الأتراك فوضوا أردوغان الحكم وأرجأوا الدستور
12 رجب 1432
تقرير إخباري ـ إيمان الشرقاوي

غالبية ساحقة حققها حزب العدالة والتنمية الحاكم ذو الأصول الإسلامية بزعامة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات البرلمانية التي أجريت اليوم الأحد، لكنه رغم ذلك فشل في الفوز بعدد كاف من المقاعد يمكنه من وضع دستور جديد طالما حلم به أردوغان لدفع تركيا نحو مصاف الدول المتقدمة.

 

 

وجاء حزب العدالة والتنمية في المركز الأول في انتخابات سهلة الفوز بنسبة تقارب 50 % ليتمكن من تشكيل حكومة بمفرده ويتمتع بالغالبية المطلقة في البرلمان الذي يضم 550 مقعدا، أي 326 نائبا وهو أقل من مقاعده التي كانت سابقا وهي 334 مقعدا، يليه في المرتبة الثانية حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي ديمقراطي) أكبر أحزاب المعارضة العلمانية ب25,9 % من الأصوات ثم حزب العمل القومي ب13,2 % متجاوزا حاجز العشرة في المئة اللازم لدخول الأحزاب البرلمان.

 

 

لكن العدالة والتنمية لم يحظ بغالبية الثلثين (367 مقعدا) التي كان يأمل بها لتغيير الدستور ، من دون الحاجة إلى التشاور مع المعارضة، كما أنه ظل تحت سقف ال330 نائبا الضروري بالنسبة اليه لإجراء استفتاء حول تبني دستور جديد.
وبعد هذه النتيجة سيضطر إلى عقد اتفاقات مع أحزاب أخرى فائزة أو المستقلين ليتمكن من المضي قدما في خططه لتغيير الدستور الحالي الذي وضع بعد الانقلاب العسكري بقيادة كنعان افرين قبل نحو 30 عاما.

 

 

هذا الأمر أعلنه أردوغان في خطاب النصر الذي ألقاه أمام حشد من المؤيدين من شرفة مقر حزب العدالة والتنمية في أنقرة قائلا "الشعب أبلغنا رسالة ببناء الدستور الجديد من خلال التوافق والتفاوض، وسنناقش الدستور الجديد مع أحزاب المعارضة".

 

 

وبحسب محللين فإن عدم فوز حزب العدالة والتنمية ب330 مقعدا سيضطره إلى إجراء مفاوضات مع المعارضة بخصوص التغيرات المرغوبة، وهذا الوضع سيساعد في تقليص مخاطر حدوث المزيد من الاستقطاب.

 

 

ويفوز حزب العدالة والتنمية للمرة الثالثة على التوالي بأربع سنوات أخرى من حكم الحزب الواحد، وقد أصبحت تركيا قوة اقتصادية وطرفا مؤثرا على الصعيد الدولي منذ وصول هذا الحزب بزعامة أردوغان إلى السلطة لأول مرة عام 2002.

 

 

كذلك، نجح العدالة والتنمية في وضع الجيش التركي القوي في ثكناته بعدما كان لاعبا سياسيا أول، عبر تعديلات دستورية أجريت العام الماضي.

 

 

وركز أردوغان خلال حملته الانتخابية على الازدهار الاقتصادي في تركيا، الاقتصاد السابع عشر في العالم، بنسبة نمو تقارب ما تسجله الصين وبلغت نحو 8,9 بالمئة في 2010.

 

 

وكان أردوغان يعد بأن الدستور الجديد سيقوم على أساس المبادئ الديمقراطية والتعددية الأمر الذي سيقرب تركيا من معايير عضوية الاتحاد الأوروبي التي تلقى معارضة بعض الدول مثل فرنسا وألمانيا اللتين لا تريدان منح تركيا عضوية كاملة.

 

ويعتبر حزب العدالة والتنمية أنه من الصعب المضي قدما في عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مع الدستور الحالي، حيث يطالب الأخير بتعديل الدستور التركي، كشرط لانضمام تركيا إليه.

 

ورغم أن الدستور الحالي نال موافقة 90 % من المواطنين الأتراك في عام 1982 عقب ثالث انقلاب عسكري في غضون عشرين عاما فإن السجال حوله لم يتوقف منذ اليوم الأول للبدء بتطبيقه.  ويرجع ذلك إلى أن الجيش الذي صاغ الدستور أعطى فيه لنفسه السلطة المطلقة وحد كثيرا من حقوق الإنسان والأقليات.

