إحياء "المسيحية" القديمة فى النرويج وبريطانيا وراء تفجيرات "الأصوليين"
26 شعبان 1432
جمال عرفة

ثلاثة أمور يجب أن نتنبه لها جيدا علي هامش الاعتداءين الذين قام بهما متطرف مسيحي نرويجي علي مقر الحكومة ومعسكر شبابي صيفي للحزب الحاكم وأوديا بحياة 98 شخصا وأصابا نحو 90 آخرين،: (الأول) أن مبرر هذا المسيحي المتطرف المتعصب دينيا (أندرس بيهرينج بريفيك) منفذ مذبحة جزيرة أوتويا النرويجية وتفجير مقر الحكومة اعترف أنه قام بهذا للفت الأنظار لرفضه للتعددية الثقافية في النرويج والسماح للمسلمين وغيرهم بالبقاء في البلاد والعمل ، و(الثاني) أن الاعتداء استهدفت مخيّم شبابي يعبِّر ضمن أعمالها عن التضامن مع الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال ورفع الحصار ما يكشف خطورة النزعات المتطرِّفة التي تروِّج للتحريض والكراهية ضد الإسلام في أوروبا  ، أما الأمر (الثالث) فهو أن صحف أوروبية – وخصوص الألمانية - تطوعت مبكرا لإتهام "الأصوليين الاسلاميين المتطرفين" بالمسئولية عن الحادث ولم تعتذر عما الصقته بالمسلمين ما يتطلب مساءلتها قانونيا من هذه الجاليات الاسلامية .

 

فهذا النروجي المتطرف – حفيد حضارة (الفايكينج) الدموية – اعترف أنه فعل ما فعل كراهية في الاسلام ، وكتب يوم المجزرة شهادة طويلة من اكثر من 1500 صحفة على الانترنت عرض فيها بشكل مفصل التزامه العقائدي المعادي للاسلام والماركسية واطلق علي نفسه ألقاب صليبية قديمة تعود للمسيحية القديمة مثل (قائد فرسان الحق) تيمنا بالفرسان الصليبيين والعضو في (فرسان الهيكل) حتي أنه ترك شريط فيديو بهذا الاسم الاخير ، وغالبا ما ينتقد الاسلام والتعددية الثقافية والماركسية على الانترنت حيث ينشط كثيرا، ووصف نفسه بقوله :( لست عنصريا ولم اكن يوما عنصريا .. ولكنني محافظ مسيحي يهوى العاب الكمبيوتر الحربية) .
وقد ترك شريط فيديو مدته 12 دقيقة نشر علي موقع يوتيوب تحت عنوان إعلان استقلال أوروبا, ظهر فيه وهو يحمل سلاحا آليا ويرتدي بدلة غوص زينت بشارة عليها نقش الصياد الماركسي, وحمل شريط الفيديو عنوان فرسان الهيكل 2083, كما انتقد - في النص المكتوب- التعددية الثقافية وأكد أنه ينبغي نفي المهاجرين, وخاصة المسلمين من أوروبا, ووقع باسم أندرو بيرويك.

 

أما الصحف الأوروبية التي هاجمت المسلمين بدون تبين الحقيقة – كما سبق أن فعلوا في تفجير أوكلاهوما الأمريكي الذي ارتكبه أيضا متطرف يميني أصولي مسيحي – فلم تعتذر ولكن بعضها مثل صحيفة (أفتن بوستن) النرويجية ، قالت أن ما جري يؤكد خطأ النظريات التي تعتبر المتطرفين الإسلاميين هم الجناة, لأن الإرهاب جاء من الداخل وليس من الخارج ، وأراد المجلس المركزي للمسلمين في المانيا أن يلقن الصحف الالمانية التي اتهمت المسلمين درسا فأصدر بيانا ينتقد وصف وسائل الإعلام لمنفذ الاعتداء بأنه أصولي مسيحي, مؤكدا أن : "المسلمين كما يدينون بشدة ربط الإعتداءات التي يشنها إرهابيون مسلمون بأنها اعتداءات إرهابية إسلامية فإنهم يرفضون أيضا الزج بالعقيدة المسيحية في هذا العمل, لأن الإرهاب لا دين له ".

 

إحياء المسيحية القديمة
والملفت الذي يجب أن تدركه جهات التحقيق الغربية هو أن هناك ليس فقط انتعاش لظاهرة الاسلاموفوبيا في أوروبا – اي الخوف من الاسلام – ولا التحريض علي الاسلام نفسه وطرد أبناءه وإضطهادهم ، وإنما بدأت تظهر توجهات أشد تطرفا ضد الاسلام من جهة وضد الانحلال المنتشر في الغرب عبر الدعوة لإعادة إحياء تعاليم المسيحية القديمة بعدما أندثرت المسيحية في الغرب وهجر الاوروبيون كنائسهم أو حولوها الي أنشطة أخري بسبب حالة الرفض للدين وكراهيته وعزوف الغربيين عن اعتبار أنفسهم مسيحيين أو يؤمنون باي دين اصلا !.

