بخَّاخ الربو، وأثر استعماله على الصيام
1 رمضان 1437
اللجنة العلمية

بداية أذكر تعريفًا لمرض الربو:

        مرض الربو هو: التهاب مزمن يصيب القصبات الهوائية، مما يُؤدي إلى ضيقها عند تعرض المريض للمواد الحساسة مما يؤدي إلى صعوبة دخول وخروج الهواء أثنا التنفس، وهذا ما يعرف بالنوبة القلبية([1]).

        وأنواع الأدوية المستخدمة في علاج الربو كثيرة، وما يهمنا هنا هي تلك الأدوية التي يستخدمها المريض عن طريق الاستنشاق بالفم كبخاخ الربو خاصة.

 

تعريف بخاخ الربو وطريقة استعماله:

        وهو عبارة عن علبة فيها دواء سائل، وهذا الدواء يحتوي على ثلاثة عناصر: الماء، والأكسجين، وبعض المستحضرات الطبية، ويتم استعماله بأخذ شهيق عميق مع الضغط على البخَّاخ في نفس الوقت، وبعد استنشاقه يترسب جزء منه في الفم والبلعوم، ويصل إلى المعدة والأمعاء الدقيقة بعد البلع إلا أن معظم الدواء يذهب إلى القصبات، والقصيبات الهوائية.

 

 

 

وحجم المادة الدوائية التي تصل إلى الجوف (المعدة) ضئيل جدًا بل قد لا يذكر من أجزاء المليلتر، وغالب حديثي هنا يرتكز على الأدوية التي تستخدم كموسعات للشعب الهوائية، والتي هي عبارة عن أدوية وقتية ويستمر مفعولها من 4-6 ساعات، وتعمل هذه الأدوية على ارتخاء عضلات الشعب الهوائية، ومنع إفراز المواد الكيميائية المسببة لتقلص العضلات مدة مفعولها وهي ماتعرف بالفينتولين (Ventolin)، ويستخدم في علاج ذلك (البخاخ المضغوط)، وهذه علبه يكون الدواء فيها على شكل سائل مضغوط مع الهواء في أنابيب ( أي: يتكون من ثلاث عناصر –كما ذكرت الماء، والاكسجين، وبعض المستحضرات الطبية- وتستعمل هذه البخاخات بطريقتين:

الطريقة الأولى: تكون مباشرة: وهي الشهيرة والمنتشرة والتي "تعم بها البلوى"، وذلك بأن توضع فتحة البخاخ في الفم وتغلق الشفتان، ثم يضغط على جهاز البخاخ، لإخراج الدواء ليستنشقه المريض بفمه؛ فينتشر في الرئة داخل القصبات الهوائية.

الطريقة الثانية: وهي استعمال الأقماع الهوائية التي تغطي الفم والأنف معاً وهي ليست مدار بحثنا ([2]).

 

 

وهل بخاخ الربو يُفطِّر أم لا ؟ اختلف في ذلك العلماء المعاصرون على قولين:

 
القول الأول:

        أن استخدام بخاخ الربو في نهار رمضان لا يفطر الصائم باستعماله، ولا يفسد الصوم([3])، ومما استند عليه أصحاب هذا القول ما يلي:

  1. أن الصائم له أن يتمضمض ويستنشق، وإذا تمضمض سيبقى شيء من أثر الماء مع بلع الريق سيدخل المعدة؛ والداخل من بخاخ الربو إلى المريء ثم إلى المعدة هذا قليل جداًَ، فيقاس على الماء المتبقي بعد المضمضة . ووجه ذلك أن العبوة الصغيرة تشتمل على 10مليلتر من الدواء السائل؛ وهذه الكمية وُضعت لمائتي بخة، فالبخة الواحدة تستغرق نصف عُشر المليلتر، وهذا يسير جداًَ([4]).
  2. وأيضاًَ: أن دخول شيء إلى المعدة من بخاخ الربو ليس أمراًَ قطعياًَ بل مشكوك فيه؛ والأصل بقاء الصوم وصحته، واليقين لا يزول بالشك([5]).
  3. أن هذا لا يشبه الأكل ولا الشرب ولا ما في حكمها([6]).
  4. أن الأطباء ذكروا أن السواك يحتوي على ثمان مواد كيميائية وهو جائز للصائم مطلقاًَ على الراجح ولا شك أنه سينزل شيء من هذا السواك إلى المعدة، فنزول السائل الدوائي كنزول أثر السواك([7]).
القول الثاني:

    أنه لا يجوز للصائم أن يستعمل بخاخ الربو، وإن احتاج إلى ذلك فإنه يتناوله ويعتبر مفطرًا وعليه قضاء صيام اليوم الذي استعمله فيه([8])، وحجتهم في ذلك ما يلي:

1.   أن جزءًا من بخاخ الربو الدوائية، تشتمل على الماء؛ فهو يصل إلى الجوف (المعدة) فيكون مفطرًا للصائم بذلك.

2.   ولأنه دواء يستنششقه الصائم عن طريق فمه فيفطر به([9]).

وقد يناقش هذا: بأنه إذا سُلِّم بنزوله فإن النازل شيء قليل جدًا يُلْحَق بما ذكرنا من أثر المضمضة، و يجاب عنه كذلك بالدليل الأول لأصحاب القول الأول([10]).

