24 صفر 1433

السؤال

السلام عليكم أنا شاب ابلغ من العمر 27سنه وأرغب في الزواج والحمد لله وضعي المادي يسمح لي بالزواج ووجدت المرأة التي أتمنى الارتباط بها وهي بنت خالتي كنت أبحث عن المرأة ذات الدين والحمد لله وجدت المرأة المناسبة، ولكن مشكلتي أن عندي خوفاً شديداً من الزواج، خوفاً من المستقبل، خوفاً من كل شي يربطني بالنساء! لا أعلم كيف أصف لكم حيث إن لي سنة من الآن وقد خطبت ولكن إلى الآن لم أذهب للنظرة الشرعية وعذرتي أني لست مستعجل على الزواج ولكن أبلغت أهل البنت أني أريد الزواج بها ولكن لدي ظروف تجبرني على التأخير، أهلي يقولون لي لابد أن تتزوج في عطلة الربيع القادمة وحددوا النظرة الشرعية بعد أسبوعين من الآن. أنا أتوقع أن خوفي من النساء أنهن عالم آخر لا أستطيع التعامل معه وخوفي الآخر أن لا أمر بنفس تجربة أبي مع أمي إذ أنهم إلى الآن كثيرو المشاكل وكل ذلك من طرف أمي. أنا خائف جدا من الزواج رغم أن خطيبتي دينه وجميلة ولكن لم أستطع تحديد الخوف الذي في نفسي وعدم الحماس للزواج.. فما هو الحل جزاكم الله خير الجزاء؟

