"زلزال4 نجوم".. هل ينهي سيطرة الجيش في تركيا؟
2 رمضان 1432
تقرير إخباري ـ إيمان الشرقاوي

استقالات مدوية لأبرز القادة العسكريين في تركيا هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد تنهي على ما يبدو حقبة كان الجيش فيها يلعب دور الآمر الناهي في الحياة السياسية من خلال فرض كلمته على الحكومة المنتخبة، حتى فيما يخص شئون تتعلق بالجيش ذاته، لكن حكومة العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية بزعامة رجب طيب أردوغان نجحت أخيرا في إنهاء هذه الهيمنة من قبل الجيش والانقلاب عليه وهو ما كان يحدث عكسه في السنوات الماضية.

ففي أحدث سلسلة من الصراع الدائر بين حكومة العدالة والتنمية والمؤسسة العسكرية ذات الميول العلمانية تقدم أربعة من أكبر قادة الجيش (رئيس هيئة أركان القوات المسلحة وقادة القوات البرية والبحرية والجوية) استقالاتهم احتجاجا على رفض حكومة أردوغان إطلاق سراح الجنرالات والضباط المعتقلين على خلفية تحقيقات في اتهامهم بالتخطيط للإطاحة بالحكومة، وكذلك رفضها ترقيتهم بحسب مسارهم الوظيفي المعتاد على أساس أنهم لم يدانوا بعد.

 

وتأتي تلك الاستقالات الجماعية التي تعد الأولى منذ قيام الجمهورية التركية عام1923- بعد عدة تطورات شهدتها أنقرة في الفترة الأخيرة أهمها احتجاج الجيش على اعتقال مئات من الضباط العام الماضي لاتهامات بالتورط فيما أطلق عليه اسم عملية المطرقة, وهي مؤامرة تقول حكومة إردوغان إن الجيش خطط لها في عام2003 لقلب نظام الحكم, حيث توجد حوالي250 شخصية عسكرية حاليا في السجن بينهم173 كانوا في الخدمة و77 من المتقاعدين, ومعظمهم محبوس بتهم تتعلق بمؤامرة المطرقة أو أرجينيكون التي يزعم الضباط أنها مجرد مناورة حربية, ويقولون إن الدليل ضدهم تم تلفيقه.

 

ثم استمر مسلسل الاعتقالات الذي طال رتبا كبيرة في الجيش بعد تفجر قضية أخرى هي "باليوز"، التي كانت تخطط لتفجير مساجد وأماكن عبادة وغيرها لنشر العنف في البلاد وإعطاء الجيش مبررا للتدخل.

 

والعلاقات بين الجيش العلماني وحكومة العدالة والتنمية متوترة منذ تولي الأخيرة السلطة للمرة الأولي في2002 بسبب الجذور الإسلامية للحزب, ومضت سنوات كان يحتمل على نحو كبير أن يقوم فيها جنرالات الجيش التركي بانقلاب عسكري بدلا من الاستقالة, لكن أردوغان أنهى عهد سيطرة الجيش الذي قام بانقلاب عسكري عام1982, من خلال سلسلة من الإصلاحات التي تهدف الي زيادة فرص تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ، وتحقيق مشروع جمهورية تركية ثانية يغيب فيها الجيش عن المشهد كلاعب رئيسي.

 

واهتمت وسائل الإعلام التركية بالاستقالة الجماعية لقادة الجيش قبل يومين, حيث نشرت صحيفة صباح التركية موضوعا بعنوان "زلزال4 نجوم", مشيرة إلى أن هذه الاستقالات تأتي عشية انطلاق الاجتماعات السنوية التي تعقد في شهر أغسطس من كل عام للمجلس العسكري الأعلى برئاسة أردوغان، لإقرار الترقيات العسكرية لكبار حملة الرتب.

لكن ترقيات العام الجاري وفقا للصحيفة اتخذت طابعاً مميزاً، إذ أصر جنرالات الجيش على تحدّي القضاء والسلطة السياسية في البلاد، بهدف ترقية 41 ضابطاً من أصل 195، من بينهم جنرال يحمل أربع نجوم كان يفترض أن يكون القائد المقبل لسلاح الجو، يمثلون حالياً أمام المحاكم والتحقيق في قضية أرجينيكون لكن أردوغان ورفاقه رفضوا توقيع لائحة الترقيات، فما كان من الجنرالات الأربعة إلا طلب الاستقالة أو التقاعد.

بينما أشارت صحف أخرى إلى مضي أردوغان في تحدي المعسكر العلماني أكثر وأكثر بعد أن نجح فى صياغة أجهزة الأمن وأجنحة من القضاء ومجلس التعليم العالي ، وبدا أنه فى طريقه لاستكمال عملية تقليم أظافر الجيش.

