17 صفر 1433

السؤال

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين...
بعد التَّحيَّة: أريد أن أستشيرك في ابني، لا أعرف من أين أبدأ، ابني مدمن سوني نت أفلام، لا يصلِّي، لا يحترمني، ولا يخفاك ما نلاقي منه من عصبيَّة، وسبٍّ، وشتمٍ، وتلفُّظ على إخوته وعليَّ، إذا حدَّثته، وبيَّنت له حرمة ما يراه، وتركه للصَّلاة، وتطاوله عليَّ، حاولت التَّحدث معه، وبيان خطورة الأمر، وبألا يطغى شيء على آخر. استخدمت كلَّ الوسائل المتاحة والممكنة، من شدَّة ولين، وحافظت على شعرة معاوية ألا تنقطع، ولم ينجح الأمر، قد قلت له: سلاحي معك الدُّعاء. بدأ الأمر معه من المتوسط، والآن هو في سنة ثالثة كليَّة قانون، والأمور تزداد سوءاً. أبوه ليس له تأثير عليه، لأنَّه لا يجزم معه، فقط يصرخ عليه، عند المواقف ثمَّ ينتهي الأمر بألا يكلِّمه، لا يأخذه معه لمجالس الرِّجال، الآن أخذ منه السُّوني لاب توب والرسيفر نت، كلما أخذ منه شيئاً جلب آخر. أصبح غير متفوق في دراسته كما كان، إحساسي كأمٍّ بأنَّه يفتقد إلى رفقة وأصحاب، عندما كان في الحلقة، كان لا يجاريه أحد من زملائه، بسبب ثقافته. قد قال لي مرة أنَّه لا يريد أن يكون ذو وجهين، فترك الحلقة والرِّفقة الصَّالحة، أعرف أنَّ الحلَّ في إشغاله، لكن!! كيف؟. حاولت أن أكلِّفه بأعمال في البيت، واحتياجات لأهله، ابني كان ذكياً، وخلوقاً، ومتفوِّقاً على أقرانه، لكن!! الآن لا. بالله عليك لا تبخل عليَّ بنصيحتك، ليس لديَّ من يؤثر عليه، سألتك بالله الواحد الأحد أن تردَّ عليَّ. جزاك الله كلَّ خير، ونفع بك الأمَّة.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه...
ألخِّصُ لك - أختي الفاضلة - جواب استشارتك في النِّقاط الآتية:
أولاً: أشكرك على ثقتك، بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
ثانياً: أختي الفاضلة: ولدك كما تقولين ذكيٌّ فطن، وهذا يحتاج لعلاجٍ علميٍّ مقنع، لذلك عليك بتنمية الخوف من الله تعالى في نفسه، ومراقبته جلَّ وعلا في السِّرِّ والعلن، قولي له: يا بنيَّ!! اتق الله، ودع ما تصنع، فإنَّ الله سبحانه وتعالى يراك، وأنَّه لا تخفى عليه خافية، في الأرض ولا في السَّماء، قال الله تعالى: (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصُّدور) فمهما احتجبت عن عيون النَّاس، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يراك، ومطلع عليك، وستقف يوماً ما بين يديه سبحانه وتعالى، ويسألك عن أعمالك، فلا تجعل الله عزَّ وجلَّ أهون النَّاظرين إليك، فإنَّك تستحي أن يراك أحد إخوانك الصِّغار، وأنت على هذه الهيئة، تنظر إلى المناظر المحرَّمة، وتخجل أشدَّ الخجل لو رآك شخص كبير، فكيف إذا كان الكبير المتعال سبحانه وتعالى هو الذي يراك، وأنت تقلُّب عينيك في تلك المناظر القبيحة، وتتجاوز حدود الله سبحانه وتعالى الذي حدَّها لك. ذكِّريه أنَّ هذه المعاصي والسَّيئات، من ورائها عقاب، وعذاب أليم في الآخرة. ذكِّريه بالنَّار وما فيها من أهوال، والحشر وأهواله، والوقوف للعرض والحساب، كلُّ ذلك حاصل لك إن بقيت على معصيتك لربك، قولي له وأنت أمُّه المشفقة عليه والرَّاحمة له، قولي له هذا الكلام وأنت متأثِّرة بما تقولين، فهذه الطَّريقة ناجحة بعون الله، في قلع الشَّهوة من قلبه، والتَّعلق بها.