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد
شكر الله لك أخانا الكريم على ثقتك التي أوليتها لموقع المسلم ومستشاريه سائلين الله تبارك وتعالى أن يجرى الحق على ألسنتنا وقلوبنا وان ينفعنا جميعا بما نقول
وبعد أخي الفاضل:
دعنا - بعد تهنئتي لك بالزواج ودعائي لك أن يبارك الله لك في زوجك ويبارك لها فيك وأن يجمع بينكما في خير - أن نتعاون في إعادة النظر للمشكلة التي أرسلتها، ودعنا ونقسمها سويا إلى عدة نقاط فرعية حتى نستطيع أن ننظر إليها جيدا من كل جهة، والمعلوم أن أسلوب تجزئة المشكلة إلى عدة مشاكل فرعية يساهم كثيرا في إيجاد الحلول ومن ثم تطبيقها.
ولنبدأ بالتفصيل من الأساس:
- مشكلة أسرتك الكبيرة وعدم انسجام بين الأب والأم وبالتالي عدم هدوء في البيت
* ذكرت أن هناك مشاكل كثيرة بين والدك ووالدتك وأن البيت والأبناء وأنت منهم قد تأثرت بتلك المشاكل والمشاهد، والحقيقة أن معك حق في ذلك إذ أن مشاكل الآباء يتحمل منها الأبناء الجزء الكبير إن ربما يكره بعضهم الزواج ويصيبه العقدة منه وإن كان الأبناء البنات يتأثرن بصورة أكثر من الذكور، ولكني أقول لك أن لكل زيجة ظروفها ولكل حالة زواج أحداثها ومشاهدها المختلفة ولا يصح أن نقيس على تجربة واحدة ولا يقبل أن نجعلها وحدها معيارا للحكم على الزواج بصفة عامة، فالزواج سنة الله في خلقه، وكثير مما تراهم من الأسر سعداء وما رايته في بيتكم – إن كان سيئا كما تقول – فربما يكون حالة استثنائية
* يجب أن تعلم حقيقة هامة أن ما يظهر من أسباب المشكلة بين الزوجين قد يكون مخالفا بصورة كبيرة لحقيقة ما بينهما من المشكلات والخلافات، لان الزوجين قد يكتما السبب الحقيقي في خلافهما فلا يعرفه غيرهما، ولذلك من يتدخل بينهما قد لا يصلح لهدم معرفته بالسبب الحقيقي، ولكن بعد زواجك ستكون أنت الزوج ويمكنك أن تزيل كل سبب من أسباب الخلاف في بيتك فأنت القيم عليه فلا داعي لقلقك
* ويجب أن تعلم أن استمرار الحياة بين أبويك حتى هذه اللحظة دون لجوء لحل بغيض دليل على وجود نجاح قد لا تراه أنت، فلابد أن هناك فترات مشاكل وفترات اتفاق ورضا، وغالبا كل البيوت تسير هكذا ولا يوجد بيت ولا زواج بلا اختلاف وجهات نظر، فلابد وان تتأكد أن تقييمك ونظرتك لزواجهما لم تكن دقيقة كلية ولهذا عليك عدم بناء وجهة نظر على معطيات غير كاملة.
* والزواج يا بني لا يتصوره إنسان أنه حياة بلا مشكلة، فلا يمكن أن يكون حياة وردية باسمة هانئة دائما، فهذا قصور في التصور ربما يؤدي إلى ألم مستقبلي، فالزواج علاقة بين اثنين لكل واحد منهما شخصيته وخلفيته الثقافية والمجتمعية التي لابد وأن تتفق في أمور وتختلف في أخرى، وهكذا الحياة، فلابد عليك من فهم هذا كي لا يكون فهمك للزواج عائقا لك عن تحمل تبعاته غدا
- مشكلة تقييم – ليس لي أن أتبين مدى صحته – أن سبب المشكلة عي السيدة والدتك وليس السيد الوالد
ذكرت في تقييمك أن السبب في المشكلة هي السيدة والدتك، ولم تذكر وقائع أو أسباب دعتك إلى اعتقاد هذا الفهم، ولكني لابد وأن أوضح لك أمورا يجب أن تضعها في حسبانك:
* بصفة عامة لا تَعتبر كل من يتحدث كثيرا ويعلن شكواه صاحب حق دائما، وفي نفس الوقت لا تعتبر من يصمت ولا يعرض شكواه مخطئا دائما، وأنت لم تدخل بينهما كطرف خارجي، وربما إن تدخلت لن تسمع منهما جوهر المشكلة، ولن يصرح لك كلاهما بكل أسباب خلافهما، فربما أمك هي الطرف صاحب الحق الذي لا يستطيع الدفاع عن حقه، وبهذا تكون فكرتك التي بنيتها عن المرأة إن اتخذت هذه العلاقة معيارا وحيدا فكرة خاطئة.
* لا تظن أن هناك تشابها وتطابقا بين طباع وأخلاق البشر جميعا، فلا النساء جميعا متشابهات في خلق أو طبع، ولا الرجال كذلك، فكيف تقيس أي امرأة على أخرى وتعامل من لم تعلم طباعها على طباع أنت تعلمها وتعايشت معها، فاعتقد أن تخوفك ليس في محله.
* غالبا ما يظل الطفل الذكر معتبرا أمه أقرب إليه من أبيه في فترات حياته الأولى، ولكنه بعد أن يكبر يتمثل أقوال أبيه وتصوراته وأفكاره وردود أفعاله ويقلدها، ولست أشك أن انطباعك هذا - أن والدتك السبب في الخلاف بينهما - ما هو إلا نتيجة تبنيك لأفكار الطرف الآخر في النزاع وهو أبوك، وذلك لتأثرك الطبيعي وميلك الفطري له، فلم تتعامل مع الأمر بحيادية، ولن تستطيع، ولا اتهمك بشئ ولكني أظنك وقعت أسيرا لفكرة استقيتها من طرف دون إعطاء الطرف الآخر الفرصة في الدفاع عن نفسه، وبهذه الفكرة ربما سيطرت عليك أفكار خارجة عنك في وضع تصور للمرأة في نظرك، والغريب أن من استقيت منه الفكرة لم ولن يستغني عن المرأة بدليل أنه يعيش معها حتى الآن، فكيف تأخذ بقوله وتترك فعله؟!!!.. فدع هذه الفكرة من رأسك
- مشكلة رفض للزواج وتأجيل للرؤية الشرعية ولا تجد سببا واضحا لكي تستند عليه في الهروب من تلك الزيجة
أثر ما سبق على شخصيتك فجعلك رافضا للزواج بالكلية خائفا منه ومن تعاملك مع المرأة، وعندما خطب لك اهلك قريبتك التي تعرفها وتعرف أصلها وأهلها وذكرت أنها ذات خلق ودين ومن الله عليها بنهمة الجمال أيضا لم تجد فيها عيب يخرجك من هذه الدائرة التي أردت الفكاك منها، ورفضت الرؤية الشرعية وأجلتها كثيرا لهذا السبب، ولكنك لم تكن على صواب في هذا، ومشكلتك لم تكن مع قريبتك بل مشكلتك لعامة النساء وهذا موقف غير صحيح، لقد كان الزاج سنة الأنبياء، ولا يستغني الرجل والمرأة عنه، والزواج عصمة للدين وحفظ للفرج وحصن من الوقوع في الرذائل فاصرف عنك ما تشعر به واقبل على خطبتك هذه مستعينا بالله ولا تتردد
- مشكلة عدم فهم المرأة والخوف من التعامل معها
أما عن مشكلة عدم فهمك للمرأة وخوفك من التعامل معها:
* فالمرأة إنسان بسيط وليست لغزا وليست كائنا من كوكب آخر، ولكنها مخلوق ذو حساسية كبيرة يعطي كثيرا وأحيانا بلا حساب فقط، تحتاج إلى بعض اللين في المعاملة، تريد من رجلها الأمان وأن يشعرها انه يتفهمها ويحرص عليها وتعطيه كل ما تملك فلا تبخل
* يخطئ بعض الرجال حين يتعاملون مع المرأة على أنها رجل مثلهم، بل لها طبيعة خاصة بها كأنثى، تهتم بالجانب العاطفي أكثر من الجانب العقلي، تحتاج للكلمة الحانية وتتفهم منها أضعاف ما تتفهمه من محاضرة عقلية منطقية،
* تتخذ معظم قراراتها لحظيا، فلا تؤاخذها على قراراتها الفجائية وتظنها درست هذه القرارات، وغالبا ما تكون ردود أفعالها ناتجة عن الفعل الأخير فقط، فربما إن أغضبتها تنسى إحسانك الطويل وان أحسنت إليها تنسى إساءتك.
* تحتاج المرأة لمن يأخذ بيديها ويوجهها ويصبر عليها، ولا يضيرها ويؤذيها إلا من يستعلي ويتقوى عليها، فاستظهار القوة على الضعيف ليست من خصال المروءة.
* والمرأة أسيرة عند الرجل إن كان كريماً أكرمها وإن كان لئيما أهانها، وليس له منها إلا أحد أمرين لا ثالث لهما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
وختاما أخي الكريم توكل على ربك واستعن به واذهب للرؤية الشرعية وامض في زواجك دون خوف أو قلق بشأن زوجك، وراقب الله سبحانه في علاقتك بها تسعدا بإذن الله، ولسوف ترى من الخير العميم معها وفي قربها بإذنه تعالى.
وفقك الله لكل خير وبارك فيك وأسعدك بزوجك وأسعدها بك ورزقكما الذرية الصالحة وجعلك زواجكما هذا مقربا لكم من طاعته ورضوانه وسببا من أسباب دخولكما الجنة معاً.