أحفاد سليمان الحلبي.. لا ثورة دونكم
25 رجب 1432
أمير سعيد

يحجم كثير من السوريين عن فتح هذا الملف الشائك عن ندرة مظاهرات مدينة حلب (وليس ما حولها)، وعن تجاهل ملايين من أهلها للنزول إلى الشوارع في جمعات الثورة السورية، ونشوء حالة من الاطمئنان النسبي لدى سدنة النظام الإجرامي في دمشق لاتخاذ معظم جماهير هذه المدينة المؤثرة جداً على مفاعيل الثورة السورية موقفاً سلبياً من هذا الحراك غير المسبوق في غالبية المدن السورية وريفها.

 

وكمصري لا يمكنه أن يزايد على الحلبيين، ويدين بالفضل للبطل الرائع سليمان الحلبي الذي استشهد بطريقة تدل على خسة الفرنسيين المحتلين لمصر قبل قرنين بالتمام، بعد أن قتل القائد الفرنسي كليبر، مبرهناً على وحدة الشعوب المسلمة والعربية ديناً، ومصيراً، ووجوداً، وأبدى شجاعة لا تبارى لاسيما في مشهد الإعدام الذي ظل فيه شامخاً يردد الشهادتين وآيات القرآن العظيم بشهادة الفرنسيين (أحفاد الفرنجة المحتلين لحلب من قبل)، كمصري، لا يمكنني إلا أن أتطلع إلى غضبة حلبية تتسق وبطولة وشجاعة سليمان.. نعم، إن المشهد الحلبي الآن بكل صراحة يدل على أن روح سليمان قد غابت عن كثيرين في زحمة الحياة، وفي عنفوان القهر والطغيان الذي يمارسه نظام لا يقل إجراماً عن نظام كليبر ونابليون (وإن كان ذلك لا يعني إلا استلهام شجاعة سليمان مع التشديد على ضرورة بقاء الثورة السورية سلمية).

 

لقد جاد لنا التاريخ بقصة عجيبة لصبر أهل حلب وثورتهم على المعتدين، تحكي أن الخناق لما ضاق يوماً بأهل حلب في حربهم مع "الفرنج"، "إلى حد أكلوا فيه الكلاب والميتات، وقلت الأقوات، ونفد ما عندهم، وفشا المرض فيهم؛ فكان المرضى يئنون لشدة المرض، فإذا ضرب البوق لزحف الفرنج قام المرضى فكأنما أنشطوا من عقال، وزحفوا إلى الفرنج وردوهم إلى خيامهم، ثم يعودون إلى مضاجعهم" [ابن العديم ـ زبدة الحلب من تاريخ حلب ـ جـ1 صـ423]، لكنهم من بعد قد انتصروا ودحروا الفرنج وهم في هذه الحال الرهيبة.

 

إن شدة الحصار والجوع لم ينل يوماً من عزيمة الحلبيين؛ فهل يتسلل القلق إلينا حين تبث التقارير الغربية والعربية ملحة على أن علاقة التجار الحلبيين بالنظام والخوف على تجارتهم قد نالت من حماسة أبناء حلب للثورة على نظام لا يقل فظاعة في أفعاله الإجرامية عما كان يفعله "الفرنج" مثلما أثبت ذلك المؤرخون؟! القمع هو ذاته، والاستهزاء بالمقدسات لم يتغير من لدن الفرنج حتى أسرة أسد، والشبه واضح بين المتسلطين على أهل حلب، فالهبة الحلبية ستكون كما كانت، والرضا بالمذلة لن يدوم.

 

وصحيح أن الثوار في حلب يكافحون من أجل اللحاق بمدن أقل من حلب بكثير كثافة كحماة وحمص ودرعا، بل وكثير من البلدات الصغيرة التي تفوقت في زخم ثورتها على تلك المدينة الكبرى التي تعد العاصمة الاقتصادية لسوريا، إلا أن هذا الكفاح لم يبد مثمراً في الحاضر وربما في المستقبل أيضاً، لاسيما بعدما انتفت حجة التعتيم الإعلامي والتخدير التليفزيوني الذي يحاول النظام فرضه على سكان المدينتين الأكبر في سوريا: حلب ودمشق، وإذ يبقى عامل الاقتصاد الخاص بالمدينة كتجارة وسياحة، ووجود بعض الارتباطات بين رجال الأعمال والسلطة في دمشق، وعامل الطائفية الذي يطل على المدينة من تخومها واحتمال ارتكاب أعمال قتل فيها في حال تفاقمت الأمور بين السنة والنصيريين، وهو العامل الذي يتكرر مثله في اللاذقية على سبيل المثال من دون أن يحول بين المدينة والثورة، كما أن سقف الانتعاش الاقتصادي المتوقع لحلب بعد نجاح الثورة المتوقع ينتظر أن يبشر بارتفاع ونتائج أفضل بكثير مما هو عليه الحال حالياً (يذكر بعض المؤرخين أن حلب كانت تباع السلع فيها في يوم واحد ما لا يباع نظيره في ثلاثة شهور بالقاهرة!)؛ فإن الأسباب التي تجعل يد حلب مغلولة عن الثورة إلا من بعض تظاهرات هنا أو هناك لا تستقيم لتقديم تفسير مقنع لتراجع حلب عن صف الثورة الواضح، وتحفز الثائرين في شوارع سوريا للشعور ببعض العتب على حاضرة الشام، حلب الشهباء، خصوصاً أن الثورة ربما لن يكتب لها النجاح بالفعل من دون تحرك دمشق وحلب بشكل فاعل وحاسم.