"قرن" في حلْق المجاعة
11 رمضان 1432
تقرير إخباري ـ نسيبة داود

حل رمضان في وقت عصيب على المسلمين في منطقة "القرن الإفريقي" التي ضربتها موجة جفاف قضت على الأخصر واليابس، فماتت المواشي والزروع، ما تسبب في مجاعة جففت الحلوق وأخمصت البطون، فصام المسلمون بغير سحور أو فطور. الصومال، ذاك البلد المنكوب بالفقر والحرب والمرض، كان الأكثر تأثرا بتلك الأزمة في القرن الإفريقي، التي تفاقمت بالفعل بسبب عدم وجود حكومة فاعلة فيه. وقد حذرت الأمم المتحدة من أن جنوب الصومال بكامله ينزلق إلى هاوية المجاعة. فأكثر من 12 مليون شخص في أنحاء منطقة القرن الإفريقي يقاسون تلك الظروف الاستثنائية، منهم نحو 3.7 ملايين في الصومال وحده بحاجة ماسة إلى مساعدات غذائية، أي ما يعادل نصف السكان. فالرعاة والمزارعون في المناطق التي ضربها الجفاف يقولون إن الأمطار لم تهطل في بعض المناطق على مدى أربع سنوات متتالية. وفور إعلان الأمم المتحدة يوم 20 يوليو عن اعتبار الصومال منطقة منكوبة بالمجاعة، قالت المنظمة الدولية إن المجاعة تشمل مناطق رئيسية في جنوب البلاد هي: باي وبكول وجوبا وشبيلة السفلى". وتعرِّف الأمم المتحدة المجاعة بمؤشرات معل الوفيات بسبب نقص الغذاء؛ فـ"عندما يفوق معدل الوفيات الشخصين من بين كل عشرة آلاف إنسان في اليوم الواحد، وتزيد معدلات سوء التغذية الحادة على الثلاثين في المائة" من سكان منطقة معينة، تصبح المنطقة منكوبة بالمجاعة وتستوجب دق ناقوس الخطر من أجل إيصال المساعدات الغذائية. وفي 3 أغسطس أعلنت المنظمة اتساع رقعة المجاعة في الصومال حيث شملت أيضا بالكاد وكادال في شبيلي الوسطى، كما تفاقمت الأزمة بين السكان اللاجئين في مقديشو ووادي أفجوي. وأُعلن جنوب الصومال بكامله "منطقة مجاعة" خلال الأسابيع الستة القادمة، كما تشير التقديرات إلى أن المجاعة ستستمر في أنحاء جنوب الصومال حتى نهاية هذا العام. وقد توقع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية -وهو مظلة للوكالات المختصة بالشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة- أن تصل مستويات نقص الغذاء إلى حد الأزمة في مناطق اللاجئين خلال شهري أغسطس وسبتمبر. وإلى جانب الصومال، تشمل موجة الجفاف كل من كينيا وإثيوبيا وجيبوتي، لكن تلك الدول لها حكومات فاعلة، ما ييسر جهود الإغاثة فيها. المكتب أشار في تقرير له إلى أنه "جرى تحديد أشد المناطق التي تبعث على القلق خلال الأشهر الستة المقبلة بأنها: جنوب ووسط الصومال، وشمال وجنوب وشرق إثيوبيا، وشمال شرق وجنوب شرق كينيا، ومخيمات اللاجئين في جيبوتي وكينيا وإثيوبيا". ومن المتوقع أن تتراجع خطورة الأزمة في المناطق الأشد تضررا في إثيوبيا وكينيا من مستوى "الطاريء" إلى "الأزمة" خلال الفترة حتى قرب نهاية العام الجاري. أما في الصومال فإن التدهور في المناطق الجنوبية مرجح نظرا للمستويات "المرتفعة جدا" لسوء التغذية الشديد، والوفيات تحت سن الخامسة، وتدهور الظروف في الريف، واستمرار الزيادة في أسعار الحبوب المحلية، وانخفاض الحصاد عن المستوى المتوسط. وتعتبر موجة