 

هذا الاحياء للمسيحية القديمة والذي انتعش في بريطانيا وبدأ ينتقل لدول أخري منها النرويج التي سبق لحكامها الفايكينج القدامي أن حكموا جزر بريطانيا بعدما غزوها ، لم يتخذ للاسف شكل التدين المعتدل ، بقدر ما أخذ شكل رد الفعل الحاد المتطرف بدوره ضد التطرف الالحادي في المجتمع الأوروبي ، بحيث أصبح من الطبيعي رؤية جماعات مسيحية متطرفة تدعو للعودة لاحياء المسيحية القديمة بعقلية العصور الوسطي التي كانت تكره االاسلام وكان لها دور في محاكم التفتيش في اسبانيا ضد المسلمين وقتلهم وتعذيبهم بطرق بشعة لا علاقة لها بالمسيحية النقية المتسامحة .

 

وسبق أن اشارت صحيفة "صنداى تليجراف" إلى قضية التمييز الدينى فى بريطانيا فى ضوء تقرير لجنة المساواة و حقوق الإنسان البريطانية والذى يشير إلى وقوع بعض الجماعات الدينية داخل بريطانيا فريسة لجرائم التمييز ، ونقلت الصحيفة فى موقعها الإلكترونى عن تريفور فيليب رئيس اللجنة اتهامه للجماعات المسيحية المتشددة فى بريطانيا بكونها أكثر تطرفا بل إنها فى بعض الأحيان "تفتعل وتختلق نزاعات وأزمات يكون الدافع خلفها فى الغالب نابعا من أهداف ومطامع سياسية " ، وبالمقابل قال تريفور فيليب إن : (موقف المسلمين البريطانيين المعتدل ورغبتهم فى الانصهار فى المجتمع البريطانى يرجع إلى التسامح الدينى الإسلامى بوصفه دينا يتلاءم مع متطلبات المجتمع الليبرالى الديمقراطى الحديث بما جعل المسلمين يستفيدون من الديمقراطية الحرة التى تكفلها بريطانيا لمواطنيها) .

 

وأعرب تريفور عن اعتقاده بأن الضحايا الحقيقيين لجرائم الكراهية والتمييز داخل المجتمع البريطانى هم المسلمون ، محذرا من خطر محاولة احياء المسيحيين البريطانيين ما أسماه"المسيحية القديمة" داخل أروقة الكنائس الكاثوليكية والذى يعتقد بانها لا تتلاءم ومتطلبات مجتمع بريطانى حديث يضم داخل نسيجه أعراقا وثقافات مختلفة" حسبما قال .

 

وكان تقرير اللجنة قد أفاد بارتفاع أعداد قضايا التمييز على أساس دينى من 70 إلى 1000 سنويا، مما دفع فيليب للإعراب عن قلقه أن يكون الدافع وراء بعض تلك القضايا هو نظرة متعصبة من قبل الجماعات المسيحية المتشددة فى بريطانيا والتى أضحى لها تأثير ونفوذ كبير على الكنائس البريطانية مع قدوم المهاجرين من دول الكاريبى وإفريقيا إلى بريطانيا تحدوهم أفكارا غير متسامحة.

 

وهناك اعتقاد بأن احد أسباب أنتشار هذا اللاتسامح من قبل أتباع هذا التيار الذي يعتنق افكار المسيحية القديمة او مسيحية العصور الوسطي الظلامية يرجع أيضا لحالة العزوف عن الكنيسة من قبل الاوروبيين بسبب ما تكشف من فضائح الرهبان الجنسية ضد الأطفال والراهبات، ما دعا لقلة المصلين في كنائس اوروبية حتي أن هناك احصائية عن احتمال تعرض 4000 كنيسة برطانية للغلق بحلول عام 2020م، وهروب الشباب الأوروبي من الديانة المسيحية ، والتراجع في المبادئ الدينية الأساسية، كالسماح برجال دين شواذ جنسياً وبتزويج الشواذ وهو ما اعتبره بابا الفاتيكان نذير خطر يجعل مستقبل أوروبا المسيحية "كئيب وينذر بالخطر"، محذراً بدوره من انحسار الهوية المسيحية في ظل انخفاض معدل المواليد وزيادة عدد المهاجرين المسلمين ، وميل الأوروبيين كذلك لاعتناق عقائد اسيوية لا علاقة لها باليهودية والمسيحية والإسلام.

 

ولذلك بدأت تلوح في الأفق ملامح مقاومة يقودها شباب متعصب ورجال دين وعلمانيون مثقفون ضد شطب المسيحية من قاموس الحياة في أوروبا ليس بمعني تديين الدولة أو إلى أن تصبح المسيحية هى القوة المحركة للمجتمع ولكن بمعني أكثر تعصبا تتحول إلى عصبية تستبعد الأقليات الأخرى خصوصا الإسلام سواء بدافع تاريخي متعصب نابع من ثقافة العصور الوسطي والحروب الصليبية أو بدافع من التحريض الصهيوني في اوروبا ضد العرب والمسلمين وتشوية صورتهم خصوصا بعد تفجيرات 11 سبتمبر .

