البوطي.. انحراف في العقيدة وخلل في المنهج!!-2
16 رمضان 1432
منذر الأسعد

2: أَسَدٌ علينا ونعجةٌ أمامَ الرافضة

الأدلة على تأثر البوطي باعتقاد الرافضة في الصحابة كثيرة تلمسها في كتبه وفي دروسه وفي مواقفه (وللتمثيل لا الحصر، نشير إلى ما جرى قبل سنوات عندما رفع عدد من علماء الشام عريضة لرئيس النظام بشار الأسد ينكرون عليه فيها دعم النظام النصيري لنشر التشيع قسراً في بلادهم فرفض البوطي التوقيع عليها!!). وأما في مؤلفاته، فيكفي للبرهان على ادعاء الكاتب الفاضل الأستاذ عبد القادر حامد، كلام البوطي التالي الخارج-كما وصفه عن حق- من صدر ضيق تفوح منه رائحة الحنق: (فمن التزم بمقتضى هذا الميزان،فهو متبع كتاب الله متقيد بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواء أكان يعيش في عصر السلف أو جاء بعدهم، ومن لم يلتزم بمقتضاه، فهو متنكبّ عن كتاب الله تائه عن سنة رسوله - عليه الصلاة والسلام - وان كان من الرعيل الأول (يا لطيف) ولم يكن يفارق مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)!! [ص79] بل يحتج ببعض الرافضة ومؤلفاتهم، وفي مؤلفات أهل السنة غنية له ولغيره على هذه القضية التي يعالجها [انظر الحاشية في ص43 من كتابه]. بل يستنعج (يصبح كالنعجة بجامع النعومة وحب السلامة في كلٍّ) عندما يتعرض للشيعة، فيشير إلى حقيقة معروفة عندهم، بل هي من أصول مذهبهم، بل تكاد تكون أصول مذهبهم كلها قامت من أجل هذه القضية، وهي إنكار إمامة الشيخين (أبي بكر وعمر)، فتراه عندما يشير إليها كأنما يقترب من أفعى سامة متربصة بمن يقترب منها، فيقول هذه العبارة التي تطفح بالوجل والتدسس والنعومة: (وعلى سبيل المثال نقول: (لمجرد المثال فقط، فنرجو المعذرة!) إن إنكار إمامة الشيخين، وهو مذهب يراه كثير من الشيعة (وليس جميعهم! ولاحظ تنكير كلمة) مذهب (أيضاً) ليس كفراً، (الحمد لله) وإن كان خروجاً على الإجماع)[ص107] (يعني ماذا إذا كان خروجاً على الإجماع؟!) ولنكن على ذكر من هذا الاعتذار الناعم حينما نناقش معه نزوله بساحة ابن تيمية وثورته وفورته وانتفاخ أوداجه هناك على شيء لم يخرق ابن تيمية الإجماع فيه قطعاً، ولكن ناقش دعوى الإجماع على قضية فهم منها أعداؤه - وأخيرهم البوطي - أنه يقول بهذا الرأي الذي ناقش دعوى الإجماع عليه، مع أنه لا يناقض نفسه - رحمه الله -.

 

ويقول في عبارة أخرى ملتوية: (ومن ذلك ما يجزم به بعض الناس (!!)، من أن في أئمة أهـل البيت مَن قد وصلوا إلى منزلة لم يبلغها ملَك مقرب ولا نبي مرسل! وممن يجزم بذلك ويقرره في منشوراته، الإمام الخميني).

 

لاحظ الالتواء في عبارة: (بعض الناس)، ولاحظ ما في هذه العبارة: (من أن في أئمة أهل البيت من قد وصلوا...) وكأنه لا يدري أن القول بعصمة الأئمة الاثني عشر من أصولهم! وليس هذا فحسب، بل إنه سأل بعض علماء الشيعة الإيرانيين عن كيفية اتفاق هذا الكلام مع أصول الإسلام وكلياته الأساسية فقال: إنها غلطة من المترجم! فتعجب هو من (أن الكتاب طُبع منذ ذلك الحين مرات متعددة،وغلطة المترجم لا تزال باقية!) [حاشية، ص112 من كتابه].

