بعد خطاب العاهل المغربي.. نعم أم لا للدستور "الممنوح"؟!
19 رجب 1432
تقرير إخباري ـ إيمان الشرقاوي

يبدو أن خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس وإعلانه عن دستور جديد لم ينجح بشكل كامل في إقناع الشباب المغاربة المطالبين منذ 20 فبراير الماضي بإصلاحات سياسية عميقة وبملكية برلمانية، فلازالت الدعوات من جانب النشطاء مستمرة للتظاهر السلمي في كل مدن البلاد معتبرين أن خطاب الملك الذي ألقاه قبل يومين لا يكفي.

 

 

ورغم تأييد الأحزاب المغربية الكبيرة ومن بينها حزب العدالة والتنمية الإسلامي للدستور الجديد، فإن حركة "شباب 20 فبراير" التي تستمد اسمها من تاريخ أول تظاهرة كبيرة جرت في المغرب في سياق الحركة الاحتجاجية على الأنظمة العربية تصر على استمرار التظاهرات لأن مطالبهم لم تتحقق ولأن عدم المساواة لن يزول، بحد قولهم.

 

 

ويحدد الدستور الجديد صلاحيات الملك بشكل واضح فيما يمنح رئيس الحكومة الذي سيكون منتخباً ووزراءه صلاحيات واسعة وينص على إحياء البرلمان واستقلال القضاء وإنشاء مؤسسات للحكم الرشيد مع منح المحافظات استقلالها الإداري والمالي. 

 

 

كما تضمن الدستور الحفاظ على "إسلامية الدولة" واعتبار الدين الإسلامي مصدرا للتشريع، ونص من ناحية أخرى على أن اللغة العربية لغة رسمية للبلاد إلى جانب الأمازيغية. واشتمل مشروع الدستور، على تفاصيل لافتة، لم تتطرق إليها جميع الدساتير المغربية منذ الستينات، فلأول مرة، حدد دستور مغربي مكونات الهوية المغربية في ثلاثة عناصر هي "العربية الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية"، لكنه أشار أيضا إلى أن الهوية المغربية غنية بروافدها "الأفريقية، والأندلسية، والعبرية (اليهود)، والمتوسطية".

 

 

وعد مراقبون الدستور الجديد الذي سيعرض على الاستفتاء في الأول من يوليو المقبل بأنه جريء وطموح؛ لأنه لم يتردد في تغيير هيكل الدستور الحالي وإنهاء كل القضايا والمسائل التي كانت تعد من المحرمات، وطموح لأنه يخطط لمغرب المستقبل ويعده لمواجهة تحديات الألفية الجديدة.

 

 

وعن مميزات الدستور الجديد الذى وضع العاهل المغربى مشروعه، يرى خبراء مغاربة أنه يعطى صلاحيات أكبر للحكومة فى إدارة شئون البلاد، بينما يظل جزءا آخر من هذه الصلاحيات فى أيدى الملك، كما أن هذا الدستور الجديد يجبر رئيس الحكومة على التوافق مع الملك لكى يستمر فى منصبه.

 

 

ومن أكثر مميزات الدستور الجديد أنه يعطى سلطات واسعة للقضاء مما سيوفر الضمانات لاستقلاله، ذلك بالإضافة إلى الإصلاحات التى يقرها الدستور فى مجال حقوق الإنسان وعلى رأسها تجريم التعذيب.

 

 

وفي المقابل يرى معارضو المشروع الجديد، خاصة حركة 20 فبراير، تعديا على مبدأ الفصل بين السلطات فهو احتفاظ العاهل بموجب الدستور الجديد برئاسة المجلس الأعلى للقضاء مما سيمكنه من تصدر الأحكام القضائية باسمه وذلك هو الحال الآن مما لا يشكل تغيرا جوهريا.