 

وقد تم تعديل الدستور 17 مرة بدءاً من عام 1987 حتى اليوم، آخرها في 12 سبتمبر 2010، علماً أن هذا الدستور يتألف من 194 مادة، 100 منها تم تعديلها. ورغم هذا العدد الكبير من التعديلات، فإن مصائب هذا الدستور لم يتم حلها بما أنه كتب بروح عسكرية انقلابية لا ديموقراطية.

 

ويصف المحامي والخبير الدستوري، رئيس جمعية حقوق الإنسان، أوزتورك تورك دوغان الدستور الحالي بأنه يعكس نظرة الأيديولوجية الرسمية التي تنص على عدم احترام حقوق الإنسان، وعدم احترام مبدأ التعددية السياسية والقومية. فهو دستور لا يعترف بحرية التعبير ولا حرية الأديان، ويلزم الجميع بأن يكونوا أتراكاً بالقومية، بحد قوله.

 

وأشار تورك دوغان إلى أن المشكلة الأخرى في هذا الدستور هو أنه يفرض وصاية على جميع المؤسسات الدستورية الديمقراطية، فهو "يخضع الإدارات المحلية لوصاية السلطة المركزية، ويضع الأحزاب السياسية رهن إرادة الجهاز القضائي، حتى أنه يربط مصير الحكومة برغبة مجلس الأمن القومي".

 

مصيبة أخرى يتضمنها الدستور الحالي، تحدث عنها الخبير الدستوري وهي أن المحكمة الدستورية اعتبرت أن ارتداء الحجاب في الجامعات "أمراً مخالفاً للدستور"، مشيرا إلى أن الحل الوحيد لمعالجة هذه المشاكل هو وضع دستور جديد كلياً.

 

 

لكن معارضي أردوغان خاصة من العلمانين الذين يكنون العداء الشديد لحزبه الإسلامي وصفوا "توجهاته بالديكتاتورية"، حيث أن حزبي المعارضة الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية» يتهمان أردوغان بأنه سيضع دستوراً جديداً يخدم مصلحته فقط ، مذكرين بمشاريع أردوغان لتغيير النظام البرلماني في البلاد لجعل تركيا دولة يحكمها دستور رئاسي ليتمكن هو نفسه من الترشح للانتخابات الرئاسية في   2014.

 

 

وترى أمينة اولكير تارهان المرشحة عن حزب الشعب الجمهوري لهذه الدورة الانتخابية والعضو السابق بالمحكمة العليا التركية أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يسعى لأن يصبح "سلطاناً"، قائلة لصحيفة يديعوت أحرنوت العبرية أن "أردوغان يضع نفسه في موقف مخالف ضد اسرائيل، وذلك ليس من الديمقراطية "

 

 

ولدى الحزب المعارض الأكبر «الشعب الجمهوري» مشروع خاص به لدستور جديد، وخصوصاً لتعديل المادة 66 التي تحصر المواطنية التركية فقط بالتركي (المعيار القومي)، بحسب نائب رئيس الحزب سهيل باتوم.

 

ووفقا لباتوم، يريد حزب المعارضة دستوراً "يتخطى المعايير الدينية والجنس واللغة والقومية بشكل يتساوى فيه كل الأشخاص الذين يحملون الجنسية التركية. كما يفتح مشروع دستور "الشعب الجمهوري" الطريق أمام المواطنين الأكراد لاختيار اللغة الكردية كحصة اختيارية في المدارس، وتعديل وضع مجلس الأمن القومي وتقييد صلاحيات الرئيس.

 

ومنذ وصول أردوغان للسلطة عام 2003 وهو يحمل في جعبته مشروع إصلاح الدستور، وفي العام الماضي صوت الأتراك بنعم بنسبة كبيرة في استفتاء جرى لأخذ رأي الشعب حول المراجعة الشاملة لدستور العسكر، وهو المشروع الذي بذل فيه أردوغان جهدا كبيرا لإقناع الشعب بجدواه رغم المقاومة الشرسة التي أبدتها المعارضة والتي قال إنه ينتوي التحول إلى النظام الرئاسي ليتمكن من الترشح لمرتين إضافيتين.

 

ومن المرجح بالفعل أن يقوم بذلك إضافة إلى إجراء إصلاحات تعزز من الحريات الشخصية وتدعم القضاء المدني وتحد من سيطرة المؤسسة العسكرية بل وتضعها تحت رحمة السلطة المدنية إذا اقتضى الأمر.

 

ولكن وبعد نتائج الانتخابات البرلمانية هل سيكون أردوغان قادرا على جذب المعارضة من أجل التوافق حول صياغة دستور جديد يخطو به نحو تركيا الديمقراطية أم ستكون هناك جولة أخرى شرسة مع العلمانيين أبناء أتاتورك في معركة الدستور الجديد يصعب التكهن بنتائجها؟؟