 

ونحن أيضا نعجب، لكن لا من غلطة المترجم هذه ولكن من تعجبه وعدم معرفته وتجاهله أن التَّقِيَّة من أصول القوم!لكن مع هذا يبقى عندنا شك من إثارته هذا الاعتراض على مَن ذكر من علماء الشيعة، وذلك أنه من المؤكد أن الشيخ قد حضر مؤتمراً لهم في لندن في 18 من ذي الحجة 1410هـ الموافق 11/7/1990م للاحتفال بيوم الغدير وشاهد وسمع على الطبيعة - كما يقولون - كيف يفكر القوم، وكيف يحتفلون، وسُبَّت أمامه وعلى مرأى ومسمع منه السنة وأهل السنة الذين ينتسب إليهم سباً مقذعاً،ولكن لم يبلغنا أنه أنكر على دهاقينهم ذلك المنكر لا بقليل ولا بكثير من إنكاره الذي ينكره على من يشاركونه عدم اعتبار الإمامة والعصمة والرجعة من أصول الدين،بَلْهَ مشاركتهم له في أشياء أخرى!

 

و كثيرا ما يلجأ البوطي إلى التعميم والتلبيس، فيصدر حكماً، أو يضع مقدمات يتركها بلا دليل ولا إثبات. وهذا الأسلوب في الكتابة شائع بين العلمانيين الذين يهجمون على القضايا الفكرية الأساسية بجرأة عجيبة، وبخاصة على ما كان منها متعلقاً بالأمور الشرعية التي لا علم لهم بها.والمفترض أن يكون أسلوب النقاش مع الشيخ البوطي يختلف عن الأسلوب الذي يتبع مع هؤلاء، فهو شيخ وابن شيخ، وهذا أعرق له وأثبت قدماً في مجالات العلم والبحث، وهو أيضاً حامل لشهادة الدكتوراه - وأظنها مع مرتبة الشرف إن لم يكن أكثر - من الأزهر، وهذا أَطلَق لقلمه ولسانه، وأكثر ترويجاً للكتب في السوق هذه الأيام، وبخاصة في بلاد كبلاد الشام حيث من اللائق بالشيخ أن ينشد:

خَلَتِ الديارُ فَسُدْتُ غَيْرَ مُسَوّدِ *** ومِنَ الشّقاءِ تَفَرّدِي بِالسّؤْدَدِ

 

فكيف يهجم الشيخ هجوم أولئك؟! وما له يرسل الكلام إرسالاً، ويطلق الأحكام إطلاق المتمكن الواثق؟! ألا تكفينا مجازفات العلمانيين وتعالم الجهلة الذين أفسدوا العلم والثقافة، وسمموا العقول والقلوب؟! لمن يكتب هذا الكلام ومن أي بئر يَمْتَح؟!:

 

(وهذا ما حدث، فقد كان في الصحابة والتابعين من أخذ يستنبط الأحكام تعليلاً واعتماداً على اجتهاده المرسل، استجابة لمقتضيات الظروف الطارئة والأوضاع الحديثة، (يقصد: الحادثة) وكان فيهم أيضاً من يتجنب ذلك ويحذر منه، بل يشتد في النكير على استعمال الرأي والأخذ به، خوفاً من تجاوز النصوص والاستبدال بها، مما يسبب الوقوع في زلات لا تغتفر)[ص49].

