أنت هنا

الأحكام التي تختلف باختلاف الدارين
2 شعبان 1432
اللجنة العلمية

الأول: الأحكام التي تختلف باختلاف دار الإسلام فقد اتفق الفقهاء على أن اختلاف الدارين له أثر في تباين الأحكام التي تختلف باختلاف دار الإسلام فيما يتعلق بالمعاملات.
فالمستأمن من إذا دخل دار الإسلام حرم عليه التعامل بالربا مع المسلمين وغيرهم بل وجميع العقود الفاسدة شرعاً مع إمكان ذلك له في داره.

 

واختلفوا في الحدود والجنايات:
فالأكثر على أن الأحكام تطبق على المستأمن إذا ارتكب جريمة في دار الإسلام.
فإذا قتل المستأمن مسلماً أو ذمياً في دار الإسلام اقتص منه وإذا قتله مسلم أو ذمي في دار الإسلام فدمه لا يذهب هدراً كما في داره بل تضمن ديته.

 

ومن الأحكام التي تختلف باختلاف الدارين هنا:
1 – التوارث، فاختلاف الدار مانع من التوارث بين الذمي والحربي عند الحنفية والشافعية(16).
2 – دين الولد، فقد اشترط الأحناف في تبعية الولد لخير والديه في الدين اتحاد الدارين (دار التابع والمتبوع) وإلا فلا تبعية(17).
3 – الفرقة بين الزوجين، فاختلاف الدار موجب لذلك عند الحنفية(18).
4 – نفقة الأقارب، فاختلاف الدار مانع من وجوبها عند الحنفية(19).
فهذه أمثلة على الأحكام التي تختلف باختلاف الدار(20).

 

وقد يقع التمييز في الأحكام التي تختلف باختلاف الدار لأمر خارج عن الأصل السابق ذكره ألا وهو نوعية العلاقة بين دار الإسلام ودار الكفر.
فالكفار في دار العهد والصلح تصان دماؤهم وأموالهم وأعراضهم ما لم ينقضوا عهدهم.
بخلاف الكفار في دار الحرب إذ لا عهد لهم ولا ذمة لكن المسلم إذا دخلها بأمان وعهد منهم لغرض المصلحة الشرعية فعليه أن يصون دماءهم وأموالهم وأعراضهم ويتعامل معهم بالأخلاق الإسلامية ويدعوهم إلى دين الله عز وجل وإلا كان خائناً ناقضاً لعهوده مخالفاً لتعاليم دينه وأخلاق أمته الإسلامية(21).

 

وكذا الحربي إذا دخل دارنا بعهد وأمان فإنه لا يجوز سفك دمه أو الاعتداء عليه كما نصت بذلك نصوص الشرع وحذرت وتقدم ذكر ذلك.
وفي التاريخ الإسلامي وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده خير شاهد على وفاء المسلمين وحفظهم للأمانات والعهود حتى مع غير المسلمين فلا جهاد إلا بعد الإعلام والدعوة إلى دين الإسلام واتباع الأصول والضوابط الشرعية في ذلك.
ولم يقل أحد من العلماء إن اختلاف الدار يجيز للمسلم الاعتداء على أهل دار الحرب إذا دخلها بأمانهم وإذنهم كما هي الطرق الملتوية لأدعياء الجهاد في هذا العصر.
وعليه فإن السائح المسلم لا يجوز له بحال الاعتداء واستحلال المحرمات في دار الكفر إذا دخلها على تلك الصفة والله أعلم.

 

النوع الثاني: الأحكام التي تختلف باختلاف دار الكفر فإذا دخل المسلم دار الكفر فهل يؤثر هذا في عدم تطبيق الأحكام الإسلامية عليه؟ في ذلك خلاف على قولين:
الأول: أن ذلك الاختلاف موجب لتباين الأحكام.
فيجوز للمسلم إذا دخل دار الكفر بأمان أو بغيره أن يتعامل معهم بالربا والعقود الفاسدة التي يحرم عليه أن يتعامل بها في دار الإسلام كما أنه إذا ارتكب ما يوجب الحد أو القصاص في دار الكفر فإنه لا يؤاخذ به بخلاف ما لو كان في دار الإسلام.
وهذا قول الحنفية ورواية عندا لحنابلة إلا أنهم في الحدود يرون تأخيرها حتى يرجع إلى دار الإسلام(22).
الثاني: أن الاختلاف للدار لا أثر له في تباين الأحكام التي تختلف باختلاف دار الكفر.
وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة في ظاهر المذهب(23).
فالمسلم المقيم في دار الكفر يحرم عليه التعامل بالربا والعقود الفاسدة كما لو كان في دار الإسلام وإذا ارتكب ما يوجب حداً أقيم عليه بغض النظر عن المكان.

 

 

الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
1 – انعدام الولاية الإسلامية في دار الكفر فلا ولاية لدار الإسلام عليها(24).
2 – أن اختلاف الدار بمنزلة الموت فهو قاطع للأملاك لأن الملك في الأصل إنما يثبت بالاستيلاء على المملوك والاستيلاء ينقطع بتباين الدار حقيقة بالخروج عن يد المالك وحكماً بانقطاع يده من الولايات والتصرفات(25).

 

واستدل أصحاب القول الثاني:
بأن الحكم لله تعالى والدور والرباع لا حكم لها ودعوة الإسلام عامة على الكفار سواء في أماكنهم أو غيرها.
والنصوص المرزمة بالأحكام عامة لم تفرق بين الدور في ذلك، فالسارق والزاني والقاتل والمرابي وغيرهم تطبق فيهم أحكام الشريعة الإسلامية بغض النظر عن مكان ارتكاب الجرائم والمخالفات(26).
وهذا هو الراجح لعموم النصوص فالمسلم ملتزم بدينه وتطبق عليه أحكامه في كل زمان ومكان.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(16) ينظر: المصادر السابقة، والبحر الرائق، لابن نجيم (8/558)، ونهاية المحتاج، للرملي (6/28).
(17) ينظر: فتح القدير، لابن الهمام (6/27).
(18) ينظر: المبسوط، للسرخسي (5/51).
(19) ينظر: المصدر السابق (5/206).
(20) وللاستزادة ينظر: اختلاف الدارين وآثاره، عبد العزيز الأحمدي (مجلدان) وكذا رسائل جامعية في جامعة الإمام أفردت لجوانب هذه المسألة وجزئياتها.
(21) ينظر: أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في بلاد الغرب، للرافعي ص(82-90)، بتصرف، والأحكام السياسية للأقليات المسلمة في الفقه الإسلامي، سليمان توبولياك ص(17 وما بعدها).
(22) بدائع الصنائع، للكاساني (7/213)، والمبسوط (5/51)، والعناية (6/21)، وفتح القدير (6/27 و178)، والفروع مع تصحيحها (10/48).
(23) ينظر: المدونة (4/547)، والتاج والإكليل (8/391)، وروضة الطالبين (10/141-291)، والفروع (4/147).
(24) ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني (7/213).
(25) ينظر: تخريج الفروع على الأصول للزنجاني (77).
(26) ينظر: المصدر السابق.