أنت هنا

النسخة السورية من "أبو غريب"
21 شعبان 1432
موقع المسلم

الصورة الهمجية المشينة التي عرضها النشطاء عبر اليوتيوب لمواطنين سوريين مجردين من ملابسهم الخارجية، ومشدودين بحبال ربطت بأطواق حول أعناقهم، يخرجون من باصات يستخدمها الأمن السوري ـ كالعادة ـ لترحيل صيدهم من المتظاهرين والمعارضين تعكس أكبر درجات الاستهتار الحكومي بحقوق الإنسان في العالم، وتبرهن على أن النظام الإجرامي في دمشق قد تجاوز بمراحل كل الخطوط الحمراء التي يتوجب قانونياً وأخلاقياً وإنسانياً عدم تجاوزها في التعاطي مع معتقلين سياسيين أو جنائيين.

 

ونستطيع أن نجزم بلا مبالغة أن هذا النظام الاستبدادي الشمولي قد فاق كل مستوى في الطغيان بهذه الأفعال المهينة، لأنها في الحقيقة تحصل ضد "مواطنيه"، ومن يتحدث بلغته العربية، وليس قوة احتلال كالصهاينة والأمريكيين وغيرهم، وهذا يخالف المحتلين في كونه الأجرأ على سفك دم أبناء شعبه بخلاف ما يحصل في فلسطين، أو العراق التي ارتكب فيها الأمريكان فظائع جسدتها إعلامياً فضائح سجن "أبو غريب"، وفي أفغانستان، ومثلتها في قاعدة باجرام، وفي قاعدة كوبية تابعة للولايات المتحدة (جونتنامو)؛ فكل هذه الجرائم ـ على بشاعتها ـ ترتكب ضد "أعداء" من "غرباء" لا تجمعهم بالضحايا أي وشيجة بخلاف النظام الرسمي السوري الذي يدعي العروبة ويتمظهر بالإسلام وتتقاسم طوائفه الطعام والأرض والحياة ذاتها فيه.

 

يضاف إلى ذلك، لا مبالاة النظام وشبيحته بالإعلام مطلقاً، وهذه معناه واحد من اثنين، إما أن النظام قد بلغ من الحمق منتهاه، بحيث لم يعد يبالي بتداعيات ارتكاب هذه الجرائم في الهواء الطلق، وفي أماكن غالباً ما تكون عرضة لكاميرات الثوار المنتشرة في المناطق الساخنة، وإما أن النظام الدموي قد أُعطي الضوء الأخضر لارتكاب فظائعه  تحت سمع العالم وبصره، أو أن حجم التطمينات التي تلقاها النظام من دوائر رسمية غربية قد رجحت لديه تغليب "فائدة" إرعاب المارة عن مضرة فضح ممارساته القمعية والسادية أمام شاشات التلفزة.

 

والرسالة التي أراد المتوحشون إرسالها للجميع داخل سوريا، أنهم إذا كانوا قد اجترؤوا على ارتكاب ذلك أمام المارة وكاميراتهم؛ فإن من يقع تحت أيديهم لاشك أنه سيلقى عذاباً وتنكيلاً لا مثيل له وراء الأسوار، وللخارج أنهم غير معنيين بكل التهديدات عن ملاحقتهم أمام المحاكم الدولية لاقترافهم جرائم ضد الإنسانية، وهي رسالة مزدوجة تنم عن قبح هذا النظام وإجرامه، كما تكشف من جهة أخرى عن كون القاعدة الإجرامية في البناء الأمني لم تتدرب يوماً على أن تكون محترمة، تقدر كرامة الإنسان، وأنها لا يمكنها أن تغير سلوكها الرتيب أبداً حتى لو استجلب ذلك لها ملاحقة قادمة مثلما بدأت المحاكمات في أقل كثيراً من نظيرتها المصرية فيما يتعلق بما يُسمى بـ"معركة الجمل"، وهي حالة حنونة جداً إذا ما قورنت بإجرام ماهر الأسد وميليشياته المحلية واللبنانية.

 

الجريمة قد شاهدها معظمنا على شاشات الفضائيات، وهي ليست بدعاً من جرائم النظام المتنوعة والفاقعة، لكن أحداً لم يسأل عن دور الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ولا الأصوات الحنجورية المألوفة في عالمنا العربي التي أقامت الدنيا ولم تقعدها ـ وقد كان واجبها حقيقة ما هو أكبر من ذلك ـ وخرست تماماً عن الجريمة الرسمية في سوريا.. لقد جابت صور "أبو غريب" و"جونتنامو" أرجاء العالم واستدعت تحقيقات (ولو كانت شكلية) واجتذبت انتقادات الكثيرين في عالمنا العربي، ووفرت موضوعات لمئات الأقلام في صحافتنا العربية، ومادة دسمة لبرامجنا الحوارية والإخبارية؛ فما لهذه مرت مرور الكرام علينا، وكأن الكاميرات كانت تصور مصطافين على شواطئنا العامرة؟!