 

 

 

الخلاصة والترجيح:

والذي يظهر –والله أعلم- أن استعمال الصائم بخاخ الربو لا يُفطر، ولا يفسد صومه بذلك، خاصة أن المادة العلاجية فيها مُوجهة إلى مجرى النفس، وهو الحويصلات والقصبات الهوائية، وليس إلى مجرى الطعام (المعدة)، وما يصل منها إلى الجوف (المعدة) ضئيل وقليل جدًا، بل ولا يُقصد إيصالها إليها، وليس موجه إليها، وهو يسير غير مقصود، وما كان كذلك فإنه لا يُفطر، لا سيما مع عموم البلوى بهذا الدواء؛ فكثير من الناس يشتكون من هذا المرض العصري، إضافةً إلى أنه يشق على الصائم تأخير استعماله إلى الليل إذا ما أصابته أزمة تنفسية شديدة نهار رمضان، فلا سبيل للتخلص والخروج منها إلا بتناول ذلك واستعماله.

 

وممكن أن يُقاس استعمال بخاخ الربو على عدد من النظائر التي نص عليها الفقهاء المتقدمين والمعاصرين على أنها لا تُفطر؛ ومن ذلك ما يلي([11]):

1.البلل اليسير الذي يبقى في جدار الفم بعد المضمضة، فإنه يختلط بالريق، وينزل إلى الجوف ولا يفطر به الصائم؛ لأنه يسير غير مقصود. قال في الدر المختار: "إذا بقي في فِيهِ بلل بعد المضمضة لم يفطر؛ لأنه واصل بغير قصد"([12]). وقال في كشاف القناع: "إذا بلغ ما بقي من أجزاء الماء بعد المضمضة لم يفطر؛ لأنه واصل بغير قصد"([13])، ومن المعلوم أن ما يصل إلى الجوف من هذا البلل أكثر بكثير مما يصل إلى الجوف عند استعمال بخاخ الربو.

2.الأثر المنفصل عن السواك الرطب عند استعمال الصائم له لا يفطر به الصائم ولو وصل إلى جوفه؛ لكونه يسيرًا غير مقصود.

3.قطرة الأنف –وسيأتي الكلام عنها إن شاء الله- فقد جاء في مجلة مجمع الفقه الإسلامي في عددها العاشر([14])، بأنها لا تفطر.

 

 

 

 

([1])   انظر في ذلك مبحث [العلاج بالاستنشاق وأثره على الصيام]، البحث الطبي للدكتور: عمر بن سعيد العمودي، الجلسة الثانية من الندوة الفقهية الأولى، والتي بعنوان: [التداوي بالمستجدات الطبية وأثرها على الصيام]، في سلسلة الإصدارات الفقهية، رقم (1)، لموقع الفقه الإسلامي، ص (51).

([2])   انظر: النشرة المرفقة مع هذا الدواء، و مبحث [العلاج بالاستنشاق وأثره على الصيام]، البحث الطبي للدكتور: عمر بن سعيد العمودي، والبحث الفقهي للدكتور يوسف بن عبد الله الشبيلي، الذين قدماه في الجلسة الثانية من الندوة الفقهية الأولى، والتي بعنوان: [التداوي بالمستجدات الطبية وأثرها على الصيام]، في سلسلة الإصدارات الفقهية، رقم (1)، لموقع الفقه الإسلامي، ص (46-71)، بتصرف وتلخيص لأهم ما في ذلك.

([3])   وهو قول الشيخ عبد العزيز بن باز كما في مجموع فتاويه (15/265)، والشيخ محمد العثيمين كما في مجموع فتاويه (19/209).

([4])  مفطرات الصيام المعاصرة، لأحمد بن محمد الخليل ص (39-43).

([5])  نفس المرجع السابق.

([6])  انظر ما ذكرته في ص (276)عند الحديث عن حصول الفطر بأحد أمرين: الأول: الأكل والشرب وهو إيصال الطعام أو الشراب إلى الجوف (المعدة)، والثاني: ما كان بمعنى الأكل والشرب، وهو كل ما ينفذ إلى البدن ولو من غير الفم أو الأنف مما فيه تغذية للبدن فأما ما ليس بمغذٍٍ (ليس مقصود لذاته)، فليس بمفطر، لأنه ليس أكلاً ولا شربًا ولا بمعناهما.

([7])  انظر: مفطرات الصيام المعاصرة، لأحمد بن محمد الخليل (39-43)، وقال حفظه الله: " ذكر لي  أحد الأطباء  أن السواك يحتوي على ثمان مواد كيميائية، تقي الأسنان، واللثة من الأمراض، وهي تنحل باللعاب وتدخل البلعوم، وقد جاء في صحيح البخاري أن النبي "صلى الله عليه وسلم" كان يستاك وهو صائم فإذا كان عُفي عن هذه المواد التي تدخل إلى المعدة؛ لكونها قليلة وغير مقصودة، فكذلك ما يدخل من بخاخ الربو يعفى عنه للسبب ذاته".

([8]) وهو قول الشيخ محمد المختار السلامي، والدكتور محمد الألفي، والشيخ محمد تقي الدين العثماني، والدكتور وهبة الزحيلي، كما جاء ذلك عنهم في العدد العاشر، من مجلة مجمع الفقه الإسلامي، (2/65، 76) . 

([9]) انظر: العدد العاشر، من مجلة مجمع الفقه الإسلامي، (2/65، 76) . 

([10])  مفطرات الصيام المعاصرة، لأحمد بن محمد الخليل ص (44).

([11])  انظر: [العلاج بالاستنشاق وأثره على الصيام]، البحث الفقهي للدكتور يوسف بن عبد الله الشبيلي، الذي قدمه في الجلسة الثانية من الندوة الفقهية الأولى، والتي بعنوان: [التداوي بالمستجدات الطبية وأثرها على الصيام]، في سلسلة الإصدارات الفقهية، رقم (1)، لموقع الفقه الإسلامي، ص (70-71)، بتصرف

([12]) الدر المختار (2/396).
([13]) كشاف القناع (2/321).
([14]) (2/399).