إيران واستعراض القوة
19 شعبان 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

من وقت لآخر تعلن إيران عن تجربة صواريخ متطورة يصل مداها إلى مئات الكيلو مترات, وتؤكد أنها قامت بتصنيع غواصات حديثة وقوارب حربية لها إمكانيات هائلة, وغير ذلك من فنون استعراض القوة والتي يجيدها نظام طهران, كما تقوم بإجراء مناورات عسكرية ضخمة في الخليج العربي بشكل متكرر وفي اوقات متقاربة, ومن آخر المظاهر الاستعراضية ذلك الإعلان عن تركيب أجهزة طرد حديثة لتسريع عمليات تخصيب اليورانيوم رغم الضغوط الغربية بشأن برنامجها النووي الذي يثير الجدل حول أهدافه..

 

إيران وسط هذا الاستعراض المحموم ترسل رسائل متناقضة لجيرانها وللغرب معا, فبالنسبة لجيرانها تجدها تتدخل بشكل سافر في البحرين مهددة إياها بعظائم الامور إن لم تمنح الشيعة ما يريدون بدعوى أنهم أغلبية بل وصل الامر للدعوة لـ "فتح البحرين" , كما توجه تهديدات مبطنة للسعودية وتنتقد حمايتها للبحرين وتلمح لتفجير الاوضاع فيها, وفي وقت آخر تؤكد على استعدادها للحوار مع الجيران للتوصل لمنظومة أمنية خليجية وأنها لا تطمع في أي بلد مجاور ولكن واقع الحال يكذب ذلك تماما, أما بالنسبة للغرب فرغم أنها تتحداه وبشكل سافر وتوجه له انتقادات لاذعة وتعلن مواصلتها تخصيب اليورانيوم ويتم اكتشاف خرقها للعقوبات المفروضة عليها بشكل مستمر, كما يتبين أنها لم تكف عن استيراد المعدات التي تدعم بها برنامجها النووي إلا أنه يقف ساكنا ويخاطب ودها بشكل يثير الريبة ففي كل مرة يمنحها فرصة للحوار ويفشل يهدد برد فعل عنيف ثم ما يلبث أن يهدأ وتلين التصريحات, بل الادهى من ذلك أنه يسعى لتلميع إيران بشكل واضح عندما يسرب من حين لآخر معلومات عن توجيه "إسرائيل" ضربة لها لـ "خوفها منها ومن أسلحتها المدمرة" ثم يتبين أن لا صحة لهذه المعلومات بل هناك اتصالات وصفقات تجري بين طهران والكيان الصهيوني يتم الكشف عنها, ومن آخرها فضيحة السفن الصهيونية التي كانت ترسو في موانئ طهران طوال العقد الماضي والتي كشفت عنها الحكومة الامريكية, ومن ذلك أيضا مزاعم المقاومة الشيعية للاحتلال في العراق بدعم من إيران والتي كثرت مؤخرا , مع العلم بأن هناك تنسيقا بين الطرفين منذ أول يوم للغزو ومن قبل ذلك أيضا ..

 

الغرب يلاعب إيران لتحسين ظروف الصفقات التي يعقدها معه وفي نفس الوقت يخوف الخليج منها لكي يرتمي في أحضانه, وحسنا فعلت دول الخليج عندما فكرت في كونفيدرالية تحميها من مطامع إيران وفي نفس الوقت تبعدها عن مخاطر الاستعانة بالغرب في مواجهة طهران وهو أمر غير محمود العواقب..

 

إيران تعرف أنها لكي تصل إلى مطامعها في المنطقة عليها أن تشعر الغرب بقوتها وأنها رقم صعب في المعادلة حتى لا يتم توجيه أي ضربة عسكرية لها, كما أنها تسعى إلى توطيد علاقتها به في السر وتقديم خدمات له كما حصل في العراق وأفغانستان,في حين تكثف من ضغوطها على جيرانها لإشعارها أنها حاكمة في المنطقة وأن لاقبل لهم بمواجهتها..مجموعة من الحيل تمارسها إيران على الصعيد الإقليمي والدولي تجعلها تبرز في مكانة تتجاوز واقعها فهي تعيش مشاكل داخلية لا حصر لها, مثل مشاكل أهل السنة الذين لا يحصلون على حقوقهم ومشاكل الاكراد وجماعات المعارضة السياسية التي لا ترضى عن طريقة تسيير أوضاع البلاد وتتهم المجموعة الحاكمة بالفساد والدكتاتورية, بل وصل الصراع على السلطة إلى خلافات حادة بين الرئيس نجاد والمرشد الاعلى خامنئي ولكل فريقه الذي ينحاز إليه ومع ذلك تنصرف إيران لتقييم الاوضاع في بقية دول الجوار والحكم عليها وكأنها خالية من الازمات والمشاكل والاضطرابات..

 

إيران تحرص على تصدير صورة غير حقيقية لقوتها ولقدرتها على تسيير الامور حتى تزيد من وزنها في المعادلة الدولية والاقليمية يساعدها في ذلك رغبة الغرب في مزيد من التغلغل واللعب على كافة الرهانات المتاحة واستغلال الخلافات بين الدول لتحقيق مصالحها , كما يساعدها غفلة كثير من دول المنطقة عن حقيقة أهدافها لفترة طويلة قبل أن تتكشف أخيرا المزيد من الحقائق حول المطامع والمخططات الإيرانية.