التمسك بالسلطة حتى آخر مواطن!
3 رجب 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

هناك طرفة كانت منتشرة في مصر قبل ثورة 25 يناير تقول: إن الشعب ذهب إلى الرئيس لكي يسلم عليه فرد الرئيس قائلا :"خير إلى أين سيذهب الشعب؟", والمقصود من وراء الطرفة أن الرؤساء في الانظمة المستبدة أصبحوا هم الباقون إلى الأبد ولا يتصورون إمكانية رحيلهم أما الشعب فقد يذهب أو يموت أو يهاجر, وهذا الاعتقاد أنتج نوعية من الحكام على استعداد تام أن يقتلوا الشعب كله حفاظا على "مصلحة الأمة" التي تتمثل في بقائهم في الحكم نكاية في الغرب الذي يسعى للإطاحة بهؤلاء الأبطال الذين يقفون لمخططاته بالمرصاد! ليس من المهم أن تسأل هؤلاء الطغاة طبعا أي مصلحة للأمة ستكون بعد فنائها على أيديكم؟ أو بعد إفقارها وإذلالها وسلخها من دينها ومن آدميتها؟ المهم هو أن يبقى الحاكم المستبد حتى تأتيه المنية ثم يورثها للفرعون الصغير من بعده ويستمر السلسال النكد يذيق الشعب الهوان..

 

حدث ذلك في مصر في عهد عبد الناصر بعد أن صبر الشعب سنوات طويلة على شد الحزام والفقر والخوف ثم جاءت الهزيمة من الكيان الصهيوني لتكشف المستور ومع ذلك خرج منافقوه يقولون أن المهم هو بقاء الزعيم في مكانه "لإفشال مخططات الأعداء" وإلى الآن يوجد من يردد هذه البلاهات رغم أن هذه الهزيمة ما زالت الامة العربية والإسلامية تعاني من تداعياتها حتى الآن بعد أن شدت عضد الاحتلال الصهيوني ومنحته فرصة ذهبية لكي يوسع نفوذه في فلسطين..اليوم وبعد تذوق بعض الشعوب العربية للحرية ما زالت بعض الانظمة تتمسك بالسلطة متحدية إرادة شعوبها مرددة نفس الشعارات الفارغة عن المخططات الخارجية التي تستهدف البلاد إذا تخلوا عن السلطة؛ فهذا بشار الاسد يزعم أن مؤامرة صهيو أمريكية تدبر ضده..

 

طيب لماذا؟ وبأي دليل؟ هل جيوشه التي يقتل بها الابرياء في درعا وحمص وحماة ودير الزور كان من المخطط لها التوجه لتحرير الجولان بعد احتلال دام أكثر من أربعين عاما فأرادت أمريكا و"إسرائيل" صرفها عن هذا الهدف السامي؟! إن أمريكا والكيان الصهيوني لن يجدوا أفضل من بشار وأبيه من قبله الذين يخدرون العالم العربي بالخطابات الرنانة عن مواجهة الاستعمار وهم يتفاوضون معه في السر أو على الاقل لا يحركون ساكنا لتحرير أراضيهم وأصدق دليل على ذلك موقف واشنطن وقيادات الاحتلال الصهيوني مما يحدث في سوريا, والعجيب أنك تجد ممن يسمون أنفسهم بـ "المثقفين" من يدافع عن هذا النظام الذي ينص دستوره على سيطرة حزب البعث على السلطة إلى الأبد..

 

فأين الديمقراطية أيها المثقفون؟! نعم تذكرت "الديمقراطية هذه من أجل البشر العاديين أما الحكام الملهمون مثل بشار وأبيه فهؤلاء يفعلون ما يشاءون"!.. الامر نفسه مع مخبول ليبيا معمر القذافي الذي يعرف جميع الحكام قبل الشعوب أنه ليس في كامل قواه العقلية بالإضافة إلى ساديته ومع ذلك ما زال حتى هذه اللحظة يتشبث بالسلطة وينفق أموال الشعب الليبي التي نهبها من عائدات النفط على حرب المعارضة "العميلة للغرب", على حد قوله..طيب لماذا هذا الإصرار على التمسك بالسلطة؟ لماذا لا يتركها للشعب وهو يختار من يريد وليرحل هو وأبناؤه؟ ألم يكفه 40 عاما في السلطة؟ ثم ماذا قدم القذافي من تضحيات ضد الاستعمار الغربي؟ ألم ينبطح لامريكا ويعطيها كل المعلومات عن أسلحته وبرامجه بعد أن خشي على رأسه عقب سقوط صدام؟ ثم دفع التعويضات التي طلبها الغرب منه في حادثة لوكيربي وسلم المتهمين في القضية وعادت العلاقات بينه وبين الغرب كالسمن على العسل.. الآن الغرب يريد الإطاحة به بعد أن قدم له كل ما يطلب وزيادة!..

 

كان من الأولى أن يحدث ذلك قبل سنوات عندما كان يواصل عنترياته الجوفاء وأفعاله الخرقاء في تاييد ثورات أمريكا اللاتينية معتمدا على علاقته بروسيا والمنظومة الشيوعية أما الآن فمن يريد إزالته ومحوه هو شعبه..الرئيس اليمني كذلك يعيش نفس الوهم ولكن مرة يتهم دول الخليج ومرة يتهم الغرب المهم هو عدم سماع أو رؤية الحقيقة بأي شكل ولو يفنى الشعب كله..صالح الآن دخل في حرب مع القبائل وهو خط أحمر يعرف جيدا أنه لن يبقي ولن يذر ومع ذلك هو مستمر في غيه بعد أن دخلت البلاد في شبه حرب أهلية وهي معرضة أكثر من أي وقت سابق للتقسيم ولكن من أجل كرسي الحكم يهون الشعب وتهون البلاد..هذا هو الشعار الذي يرفعه الحكام المستبدون الآن "ليس من المهم أن يبقى الشعب ولا البلاد المهم هو بقاء النظام لكي يعيد بناء البلاد بعد تدميرها وإفشال مخططات الاعداء" هذا العبث المستمر منذ عشرات السنين تتحمل الشعوب فيه مسؤولية كبيرة كما يتحمل الغرب فيه المسؤولية أيضا رغم محاولته تبرئة نفسه جزئيا الآن؛ فالشعوب صمتت وجبنت ومنحت الحكام شرعية مزيفة أما الغرب فقد ساند هؤلاء الطغاة سعيا وراء مصالحه ورفاهية شعوبه وعقد صفقة العار مع الحكام بتركهم ينهبون ويقمعون شعوبهم شريطة تنفيذ إملاءاته وعدم الاقتراب من مناطق نفوذه..يقظة الشعوب العربية الآن أعظم درس لهؤلاء الحكام الذي اقترب زوالهم وللحكام القادمين أيضا للتأكيد على أن الفواتير مهما ارتفعت قيمتها وقدم عهدها فسيأتي يوم لا مهرب فيه من السداد.