الجفاف تلك هي الأسوأ منذ ستة عقود في أنحاء القرن الإفريقي. وتقول الأمم المتحدة إن "الأزمة الراهنة في منطقة القرن الإفريقي هي الأزمة الأشد قسوة بالنسبة الى الأمن الغذائي في عالم اليوم حيث أنها أودت بحياة الآلاف من بني البشر، وذلك منذ اندلاعها في أعقاب انقطاع تام لموسم الأمطار خلال أكتوبر وديسمبر 2010". ويعاني واحد من كل أربعة أطفال في جنوب الصومال من سوء تغذية حاد. ويؤثّر الجفاف على معظم أجزاء البلاد ما يتسبب بنفوق المواشي، كما يسبب ارتفاعا بالغا في أسعار المواد الغذائية الضرورية. وقد تفاقمت الأوضاع جراء النزاعات والحروب بين الحكومة التي يدعمها الغرب والقوات الإفريقية وبين المعارضة المسلحة المتمثلة في "حركة شباب المجاهدين" التي تحكم بسلطة الأمر الواقع مناطق واسعة من الصومال. وفي الوقت الراهن فإن واحدا من كل ثلاثة صوماليين بحاجة إلى مساعدة إنسانية عاجلة، لكن النزاع المستمر في الجنوب، إلى جانب النقص الحاد المتوقع في الحصاد القادم، كلها تشير إلى إمكانية تزايد أعداد الصوماليين المشمولين بالأزمة. أما في كينيا، فيقدر عدد الأشخاص العاجزين عن تلبية احتياجاتهم الأساسية إلى الغذاء والمياه بأكثر من 2.4 مليون شخص من الرُعاة المُزارعين، ويعيش معظمهم بالمناطق الشمالية والشمالية الشرقية. ولا يتوقع أن يتعافى إنتاج الرعاة من الألبان قبل أكتوبر المقبل مع توقع بدء موسم الأمطار القصيرة، وحتى ذلك الحين قد تتدهو حالة الأمن الغذائي أكثر فأكثر. وعلاوةً على ذلك تضاعفت المسافات التي يتعيَّن قطعها حصولاً على المياه لتصل إلى ما يتراوح بين 30 - 40 كيلومتراً في العديد من المناطق، كما تمخّضت النزاعات حول مناطق الرعي عن مقتل الأشخاص وخسارة الماشية، وأيضاً تزايُد صعوبة الوصول إلى منافذ التسويق. وفي إثيوبيا، تعاني مناطق واسعة في السهول الجنوبية والجنوبية الشرقية من الجفاف بسبب انقطاع الأمطار لموسمين متتاليين، ما أدى إلى نقص موارد المياه وشَح المراعي وتدهور أحوال الماشية. ففي منطقة "بورينا" الواقعة على الحدود الجنوبية مع كينيا، ُأبلِغ عن نفوق 220000 رأس من الماشية، كما أنزل الجفاف ضرراً بالموسم الزراعي الجاري (يونيو–يوليو) والذي يُتوقَّع أن يكون هزيلاً في عدة مناطق. وفي مطلع يونيو، بلغ عدد من يتطلّبون مساعدةً في إثيوبيا بما يقدَّر بنحو 11.4 مليون نسمة مُتضمناً 3.2 مليون شخص بحاجة إلى معونة عاجلة و8.2 مليون من المتعيَّن تسجيلهم في البرنامج القطري لشبكة الضمان الإنتاجي. أمّا في جيبوتي، فقد اقترن الجفاف المتواصِل بأسعار الغذاء الرئيسي البالغة الارتفاع، إلى جانب ارتفاع البطالة وزيادة الهجرة الريفية النازحة إلى المدن فيما فاقَم من حالة أمن الغذاء على المستوى الأسَّري. والمتوقع أن يضحىَ نقص المياه في العاصمة جيبوتي خطيراً على مدى الأشهر القادمة مع اقتراب الفترة الدورية لبلوغ الطلب الأقصى على الاستهلاك. ومع ذلك تبقى جيبوتي الأقل تأثر بالجفاف إذ أن الأشخاص الذين يحتاجون بالفعل لمساعدات عاجلة لا يتجاوز عددهم 147 ألفا، مقارنة بالملايين في الصومال وكينيا وإثيوبيا.