعا معلقون "إسرائيليون" بارزون الحكومة والمؤسسة الأمنية إلى تكثيف الاستعدادات المطلوبة لمواجهة التطورات في مصر بعد سقوط الرئيس مبارك.

وتساءل البعض عما إذا كانت هذه التطورات تستوجب من "إسرائيل" إعادة الوضع على الحدود مع مصر إلى ما كان عليه قبل ثلاثة عقود، أي قبل اتفاق السلام (انتشار الجيش على طول الحدود).

ومما يعكس مخاوف تل أبيب حيال مستقبل اتفاقية السلام بين البلدين ما قاله إيلي شاكيد، السفير "الإسرائيلي" الأسبق لدى القاهرة بأن الأوضاع الحالية في مصر لا تبدو جيدة بالنسبة ل"إسرائيل"، معتبراً أن السلام مع مصر على وشك دخول نفق الخطر وسوف يكون ثمنه تدهور العلاقات بين الجانبين.

 

بينما صدرت دعوات من عسكريين إسرائيليين أنفسهم تتحدث عن ضرورة تعديل اتفاقيتها للسلام مع مصر لكى تسمح للجيش المصرى بزيادة تواجده فى سيناء بشكل ملحوظ فى ضوء الوضع الأمنى المتدهور هناك.

وعن مدى قابلية اتفاقية كامب ديفيد للتعديل، يشير الخبراء المصريون إلى أن "تعديل الاتفاقية ليس أمراً سهلاً، ولا بد من تدخل الولايات المتحدة باعتبارها الضامن للاتفاقية وأن تضغط على إسرائيل لتعديلها"، مؤكدين على ضرورة تسيير مشروعات التنمية في سيناء، جنباً إلى جنب مع خطوات تعديل الاتفاقية، وأن تكون عمليات التنمية في سيناء قوية إلى الحد الذي يضمن انتقال تكتلات بشرية إلى سيناء على اعتبار أن ذلك يمثل حماية للأمن القومي المصري.
بينما يرى السفير محمد بسيوني، سفير مصر الأسبق في "إسرائيل" أن "معاهدة السلام، التي تلت توقيع اتفاقية كامب ديفيد، تنص في البند الرابع من فقرتها الرابعة على أنه يجوز لأحد الطرفين طلب تعديل الترتيبات الأمنية في سيناء بشرط موافقة البلدين" ، معربا عن تخوفه من إلغائها بشكل كامل لأن ذلك سوف "ينقل مصر من مرحلة السلام مع "إسرائيل" إلى مرحلة عداء مستمر" بحد قوله.

 

وتبلغ مساحة شبه جزيرة سيناء نحو 60.088 كيلو مترا مربعا، ويسكنها 380.000 نسمة، وبخلاف أهميتها العسكرية، فإن سيناء تضم أكبر مخزون على أرض مصر من الثروات المعدنية، مثل المنجنيز والنحاس، خاصة نوع "الملاكيت" الذي يتركز في منطقة سرابيط الخادم وفيران وسمرة. وبالنسبة للبترول، والذي كانت أول عملية تنقيب عنه في عام 1910، فإن سيناء تعتبر منجم البترول والغاز المصري، ففيها حقول أبو رديس، وحقل بلاعيم بحري، وسدر وعسل مطارما وفيران، وتوجد بمحاذاة خليج السويس.

وبين المطالب بإلغاء المعاهدة من جهة والمطالب بتعديلها فقط من جهة أخرى، أصبح المجلس العسكري الحاكم يتوجب عليه اتخاذ القرار الصائب بما فيه مصلحة البلاد والذي يرجح المراقبون أن يتمثل في تعديل البنود الأمنية فقط فيها وليس إلغاء المعاهدة بشكل كامل.