ثالثاً: أختي الفاضلة: قولي لولدك ناصحة مشفقة: يا بني!! المعصية تذهب بلذتها ويبقى عقابها، فأنت الآن لا تتنعم بتلك اللَّذة التي كنت تقضيها بالأمس، أو ما قبل الأمس، ولكن!! تلك اللَّحظات التي عصيت الله تعالى فيها، سُطِّرت في سجلِّك، ومكتوبة لك، ومسئول أنت وحدك عنها أمام الله، فالمعاصي والشَّهوات تذهب ويبقى عقابها، وإذا تذكرت هذا علمت أنَّ العقل والحزم، أن يسْعَ الإنسان للابتعاد عن تلك المواقف.
رابعاً: أختي الفاضلة: انصحي ولدك ألا يستعمل الإنترنت في حال الانفراد عنكم، وأن يجعل اتصاله به في محضر الآخرين، سواءً كان ذلك في البيت، أو في غير البيت، انصحيه ألا ينفرد بهذا الجهاز، وأن يجاهد نفسه، لأن يكون اتصاله به، ودخوله على الإنترنت، في حضور أهله في البيت، فإن حضور أهله وإخوانه بجانبه، سيحول بينه وبين الدُّخول لتصفح المواقع السَّيئة، وسيقتصر فيه بإذن الله تعالى على ما ينفعه.
خامساً: حثِّيه على مخالطة أصدقاء الخير، وأصحاب الفضائل، والاعتناء بكثرة مجالسة طلبة العلم، وحضور أنشطتهم النَّافعة في دين أو دنيا، فإنَّ هذا النَّوع من الأنشطة يملأ لديه الفراغ، ويعينه على تحقيق ما ينفعه في دينه ودنياه.
سادساً: ابحثي في محيطه، وعمَّن يلوذ به من أقرباء وأصدقاء، وانظري من له تأثير عليه منهم، اطلبي مقابلته بعيداً عن علم ولدك، واذكري له حال ولدك، وترجِّيه أن يساعدك في معالجة موضوع ابنك، واطلبي منه أن يكلِّم ولدك ويناصحه، ولا يذكر له أنَّك كلَّفتيه بذلك.
سابعاً: ذكرتِ أنَّك ستستخدمين سلاح الدُّعاء، فهذا العلاج النَّافع النَّاجع بعون الله، فقلب ولدك بين أصبعين من أصابع الرَّحمن جلَّ وعزَّ، يقلُّبه كيف يشاء، فادعي الله لولدك بالهداية، ولزوم الجادَّة، والسَّير في الطَّريق السَّليم، وأحذِّرك من الدُّعاء عليه، لأنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم نهانا أن ندعو على أبنائنا.
ثامناً: على الوالد أن يكون ايجابيَّاً في معالجة انحراف ولده، وأن يشارك الأمَّ في المتابعة والمعالجة، وألا يدعها لوحدها في السَّاحة، فهي ضعيفة بنفسها قوَّية به، فلا بُدَّ من تضافر جهودهما، وجهود أفراد الأسرة جميعاً في علاجه، لأنَّ علاجه يهمُّهم كلُّهم، فعلى الوالد أن يتَّخذ ولده رفيقاً وصاحباً، يكون معه في حلِّه وترحاله، معه في علاقاته وزياراته وملتقياته، يجلسه معه في مجالس الرِّجال، ليتعلَّم أخلاق الرِّجال ومواقفهم، وأسلوب حديثهم وتجاربهم، فمجالس الرجال أنفع للولد من المدارس، في صقل شخصيته، وتكوين ذاته.
تاسعاً: على الوالد أن يفتح قناة مهمَّة في علاج ولده، ألا وهي الجامعة التي يدرس فيها ولده، فيزور الجامعة، ويلتقي بزملاء ابنه وأساتذته، ويطرح معهم قضيَّة ولده، ويطلب منهم العون والمساعدة، في علاج انحراف ولده، ولا يعدم إن شاء الله من عونهم ومساندتهم، وعليه أن يستنير بنصائحهم وإرشاداتهم وتوجيهاتهم، فأساتذته في الجامعة ذوو خبرة تربوية واسعة، وسيعطونه خيارات متعددة لعلاج انحراف ولده، وما عليه إلا أن يختار العلاج الأنفع والأنجع لولده، وعليه التَّنسيق معهم والمتابعة لأمر ولده بين الحين والآخر، ثمَّ إنَّه يمكن أن يُلفتوا نظره إلى أمور قد لا يعلمها عن ولده، يمكن أن يكون علاجها سبباً في علاج قضيَّة ولده الأساسيَّة.
وفقني الله وإياكم لما يحبُّه ويرضاه، ولا تنسوني من صالح دعائكم في ظهر الغيب...