 

ودخلت الصحف الأمريكية على الخط حيث علقت صحيفة "نيويورك تايمز" على الاستقالات ووصفتها بأنها لحظة استثنائية فى تاريخ البلاد الحديث، وقالت إنه قبل خمسين عاماً، عندما اشتبك رئيس حكومة شعبوي مع الجيش التركي، وهو عدنان مندريس، انتهى به الأمر لحبل المشنقة، ولم يقدم له نجاحه ثلاث مرات فى الانتخابات أى عزاء.
لكن هذه المرة، تقول الصحيفة إن الصراع الذى بلغ ذروته مع معظم قيادات العسكرية التركية دفعهم إلى تقديم استقالتهم فى وقت واحد، فى ظل شكوى قائد الجيش من فقدانه السلطات والضغوط التى تمارس عليه.

 

بينما ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن تركيا استيقظت على عهد جديد، فقرار استقالة الرموز العسكرية الأربعة أذهل الكثير من الأتراك الذين لطالما اعتادوا أن تكون مؤسستهم العسكرية فى موقع الآمر والناهى فى البلاد، لكنهم الآن أصبحوا يدركون تراجع قوة المؤسسة العسكرية التركية لصالح الحكومة المدنية التى يديرها أردوغان بحنكة.
 

وفي خطوة سريعة لاحتواء الأزمة, أصدر مكتب رئيس الوزراء بيانا أعلن فيه تعيين قائد قوات الدرك الشرطة العسكرية الجنرال نجدت أوزيل في منصب قائد القوات البرية وقائما بأعمال رئيس الأركان خلفا للجنرال أشي كوشانير، وقد فسر كثيرون تعيين أوزال بأنه بداية اختراق أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم للجيش حامي حمى العلمانية.
وتؤكد مصادر إعلامية أن هناك احتمالات قوية بتولي أوزيل منصب رئاسة الأركان بعد توليه منصب قيادة القوات البرية, حيث تقضي التقاليد العسكرية المتعارف عليه بأن يكون أعلى منصب في الجيش من نصيب قائد القوات البرية.

 

كما صدرت تأكيدات من الرئيس التركي عبد الله غول أن كل الأمور تسير على نحو طبيعي بعد استقالة القيادات العسكرية وأنه لا وجود حالياً لأية فوضى في إدارة الجيش.

ويبدو أن هذه الاستقالات كان ينتظرها أردوغان للمضي في دستور جديد ليبرالي ففي كلمة له عقب التطور الأخير قال فيها إن تركيا سوف تستبدل دستورها الحالي بآخر "أكثر شمولا وليبرالية وتماسكا"، فتركيا "لا يمكنها أن تمضي قدما في طريقها في ظل دستور تمت صياغته في ظروف استثنائية عندما كانت الديمقراطية التركية معطلة"، في إشارة إلى أن الدستور الحالي وضعه العسكر عام 1981 بعد عام من انقلابهم الثالث على نظام الحكم في تركيا، ووضعوا فيه صلاحيات واسعة وغير مسبوقة للجيش في إدارة الحياة السياسية.

 

ومنذ العام 1960، أطاح الجيش باربع حكومات من بينها عام 1997 حكومة الإسلامي نجم الدين أربكان، ما يعرف بالمرشد السياسي لرئيس الوزراء الحالي رجب طيب أردوغان.
ورغم أن أردوغان لم يحقق أغلبية ثلثي أعضاء البرلمان في الانتخابات البرلمانية فى 12 يونيو الماضي بما يتيح لحزبه تغيير الدستور التركي بلا مشاكل أو محاولة اللجوء للاستفتاء ، إلا أنه أعلن مرارا أن ثوب الدستور أصبح ضيقا جدا على تركيا.

 

وفي حال تغيير الدستور، فإن تركيا تكون حسمت نهائيا الجدل حول إمكانية أن يعود الجيش لعادته القديمة ويطيح بحكومة أردوغان أو أي حكومة تالية لها ميول إسلامية.
وسبق أن نجحت حكومة أردوغان بالفعل في تعديل 100 مادة من أصل 170 مادة من مواد الدستور التركي؛ وهو ما قلص بالفعل من تدخلات الجيش في الحياة المدنية، وأخضع العسكريين لأول مرة للقضاء المدني فيما يخص القضايا التي تتعلق بالحياة المدنية.

 

وتثار تساؤلات الآن بعد هذه الاستقالات هل يمكن للجيش العودة إلى الساحة السياسية عبر انقلاب جديد؟، أم أن ما حدث كان زلزالا وانهيار داخل المؤسسة العسكرية التي تربطها بالمعارضة العلمانية صلة وثيقة ولن تكون قادرة على النهوض من هذه الأزمة؟  

كما يتساءل محللون عما إذا كان الجيش أيضا سيراقب فقط من بعيد تحرك أردوغان نحو دستور ينزعه كافة سلطاته أم سيواجه رئيس الحكومة عقبات في ظل حتمية تحالفه مع المعارضة في وضع بنود الدستور نظرا لعدم حصول حكومته أردوغان على نسبة الثلثين + 1.