المتحولون إعلامياً.. والثابتون في بغض الإسلام!!
27 شعبان 1432
علا محمود سامي

إن الناظر إلى الإعلام المصري قبل وبعد ثورة 25 يناير يلاحظ  تحولاً كبيراً في كثير من المواقف الإعلامية التي كان يتبناها أنصار وأصحاب النظام الإعلامي السابق، علاوة على غيرهم ممن يسمون أنفسهم بالمستقلين، وهم في حقيقة الأمر ينضوون تحت إطار "إيديولوجي" ، لا يلاحظه سوى من يتابع أفكارهم، ويفهم  أغوارها،ويدرك أساليبهم ومغالطاتهم، بما يعد شكلا من أشكال الإقصاء، الذي يلصقونه بخصومهم.

 

بالأمس القريب، وقبيل ساعات من انقضاء نهار 11 فبراير 2011، كانت الأقلام الإعلامية في صحف وفضائيات تدعي أنها مستقلة تمسك بالعصا من المنتصف ، فلا هي تدعم ثورة 25 يناير، ولا هي تعارضها ، وذلك مختلف نسبياً عن حال أقلام أخرى حكومية وفضائيات رسمية، كانت تزين للحاكم أن من خرجوا في ميدان التحرير ما هم إلا قلة منحرفة ، يعملون على التهمة الأكثر شهرة في النظام السابق، وهى قلب نظام الحكم، وأن أمثال هؤلاء ليس لهم سوى الويل والثبور، وتجريعهم العلقم نتيجة لتجرئهم على إثارة الفزع ، وعدم الاستقرار في البلاد.

 

كانت هذه حالة الإعلام من صحافة وفضائيات قبل انتهاء نهار 11 فبراير، حتى إذا ما جن المساء وتنحى الرئيس المخلوع حسني مبارك، وتم الإعلان عن انتصار ثورة 25 يناير، أصبح المشهد مختلفاً تماماً، حيث تحول المطبلون للنظام السابق إلى داعمين لثورة 25 يناير، وكان ذلك واضحا في "المانشيت" الأشهر لصحيفة "الأهرام" المعبرة عن النظام السابق ، والذي صدرته في عدد 12 فبراير الماضي بعنوان استحوذ على ثمانية أعمدة للجريدة ، وهو أن "الشعب أسقط النظام"، على الرغم من أن  الجريدة ذاتها ، ظلت تقدح في الثورة والثوار حتى اليوم السابق ليوم خلع الرئيس مبارك، ولكنها سياسة المتحولين الجدد في عالم الاعلام الجديد ، فكثيرا ما كانت تذكر هذه الصحيفة وغيرها عبارات "القلة المندسة في ميدان التحرير"، و"الفئة الضالة التي تسعى إلى زعزعة الوطن"، إلى غيرها من عبارات التخوين.

 

كثيرون تخيلوا أن أمثال هؤلاء الذين يأكلون على فتات كل الموائد سيسحبون أنفسهم بعد وقت يسير من المشهد العام، غير أنهم أصروا بنفاق بين على الاستمرار في صدارة المشهد، غير عابئين بما يمكن أن يقال عنهم من  أنهم لا يراعون للمبادئ حرمة، ولا يعرفون ثباتاً على موقف، فالمواقف النفعية الباطلة، لا يبذل أنصارها الغالي والنفيس، وهي لا تستوجب منهم تضحية أو دفاعاً، ماداموا قد اعتادوا على تناول فضلات وجبات غيرهم.

 

على هذا النحو يمضي ما يعرف بالمتحولين في مصر قي أجهزة ووسائل الإعلام ، يمشون في ركب المسير، لا يقلقهم التخلي عن مبدأ، ولا تزعجهم الدعوة لأفكار كانوا يعتقدون بالأمس القريب أنها سيئة وهدامة لأنها محظورة، حتى أصبحت اليوم أشبه بالمحظوظة، غير أنهم لم يكتفوا بكل ذلك، بل تراهم يدسون السم في العسل عن طريق إثارة فزاعات وتخويفات، وخاصة عند الحديث عن الإسلاميين، واحتمال مشاركتهم في السلطة.

