استعمال الصائم قطرة العين
1 رمضان 1437
اللجنة العلمية

        اختلف الفقهاء فيما يوضع في العين كالكحل ونحوه هل يفطر أم لا، وخلافهم هذا مبني على أمر آخر وهو هل تعتبر العين منفذاً كالفم. وحاصل ذلك ما يلي:

        فذهب الأحناف([1])، والشافعية([2]) إلى أنه لا منفذ بين العين والجوف، أو الدماغ، وبناءً على ذلك فهم لا يرون أن ما يوضع في العين مفطراً.

        وذهب المالكية([3])، والحنابلة([4])، إلى أن العين منفذ إلى الحلق كالفم، والأنف فإن اكتحل الصائم ووجد طعمه في حلقه فقد أفطر.

        وقد بحث شيخ الإسلام خلاف الفقهاء في الكحل، ومما قاله:" وأما الكحل ... فهذا مما تنازع فيه أهل العلم ... والأظهر أنه لا يفطر ... فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول "صلى الله عليه وسلم" بيانه ولو ذكر ذلك، لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي "صلى الله عليه وسلم" في ذلك لا حديثًا صحيحًا ولا ضعيفًا ولا مسندًا ولا مرسلا عُلم أنه لم يذكر شيئًا من ذلك، والحديث المروي في الكحل ضعيف([5])... وإذا كانت الأحكام التي "تعم بها البلوى" لابد أن يبينها الرسول "صلى الله عليه وسلم" بيانًا عامًا ولابد أن تنقل الأمة ذلك فمعلوم أن الكحل ونحوه "مما تعم به البلوى" كما تعم بالدهن والاغتسال والبخور والطيب فلو كان هذا مما يفطر لبينه النبي "صلى الله عليه وسلم" كما بين الإفطار بغيره، فلما لم يُبين ذلك عُلم أنه من جنس الطيب والبخور والدهن والبخور، قد يتصاعد إلى الأنف، ويدخل في الدماغ، والدهن يشربه البدن ويدخل إلى داخله ويتقوى به الإنسان، وكذلك يتقوى بالطيب قوة جيدة فلما لم ينه الصائم عن ذلك دل على جواز تطييبه وتبخيره وادهانه وكذلك اكتحاله"([6]).

 

 

        والطب الحديث أثبت أن هناك قناة تصل بين العين والأنف، ثم البلعوم([7])،  لذا اختلف العلماء المعاصرون في قطرة العين وهل يفطر الصائم بهذا التقطير أم لا؟ على قولين:

القول الأول:

                أن قطرة العين ليست مفطرة([8])، ومما استدلوا به ما يلي:

1.أن جوف العين لا تتسع لأكثر من قطرة واحدة، والقطرة الواحدة حجمها قليل جدًا، فإن الملعقة الواحدة الصغيرة تتسع من 5سم إلى 3سم من السوائل، وكل 3سم يمثل خمس عشرة قطرة، فالقطرة الواحدة تمثل جزءًا من خمسة وسبعين جزءًا مما يوجد في الملعقة الصغيرة. فقطرة العين الواحدة = 0.06 من السنتيمتر المكعب. وهذا المقدار لن يصل إلى المعدة، فإن هذه القطرة أثناء مرورها بالقناة الدمعية فإنها تُمتص جميعًا ولا تصل إلى البلعوم، فإذا قلنا أنه سيصل إلى المعدة شيء فهو يسير، والشيء اليسير يعفى عنه، كما يعفى عن الماء المتبقي بعد المضمضة([9]).

2.أن هذه القطرة أثناء مرورها في القناة الدمعية تُمْتَصُّ جميعها ولا تصل إلى البلعوم، أما الطعم الذي يشعر به في الفم فليس كذلك (أي: لا تُمتص) لأنها تصل إلى البلعوم، بل لأن آلة التذوق الوحيدة هي اللسان، فعندما تمتص هذه القطرة تذهب إلى مناطق التذوق في اللسان، فتصبح طعْمًا يشعر بها المريض، هكذا قرر بعض الأطباء([10])، وإذا ثبت هذا فهو حاسم في المسألة.

3.أن القطرة في العين لا تفطر لأنها ليست منصوصاً عليها، ولا بمعنى المنصوص عليه، والعين ليست منفذًا للأكل والشرب ولو لطخ الإنسان قدميه ووجد طعمه في حلقه لم يفطره؛ لأن ذلك ليس منفذًا فكذلك إذا قطَّر في عينه([11]).

