أنت هنا

الشرط الأول: القصد
2 شعبان 1432
اللجنة العلمية

 فلا بد أن يعزم في الابتداء على قطع مسافة السفر لمقصد معلوم وهو محل اتفاق بين الفقهاء(9)، فمن شخص عن بلده ولا نية له في السفر فهو مقيم لا رخصة له، وذلك كالهائم على وجهه لا يدري أين يتوجه ومن خرج لرد ضالة إلا إذا بلغ مكاناً يكون رجوعه منه إلى بلده سفراً عرفاً، فحينئذ يشرع له الترخص، ومن علق سفره بلحاق قافلة بضاحية البلد إن حصل له ذلك وإلا فلا ولم يغلب على ظنه حصول مراده فهو باق على حكم الإقامة لعدم النية وكذلك التائه عن الطريق وهو في غير سفر وكذا الصياد يتبع الطريد والسائح في الأرض لا يقصد مكاناً معيناً فلا رخصة له لعدم القصد(10)، والأصل في هذا الحديث "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"، ونظير هذا في الوقت الحاضر ما يعرف "بحجز الانتظار"(11) في وسائل المواصلات الحديثة من سفن وطائرات وقطارات وحافلات.

 

فإذا كان المطار أو صالة الانتظار للسفر خارج العمران أو في بلدة لا يعتبر الذهاب إليها سفراً، فليس له الترخص، لأن الأصل بقاء الإقامة فلا ينتقل عن ذلك إلا بيقين أو غلبة ظن(12).
واستثنى العلماء مما تقدم: من علم في ابتداء سفره أنه لن يدرك مطلوبه قبل المسافة المحددة للترخص فله أن يترخص لعزمه ابتداء على قطع المسافة، أما من لم يعلم ذلك فلا يترخص ولو طال سفره وتجاوز مسافة الترخص(13).
قال في الإقناع: "وإن شك في قصر المسافة أو لم يعلم قدر سفره كمن خرج في طلب آبق أو ضال ناوياً أن يعود به أين وجده لم يقصره حتى يجاوز المسافة"(14).
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "عن جواز الفطر والقصر للبدوي الذي ضاعت إبله وسافر يبحث عنها لا يقصد مكاناً معيناً ولا يعلم هل يستمر سفره إلى مسافة القصر أو يجدها دونه؟"
فأجاب: "من كان بهذه الصفة المسؤول عنها فلا يستبيح رخصا لسفر حال ما يخرج من بلده حتى يجاوز المسافة فإذا جاوزها ابتدأ استباحة رخص السفر"(15).

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني، تحقيق محمد حلبي، (1/161)، وتبيين الحقائق، للزيلعي (1/209-210)، وحاشية ابن عابدين (2/601).
(10) ينظر: المصادر السابقة.
(11) بحيث كون سفره معلقاً بوجود مقعد لهف قد يتمكن منا لسفر وقد لا يتمكن منه.
(12) ينظر: مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد العاشر، جمادى الآخرة 1414هـ، إقامة المسافر وسفر المقيم الضوابط والمعايير الشرعية، د. مساعد الفالح، ص(111)، وحد الإقامة الذي تنتهي به أحكام السفر، للماجد، ص(34-35)، والصبح السافر فيما يحتاج إليه المسافر، لصلاح الشريف ص(49) بتصرف.
(13) ينظر: المصادر السابقة في الهامش رقم (9).
(14) الإقناع، للحجاوي، تحقيق التركي (1/275).
(15) فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم، جمع محمد بن عبد الرحمن بن قاسم (1-2/320).