 

وأخذ هؤلاء المتقلبون ينفثون سمومهم في إعلامهم الذي يدعي الاستقلال من فضائيات وصحافة، بالإضافة إلى  إعلام يدعي القومية وأنه ملك للشعب وللدولة ، وليس للنظام أو الحكومة. من هذه السموم تلك التي يروجها دعاة الاستقلال والقومية أن مصر أصبحت على مشارف المرحلة الجزائرية إبان مرحلة التسعينيات من القرن العشرين الميلادي، عندما فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات "البرلمانية"، وكانت قاب قوسين أو أدنى من تشكيل الحكومة، حتى كان الانقلاب على الشرعية من جانب أمثال هؤلاء المتحولين ودعاة الاستقلال والقومية، إلى أن دعمهم العسكر،  الذين دعموا بالتالي الانقلاب على الشرعية، ليس هذا فحسب، بل ساعدوا على إقحام بلد المليوني شهيد في فتنة لا تزال تحصد العديد من الأرواح، ويؤذى بسببها أبرياء.

 

هذا النموذج المنقلب على الشرعية راح يصدره أمثال هؤلاء، فلم ينتظروا نتيجة الانتخابات المقبلة، والتي قد لا تأتي بالإسلاميين، كما تجاهلوا  تصريحات جميع فصائل التيار الإسلامي بأنها لن تزاحم على سدة الحكم، ولن تدفع بمرشحيها لرئاسة البلاد.

 

وعلى الرغم من ذلك كله، ولكونهم اعتادوا الفوضى والإثارة، أصبحوا يثيرون المصريين بالتظاهر تحت ادعاء الحفاظ على مبادئ الثورة، والدخول في اعتصامات وإضرابات تؤذي الاقتصاد المصري وتمزق صف المجتمع  ، دون أن يعرفوا حدود الثائر الحق، الذي يهدأ بعد ثورته، ليكون منتجا في محيطه، غير أنهم لا يعرفون إنتاجاً سوى بث الفتن  والإثارة، وزرع بذور الفتنة.

 

وقد سبق لهؤلاء المنافقين المهرجين،  أن تقلبوا مع كل العهود وأكلوا من فتات جميع موائد الرؤساء ، بدءاً من جمال عبد الناصر، وحتى حسني مبارك، وما بينهما من حكم أنور السادات، جميعهم كانوا يطبلون لهم ، حتى إذا رحل  أحدهم عن الحكم أو عن الدنيا ، ركبوا موجة جديدة بخطب معسولة، وبلسان مفتون، يروج للفتنة ويدعو للإثارة، ويمجد  الحاضر، ويستنكر السابق، لكن العنصر الثابت في تقلباتهم المزرية كراهيتهم لكل ما ينتسب إلى الإسلام وأهله.

 

ولا يخجل هؤلاء من أفعالهم، وهم يتجرعون فضلات نفايات التاريخ، بل سرعان ما يتحولون، وتحولهم الأكثر هذه الأيام في ظل انتشار فضائيات محسوبة على رجال أعمال، وصحافة تدافع عن رأس المال وغول الفساد، فضلا عن الفزاعة الكبرى، التي يصدرونها في كل جلساتهم، ويروجون لها ولا يتحسسون ألسنتهم بالتخويف منها، وهي فزاعة الحكم الإسلامي، وما يمكن أن يحصده الإسلاميون من مقاعد.

 

 

وكما يقال ، فإن الطالب غير المجتهد دائما ما ينتقد مدرسيه بعد الامتحان، فضلاً عن الطالب الفاشل  الذي لا يتمنى أن يأتيه يوم الامتحان. فهؤلاء لا يتمنون يوم الانتخاب، لأنهم يدركون جيدا أن حقيقتهم ستبدو جلية في ذلك اليوم، ولذلك لا يبحثون سوى عن عراك إعلامي، وحشد جماهيري، ثم يقولون عن أنفسهم إنهم نخبة، ولا يدركون أن النخبة هي التي تقود، وأن مصير الثرثرة دائما ما يلفظه مستقبلوها، حتى لا تصدع أدمغتهم ، فهؤلاء قد لا يصدق فيهم عنوان هذا المقال بأنهم متحولون إعلاميا، بل هم متحولون فكريا، إن كان الفكر  يعرف طريقا إلى عقولهم الصدئة، بعدما ضلوا السبيل، وتعثروا على عتبات الخداع، الذي علق بأطراف ثيابهم، فيكشف ما في صدورهم من إعلام أقل ما يقال عنه إنه إعلام الفتنة، ينهل من نفس المعين الذي كان ينهل منه النظام المصري المخلوع، يعرف رأي النظام وحده، يقول المنكر ، ولا يعرف للحق طريقاً إلا ليعاديه ويشوه صورته بالكذب والتزوير.