القول الثاني:

                أن استعمال الصائم لقطرة العين تسبب فساد صومه([12])، وهم يقيسون في ذلك على الكحل إذا وصل إلى الحلق([13]).

 

 

الخلاصة والترجيح:

            الذي يظهر -والله أعلم- أن استعمال قطرة العين لا يُفطر، وأما قياس ذلك على الكحل فهو محل نظر؛ لأن إفطار الصائم بالكحل محل خلاف، -كما تبين لنا من كلام ابن تيمية السابق- وإذا كان في المسألة خلاف فلا يصح القياس عليه([14]).

 
 
([1]) انظر: المبسوط (3/67).تبيين الحقائق (1/323).
([2]) الأم (2/101)، المجموع (6/363).  
([3]) التاج والإكليل (2/425)، شرح مختصر خليل للخرشي (2/244).

([4])  المغني (3/19)،الفروع (3/46).

([5])  يُشير في ذلك إلى حديث عائشة رضي الله عنها "أن النبي "صلى الله عليه وسلم" اكتحل وهو صائم"، أخرجه ابن ماجه في كتاب الصيام، باب ما جاء في السواك والكحل للصائم (1/536)، رقم (1678)، وغيره، انظر نصب الراية (2/331).

([6])  مجموع الفتاوى (25/234-235)، بتصرف يسير.

([7])  مفطرات الصيام المعاصرة، للدكتور احمد الخليل ص (65).

([8])  وممن قال بهذا القول من المعاصرين الشيخ ابن باز، كما في مجموع فتاوية (15/260)، وابن كما في مجموع فتاويه أيضًا (19/206)، ود.وهبه الزحيلي ود.الصديق الضرير والشيخ عجيل النشمي، وعلي السالوس، كما في مجلة مجمع الفقه الإسلامي في عددها العاشر (2/الصفحات: 392،385،381،378)

([9])  انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي في عددها العاشر (2/369،329)، بتصرف.
([10])  انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي في عددها العاشر (2/369).
([11])  مجلة مجمع الفقه الإسلامي في عدده العاشر (2/82،39).

([12])  قال به كما في مجلة مجمع الفقه الإسلامي في عدده العاشر (2/82،39)، كل من: الشيخ محمد المختار السلامي، والدكتورمحمد الألفي.

([13])  انظر: مفطرات الصيام المعاصرة ص (68).

([14])  وقد كنت سأدرج مسألة: استعمال الصائم لقطرة الأذن، إلا أني رأيت أنها لا تعم بها البلوى، فلا يكاد يستخدم ذلك إلا القلة من الناس، وعلى كل فقطرة العين هي:  عبارة عن دهن" مستحضرات طبية "يصب في الأذن ؛ وإن كانت قطرة الأذن من الأمور الطبية المستجدة، إلا أن الفقهاء –رحمهم الله- أشاروا إلى شيء من ذلك تحت مسألة: إذا داوى نفسه بماء صبه في أذنه، وفي ذلك قولين لهم:

 القول الأول: إذا صب دهن في الأذن أو أدخل الماء أفطر، وهو مذهب الأحناف ، والمالكية ، والأصح عند الشافعية ، ومذهب الحنابلة ، إذا وصل إلى دماغه. وقد ذهب هؤلاء إلى القول بالتفطير، بناءً على أن ما يوضع في الأذن يصل إلى الحلق، أو إلى الدماغ، فهذا صريح تعليلهم. وانظر مزيد تفصيل لهذا القول في [بدائع الصنائع (2/93)، المدونة (1/198)، المجموع (6/204)، وشرح العمدة لابن تيمية (1/387).

القول الثاني: أنه لا يفطر، وهو وجه عند الشافعية كما في المجموع (6/204)، وبنى هؤلاء قولهم على أن ما يقطر في الأذن لا يصل إلى الدماغ، وإنما يصل بالمسام. وهنا أرجع هذا الخلاف إلى التحقق من وصول القطرة التي في الأذن إلى الجوف (المعدة)، وقد بين الطب الحديث أنه ليس بين الأذن وبين الجوف ولا الدماغ قناة ينفذ منها المائع إلا في حالة وجود خرق في طبلة الأذن فإذا تبين أنه لا منفذ بين الأذن والجوف فيمكن القول -بناءً على تعليلات القائلين بالتفطير-  أن المذاهب متفقة على عدم إفساد الصيام بالتقطير في الأذن. أما إذا أزيلت طبلة الأذن فهنا تتصل الأذن بالبلعوم عن طريق قناة ( استاكيوس)، وتكون كالأنف .