 

- لِمَ لم يذكر الشيخ اسم صحابي واحد كان يستنبط الأحكام تعليلاً واعتماداً على اجتهاده المرسل؟
- ثم ما معنى الاجتهاد المرسل؟ نحن نفهم الاجتهاد المرسل على أنه الاجتهاد الذي لا دليل عليه؛ لا من كتاب، ولا من سنة، ولا حتى من عقل، كالجمل المرسل: لا خطام ولا عقال. والفرس المرسل: لا عنان، ولا لجام، ولا هِجار!
هل يقصد الشيخ إلى أمثال هذه التلبيسات قصداً؟ وهو فِعْلٌ غير محمود العواقب عليه وعلى قرائه؟

 

والجواب - والله أعلم - أن منها ما يأتي بسبب العجلة وقلة الصبر كهذه التي أشرنا إليها آنفاً؛ ومنها التي تجمع إلى العجلة وقلة الصبر قليلاً من الهوى كهذه التي نعثر عليها في هامش [ص 101] حيث يقول: (إلا ما ذهب إليه الإمام أحمد من حكمه بكفر تارك الصلاة ولو لم يكن جاحداً لها). فما الدافع لهذا الإجمال المخل؟ إن لم يكن ما ذكرنا؟! وإلا فالمسألة فيها تفصيل معروف عند العلماء، وليس هذا الذي ذكره هو رأي الإمام أحمد وحده، فقد قال الحافظ عبد الحق الإشبيلي - رحمه الله - في كتابه في الصلاة:(ذهب جملة من الصحابة - رضي الله عنهم - ومن بعدهم إلى تكفير تارك الصلاة متعمداً لتركها حتى يخرج جميع وقتها، منهم: عمر بن الخطاب، ومعاذ بن جبل، وعبد الله بن مسعود، وابن عباس، وجابر، وأبو الدرداء، وكذلك روي عن علي بن أبى طالب، هؤلاء من الصحابة. ومن غيرهم: أحمد بن حنبل،وإسحق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، وإبراهيم النخعي، والحكم بن عيينة،وأيوب السختياني،وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبى شيبة، وأبو خيثمةزهير بن حرب). [كتاب الصلاة وحكم تاركها لابن القيم، 5 1].

 

ولكن هناك من التلبيسات ما يبدو أنه يقصد إليه قصداً، كتلك الواردة في [ص102) (والصلاة جماعة خلف كل بر وغيره)!فالمعروف عند المسلمين: الصلاة خلف كل بر (وفاجر) فما الداعي يا ترى لوضع: (غيره) موضع (فاجر) هل هو النسيان؟ أم هو سبق قلم؟ أم أن الكلمتين مترادفتان تقوم إحداهما مقام الأخرى؟!

 

لا شك أن كلمة (غيره) أعم من كلمة (فاجر). وعلى كل حال؛ فكان يمكن أن تعد هذه هنة من الهنات التي لا يوقف عندها لولا ما بلونا من الشيخ وضعه للرقة والنعومة والقسوة والتشنيع والتشهير في غير مواضعها، فلعله - وهو في زمن كثر فيه هذا الصنف من الأئمة - لا يريد أن يكسر خاطرهم بمثل هذه الكلمة التي قد يعتبرها نابية؟! أو لعله يجوز إمامة المنكِر معلوماً من الدين بالضرورة أو من في حكمه - وهو غير برٍّ حتماً - وهكذا قد يظن أنه بهذه (المجاملة) ينجو من المحذور فيقع في المحظور. ولكن هل عليه بأس بمجاراة الزمن، والصحابة - الذين هم مَن هم - قد جاروه؟!

 

و مما لا يليق بالشيخ أيضاً أن يشتم ويسب (السلفيين) ويصفهم (بالكاذبين والمخادعين والمضللين) [ص255] فهذه والله كبيرة، وأن يصف (السلفية) - كمصطلح - بقوله: (تلك الكلمة المَيْتَة التي لا تنحط (!!) إلا على واقع يضم أخلاطاً ومذاهب شتى من الناس).وهذه أكبر!
اللهم هذا ليس بكلام مسته بركة العلم الشرعي، واستروح نسائم الأدب الإسلامي!