 

 

كما ترى جهات المعارضة أن مشروع الدستور الجديد لم يمس صلاحيات الملك الدينية، حيث سيظل الملك يعامل معاملة أمير المؤمنين مما يكرسه كسلطة دينية وحيدة فى المملكة، ويرون أنه من الضرورى إلغاء وضع الملك كرمز مقدس بما يضمن إمكانية مناقشته وطرح الملاحظات على خطابه وقراراته.

 

 

ومما يعيب هذا الدستور أيضا عدم وجود أثر رجعي في القانون وهو سيجعل المظالم السابقة  خارج طائلة القانون والمحاسبة والقصاص، وكان لابد من الإشارة في فصل من الفصول إلى ضرورة إنصاف المظلومين من الظالمين لفترات سابقة ، ومحاكمة  الممارسين للتعذيب والاعتقالات التعسفية والسرية والاختفاءات ، وإدانة ممارسات قانون الإرهاب من قبيل انتهاك سرية الاتصالات الشخصية ، والاطلاع على أسرار الناس المادية، والتجسس عليهم .

 

 

وكان من المفروض أن ينص فصل من فصول الدستور الجديد على مراجعة إسناد المهام والمناصب على أسس المحسوبية سابقا إنصافا للكفاءات المظلومة . وكان لا بد من فصل لطرح سؤال من أين لك هذا وكيف اكتسبته ؟ كل ذلك من شأنه أن يعطي الدستور قيمة حضارية ومصداقية أمام دول العالم.

 

 

ورغم اعتبارها للدستور الجديد بأنه غير كافي إلا أن أحزاب كبيرة الحجم مشاركة في الإئتلاف الحكومي أعلنت أنها تتوجه إلى التصويت بنعم على الدستور المقبل، ويضاف لها ما يسمى بضلعي المعارضة، وهما حزب العدالة والتنمية الإسلامي وحزب الأصالة والمعاصرة، فيما تشير الترجيحات إلى أن أحزابا من اليسار صغيرة الحجم والقوة الانتخابية ستدعو للتصويت بلا، وهي تضاف إلى حركة 20 فبراير التي أعلنت عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عن رفضها لما أسمته بالدستور الممنوح.

 

 

ودعت الحركة لمقاطعة الاستفتاء القادم، كذلك طالب المحتجون بمحاكمة المتسببين في مقتل المتظاهر كمال العماري، الذي قالت التقارير إنه مات متأثراً بجروح خلفها تعنيفه على أيدي القوات العمومية قبل نحو أسبوعين بمدينة آسفي (جنوب).

 

 

وقد تعاملت قوى الأمن المغربية بمرونة مع التظاهرات الأخيرة، بعدما فضت قبل أسابيع بالقوّة، مجموعة من التظاهرات بدعوى عدم حصولها على ترخيص. ويرجح محللون أن يكون المغرب قد عمل بنصيحة المنظمات الحقوقية العالمية التي حذرت من مغبة الاستمرار في قمع الاحتجاجات، والذي يمكن أن يزيد من حجم التأييد الشعبي لها وهو ما حدث في دول عربية عديدة.

 

 

وعن مدى إمكانية تطبيق هذه النصوص الدستورية على أرض الواقع فى المغرب، يرى الخبراء أنه فى حالة الموافقة الشعبية على هذه النصوص فى الاستفتاء ستبقى مجرد نصوص جامدة، مبررين ذلك بأن الطبقة السياسية الراهنة فى المغرب "منهكة وقد شاركت فى الحكومة لمدة 10 سنوات وشعبيتها تنازلت" وهو ما يعني أن المناخ السياسى فى البلاد غير مؤهل لتفعيل بنود الدستور الجديد.

 

 

ويرجح المراقبون في المغرب أن النقاش سيحتد خلال المرحلة المقبلة ما بين مكونات النخب السياسية والحزبية والنقابية ومنظمات المجتمع المدني وحراك الشباب حول فصول الدستور الجديد أو ما يسمى بالهندسة الدستورية الجديدة للمغرب عقب مرور 12 سنة على وصول العاهل المغربي إلى الحكم.