 

والحقيقة أن هذا التطرف والأصولية التي أظهرها تفجير النرويج يرجع للأصول التاريخية وشعب الفايكينج الوثني الذي أرعب أوروبا حيث أغار قراصنة الفايكنج بانتظام على شواطئ أوروبا الغربية وحكموا جزر بريطانيا وغيرها من المناطق الأوروبية ، فالفايكنج هم أؤلئك المقاتلون الاشداء الذين جاؤوا من اسكندنافيا (النرويج والدنمارك والسويد) بعدما كانوا يعيشون في الجبال ، وعرف عنهم الحروب الدموية وارتدائهم لقبعات غريبة بقرون واستخدام الأسلحة المعدنية الثقيلة.
وعبادة الفايكنج كانت مثل اليونان القدامى تقريباً ، حيث كانوا يؤمنوا بوجود عدة الهة مثل أودين وثور وغري.. ولكن ديانة الفايكنج انتهت تماما بعد خسارتهم الحروب ضد الإنجليز وفرض الكنيسة شروطاً عليهم نتج عنها التحول إلى المسيحية في النهاية .

 

وعندما اعتنق ملوك الفايكينج المسيحية عام 965 ميلادية ، نشر بعض الملوك أسس الدين بطريقة الفايكنج االمتطرفة للإقناع حيث أمر الملك (أولر) بقتل كل ما لا يعتنق المسيحية حينئذ ونتج عن ذلك هروب عدد كبير من الاسكندنافيين ليستقروا في الأراضي الساحلية غربًا .

 

وقد وصف الشاعر النرويجي (هوفارد ريم) حضارة بلاده في كتابات أدبية وشعرية له بقوله أنها بلاد "تمجد المشنقة" ، حيث يقول في مجموعة شعرية بعنوان " بلاد المشنقة ": عندما حصلت على الاناجيل مخزونة على قرص كومبيوتر ، قمت بتجربة بسيطة لم تستغرق أكثر من خمسة ثوان ، فقد وضعت الاقراص في الكومبيوتر وبحثت عن كلمة " صليب " واستبدلتها بـ " مشنقة " ذلك لان الصليب في الامبراطورية الرومانية قبل ألفي عام زمن المسيح ، كان له نفس فعل المشنقة في الغرب اليوم ونفس فعل الكرسي الكهربائي في امريكا .

 

ويقول أنه بعد استبدال كلمة باخرى "حصلت على نص للأناجيل يتحدث عن المشنقة لا الصليب ، وهو نص دموي وبشع ، فبدأت أتصور فيما لو غيرت صور الصليب على العلم النرويجي بمشنقة وفيما لو أن رموز الصليب على منارات الكنائس تحولت الى مشانق ، سنرى الواقع بشكل اخر ، ان حضارتنا اليوم تمجد جهاز الاعدام كرمز ديني وقومي ، انا استغرب ان العقل الغربي حتى هذه اللحظة لا يتمرد على هذه الحضارة ، وما الذي يرجى من حضارة وشعوب تقدس جهاز الاعدام " !.

 

ولا شك أن هذه الثقافة التاريخية لعبت دورا في انتشار التطرف بين مسيحيين يمينيين متعصبين أوروبيين كما هو الحال بنسبة لأخرين من أديان أخري في النرويج ودول أوروبية أخري ، وزادت بالتزامن مع توجه عام ينتشر في عدة دول أوروبية – ابرزها انجلترا – للعودة الي ما يسمي (المسيحية القديمة) ومحاولات إحياءها حاليا ردا علي العزوف المتزايد هناك عن الكنيسة وعن الدين المسيحي وانتشار الالحاد والحضارة المادية .

 

وقد أظهرت استطلاعات الرأي قام بها مركز أبحاث أنشأ حديثا يحمل اسم "ثيوس" - وهي الكلمة اليونانية التي تعني الرب -  أن جيل الشباب في أوروبا بات أكثر تقبلا لدخول الدين الحياة العامة من جيل الأباء، مما يعني أن المستقبل واعد لدعاة استعادة الوجود المسيحي .

 

أما الحسنة الوحيدة لهذه المجزرة النرويجية – لو جاز الحديث عن حسنات لها – فهي أنها اوقفت هذه الكراهية للاسلام في الغرب نسبيا ، وأعادت الاذهان الي أن الارهاب لا دين له وأنه ليس مرتبطا بالاسلام كما كانوا يفعلون علي مدار السنوات العشرين الماضية ، ومع هذا فهناك مخاطر من أن يكون الهدف الذي سعي له هذا المتطرف النرويجي من هذا القتل ، ، وهو لفت أنظار الاوروبيين لضرورة التخلص من المسلمين وغير الاوروبيين من بلادهم ، هو الرسالة التي قد تصل للأرووبيين وليس العكس .. فحين إذن ستزداد العنصرية ضد الاسلام وليس العكس !؟